| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

مديح الصادق

 

 

الخميس  24 / 7 / 2014                                                                                                   


 

دماً ما زلتُ أنزفُ، يا عراق...
مشاهد من رحلتي الأخيرة....
(1)
 

مديح الصادق  *
madih_sadiq@yahoo.com  


الثالث من حزيران، في صالة الانتظار بمطار تورونتو سرحتُ بعيدا وطويلا ، إذ سبقتُ طائرتي في الرسو على شواطئ وطن مجبرا فارقته، ودماً نزفتُ بعد ذلك الفراق، على كل شبر من شماله حتى الجنوب وقفتُ، وعفرت جبهتي بترابه الطيب الطهور، قبَّلتُ أكف شيوخه والأمهات، ورؤوس أطفاله العطاش للحياة، مع الصبيان والصبايا غنيَّتُ أغاني العشق الممنوع، وغير الممنوع، عاريا نزلت بماء الفراتين تعمَّدت، وأن على الأرض يعم السلام دعوت.

لم أنتبه لصوت المذياع المنادي بالتوجه إلى البوابة التي سننفذ منها لولا أن نبهتني ابنتي ( ماري ) التي كانت ترافقني في تلك الرحلة حالمة بمشهد احتضان وطن فارقته قبل أكثر من خمسة عشر عاما، وعلى أرضه كانت لها أولى الصرخات، في حقيبة يدها وثائق تخرجها من كندا وشهادات الخبرة، وصور لشتى مظاهر الحياة؛ فقد يكون لها نصيب فتحظى بوظيفة تناسب اختصاصها لتعيدها إلى حضن وطن حد العبادة - مثل أبيها - عشقته، وأحبت ناسه، وكل شيء فيه.

مطار أربيل كان أولى الخطوات، وعتبة الدار إلى بغداد مرورا بكركوك حيث لنا أحبة على أحر من الجمر كانوا منتظرين ، ومن كل ما نشتهي من صنوف الطعام التي هجرناها؛ مائدة شهية عدا تنازليا نعد لها اللحظات، لكن الصدمة الأولى مما تبقى من وطني، طوابير العربات والمسافرين العالقين في بوابة أربيل كي تجرى لهم مستلزمات ( الإقامة في كردستان العراق ) - إن توفرت قناعة القائمين على ذلك المعبر ( الحدودي )، ولعله أشد من الصاعقة على رأسي سؤال أحد أفراد جهاز الأمن في الإقليم الكردي - الأسايش -: ( هل أنتم أكراد أو عراقيون؟ ) لكنه أفرج عنا بعد الاعتذار الشديد حين أخرجنا له جوازي سفرنا الكنديين.

أزاح عنا آثار تلك الغمة نكات سائقنا الكردي الذي كان قاصدا أن تكون حول الأكراد، وبعض الأغاني الكردية التي ذكرتني بزمن جميل، وأناس أجمل، من الطيبين من شعبنا الكردي، وفي كركوك كانت الصدور مفروشة لنا قبل الموائد، وامتزجت زغاريد أفراح بدموع اللقاء، وخفقات القلوب، ( ماري ) التفتت نحوي كي تخفف عني وطأة الصدمات : لا بأس عليك يا بابا، إنه الوطن الذي عشقت، وليس للعاشق غيرُ صبرٍ على جوى المعشوق!
 

كندا- تورونتو.. 27 - 6 - 2014
 

* ناشط مدني ، كندا

 



 

free web counter