| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نبيل عبدالأمير الربيعي

 

 

 

                                                                                  الأثنين 20/6/ 2011




أنور شاؤول أديب وصحفي من بابل

نبيل عبد الأمير الربيعي

(ما أحوج العالم اليوم إلى السلام بين الدول والشعوب لخير الإنسانية ومستقبل الأجيال القادمة ورفاهيتها عن طريق التعاون في ميادين العلم و التكنلوجيا الحديثة للقضاء على الفقر والتخلف والجهل والمرض والتعصب الديني والتصحر والتلوث البيئي) - البروفسور اليهودي العراقي شموئيل سامي مورية

إن أكثر المثقفين العراقيين يعوّن بؤس ما جرى لليهود العراقيين من خيرة أبناء العراق من وطنيين وطبقة متوسطة مثقفة ومن علماء وأدباء وصحفيين الذين ناضلوا لرفعة اسم هذا الوطن في التنظيمات اليسارية والعلمانية والليبرالية , ولكن سياسة ساسة العراق وزناتهم ، فقد فرط بهم وبدورهم التأريخي في بناء الوطن.

اللغة العربية نفذت في دماء الطائفة اليهودية من العراقيين النجباء ,من أٌدباء القصة القصيرة والشعر العمودي والعمل في مجال الصحافة للخلفية الثقافية الأصيلة ليهود العراق والمباشرة بكتاباتهم وشعرهم وقصصهم,لقد بقيت اللغة العربية ترافق يهود العراق حتى بعد خروجهم قسرا ً وتهجيرهم من العراق, وسرقت منهم مواطنتهم وأسقطت عنهم جنسيتهم.

لليهود دور في نشر الفكر اليساري والأدب والحضارة الأوروبية في العراق نتيجة إطلاعهم على الأداب والثقافة الأوربية ومنها التحاق الكثير من المثقفين والأدباء اليهود بالحزب الشيوعي العراقي ,ودخولهم في المعترك السياسي وإصدار الأحكام بحقهم وزجهم في السجون والمعتقلات العراقية وإصدار الأحكام الثقيلة بحقهم من إعدام المناضل القيادي يهودا صديقا وساسون دلال في نهاية أربعينات القرن الماضي مع قادة الحزب الشيوعي العراقي(فهد,حازم,صارم).

يقول الدكتور سيّار الجميل (لو أعتمد المقياس الإنساني والاعتبار الوطني والتقويم الابداعي أسساً حقيقية للانتماء بديلاً عن كل النزعات القومية والعرقية والأوبئة المذهبية والطائفية وكل المخلفات العشائرية والجهوية والمناطقية . ما كان أحرى بالعراقيين لو عدّوا العراق واحداً موحداً لكل الأطياف الاجتماعية التي تؤلف تشكيلاته البنيوية).

لقد أبدع اليهود العراقيين في الأدب والقصة والصحافة , وكان من بينهم الأديب والشاعر والقاص أنور شاؤول إضافة لمهنة المحاماة التي كان يزاولها , فقد ولد في بابل عام 1904 وتلقى مباديء دروسهُ فيها ثم استقر في بغداد عام 1916 لانتقال اسرته اليها , لكن وفاءً للحلة وحنينه الى مياه الفرات كان الشوق يلوذ به :

حبي لموطني العزيز والآلي بسطو محبتهم عليّ وأغدقٌ
من مسلم جمع المكارم خلقهُ فأذابهُ ذاك الصباح المشرق

ولهُ قصيدة في رثاء والدته الذي فارقها منذ الصغر:

أُماه عيني بك ما متعت ولم يحزّ منكِ فمي قبله
وعيشتي بعدك ما أينعت والقلب يا أم شكّان عله
فإن جفوني من جوى أدمعت ليلاً وروحي أطلقت أنه

درس الأديب أنور شاؤول في مدرسة الأليانس وأكمل الثانوية فيها , وبسبب دعوة المجلس الجسماني الذي كان يشرف على المدارس والمستشفيات اليهودية إلى ضرورة تدريس أبناء طائفته في المدارس الأهلية فقد عمل في هذه المدارس حتى عام 1924 ثم في الصحافة (جريدة الصباح الإسبوعية) وكان ينشر شعره باسم مستعار (إبن السموأل) وكانت له مجله اسبوعية أدبية تصدر باسم (الحاصد) عام 1929 وزاول ألمحاماة بعد حصوله على شهادة الحقوق عام1931 .

فقد نظم الكثير من الشعر وكتب الكثير من القصص فقد تجاوزت 11كتاباُ بين ديوان شعر وقصة , وعدهُ الأديب جعفر الخليلي من رواد القصة الحديثة في العراق , ولهُ قصائد جميلة لوصف الحرية وكرامة الشعوب ورفضه للنظام النازي في ذلك الوقت التي بشر بها هتلر والمفتي أمين الحسيني مستشار رشيد عالي الكيلاني في العراق:

نظامَ أقاموه على النار والدم وفيه استباحوا كل فعل محرمُ
لقد سنهُ طاغٍ غشوم مسيطر وأسلمهُ في كف باغٍ ومجرمِ
وحل محل الحق زورُ وباطلُ ودّيس على العدل الحبيب بمنسم

كان الشاعر يدعو إلى التسامح ورفض الحرب والمأساة وذو المسحة الإنسانية ولكن القدر وخطوب الحروب القاسية كان امتحاناً صعباً وقاسياً لهُ , منها حرب حزيران عام 1967 التي كان لها امتحان عسير لكل أبناء العراق من يهود وعرب , وقد أثبتت وطنيتهم لرفضهم هذه الحرب , ولكن الحكام المستبدين والأفكار البدوية التي كانوا يعملون بها والسائدة على أفكارهم , فوقع على أبناء العراق من اليهود, الاضطهاد والتعذيب والخطف والقتل دون جرم اقترفوه , وحرموا من وظائفهم وعملهم . لكن الأديب أنور شاؤول له دور في المنتديات الأدبية في العراق ومنها المؤتمر العام للأدباء العرب المنعقد في بغداد عام 1969 بقصيده عصماء رائعة دلت على حبه لوطنه وشاعريته الفذه:

قلبي بحب بني العروبة يخفقُ وفمي بضادهم يشيد وينطقُ
أو لست منهم منبتاً وأرومة قد ضمنا الماضي البعيد الأوثقُ
واليوم نحو المجد نقطع دربنا وإلى الغد ألهاني معاً نتشوقُ

لكن الظلم والجور والإضطهاد واحتساب أنفاس أبناء الطائفة اليهودية من قبل حكام الظلام ألبعثيين , فقد مدت يد زناة الليل إليه ,لاعتقاله وزجه في المعتقل لفترة طويلة ثم أطلق سراحه فنظم قصيدة بذلك:

إن كنت من موسى قبستُ عقيدتي فأنا المقيم بظل دين محمد
وسماحة الإسلام كانت موئلـــــي وبلاغة القرآن كانت موردي
ما نال من حبي لأُمة أحمــــــــــد كوني على دين الكليم تعبدي
سأظل ذياك السموأل في الوفــا أسعدتُ في بغداد أم لم أُسعدِ

لقد إتسم شعره ذو القافية الواحدة الخفيفة المتعددة في إطار التجديد والتنويع من مدح وغزل ورثاء , وقد هام في أيام شبابه بشابة تدعى مريان حباُ وهياماً صوفياً أُحادي الجانب , تلك الفتاة ذات الثغر النوراني فقد قال بحقها:

ابسمي لي ففي ابتسامتكِ سحرً دائم الفعل في قرارة نفسي
ابسمي لي مثل ابتسامة ألدراري واطردي ذكريات يومي وأمسي
هو ثغرً يذكي الصبابة في القلب ويحيي الأهواء في كل حسي

لقد شارك الشاعر والأديب أنور شاؤول في الأمسيات الاذاعية والتلفزيونية ويشير البروفسور شموئيل سامي مورية استاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية يقول: (وقد وجهت الدعوة ألى الأديب والشاعر الكبير الأستاذ أنور شاؤول المحامي مرتين للظهور في ندوات أدبية في التلفزيون العراقي , كما وقد أرسل لهُ الرئيس أحمد حسن البكر باقة من الزهور عند دخوله إلى المستشفى للعلاج, فرأينا بهذه بادرة طيبة لحسن النية). ولكن هذه البادرة الطيبة لم تدم طويلاً والخير الذي استبشر به الشاعر ابن العراق لم يدم في عهد الظلم الذي وزع بالتساوي بين أبناء العراق جميعاً , فقد هبت عاصفة التهجير واغتصاب الحقوق , ومصادرة الأموال والأملاك للعراقيين اليهود, بحملة جديدة وبمذبحة جديدة منها مذبحة عائلة قشقوش اليهودية العراقية.. فقد ذبحوا جميعاً والمتكونة من الأبوين وولدين كبيرين وبنت واحدة قد تخلصت من المجزرة بعدم تواجدها في الدار تلك الليلة.

رأي النقاد في الأديب أنور شاؤول:
لقد خص الناقد الدكتور عبد الإله أحمد رحمهُ الله بفصل خاص من كتابه (نشأة القصة وتطورها 1908-1939) فضلاً كبيراً للشاعر والأديب أنور شاؤول وبقية الأدباء من أمثال نعيم طويق ونسيم عزرا وأدمون صبري وشالوم درويش وإلياس قطان وإلياس ترجي صيون وهارون يهودا .فلليهود الأدباء الأثر الكبير في تطور وتحديث الشعر والعراقي والابداع والاهتمام بتأريخ الأدب العربي.

فقد غادر الأديب أنور شاؤول العراق بسبب الاضطهاد والملاحقة مع من غادر من اليهود العراقيين أرض الوطن , بسبب لوعة التهجير والعهّر السياسي والقمع والترويع , الذين ناضلوا من أجله طوال سنوات طويلة لعراق مزدهر ووطن سعيد. فقد تمسك الأديب والشاعر بتربة العراق بحرص ومحبة وترك خلفه كل شيء من ذكريات وكتب وأصدقاء , فكان ذو انسانية كبيرة وموهبة صحفية خارقة , مرهف الحس والقلب متواضع.

لقد عرف التأريخ حقباً كان اليهود العراقيين يهنئون فيه بطمأنينة نسبية تحت حكم الإسلام, إلا أن تلك الحقبة كانت الإستثناء لا القاعدة , فلقد تولى القمع والتهجير والمجازر المنظمة وسلب الحقوق الممنهج على مر تأريخ اليهود والبلدان العربية بكامله إلا العراق , فقد واعدهم السياسي في الحكم الملكي محمد فاضل الجمالي بعدم التسفير والتهجير ومصادرة أملاكهم , ولكن هذا الرجل كذّب بدون شك, لأن الحكومة العراقية هي التي شجعت الاعتداءات على اليهود عام 1941 من جهة وأصدرت قرارات مصادرة جميع الممتلكات اليهودية من جهة ثانية , إضافة الى ذلك ,إن نوري السعيد قدم مشروعاً لتهجير اليهود عام 1949 والمفروض فرضاً ليهود العراق,فقد كان ذلك التهجير أكثر قسوة من التهجير الذي تعرض له العرب في فلسطين ودفعوا ثمن إعلان الحرب والإبادة من قبل قادتهم وإعلان دولة إسرائيل.

إن النزعة العلمانية والأفكار التحررية قد وحدت يهود العراق واندماج عدد كبير من الكتاب في الحياة الثقافية , وكتبوا انتاجاتهم باللغة العربية كالأديب أنور شاؤول الذي كتب الكثير من الشعر ودون سيرته الذاتية عند مغادرته العراق الى المهجر عام1971منها ( قصة حياتي في وادي الرافدين ) وديوانه الشعري (وبزغ فجر جديد) في نهاية حياته ثم وافتهُ المنية يوم 14 كانون الأول 1984.

 




 



 

free web counter