| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نبيل عبدالأمير الربيعي

 

 

 

                                                                  الأثنين 8/4/ 2013



مجلة نهرايا ...وذاكرة العراق التراثية والثقافية

نبيل عبد الأمير الربيعي

الذاكرة هي انعكاس لحقيقة الوجود الإنساني ومستوى وعي الذات الثقافي , فذاكرة تأريخ العراق القديم بدأت بذكريات الألواح الطينية ومكتبة سرجون الأكدي ودار الحكمة,الذاكرة هي الابنة الشرعية للعدالة وذاكرة العراق لا يمكن لها أن تظل في حضن الظلم والظلام إلى الأبد , لكنها كانت عبارة عن مراحل تاريخية معبرة عن طبيعة الوعي الإبداعي الإنساني بوصفة ذكرى الأجيال وهي السر الكامن لفكرة تأرخة الأحداث ,لكن بعيداً عن الاحتراب والتجزئة , أي ذاكرة لا تجعل من اللغة لغواً ومن الرواية حكاية , فكان صدور مجلة نهرايا بحلتها الجميلة , وهي مجلة فصلية تهتم بذاكرة العراق وتراثه, وكان توقيت صدورها مناسباً مع اختيار بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013, فمجلة نهرايا تعني ( بيت نهرايا) الآرامي العراقي القديم أي بلاد النهرين .

بغداد العاصمة لعبت الدور المثالي في نقل موروث الأزمنة المتراكم من أصولها الأولى منذ دولة سومر وبابل وآرام ,المجلة تهتم بإحياء التراث والتطلع للحداثة , التراث هو إعداد لنفحات القيم الأصيلة الخالدة , كما يصفه د. علي ثويني بمقالته الأولى في المجلة (بيت نهرايا وعرس بغداد الثقافي 2013) :فأمسى لنا التراث متراس وملاذ وشرفة استئناس ورومانسية وإطلاق عنان الخيال وحنين ماضوي" لكن الخيبة في دراسة التراث والتخبط بينه وبين التاريخ" فمن تجارب النكوص يرتقي الإنسان ومن الأمة تلد الهمة ولا سيما إننا أمه قدرنا نحاكي العنقاء, وتجاربنا تشير إلى إننا ننتفض لنشرع في البناء" .

العدد يحتوي على عدة أبواب منها الافتتاحية التي كتبها الدكتور علي ثويني , وشهادة نهرايا للباحث البروفسور ميثم الجنابي بما يخص ( الذاكرة العراقية وذكرى القلوب الحية) يؤكد الجنابي إن " الذاكرة والذكرى والذكريات كل واحد تعكس حقيقة الوجود الإنساني ومستوى وعي الذات الثقافي , وإن الذاكرة العراقية قديم قدم العراق , وليس مصادفة أن ترتبط به ذكريات الألواح الطينية العظمى , ومكتبة سرجون ودار الحكمة , أي تلك المراحل واللمحات التاريخية الكونية الكبرى المعبرة عن طبيعة الإدراك الواعي لحفظ الإبداع الإنساني بوصفه ذكرى الأجيال" , أي إننا بحاجة إلى ذاكرة تاريخية تتجاوز حالة الاحتراب , إننا بحاجة إلى ذاكرة وطنية عراقية حية وفعالة , تتمثل وتعبر عن تجارب الأفراد والجامعات والمجتمع والأمة بأشكال ومستويات ومظاهر لا تحصى في الأشخاص والشعائر والقصص والحكايات والغرائب والوقائع والحقائق , نحن بحاجة إلى ذاكرة أوسع من أية شخصية أياً كانت وفي الوقت نفسه البحث عن كل شخصية فيها حالة أو مستوى يمثل حياة العراقي .

أما ذاكرة الفن العراقي فقد شملت مقال للكاتب حسين شهيد عن (الخطاط هاشم محمد البغدادي) بين تاريخ ميلاده وعمله وتأثره بالخطاطين الأتراك واهتمامه بخطوط الحافظ عثمان وشوقي والحاج أحمد كامل وحامد الآمدي حتى رحيله عام 1973, أما ذاكرة المكان فقد تضمنت مقال عن( دور السينما في بغداد أيام زمان) للكاتب غالب وشاش , وذاكرة الثقافة عن أول مذيعة هي (صبيحة المدرس) ثم ذاكرة الصحافة تضمَنّ مقال للكاتب والباحث مازن لطيف عن مجلة الحاصد(مدرسة أنور شاؤول الصحفية والأدبية )ودوره وإسهاماته الصحفية في العراق بإبراز الجانب الثقافي والاجتماعي ليهود العراق فكان يطلق على أنور شاؤول بـ(صاحب الحاصد) وعند ذكر الحاصد يخطر على البال أنور شاؤول , حتى تاريخ أغلاق مجلة الحاصد في عددها الأخير (13) في آذار 1938 وقد كتبت مجلة الهاتف مقالاً في وداع المجلة التي جمعت ونشرت لأغلب أدباء وشعراء يهود العراق وحاولت لم شملهم , كما ساهمت الحاصد في تأسيس وانتشار القصة العراقية , أما ذاكرة الكتب والمكتبات فكان مقال للكاتب علي أبو الطحين (هكذا تأسست مكتبة مكنزي) فقد تضمن المقال تأريخ تأسيس المكتبة ونبذة عن حياة ( كينيث مكنزي), إضافة إلى أن المكتبة كانت توفر الكتب العلمية والأدبية الانكليزية المختصة بالعالم العربي والإسلامي والنشرات والدوريات فكانت المكتبة تستلم شحنات من الكتب أسبوعياً من دور النشر البريطانية , أما أعراف وتقاليد فكان مقال حول( أغطية الرأس عند العراقيين للكاتب غفور البغدادي وتاريخ لبس العراقيين أغطية الرأس بأنواعها من السدارة واليشماغ والعقال الوبر والطربوش والكوفية والجراوية وتقاليدها , إضافة لمقال عن (المسبحة في أعراف العراقيين ومراحلها الزمنية) للكاتب عبد الكريم جعفر أحمد , بين تاريخ استعمالها عبر الأجيال المختلفة من الديانات الوثنية والسماوية ثم انتقالها من بلاد وادي الرافدين إلى الدول الأخرى ,ومن ضمن الأعراف والتقاليد مقال حول( طقوس أكلة الباقلاء) .

وقد خصصت المجلة باب للشخصيات العراقية ومن أهمها ( الأب انستاس الكرملي) للكاتب عبد الحميد ناصف حيث أشار الكاتب إلى ولادة الأب الكرملي واهتمامه بلغات عدة كالسريالية والعبرية والحبشية والصابئية والفارسية والتركية والانكليزية والايطالية والفرنسية والاسبانية إضافة إلى اللغة العربية , وقد نادى الكرملي باعتماد اللغة العربية والإشادة بها مما تعرض للنفي عام 1914 , ثم اهتمام الحكومة العراقية به وجعلته من أعضاء مجلس المعارف والجمعيات العلمية ومجمع المشرقيات الألماني حتى رحيله عام 1947 , كما كتب الباحث مازن لطيف مقال عن الشخصية البغدادية ( جلال الحنفي .. ذاكرة بغداد التراثية) وأشار الكاتب إلى دور الحنفي كإمام للجامع وقيامه بتدريس اللغة العربية في معهد اللغات الأجنبية في بكين وشنغهاي في الصين عام 1966 , ومن مناقبه الفنية إنه درس علم التجويد في معهد الفنون الموسيقية في بغداد , فقد ترك مخطوطات جليلة لا حصر لها ثم خصص للمجلة باب عن مدائن عراقية وتسميات المدن وشجون وأصول وفصول منها مدينة بغداد وسامراء , ومقال لعزيز الحجية ( معلومات تاريخية نادرة ومهمة عن بغداد) , وكيف تعرف العراقيين على شرب الشاي وتأسيسهم لأول معمل خياطة , والكثير من المعلومات المهمة عن المهن والشخصيات البغدادية , أما باب حرف ومهن عراقية فقد كتب زهير الدجيلي عن ( وسائل النقل في بغداد قبل قرن من الزمان) منها وسائل النقل النهرية والبرية والجوية وباب ما يخص الغناء والموسيقى مقال للكاتب د. عدنان رشيد ( الحزن في الغناء العراقي) فكان الحزن يتسم بطابع مميز بسبب تراكمات الظلم والقهر وغياب العدل والحرية على إضفاء الحزن على الأغاني العراقية , ومقال للكاتب محمد جعفر عن الفنان الراحل ( حسين سعيدة ...ذلك الصوت الرخيم) , أما ما يخص العمارة العراقية فكتب الدكتور علي ثويني مقال حول( الخانات في العمارة العراقية الإسلامية ) منها خان جغان وخان مرجان وخان السلطان والمسافر خانة , احتوى العدد باب من التراث العراقي منها (أسرار العدد12 ..لأعداد المقاييس والنظام الستيني) ومقال للقصاص العراقي ( الأول أبو مخنف لوط بن يحيى ) ثم باب المحفوظات الرياضية وتاريخ الكرة العراقية للكاتب سلام توفيق , وقد ذكر الأسماء والسيّر لشخصيات لامعة في الكرة العراقية وسيرة أبطالنا في كأس آسيا عام 2007.

أما الذاكرة الشعبية فقد تضمنت مقال عن ( المقاهي الأدبية في النجف الأشرف وذاكرة الستينات) للكاتب حسن حكيم , ثم مقال حول شقاوات بغداد للكاتب سعيد الهزاز ورحلات ومذكرات حول أخبار العراق منذ أكثر من مائتي سنة , ومقال حول الديانة المندائية تأريخهم وشخصياتهم وأفكارهم ومعتقداتهم وكتبهم ودياناتهم, وطريقة التعميد وأنواعه , وتختم المجلة بلقاء للكاتب والباحث مازن لطيف مع الدكتور سعيد الجعفر أحد أهم الشخصيات والرموز الثقافية المقيمة في السويد حول الكتاب العراقيين العصاميين منهم د. علي الوردي وإبراهيم السامرائي وهادي العلوي ومظفر النواب والشهيد محمد باقر الصدر , ثم تضمن العدد رحلة ولي العهد العراقي المصورة إلى السويد عام 1936 , وقد احتوى العدد أكثر من (45) صورة تراثية وتاريخية مهمة تمثل الذاكرة العراقية .

مشروع المجلة بعيد عن الطائفية والقومية وهي تتبنى الطرح الوطني العراقي والمواطنة الجامعة دون التفريق أو التفريط , و يدعوا مدير تحريرها د. على ثويني من خلال المجلة إلى رفدها ودعمها بالمقالات الخاصة بالتراث والذاكرة العراقية لديمومة المشروع , مواضيعها تتعلق بالإنسان العراقي بشتى مواجهاته الفكرية ومصالحه الآنية لمسح الفضاء العراقي الوطني بشماله ووسطه وجنوبه لكل الحقب والأزمنة , نتمنى للمجلة الاستمرار بالصدور والدعم من المثقفين العراقيين لدعم الذاكرة العراقية بشتى المواضع.








 

 

free web counter