| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نبيل عبدالأمير الربيعي

 

 

 

                                                                                  الأثنين 25/7/ 2011




من ذاكرة الديوانية....دورالمعلم والمربي في نشأة الجيل الجديد

نبيل عبد الأمير الربيعي

((إن التجزئة سواء بمعناها الاجتماعي أوالسياسي والطائفي أوالقومي والجهوي في العراق هي ظاهرة لها جذورها ومقدماتها التأريخية، ويمكننا إرجاعها من الناحية التاريخية إلى ما بعد سقوط بغداد في منتصف القرن الثالث عشر حتى بداية ظهور العراق الجديد في بداية القرن العشرين)) البروفسور ميثم الجنابي

يحتل موضوع التربية والتعليم أهمية كبيرة لدى المجتمعات المتقدمة ومنها المجتمع العراقي باعتباره الركيزة الأساسية لصنع الإنسان المتقدم والمتحضر الذي يساهم في رفع الاقتصاد والمستوى التعليمي والصحي وتقوية الانتماء للوطن,إن طريق الخلاص للعراق من الواقع المتردي الحالي هو الإهتمام بالجانب التعليمي في المرحلة الابتدائية والثانوية والبحث العلمي في الجامعات,والابتعاد عن ثقافة الكراهية وإلغاء الآخر وأدلجة مناهج وسياسة التربية والتعليم ومنهاج الدول الطائفية ,وبناء التربية والتعليم بأياد مستقلة وبعيدة عن المفاهيم القومية والطائفية والحزبية,والإخلاص للعمل التربوي.
لقد حضرت الدولة العثمانية المدارس على أهل جنوب ووسط العراق فاستعاضوا عن المدارس بالمؤسسة الحسينية التي كان من نتائجها تأسيس مدارس لأبناء الجنوب، حيث لم يكن مسموحا إبان الحكم العثماني لأبناء جنوب ووسط العراق الدخول إلى المدارس الحكومية التي كانت وقفا على أبناء الطائفة السنية ، وفي العام 1908 تم تأسيس أول مدرسة جعفرية. ومن مهازل السياسة الطائفية إن الشيعة بعدما منعت من دخول المدارس الحكومية ألجأها الدهر إلى الاستفادة من مدارس الأقليات الدينية, فقد واصلوا الدراسة في مدرسة الأليانس وهي مدرسة الطائفة الموسوية في بغداد، وكانت مدرسة ذات مستوى علمي عال، تلقى العلم بها كثير من أبناء الطائفة الشيعية الذين لم يكن مسموحا لهم دخول مدارس السلطات العثمانية .
ويفند د.عبد الكريم القطان في رحلة إلى الجنوب قول الحكومات المتعاقبة على العراق بان غلبة السنة على الوظائف و هم أقلية، يعود إلى إن ص 60 (أفراد الطائفة الشيعية كانوا يرفضون الالتحاق بالمناصب والوظائف الحكومية نتيجة لفتوى أصدرها مرجع (!!) وكأنهم لم يسمعوا بالحشد الجماهيري الذي نظمه حزب النهضة بين 12 و14 ايلول/سبتمبر 1927 الذي تم به الإعلان عن المطالب بوجوب تخصيص نصف الحقائب الوزارية للشيعة والنصف الثاني للسنة والمسيحيين واليهود، وكذلك المساواة في التعيينات الإدارية، وقد عادت حليمة إلى عادتها القديمة , فقد بدأت المحاصصة الطائفية والأثنية التي مزقت البلاد بتوزيع الحقائب الوزارية على أساس المذهبية وادعائهم المشاركة الوطنية باسم الدين والمذهب يسرق المال العام.
كانت هناك نزعة طائفية في مجال التعليم كما يذهب عبد الكريم القطان ويحكيه الواقع المر، وانتقلت هذه النزعة من العهد العثماني إلى العهد الملكي والتغيير الجديد الذي استبشر به الناس خيرا(لقد كان التوزيع الجغرافي للمدارس مجحفا بالنسبة إلى سكان الألوية الأخرى، فعلى سبيل المثال إن عدد المدارس الابتدائية في لواء الموصل كان آنذاك 63 مدرسة، بينما عددها في لواء الديوانية أربع مدارس فقط.. فهناك مدرسة واحدة لكل 4883 نسمة من نفوس لواء الموصل يقابل ذلك مدرسة واحدة لكل 42259 نسمة في لواء الديوانية)ص 122.
وقد كتبت القراءة الخلدونية بإشراف ساطع الحصري , إذ يذكر د. عبد الكريم قطان في ص 95: (عن القراءة الخلدونية (زيزي زيري زيران زيز)التي أتي بها ساطع الحصري أب القوميين العراقيين والعرب، وهو الحلبي ذو الثقافة التركية الذي رباه الترك وعاش بينهم دهرا من عمره، حتى انه مات وهو لم يحسن النطق بالعربية كما يحسنها العرب، و تظهر العجمة على لسانه من الجمل الخمسة الأولى من حديثه إذا تكلم. ولم يعرف القطان حتى الآن هل الزيز هو حب الماء البستوكة أم حب الماء.

المعلمين والمدرسين من الرعيل الأول:
عام 1899 أنشأت أول مدرسة ابتدائية في الديوانية في ظل النظام العثماني ويذكر الكاتب ثامر الحاج أمين في أوراق من ذاكرة مدينة الديوانية للقاضي زهير كاظم عبود ص116 إن: ( أول مدرسة أبتدائية أنشأها العثمانيون هي المدرسة الرشّدية وموقعها على النهر في المكان الذي يقوم علية كازينو الراية وكان ذلك عام1899م ومن مدرسيها السيد هاشم النبوي ومن طلبتها الحاج أحمد الشيخ علي الأسدي وعبد الحميد الحاج حسن والحاج حسين العبد الله وناجي الصالح )وعبد الأمير العميشي وصادق الشيخ جعفر وعبد الرزاق الشيخ حسن الأسدي وظلت بناية هذه المدرسة إلى عام 1940.
وفي عام 1933 كانت في الديوانية مدرسة واحدة ذات بناء حديث من الطابوق وتضم صفوفها طلاب الابتدائية والمتوسطة , ثم بعد ذلك فتحت صفوف لطلبة الثانوية والتي أستحدثت عام1935. سميت مدارسها القديمة بالمدرسة الابتدائية الأولى والمدارس المستحدثة بالابتدائية الثانية , يذكر عبد الكريم قطان: ( الأولى كان يديرها ضابط في البحرية العثمانية اسمه أدهم والثانية في صوب الشامية يديرها الاستاذ زكي).ثم قام بادارتها الأستاذ عبد الله حلمي وهو من الأدباء المعروفين بكتابة المسرحيات ومنها (عذراء الفرات) الذي كانوا تمثل في مدارس الديوانية, والآن ابتعد التعليم عن الفن والتمثيل والموسيقى والرسم التشكيلي بسبب النزعات المتخلفة من قبل بعض المسؤولين , وقد تم محاربة هذه المجالات فقارن بين التعليم في مراحله الأولى والتعليم في القرن الحادي والعشرين.
حالة أبناء الديوانية المعيشية من فقرائها وأغنيائها تنعكس على أبنائهم , فقد كان ملابس أبناء الفقراء أثناء الدوام في المدارس بالدشاديش وحفاة الأقدام , وأبناء الأغنياء يلبسون السروال والأحذية و كان اغلب معلميها ذات الجنسية الفلسطينية والسورية بسبب ميول وزير المعارف القومية والنازية, اذ كان اغلب المعلمين من الحزب القومي السوري الذي كان يمجد القومية العربية.
يذكر د. عبد الكريم قطان من ضمن مدرسيها في الثانوية: (الأستاذ داوود الصائغ ذو الميول اليسارية والذي تم محاربته من قبل إدارة المدرسة وأمن الديوانية مما سبب له الإحالة للمحاكم بتهمة اعتناق الشيوعية وتربية التلاميذ على هذه المفاهيم ) . ويذكر المناضل كاظم فرهود في ذكريات وسيرة وود مقيم فقد دخل المدرسة : (في مدينة الديوانية ويتذكر أقرانه في المقاعد الدراسية ممن أصبحوا ضباط كبار منهم (محمد شيخ لطيف وجابر حسن الحداد وفاضل محمد علي وكاظم عبد الحسين العميشي وجواد كاظم التعيسي وآخرين),وهنالك زملاء الدراسة وأصدقاء المنطقة منهم من تخرج كمحامي أو معلم أو مدرس أو مهندس (المناضل طه علوان وعلي عبد الأمير ويحيى حاج مسلم ود. عناد غزوان وعبد الرزاق البغدادي و محمود أحمد كاظم والأستاذ عبد الأمير العميشي وحسن الحاج علي وحميد عبد الزهرة ورؤوف خطار) ص16ومحمود عبد الحسين العميشي الذي ساهم بشكل كبير في مجال العملية التربوية في الديوانية حيث دعى إلى تأسيس نقابة المعلمين والدعوة لتشييد بناء لهذه النقابة وقد تم ذلك , ثم ساهم في مجال الإدارة المدرسية والتفتيش التربوي, وأحمد الشيخ علي الأسدي,الذي تخرج من الكلية العالية في بغداد وتخصص في مادة الرياضيات وعمل في معهد إعداد المعلمين ثم عين مدير تربية ميسان خلال فترة الجمهورية عام1958 لكن خلاف كان بينه وبين وزير المعارف حول نقل معلم حسب القاعدة الزوجية لإلحاقة بزوجته , اعتبره وزير المعرف مخل بالتعليمات لأن التعليمات تنص على الحاق الزوجة بزوجها لا إلحاق الزوج بزوجتة , كان ردة علينا أن نغير التعليمات وليست هنالك كتاب مقدس نتمسك به في مجال التعليم.
يعتبر الأستاذ المرحوم عبد الأمير مصطفى العميشي أحد رواد الكوادر التدريسية في مدينة الديوانية وقد كان أحد أعضاء الهيئة التدريسية في دار المعلمين الابتدائيه وهو خريج دار المعلمين العالية في بغداد اختصاص الاجتماعيات وفي أحدث عام 1953 أو 1954عندما أعلنت السلطات انه سيتم تلقيح طلبة ثانوية الديوانية بلقاح مضاد لمرض السل الذي كان آنذاك مرضا مستعصيا كما هو شان السرطان حاليا, كما انه كان منتشرا في كل أنحاء العراق ولا سيما في الديوانية ,وراجت شائعات الغرض للقضاء على الشباب العراقي فقرر الطلبة الإضراب , كان ضمن مدرسي متوسطة الديوانية الأستاذ عبد الأمير العميشي شخصاً كيساً وطيباً ودمث الأخلاق وعلاقته جيدة مع الطلبة , مما سعى لتهدئة الطلبة , وأبعاد مديرالتربية لمدير المتوسطة السيد محمد علي زوين بمدير آخر للسيطرة على احتجاجات الطلبة وسلوك المدير السيء اتجاههم.

الرعيل الثاني:
من الرعيل الثاني الذي قدموا كل خبراتهم وإخلاصهم في العملية التربوية في الديوانية هم من رحلوا ومن أحيلوا على التقاعد لبلوغهم السن القانوني في التعليم ولقد تلقينا بعض محاضراتهم وتوجيهاتهم أيا الدراسة في مدينة الديوانية كل من:طارق العصامي وكاظم شاكي وعبد الزهرة غضبان وعبد علي ناجي الحداد وجواد شاروط وجودي الطائي وجبار الخزاعي وابراهيم مالك الشعلان وكريم كميل الخزاعي وحمن الخزاعي وصيهود الشعلان وجبار شامخ وحميد جاسم محمد علي وعلي ابراهيم السالم وفاضل عبد الكريم البغدادي وباسل العميشي ومحي سعيد وفاضل الحلي وظاهر وشيح وحسين الغزالي ومهدي بريدي ويحيى الصياح ومحي الفؤادي ومحمود الخالدي وفتح الله كرم وعبد موحي وكاظم حمد ومحمد مزعل وعدنان حسوني وزهير حسون وعلوان شنان ومحمود شاكر الذرب وناجي التعيسي ومكي التعيسي وحاتم طاهر المصري وراجي مال الله وسالم غافل وصادق جعفر وناجي صالح وكرم علي الصياد وكامل وناس وساجدة مجيد الحاج حسن ونهاية عسكوري وغيرهم .
هذا سفر يسير من ماضي الديوانية الذي نشتاق الية وكبار السن إذا ما قورنت بالفترة الحالية التي تردى فيها التعليم وبتأريخ العراق القديم لم نسمع مدرسة لتعليم الطلاب تم تشييدها بالطين أو القصب إلا في القرن الحادي والعشرين, فالتعليم أخذ بالتردي بعد استلام البعث للحكم وبث سمومه بين أبناء المدينة وانتشر جرادة ليقضم الأخضر واليابس من منجزات الذين سبقوا هذا البناء في وضع الأسس المتينة لبناء مدينة عامرة يشيد بها القريب والغريب.ولكن كل الخيرين إذا نظروا للعراق ومدنه يلاحظ إن التردي شمل كل مرافق الحياة بسبب النزاعات السياسية والطائفية لتقسيم العراق وسرقة أمواله باسم الدين والقومية ,ثعالب دخلت العراق عبر بواباته الشرقية والغربية لتحطيم هذا البلد لا لبناءه.

 



 

free web counter