| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نبيل عبدالأمير الربيعي

 

 

 

                                                                  الأثنين 21/1/ 2013



التربية والتعليم في العراق القديم

نبيل عبد الأمير الربيعي

يحتل موضوع التربية والتعليم أهمية كبيرة لدى المجتمعات المتقدمة باعتباره الركيزة الأساسية في صنع الإنسان المتحضر ,ولذلك اهتمت المجتمعات القديمة بالجانب التعليمي، حيث تم افتتاح وبناء أول مدرسة في بلاد الرافدين في عهد حمورابي في مدينة (سبار)، تقع غربي المحمودية، وقد شيدت عام (1792) ق.م. كانت تدرَس فيها جميع العلوم المعرفية في تلك الفترة، و أكد براستد في كتابه ( العصور القديمة) ص100" ورأى البابليون إن المدارس ضرورية لتربية الشعب وإعداد الشبان لتولي أمر الكتابة في المحال التجارية الكبرى , وقد وجد الآثاريون أثار مدرسة من أطلال بابل منذ عهد حمورابي (1792-1750) ق.م ومن تلك الآثار ألواح الآجر التي كان الطلبة من الجنسين يكتبون عليها الفروض المدرسية منذ أربعة آلاف سنة" مع العلم أن أول كتابة وجدت في بلادنا كانت في مدينة أرك (الوركاء) والتي تقع شمال غربي الناصرية على بعد (45) ميلاً واستخدمت الكتابة المسمارية بواسطة القلم المثلث الرأس.

بدأت الكتابة الأولى قبل (3500) ق.م بواسطة تدوين الكتابة الصورية, فهي عبارة عن رسوم بسيطة ثم تطورت وأصبحت علامات مختصرة عبارة عن مقاطع , وقد كتب السومريون معاملاتهم الحكومية والتجارية بالخط المسماري, فكانت ترسم رسماً أفقياً أو عمودياً أو مائلاً, حيث يستغرق الكاتب وقتاً وجهداً طويلاً لإتقانها , إضافة إلى انتشار اللغة الآرامية حيث تغلبت على اللغة والكتابة المسمارية , وجد الآثاريون آجرة في أنقاض إحدى المدارس مكتوبً عليها (من يتفوق في الكتابة على الآجر يتألق نظير الشمس) هذا ما ذكره براستد في كتابه العصور القديمة ص100 , لهذا كان البابليون يحترمون صناعة الكتابة ومن يتقنها , وأول مدرس عراقي في المدرسة العراقية كان الكاهن الذي يستمد معرفته من الإله نبو (Nabu) مخترع الكتابة وإله التعليم , حيث احتوت تلك المدرسة على خزانة من الكتب المدرسية تحتوي مجموعة من الألواح يتطلّع عليها التلاميذ , فكانت المدرسة تسمى (بيت الألواح) والمدير يكنى ( بأبي بيت الألواح) ويسمى التلميذ (ابن بيت الألواح) وللمعلم مساعد من التلاميذ الكبار يسمى ( الأخ الكبير ) , ويؤكد الأب انستاس ماري الكرملي في مجلة لغة العرب (2:ص425) " إن الكلدانيين هم أسبق الأقوام في وضع الكتابة على طريقة الأهجئة أو المقاطع ... ولم يزل في انتشار وامتداد حتى عصور النصرانية الأول".

لقد سارت المدارس العراقية سيراً حثيثاً إلى التقدم ونشر المعارف في أطراف البلاد , فقد بذلوا المساعي في التثقيف والحفاظ على الثقافة العامة للمجتمع في ذلك الوقت , ويؤكد سبيزر إذ يقول" كان نشوء المدرسة في بلاد الرافدين نسخة مباشرة لاختراع الكتابة المسمارية التي تعد أبرز ما أسهمت به بلاد سومر ,كانت الكتابة تدرس تدريساً منتظماً. والمدرسة مركز للتأليف الإبداعي", وألحقت المدارس بالمعبد على شكل حجرات ثم استقلت في بيوت خاصة وكانت الرحلات من الآجر و تشكل على قطع لتلميذ أو تلميذين أو أربعة تلاميذ. للمدرسة قدسية ومكانها مقدس , فترى التلميذ والأستاذ حافياً, ومما يزيدنا زهواً بأن حضارتنا السالفة أنتجت نمطاً تعليمياً قبل 4000 سنة , لا يزال ساري المفعول لنا ولغيرنا , ولكن الجانب المؤسف بأننا لم نستطع أن نضيف جديداً لهذا المنهج القديم , أما ما يخص المناهج التعليمية فالمدرسة في العراق القديم تدرس جميع عناصر مهنة الكاتب للإلمام بالنهج الدراسي الذي كان يغطي أربعة حقول تعليمية هي "اللغة والأدب والرياضيات والموسيقى" و تحافظ على المصطلحات السومرية في المخاطبة إضافة لدخول اللغات الأخرى الأكدية والبابلية والآشورية.

تذكر الكاتبة شيماء علي في ( المناهج التعليمية في ضوء النصوص المسمارية ) وهي رسالة ماجستير " كان ينبغي على الطلبة تعلم مفردات سومرية عند دخول المدرسة والإلمام بها " , وتحتم على التلاميذ استنساخ الأدب السومري وإتقان مواد الإنشاء السومري من الترنيمات الملكية ومجاميع الأمثال والنصوص الأسطورية والمحاورات والمناظرات وهذا ما أكده طه باقر في (مقدمة في آداب العراق القديم )ص164, ويرى طه باقر في تأكيده على قدم الحضارة السومرية "إن الحافز على الخط الهيروغليفي من الخط المسماري السومري " , وفي الفترة الأخيرة تحول التعليم إلى الحفظ والتلقين عن طريق حلقات الدراسة في التعلم .

إن التخلف الحاصل في البلاد العربية و بضمنها العراق في القرون الماضية وعلى مرّ العصور و الامبراطوريات والحكومات المتعاقبة حتى القرن السادس عشر وسيطرة الدولة العثمانية على العالم العربي أدت إلى تراجع التعليم عن مظاهر المدنية , وكان سبب إضعاف التعليم وقصره اعتماده على العلوم الدينية ونشر الخرافات, كان التعليم في العهد العثماني الأول ( 1534-1638) مقتصر على الجوامع والمدارس والتكايا في بغداد, وهكذا مر العراق خلال هذه العصور بفترة مظلمة دون أن يستفيد أو يتطور, برغم بوادر النهضة الحديثة , لذا يمكن أن نقول إن الدولة العثمانية كانت عقبة كبيرة في طريق تقدم العملية التعليمة وما حصل من تخلف ثقافي في المجتمع, فكانت عدد الكتاتيب في العراق تقدر بـ(400) من الحلقات , وبقيت أوضاع التعليم تعاني من الركود وضعف المستوى إلى حين قدوم الوالي مدحت باشا (1869-1871) الذي حرك الأوضاع من خلال الحركة الإصلاحية التي نشطت بها جميع مرافق الحياة , وقد أنشأت المدارس العسكرية , رشدية وإعدادية , وفي عام 1881 تخرجت في بغداد الدفعة الأولى من تلاميذ الإعدادية العسكرية وكان عددهم (13) حسب ما ذكر عباس العزاوي في (العهد العثماني ج8-ص65 )، لقد وضع الحجر الأساس للتعليم الرسمي الحديث في عهد الدولة العثمانية وكانت سياستهم التعليمية مشوبة بالكثير من مواطن النقص والضعف .

كما ساهمت المدارس اليهودية الأهلية في العراق في تحسن وتطوير واقع التعليم حيث كان لهم الدور الكبير في التعليم الأهلي ,و أول مدرسة يهودية هي "مدرسة تلمود وتورات" تأسست عام 1832 في بغداد للتعليم الديني وعلى شكل كتاتيب , كما تأسس المعهد اللاهوتي الحاخامي "بيت زلخا" في بغداد من قبل الحاخام عبد الله سوميخ وتخرج الكثير من رجال الدين اليهود , كما تم تأسيس مدارس الأليانس من قبل الإتحاد الإسرائيلي في بغداد عام1864 , فيذكر مير بصري في "أعلام اليهود في العراق الحديث ص38" إنه في سنة 1856 أسست جمعية الاليانس في باريس مدرسة ما في بغداد , ففتحت للأجيال الناشئة آفاقاً رحيبة وهيئات للشباب تعلم اللغات الأجنبية ولاسيما الفرنسية والانكليزية والتركية "وفي عام 1874 أهدى السير البرت داود ساسون بناية المدرسة فأطلق اسمه عليها , وفي عام 1902 أهدى الثري والنائب بمجلس المبعوثات العثماني مناحيم دانيال بناية ألحقت بالمدرسة بهدف توسيعها , وتطبق المدرسة بالإضافة إلى المنهج الرسمي المقرر , منهجاً خاصاً في تعليم اللغة الفرنسية يحصل الطالب بموجبه في نهاية السنة الأولى المتوسطة على شهادتين دراسيتين خاصتين بالدراسة في الإعدادية الفرنسية .

تم فتح مدرسة راحيل شمعون الابتدائية للبنين عام 1909 من قبل شمعون معلم نسيم , وطورها اليهودي الثري إيليا شحمون وأطلق عليها اسم ابنتهُ راحيل وكان عدد طلابها عام 1909( 180) طالباً, إضافة إلى افتتاح فروع في أغلب المدن لمدرسة الاليانس منها (البصرة, الموصل, الحلة, العمارة, خانقين ) وهنالك عدد من مدارس البنات, ويذكر مير بصري "إن اليهود ساهموا في الحياة العراقية وعاشوا مع سائر المواطنين يشاركونهم السراء والضراء حتى صدور قانون إسقاط الجنسية سنة 1950 وغادروا العراق".

هذا هو استعراض ونبذة تاريخية موجزة عن تاريخ المدارس في العراق إضافة إلى دور الإرساليات التبشيرية فقد عاش الطيف العراقي بكل قومياته وأديانه آلاف السنين يتقاسمون الألم والفرح سوية ولكنها اختلفت بعد أحداث فلسطين عام 1948 فكانت حواجز عقيمة لا زالت آثارها لحد هذا اليوم, فما أحوجنا إلى روح التسامح والوئام لنعيش في بلد واحد .

 

free web counter