| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نبيل عبدالأمير الربيعي

 

 

 

                                                                                  الأحد 17/7/ 2011




نجم آخر يتألق في سماء مدينة الديوانية...
الشهيد رافد حنتوش

نبيل عبد الأمير الربيعي

إلى صديق الطفولة والشباب
إلى الشهيد رافد حنتوش عبد الحسين خضير أغا, أقرب الأصدقاء إلى محبيه , وأرواحهم والقلب تسلوا بمقابلته.

طوبى لمن....وهب الحياة حياته
طوبى لمن....كانت نهايته الشهادة
طوبى إليك أيها الغالي ..و يا عطر الطفولة الندية والشباب

على مدى أكثر من تسعة عشر عاماً وابنتك ترنو إلى الأفق البعيد ,لعلها ترى سفينتك قادمة.. وتسأل نهر الديوانية عن أخبارك ..لقد حال بينك وبينها تلاطم الأمواج.. وعواصف الزمن..هذه الطفلة التي أصبحت بعمر الزهور تبحث عنك في وجوه الأحبة من الأهل والأصدقاء,في آلامها وأحلامها, وقد بقيت فقط الذكريات تملكها منذ رحيلك عنها, وهي تملك الحزن الكبير بجراحك الكبيرة.

رحل طلال ومحمد البغدادي عن أرض الوطن وهم ينتظرون سفينتك المحملة بقصص بطولتك عن الوطن والسجون والمعتقلات بدون جدوى, رحلوا وفي ذهنهم محفورة كل الأسماء من أبناء وطننا المغيبين في السجون مع أحلى ذكريات الطفولة والشباب.

كان همك الوطن والشعب ,رحلت وكل همك أن تحمي الوطن من سموم وجراد وثعالب البعث.

بعد نكسة الانتفاضة عام1991 في الديوانية التقيت الشهيد رافد حنتوش في باص رجوعي إلى البيت عند الظهيرة ,جلس جنبي يحدثني عن همومه ونكسة الانتفاضة وخيانة بعض المندسين وقسوة الحاكم الظالم واستخدام الحديد والنار لقمع الانتفاضة,تلك الانتفاضة التي شارك فيها كل أبناء الديوانية الطيبين من اليسار والتيارات الدينية ,صف واحد ضد الطاغوت ,لقد ساهمت معه في أول يوم الانتفاضة بحماية منطقتي حي الجزائر مع إبراهيم ورعد وشكر وآدم لايم وأخوتي ضياء وحيدر وجارنا قاسم العادلي ورعد عزيز الاسدي,ثم نصبنا سيطرة من المقاتلين أمام دائرة السفر والجنسية في شارع حي الجزائر وكل الطيبين ,خوفاً من أزلام النظام ومقاومة دائرة امن الديوانية حتى صباح اليوم الثاني,كان من قاوم دائرة الأمن الشهيد رافد حنتوش وقوة من المقاتلين تساعده حتى سقطت المحافظة بأيدي المقاتلين وتم تنظيمهم بمساعدة قادة الانتفاضة.

ولد الشهيد رافد حنتوش عام 1960 في الديوانية ,أكمل الدراسة الابتدائية في مدرسة دار السلام والمتوسطة في الجمهورية 1975كانت إدارتها بعهدة الأستاذ جبار الشمري ثم الثانوية المركزية في الديوانية1978 ,دخل معهد إعداد المعلمين لمدة سنتين فحصل على شهادة الدبلوم ,وعمل ضمن سلك التعليم لحين مشاركته في الانتفاضة وبعد فشلها ,مما أدى إلى ترك وظيفته والتخفي عن عسس النظام الصدام .

نشأ في عائلة معروفة من أم مربية فاضلة الست ناهده وأب موظف في مصرف الرافدين,التصق منذ الطفولة بخاله إسماعيل الذي رعاه حتى نشأ عوده, زامل الكثير من الأصدقاء ذو الخلق العالي من منطقته والمدرسة منهم طلال ومحمد عبد الرزاق البغدادي وطلال نجاح وعادل وضياء عبد الكريم ثاقب واحمد ونبيل عبد الحميد الرفيق والكثير من العوائل الطيبة ,فشكل معهم فريق شعبي للعبة كرة القدم,ومدينة الديوانية تشتهر باخلاق أهلها الطيبين بطيب أرضها ورائحة رز عنبرها.

بداية نشأته التصق بالتنظيمات اليسارية (اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية واتحاد الشبيبة الديمقراطي) ولكن بعد انتهاء التحالف مع النظام اهتم بمجال الرياضة وكرة القدم,كان رافضاً لمباديء وفكر البعث البائد.

بعد حرب الكويت الخاسرة وغزوها من قبل نظام صدام وعودة الجيش منكسراً ,كان همه مقاتلة أزلام النظام في الديوانية , حتى توصل إلى عناصر قيادية اتفقت على تغيير النظام , كان الشهيد من الأوائل في قيادة الانتفاضة , دخل عن طريق الشامية على ظهر دبابة عراقية قادماً من ناحية الشافعية بمساندة شباب الشامية الطيبين, حيث مقر كتيبة الدبابات المؤقت لأزلام النظام , بعد قدرتهم على السيطرة على الكتيبة وانهزام عناصرها بمساعدة الشرفاء من المنتفضين منهم الشهيد عدنان كلول والبطل قاسم العادلي, أسقطت المحافظة بعد صعود الدبابة على جسر الديوانية ومشاهدة المقاتلين على ظهرها وهرب أزلام النظام من امن ومخابرات وبعثيين وجيش شعبي,كان تجمع قادة الانتفاضة بعد انهيار النظام في مقر الفرقة الأولى ومن ضمنهم الشهيد رافد ثم انتقل ليتجمعوا في جامع السيد عباس الزاملي مع القيادي حسين علي الشعلان والشيخ محمد الصمياني والضابط العسكري عبد الحسين عبيس والضابط توفيق الياسري وعبد الوهاب هادي ,ويذكر الصديق والمناضل ذياب آل غلام: ( العقيد عبد الحمزة الطائي ابو مازن وربما هذا الضابط الوحيد الذي قاد وتضرره كثيرا ولم يسرق أو يأخذ أموال ولم يكن بعثيا يوما ما؟ واعدم أخوه كونه شيوعي المباديء ومن ثم اتهم بالدعوة, وولده مازن أغرقه أنذال البعث، وآخر عهدي به كان ضابط في مديرية التجنيد القادسية وهو حي يرزق الآن لأجئ في السويد هذا ممن يشار له بالبنان ونزاهته وشرفه وإخلاصه ومن بعدها فقد خرجوا أهل الديوانية لأستلام مهامهم وأهل الحمزه الشرقي .ندون صحائف من البطولة وغدر أهلنا ,ولا زالوا يغدرون بالوطنيين) كان هم القيادة المحافظة على المدينة من هجوم أزلام النظام والمحافظة على الممتلكات العامة من العابثين واللصوص, لأن هذه شيمتهم في غياب الدولة , ومقولة للدكتور علي الوردي إن العربي نهاب وهاب, صفة السرقة صفة ملازمة لمن لا يحمل الروح الوطنية لبلدة وشعبة.

لكن بعض مرتزقة النظام قد دخلت بين المقاتلين لإحباط اندفاعهم في القتال أمثال هادي وعبد الرزاق مهدي الشيخ جواد , الذين تعاونوا مع أزلام النظام بعد سيطرة الدولة للبحث عن المقاتلين. لكن الشهيد رافد لم تثبط عزيمته من هذه السلوكيات فقد ساهم بإرسال المقاتلين إلى الحلة وكربلاء لمساعدة أبنائها في دحر قوات النظام البعثي ولغاية يوم 21-3-1991 قد أصبحت الأوضاع صعبة بسبب تخاذل البعض وضعف الدعم العسكري والمعنوي والعتاد والدور الذي لعبه ضابط شرطة المناذرة علي الحمزاوي في تعطيل بعض الأسلحة المقاومة للدرع بالاتفاق مع العناصر البعثية الموجودة في المدينة,إلا إن الشهيد رافد خرج بقوة مع المقاتلين للتصدي لقوات النظام في منطقة الحفار راسخ الإيمان والعقيدة مع أخيه فاضل سلطان , ولكن عدم تعادل الكفتان انسحبوا سيراً على الأقدام إلى ناحية السنية ,لكن مجموعة أخرى قاومت في حي الجزائر من قبل فائز الحداد في المنطقة ,إذ تمكنت قوات النظام من اعتقالهم وتنفيذ حكم الإعدام فوراَ في موقع الفرقة الأولى مع خيرة شباب الديوانية من الأبطال والوطنيين ممن نفذ عتاده أو تم جرحه في القتال.

كثرة البحث عن المقاتلين في دورهم مما استوجب إخفاء الشهيد نفسه في دار عمة ثم في مزرعة والدة في السدير ثم الذهاب إلى بيت أخية في بغداد, ولكن لم يتمكن والدة من تخليص نفسه ,فقد استمر استدعائه إلى امن الديوانية للتعرف عن مكان اختفاء ولده وهو يدعيّ انه قتل في طريق النجف وهذا ما سمعته عن لسان والدة عند مقابلتي له.

بعد صدور العفو العام للمشاركين في الانتفاضة , وهذا مقلب وديدن النظام للقبض على بقية من شارك وقاتل أزلام النظام , سلم الشهيد رافد نفسه واعتاد الحياة الطبيعية , ويؤكد الصديق محمد البغدادي انه طلب من الشهيد السفر إلى خارج العراق خوفاً على حياته , إلا أن الشهيد رفض ذلك لحبه وتعلقه بالوطن .

كانت أزلام النظام تحيك الدسائس لاعتقال من رفضوا ترك العراق أو خيانة مبادئهم, فطلبت من عائلة احد مفوضي الأمن المقتولين بطلب دعوى ضد الشهيد كونه قتل ابنهم في حي الجزائر , علماً إن الشهيد قد طلب من مفوض الأمن إن لا يخرج من بيته خوفاً على حياته وهذه من صفات الجيرة الطيبة وحب الجار لجارة ,إلا أن الاعتقال قد تم بحق الشهيد بتاريخ 14-4-1991 و توقيفه بمديرية ألتسفيرات ثم نقله إلى مديرية امن الديوانية مما تعرض لأشد التعذيب على يد ضابط الأمن رعد جودي العبودي, ثم في احد الليالي كانوا يجتمعون ضباط امن الديوانية وبمعية الضابط رعد جودي العبودي, ينقل لي الباحث ماجد البصري عندما كان سجين امن الديوانية وفي نفس السجن مع الشهيد رافد : (اخذ رافد وشدت يديه بوثاق ثم اجبر على الجلوس على رأس قنينة زجاجية مكسورة الرأس مما أدى إلى استمرار النزيف ونقل لحمام السجن لحين فارق الحياة).

تم استدعاء ولي أمر الشهيد وأخباره بإعدام ولده بتاريخ 12-4-1997.

هنيئاً لكَ الشهادة يا من أحببت بلدك ووطنك وشعبك ورفاقك ,تركت طفلة عزيزة على قلبك اسمها زينب,لم ينساك إخوتك وأصدقائك وأحبتك.

المجد والخلود لكَ ولإخوانك في درب الشهادة وكل شهداء وطننا العزيز..

نم قرير العين .. يا أيها العزيز أبو زينب ..ستبقى في القلب حاضر .. وستبقى سفينتك في الأفق تبحر..

ابعث اليك السلام لأيماني إن الشهداء أحياء في أعمالهم ونضالهم.. الأخ محمد البغدادي يبعث اليك السلام .. وصديقك سعد خورشيد ووائل لاوي الحسناوي وقاسم العادلي وهم دائماً يذكرون ما قمت به من بطولة وتضحية. نعرف انك في خطر .. انك ستغيب وتغيب إلى الأبد .. ويكون لقاءنا مستحيل ..لكننا نحلم بألم وحسرة .. بحزن ودموع في ظل كابوسٍ رهيب.. لكن لا بد للشمس أن تشرق في سماء وطننا .. لابد للغيوم السوداء إن تنقشع .. وقد دار الزمن على القتله الجبناء .. لقد صعدت روحك إلى السماء .. ودمائك الزكية قد سقت تربة بلادي..


 



 

free web counter