| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

الأثنين 7/2/ 2011

 

قاهرة المعز: من سيحاسب هؤلاء القتلة؟

مصطفى الأدهم *

كل واحد منا قد شاهد على شاشات التلفزة أو في المواقع الإلكترونية، تسجيلات تظهر مدى الوحشية البوليسية التي اقدمت عليها الشرطة والأجهزة الأمنية المصرية، وبالصورة والصوت، تلك الإنتهاكات التي تتنافى وحقوق الإنسان وحق التعبير عن الرأي. حتى لو كان هذا الرأي معارض أو يتعارض مع رأي النظام، وأؤكد هنا على حتى لو كان هذا الرأي معارض للنظام أو رئيسه أو أحد مسؤوليه، فيجب إن يكفل هذا ألحق ولا يقمع وينصت له بل ويسمح له للتعبير عن نفسه، ما دامت وسائل تعبيره سلمية.

وبالعودة إلى تلك المشاهد التي نقلتها كامرات الهواتف النقالة وعدسات الصحافة، اظهرت مدى ادمان القمع الذي تعاني منه الأجهزة الأمنية والشرطية التابعة لوزارة داخلية نظام مبارك، فبالرغم من "العلم المسبق" لدى أفراد تلك الأجهزة الأمنية بأن أغلب إن لم تكن كل كاميرات الهواتف النقالة في مناطق تواجدها تقوم بتصويرهم بالإضافة إلى عدسات الصحافة لرصد وتسجيل كل الإنتهاكات التي يقومون ويقدمون عليها، بغية توثيقها وعرضها. أقول رغم هذا كله، تم عرض أربعة جرائم لا يمكن ايجاد إي تفسير أو تبرير لها، سوى انها محاولات قتل مع سبق الإصرار والترصد بالإضافة إلى محاولة القمع والتعذيب والترهيب بحق الجموع المنتفضة سلميا لممارسة حقها القانوني بالأعتراض والمعارضة. لكنه قانون الطواريء سيء الصيت والسمعة والتطبيق، الذي يعطي صلاحيات قمعية وأستثنائية تشبه ما كان سائدا في القرون الوسطى.

شاهدت كما شاهدتم، هجوم سيارات الشرطة المدرعة على الجموع المتظاهرة على أحد جسور القاهرة، وكيف انقضت تلك السيارات على العزل بالدهس المتعمد دون توقف لتفريقهم، داهسة مواطن تلو الأخر في مشهد كر وفر بين عربة الشرطة المصفحة والجموع المتظاهرة .

المشهد الثاني كان، أيضا لسيارة تابعة لشرطة، قامت عامدة بدهس المارة في أحد شوارع القاهرة، عندما كانت العجلة هامة بإجتياز ذلك الشارع.

المشهد الثالث كان، أيضا لسيارة، لكنها هذه المرة لم تكن تابعة للشرطة، بل لأحدى الهيئات الديبلوماسية، وبالقرب من السفارتين الأمريكية والبريطانية، إنطلقت السيارة مسرعة تشق طريقا وسط الشارع وجموع المارة دهسا دون توقف في مشهد مرعب ومؤثر بكل معنى الكلمة. وبعد عرضه أعلنت الخارجية الأمريكية إن أحدى سيارات سفارتها في القاهرة كانت قد سرقت يوم الحادث.
إما المشهد الرابع، ولن اسميه الأخير، لأنه لن يكون قطعا الأخير، هو المشهد الأكثر تأثيرا عندما اقدم أفراد من الشرطة على قتل احد المتظاهرين أمام أحد مقارهم، وهو أعزل ودون أن يشكل أي تهديد لهم، وذلك لبعده عنهم وكونه أعزل بالإضافة إلى إنه كان قد أخذ يخطو خطوات إلى الوراء راجعا من حيث أتى، لكنهم أي أفراد الشرطة أردوه قتيلا رميا بالرصاص الحي، بدم بارد دونما سبب ورغم تواجد ومراقبة العديد من الأهالي لهم إن من أسطح البنايات أو من خلال الشرفات.

إن السبب الذي دفعني للإقدام على إختيار هذه المشاهد الإربعة دون غيرها، والتي اخترها كأمثلة وعينات لمقالي اليوم، جاء لكونها موثقة بالصورة والصوت ناهيك عن وضوحها ووضوح مشهد أو ما يصطلح عليه ملابسات الجريمة، لذلك لا يمكن الطعن بها أو في صحتها، والأهم هو إن من قاموا بتلك الجرائم الإربعه هم أفراد وضباط من الشرطة والأجهزة الأمنية المصرية، يرتدون الزي الرسمي "الميري" ويحملون سلاحهم الرسمي "الذي يفترض انهم يخدمون به الشعب" فاذا بهم يقتلون به الشعب عن سابق إصرار وترصد وبدم بارد كما قلنا، بالإضافة إلى إن تلك العربات كان عربات رسمية تابعة إلى وحدات وزارات الداخلية المصرية قامت بتلك الجرائم أثناء "تأديتها واجبها الرسمي" المتمثل في "حماية الشعب" الذي قامت عامدة بدهس افراده الواحد تلو الأخر دونما رحمة أو رأفة. وبعد تلك الجرائم الأربعة ترك ضباط وأفراد وعجلات أجهزة وزارة الداخلية من الشرطة وقوى الأمن قتلة ومعاقين وجرحى وارامل وإيتام ، كانوا ضحية لشهوة القمع الهستيرية التي تدمنها تلك الأجهزة على مستوى السياسة والأفراد وبشكل منظم وممنهج.
أما السبب الذي حدا بي لعدم التطرق إلى غزوة بلطجية الحزب الحاكم لميدان التحرير (رغم تطرقي لها بمقال مستقل سابق)، هو إن "العذر" الذي "يمكن" للجهات الرسمية المعنية إستخدامه للتنصل
من المسؤولية هو انها "كانت جموع مدنية" لا يمكن التعرف عليها بسهولة وهي بذلك ليست تابعة للأجهزة الرسمية، وهذا بالفعل ما قاله نائب الرئيس وكبار المسؤولين.
وبعد مرور أيام على عرض المشاهد الأربعة المروعة والمقززة، لم نرى أو نسمع أي رد فعل رسمي، أو تصريح من قبل أي مسؤول سواء أكان قديم أو جديد على صعيد الحكومة الجديدة، أو نائب الرئيس أو الفرعون نفسه أو الحاكم العسكري كما يحب أن يلقب نفسه..
نعم لم يقدم الرئيس - الحاكم العسكري أو نائبه "الإصلاحي" ولا رئيس الحكومة أو وزير الداخلية، على اي قول أو فعل يؤدي إلى حل هذه الجرائم ومحاكمة القائمين عليها. وذلك بالنظر إلى الإمكانية الكبيرة في معرفة مرتكبيها، من خلال مشاهدة الأفلام لتشخيص المنطقة الجغرافية أي مسرح الجريمة، ومن ثم مراجعة سجل الإنتشار الأمني والشرطي لمعرفة الضابط المسؤول عن تلك الوحدة الأمنية أو الشرطية في تلك المنطقة الجغرافية ال-ZONE ومن ثم معرفة بقية العناصر، ويتم التحقيق معهم وكشف من منهم قام بتنفيذ هذه الجرائم وبأمر من من ولماذا ويساقون إلى محاكم عسكرية لينالوا جزأهم القانوني. إن هكذا تحقيق "تقدم" عليه السلطة قد يترب عليه نتائج إيجابية تاعس في إظهار حسن النية لدى النظام ونثاه الإصلاح ونبذه العنف والقمع، وبهذه فأن النظام سيساعد نفسه ويحسن موقفه أمام شارعه المعارضه له والقافد الثقه به وبوعوده.
لكن وكما هو متوقع من هكذا نظام قمعي لا رد سوى صمت القبور، وعدم تحريك ساكن، لأن فلسفة الأنظمة "الأبوية" تقول بمعاقبة الأبناء الضالين وفي هذه الحاله الإبن الضال هو الشعب الذي يجب أن يعاقب من الأب القائد، كي يعود إلى رشده المتمثل بالطاعة العمياء بل والعبودية للفرعون.

والسؤال الأن هو، بعد التيقن من إحجام النظام عن كشف ومحاسبة هؤلاء القتلة من ضباط وأفراد إجهزة وزارة الداخلية المصرية من سيقوم بملاحقة هذا الموضوع لكشفهم ومن ثم محاسبتهم عبر سوقهم للمحاكم لينالوا جزأهم ويكونوا عبرة لغيرهم من بلطجية الأجهزة الأمنية؟
هل هم أهل الضحايا انفسهم من سيلاحق هؤلاء القتلة أم هم الحقوقيون والمنظمات الحقوقية أو منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان على المستوى الداخلي والدولي؟
أنا ادعو هنا إلى حملة قانونية وشعبية ذات بعد إنساني على الصعيد المحلي و الدولي، لكشف هؤلاء القتلة في تلك الجرائم الإربعة المشار إليها في هذا المقال، كونها موثقة بالصوت والصورة والمكان الجغرافي مع توثيق إن مع أقدم عليها اقدم مع سابق إصرار وينتسب بشكل رسمي إلى الشرطة والأجهزة الأمنية وكان يرتدي الزي الرسمي ويحمل السلاح الرسمي ويقود عجلة رسمية تابعة لأجهزة وزارة الداخلية. وكل ذلك جرى أثناء تأدية "الواجب الرسمي" المتمثل بقمع الجموع الشعبية المتظاهرة سلميا، ما أدى إلى قتل وجرح بعضهم بالإضافة إلى ترويعهم.
ادعو كل شخص أو منظمة معني/معنية بالشأن القانوني والحقوقي والقضائي على المستوى المحلي والدولي بالإضافة إلى الجهات المعنية بحقوق الإنسان إلى بذل أقصى جهد ممكن للمساعدة في متابعة هذا الموضوع لكشف خلفيات هذه الجرائم ومن أمر بها ونفذها وسكت عنها ومن ثم العمل على محاكمتهم.


07.02.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter