| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مديح الصادق

 

 

 

                                                                                  الخميس 29/12/ 2011

 

نزار ياسر الحيدر في "عندما غزا صدام الكويت - مذكرات جندي احتياط"
شاهد عيان لامس الأحداث وعاش تفاصيلها المأساوية


مديح الصادق

كثيرة الأحداث التي شكلت منعطفاً بارزاً في مسار التأريخ العراقي القريب، غير أن احتلال الكويت كان الأهم، باعتباره الأساس الذي استندت إليه كل الأحداث التي تلت لاحقاً، ابتداء من طرد قوات صدام من الكويت إثر تحريرها من قبل قوات التحالف، وفرض شروط وقف إطلاق النار بين العراق وأمريكا وفقاً لمنطق المنتصر في خيمة صفوان، ثم إصدار العديد من القرارات الدولية التي تحد من قدرة العراق الاقتصادية والعسكرية والسياسية، لتصل النتيجة بالتالي إلى قرار غزو العراق وإسقاط نظام صدام في التاسع من نيسان (أبريل) 2003 ثم إعدامه بعد محاكمة استمرت 18 شهراً متواصلاً.

أحداث متلاحقة شهدها العراق لعل الكثير يعرفها أو سمعها او اطلع عليها، غير أن كتاب "عندما غزا صدام الكويت – مذكرات جندي احتياط" لمؤلفه ( نزار ياسر الحيدر ) الصادر حديثاً عن دار لارسا للنشر، بيروت – لندن، ينحو بشكل مغاير لكشف تلك الأحداث المتلاحقة، من خلال عين رائية، لشاهد عيان لامس تلك الأحداث وعاش تفاصيلها المأساوية على أكثر من صعيد، ابتداء من التحضيرات الأولية للحرب ولغاية الانسحاب الجماعي غير المنظم للجيش بعدما تخلت عنه القيادة السياسية.. ومثّل "طريق الموت" الذي بلور مشاهد الحرب الأكثر بشاعة؛ صورة الكارثة التي خلفتها حرب عبثية شنها دكتاتور أهوج مصاب بعقد نفسية يصعب تفسيرها.

يدوّن الحيدر في مقدمة كتابه حول حروب النظام: ".. لم تكن حروب جهاد، كما نصت عليه الشرائع دفاعاً عن أرض أو عرض أو دين؛ بل كانت تعبيراً عن نزوات وعقد شخصية وأقصى درجات الغرور، وفي كل مرة تغلفها شعارات الوطنية والقومية، وتسخر لها كل طاقات الإعلام الزائف والتحريف. أيام لا تزال طرية ذكراها الموجعة لمن عاش السنين الأربعين الماضية".

يكشف الحيدر في فصول كتابه الكثير من الخبايا التي عاشها عن قرب لتشكل محور العمل، وفي الفصل الأول "اليوم الأول" يستعرض تلك الخبايا: "في مساء 1 – 2 آب 1990 استلقينا – نحن مراتب القلم - كل على سريره، وكان لدي راديو يعمل بالبطاريات أستمع منه إلى الأخبار، الأمور تبدو مثل كل يوم وليس بها جديد، خلدت إلى النوم مستمتعاً ببرودة صحراء الزبير الليلية، ومستعداً لنهار قائض جديد يعز فيه الهواء والماء البارد، حتى كانت الساعة الرابعة فجراً فإذا بأصوات أعداد مهولة من طائرات الهليكوبتر تمر فوقنا قد يصل عددها إلى خمسين طائرة، وبنوعيات وألوان مختلفة تحلق بشكل مجموعة متقاربة المسافات متجهة صوب الكويت، فاستفقنا على أصواتها المدوية، وبدأنا نتساءل ونبحث في موجات الراديو فلم نسمع شيئاً مفيداً".

يواصل المؤلف سرد الأحداث المتلاحقة بعد احتلال الكويت، حيث يشير في فصل "الفرهود" إلى أن "بوادر الفرهود بدأت تظهر من الكويت منذ الساعات الأولى للغزو، فكان الجنود الذين يذهبون بواجبات إلى الكويت يعودون محملين بهذا الفرهود ابتداء من الذهب والمجوهرات التي حصلوا عليها من أسواق الصاغة بعد أن كسروا المحلات، ونهبوا ما فيها".

في فصل "كاريزمات من الدريهمية" يكتب المؤلف عن شخصيات عاشت فصول تلك المأساة لكنها تركت جزءا من خطوط شخصياتها على الحدث، ويعدد خمس شخصيات: أبو أنور، هادي جولة، وحيد، يونس، وأبو حيدر. وبطريقة ذكية يغور في أعماقها محللاً أبعاد كل شخصية في محيط المكان، الحدث، عن يونس يكتب: "شاب عشريني مجنون رسمي يتكلم من أنفه ويحسن ترتيل (الفراكيات) وقراءة المناقب النبوية، تم سوقه لخدمة الاحتياط بعد غزو الكويت، لأنه لم يتم استثناء أي جندي من خدمة الاحتياط، الملفت للانتباه أن يونس يجلس يومياً مقابل باب الآمر في الموقع ويبدأ بسبه وشتمه ويغني الفراكيات داعياً عليه بالموت وبصوت مرتفع. كان الآمر يغضب منه ويأمر بحبسه، وتأكد له فيما بعد أنه مجنون فعلي".

"ليلة ليلاء" هو عنوان الفصل السادس من الكتاب، ويصف فيه الكاتب الساعات الأخيرة قبل تسارع الأحداث باتجاه الحرب "ما أن حانت الساعة الثالثة إلا ثلثاً بعد منتصف الليل، حتى قفز الجميع من أفرشتهم مذعورين على صوت القصف الجوي المريع الهائل، وبدأ الكل يصرخ: غارات.. قصف، وركض الجمع متجهاً إلى الملجأ الكونكريتي".
يستعرض الفصل السابع اندلاع لهيب الحرب التي شهدها العراق "بعد أن استعر أوار الحرب في 17 - 1 - 1991 واستمر التحالف بدك الوحدات العسكرية البرية بعد أن حُيدت القوة الجوية العراقية كلياً منذ الساعات الأولى وأصبحت السماء ملعباً تصول وتجول فيه طائرات التحالف، استخدم صدام الورقة التالية بحرق آبار النفط في حقل الرميلة المشترك بين العراق والكويت، وأشعل النيران بمئات الآبار النفطية وحوّل سماء البصرة والكويت إلى قطعة من الدخان الأسود لعله يحجب الرؤية عن طائرات التحالف لكي لا تستطيع أن تحدد مواقع الجيش العراقي!!".

يسرد الحيدر الأخبار الواردة من المحافظات إثر اندلاع الانتفاضة الشعبية في آذار عام 1991، إذ يقول في فصل "عود حميد": "كنا نسمع من الجنود العائدين من الكويت قصصاً عجيبة غريبة يمكن أن تستوعبها مجلدات من الكتب، وكان كل جندي عبارة عن قصة وملحمة هائلة من المعلومات، كانوا يخبروننا بأن البصرة والمحافظات والمدن الجنوبية قد سقطت في يد الشعب العراقي المنتفض على حكامه بعد أن عاد الجنود سيراً على الأقدام من الكويت".

تحت عنوان "الزراعة لكسر الحصار" يعدد الكاتب القرارات الدولية التي سنت كعقوبات على العراق، إضافة إلى قرارات نظام صدام التي كبلت الشعب العراقي، ليغدو العراقي البسيط تحت حصارين قاسيين: دولي تحت إشراف الأمم المتحدة، وداخلي بإشراف النظام. ويكتب في هذا الفصل: "بالرغم من كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة - كما ادعت - لتوفير اللقمة النظيفة لشعبها، إلا أنها فشلت في توفيرها ولم تستطع كسر الحصار الجائر على الشعب العراقي؛ فقد كانت توزع ضمن الحصة التموينية طحينا أسود لا يُعرف مصدره ومحتوياته، لكن من كان يطلع على ما يطحن في مطاحن الدولة هو الذي يجيب بعد أن هاله ما رأى، فإنهم كانوا يطحنون كل شيء صلب يمكن أن يزيد كمية الطحين والذي كان لا يصلح أن يكون علفاً للحيوان، ما كان السبب لاحقا لكل أمراض السرطان والجهاز الهضمي لمعظم العراقيين المساكين، لا لسبب إلا إرضاء لنزوات من كانوا يحكمون ويتحكمون بمصائر شعوبهم بشكل جنوني متهور لا يقيم وزنا لإرادة الشعب، وليس لكلمة الشعب عندهم أي اعتبار. أما الحزب الحاكم فلم يكن إلا مجرد مجموعة من الإمعات الذين ينفذون ما يؤمرون به بغض النظر عما إن كانوا به مقتنعين أو غير مقتنعين، ومن يُبدي أي اعتراض أو تلكؤ فمصيره معروف، إما رصاصة في الرأس أو طعم للكلاب أو يذاب في حامض النتريك دون أن يعلم به أحد؛ تلك كانت ثمرة دكتاتورية بغيضة صنعها الانتهازيون والمطبِّلون، وصفَّق لها الإمبرياليون الذين انقلبوا عليها فيما بعد!".

يعرج المؤلف على العلاقة التي وشجت كل من العراق والكويت، خاصة خلال الحرب العراقية – الإيرانية التي دامت ثمانية أعوام، إذ أسهمت الكويت بدعم النظام العراقي في حربه العبثية، وتحت عنوان "ما وعد به الشيخ سعد" يسرد الحيدر الكثير من الشواهد لعل من أهمها ما سمعه عبر المذياع من الشيخ سعد العبدالله، ولي عد الكويت آنذاك: "أما الشيء المهم جدا الذي سمعته بصوت الشيخ سعد الصباح، ولي عهد الكويت شخصيا وبعد وصوله الكويت قادماً من السعودية بالطائرة بعد أيام من تحرير الكويت، وبعد أن ركع على أرض المطار يشكر الله على عودته وتحرير بلده، وعندما سُئل عن مشاعره بهذا الحدث الكبير قال: "بعد الشكر لله ودول الحلفاء من الأشقاء والأصدقاء على ما بذلوه لتحرير الكويت؛ إنه وباسم كل الكويتيين أقول أن لا خير بهم ككويتيين.. ولا خير بأولادهم.. ولا خير بأموالهم.. اذا يتركون صدام حسين يتهنى بحكمه للعراق ويبقون يعملون ما حيوا حتى يُسقطوه ويُزيلوه من حكم العراق والمنطقة ويجعلوه هو والعراق يدفع الثمن غاليا حتى آخر يوم من عمرهم، حتى وإن اقتضى ذلك أن يبذلوا في سبيل ذلك آخر دينار يملكونه". فهل صدقت نبوءة وتمنيات الشيخ سعد الصباح؟!".

في الفصل الخامس عشر المعنون "طيارون ألمان في بغداد" يدوّن المؤلف عن فرق التفتيش الدولية وعملها والامتيازات التي حظت بها في ظل حصار يلف الشريحة الأوسع من الشعب العراقي: "لم يعتد البغداديون على مشاهدة رجال أجانب يرتدون زيا عسكريا (بدلات طيارين) ويحملون بأيديهم أجهزة اللاسلكي أينما ذهبوا وهم يتجولون بسيارات رباعية الدفع مثبت عليها رمز الأمم المتحدة (UN) بيضاء اللون ويثبتون على أعلى أذرعهم العلم الألماني وتحته شعار الأمم المتحدة الدائري الأزرق في دولة كانت تمنع أن تعلن على وسائل الإعلام حتى درجات الحرارة!! ومثقلة بالتوجسات الأمنية والاستخبارية. كان هذا في بغداد عام 1991 حيث كان مقر سكنهم وسط بغداد في فندق فلسطين ميريديان، كانت أعدادهم بالعشرات، ويتمثل واجب هؤلاء الطيارين بقيادة طائرات الهليكوبتر التي تنقل مفتشي الأسلحة الدوليين الذين جاؤوا إلى العراق بموجب قرارات مجلس الأمن للبحث عن الأسلحة الكيمياوية والبايولوجية والنووية، ويسكن هؤلاء المفتشون في فندق القناة الذي خصص ليكون مقراً لبعثة الأمم المتحدة وسكناً للمفتشين الدوليين الذين كانوا يأتون على شكل مجموعات وحسب تخصصاتهم ومن جنسيات مختلفة وبشكل مفاجئ، ليقوموا بزيارة المواقع المختلفة في العراق، تلك التي يعتقدون أنها منشآت لخزن أو تصنيع هذه الأسلحة، يرافقهم مسؤولون عراقيون لا يعلمون إلى أين يتجهون مع رتل المفتشين".

في الفصل الأخير من الكتاب يشرح الحيدر آراء الدبلوماسيين العرب والأجانب في بغداد بالأزمة التي يعيشها العراق، مفسراً الكثير من الآراء وفقاً لعلاقة تلك الدول بالنظام العراقي: "كنت التقي ببعض الدبلوماسيين العرب والأجانب الذين عادت وافتتحت دولهم سفاراتها في العراق، لأن أغلبهم كانوا زبائن لي بمحلي في فندق فلسطين ميريديان وسط بغداد وكانوا يزورونني بانتظام هم وزوجاتهم للتبضع وكنت أدعى إلى أغلب احتفالات هذه السفارات التي تقام في فنادق بغداد الكبرى بمناسبات تلك الدول كالأعياد الوطنية وغير ذلك من المناسبات المختلفة، مما فتح المجال للحوار وتبادل الأفكار بيني وبينهم بصراحة، لقد كانوا متذمرين ومتألمين بنفس الوقت على الأحوال المتردية التي وصل إليها العراق على جميع الصعد، وكنت دائما أوقع اللوم على قرارات الحصار الجائرة ضد العراق والتي تأثر بها مباشرة الشعب العراقي وأضعفته وسلبت قدرته على الاعتراض أو أن يكون له رأي مؤثر، بينما هم يؤكدون على الحياة الباذخة والمسرفة التي يعيشها صدام ومن يحيط به ومباشرته ببناء أكثر من خمسة وسبعين قصرا في جميع أنحاء العراق، فكان ردهم مختلفا تبعا لمواقف تلك الدول، فمنهم من يتعاطف مع العراق والشعب العراقي ويضع اللوم على الحكومة، ومنهم من يساند الحكومة العراقية بالحق والباطل وهم أتباع الدول العربية، خاصة الدول ذات النهج القومي التي تلتقي مع سياسة العراق تلك التي أيدت العراق في اجتياح الكويت. وهناك دول غربية وصديقة تضع اللوم على سلوكيات الحكومة العراقية وسياستها المتشنجة والمتطرفة والتي لا تنسجم مع النهج الدولي ومسيرة الأمن والسلام العالميين.

اتذكر باستمرار الحديث الذي دار بيني وبين السيد (مصطفى) سفير باكستان في العراق عام 1995 وهو دبلوماسي محترف دمث الأخلاق عمل في كل قارات العالم كسفير لبلده ويحظى باحترام وتقدير كبيرين، وهو أول من حاول كسر الحصار الجوي المفروض على العراق، حيث استحصل حينذاك موافقة الأمم المتحدة على إنزال طائرة ركاب تنقل زوارا باكستانيين للعتبات المقدسة في مطار بغداد، ونجح في ذلك؛ أتذكر أنه سألني سؤالا وطلب مني الإجابة:
- هل يستطيع صدام حسين أن ينقل العراق عبر المحيطات ويضعه بمكان آخر غير مكانه الحالي بعيدا عن إيران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية والكويت؟ لأنه هل من المعقول أن دولة تتخاصم وليس لها علاقات دبلوماسية مع الدول الست المحيطة بها ولا تملك حتى منفذ لها ولشعبها!؟"
سألني هذا السؤال وكان جوابي بطبيعة الحال: كلا، عندها استطرد السيد مصطفى قائلا:
- إن أياما عصيبة تنتظر العراق ولا مستقبل لهذا البلد طالما تحكمه هكذا عقول للأسف".
يعتبر كتاب "عندما غزا صدام الكويت – مذكرات جندي عراقي" وثيقة متخمة بأحداث حقيقية عن حقبة عاشها العراقيون وعرفوا فواجعها بعدما ترجمت الكثير من فصولها في تفاصيل حياتهم.

الجدير بالذكر أن نزار ياسر الحيدر كاتب، وناشط مندائي، تبوأ العديد من المناصب في القيادات الإدارية لطائفة الصابئة المندائية في بغداد، أسس بعد عام 2003 التجمع الديمقراطي المندائي، وشغل عضوية المجلس العراقي للسلم والتضامن.

 

عندما غزا صدام الكويت - مذكرات جندي إحتياط، كتاب جديد صدر حديثاً
تأليف : نزار ياسر الحيدر
عن دار لارسا للنشر في لندن وبيروت





 

free web counter