| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

الأحد 6/11/ 2011                                                                                                   

 

لهذه الأسباب لن تضرب اسرائيل ايران - الان ؟

مصطفى الأدهم *

تم في الإيام المنصرمة تداول أعلامي دولي واقليمي لتسريبات عن عزم اسرائيل القيام بضربة عسكرية وشيكة على إيران على خلفية الخوف من تقدم برنامجها النووي. وقيل فيما قيل، أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عاقدة العزم على ذات الفكرة. وان التنسيق بين الثلاثي على قدم وساق. بل أن الخطط لهذا الهجوم المزمع معدة، وتتنظر التنفيذ الوشيك. حتى قيام الخارجية البريطانية بنفي العزم على الضربة "الوشيكة"، لكن مع ابقاء باب الخيارات مفتوحا.. أمام تطورات المستقبل!

قد يكون من المسلم به القول، أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واسرائيل تضع في جملة خياراتها "الخيار العسكري" في تعاطيها مع الملف الإيراني بشكل عام، وفرعه النووي بشكل خاص. وبات من المكشوف من "الأسرار"؛ أن الخيار العسكري لهذه الدول لن يتم اللجوء اليه بشكل منفرد. وانما بأخطار وتنسيق في أقل حالاته. أن لم يتم بالتعاون والإشتراك كما هو متوقع.
ومن جملة هذا "المكشوف من الأسرار"، أن الخيار العسكري؛ يتراوح بين الهجوم الشامل، أو الضربة المقننة ذات البعد الإستراتيجي. وهذه النقطة هي مصدر الخلاف بين هذا الثلاثي الدولي، وبين مؤسساته السياسية، العسكرية والأمنية؛ التي تختلف على شكل الضربة المزمعة؛ أتكون خاطفة - استراتيجية، أم تكون شاملة (حرب شاملة) ؟

لكن، وعلى الرغم من التداول الإعلامي المكثف دوليا واقليميا، للتسريبات الإسرائيلية عن عزمها القيام بضربة وشيكة، وما رافقها من تسريبات بريطانية، أرى أن وقوع هذه الضربة ليس قريبا! لجملة من الأسباب والعوامل الإقليمية والدولية. فالضربات الخاطفة تتم بلا ضجيج ولا تسريبات.. ولا تناقش في وسائل الإعلام. كما أنها لا تحتاج إلى ما يسمى بشن "الحرب النفسية".
فكشف النية عن "قرب التوقيت" عن القيام بضربة عسكرية خاطفة - ذات بعد استراتيجي كبير - كتدمير المفاعل النووي الإيراني، يفرغ هذه الضربة المزمعة من مضمونها. وفضحها اعلاميا يميت نقطة قوتها؛ السرية. ويناقض مبدء تسميتها ب"الخاطفة".
لأن الخصم المزمع؛ ايران، أخذت علم بالأمر، ويفترض أن تقوم بما يترتب عليه من اجراءات احترازية؛ دفاعية وهجومية ألخ .. مما سيعقد مهمة المهاجم، ويطرح العديد من الأسئلة على مدى نجاح هكذا عملية شبه مكشوفة - نتيجة التسريب الذي تناولها بشكل تفصيلي في بعض الأحيان..! مما يثير بحد ذاته التساؤل عن غاية التسريب ومصداقيته!
فالحروب لا تشن بالتسريبات، ولا بالإعلام!

واما الأسباب التي تجعل هذه الضربة غير قريبة الحدوث، يمكن تصنيفها كالتالي:

اسرائيليا:
- لا يوجد اجماع في اسرائيل. لا في مجلس الوزراء. ولا في مجلس الوزراء المصغر (الكابينة الأمنية).
حيث يعارض وزير الخارجية المتطرف افيغدور ليبرمان الضربة بشدة. وهو شريك حكومي له ثقله الوازن في الإئتلاف الحاكم. يشاركه الرأي عدد من الوزراء. على الرغم من توافق بين رئيس الوزراء (نتنياهو) ووزير دفاعه (بارك) - حسب التسريبات.
- لا يوجد اجماع من قبل الأحزاب السياسية الإسرائيلية، خصوصا المتطرفة منها. مما يصعب الغطاء السياسي لهكذا ضربة، خصوصا وان الغطاء السياسي الأقرب إلى صغية "الوحدة الوطنية" هو الأفضل في هكذا حالات.
- توجد عدم حماسة من قبل قادة الجيش والأمن في اسرائيل للقيام بهذا الضربة. ولا يمكن تجاهل تحذيرات الرئيس السابق للمخابرات واعتراضات كبار الجنرالات. رغم أن القرار النهائي هو بيد القيادة المدنية وعلى القيادة العسكرية التنفيذ في حينه.
لكن، مرة أخرى، لا يمكن تجاهل رأي القيادة العسكرية.

يبقى السؤال الأهم هو، عن جاهزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية في تحملها لعواقب هكذا ضربة أو حرب؟
ومدى التفافها وصمودها حول القرار السياسي؟
ولا يفوت التذكير عن مدى قدرة اسرائيل على حماية جبهتها الداخلية من رد الفعل المرتقب من قبل ايران وحلفائها؟
وهل ستكون النتائج لهذه الضربة متفوقة على الخسائر المترتبة عليها؟
أن الجواب على الأسئلة هو الفيصل بين تعقيد وتسهيل القيام بها!

أمريكيا:
- الولايات المتحدة تمر بأزمة اقتصادية هي الأخطر منذ عقود، والكل يعلم هذا. وفي ظل هكذا أزمة فأن القيام، أو الإشتراك بعمل عسكري على ايران يطرح السؤال عن مدى قدرة الإقتصاد الأمريكي على تحمل نفقات اضافية كبيرة مترتبة على هكذا عمل؟
- الإدارة الأمريكية والرئيس اوباما مقبل على انتخابات تحدد مصير استمراره في منصبه. وعلى خلفيته "المعارضة" للتدخل العسكري في العراق. واصراره "الشخصي" على الإنسحاب الأميركي من العراق في نهاية هذا العام، المتعارض مع رغبة المؤسسة العسكرية، يطرح بدوره سؤال عن مدى استعداده - أي اوباما - للقيام أو الإشتراك بهكذا عمل عسكري، يتعارض اقله من حيث الشكل مع سياسته الرافضة للتدخل العسكري "الأمريكي المنفرد" - لأحظ اشتراك أميركا مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودول عربية تحت تفويض من الأمم المتحدة للقيام بالضربة العسكرية لنظام الديكتاتور الليبي السابق معمر القذافي. كل ذلك تجنبا لتكرار صورة حرب العراق.
- قرب خروج القوات الأمريكية من العراق مع نهاية هذا العام، وما يرافقه من معارضة جمهورية (الحزب الجمهوري)، قد يصعب بدوره القيام بهكذا ضربة، لأنه يفقدها القرب من الهدف بريا وجويا. على الرغم من كونه سلاح ذو حدين. وفي كلتا الحالتين فأنه سيتعرض إلى نقد ومعارضة وهجوم جمهوري عنيف، يستثمره الحزب الجمهوري ضد اوباما في الأنتخابات الرئاسية.
واخيرا، يمكن طرح السؤال التالي هو جاهزية أمريكا على حماية مصالحها وحلفائها بالإضافة الى قواتها من رد الفعل المرتقب من ايران وحلفائها؟ و وزن ذلك في ميزان الربح والخسارة المترتبة على هكذا عملية؟

أما المملكة المتحدة؛ فهي الأخرى منهكة اقتصاديا. وتمرر سياسيات التقشف الإقتصادي. ولا يمكن التكهن بسهولة تحمل خزينتها المثقلة بتكالف هكذا حرب أو ضربة. ناهيك عن الشكاوى المتكررة عن الحاجة إلى تطوير القطاع العسكري الذي يعاني من عيوب ونقوصات اشارت اليها المصادر العسكرية على خلفية المشاركة في كل من حرب أفغانستان، وحرب العراق والمشاركة في عملية اسقاط نظام القذافي. يضاف لها مدى امكانية تحمل الحكومة الإئتلافية لمعارضة برلمانية أو شعبية في حال ما نتجت عن القيام أو المشاركة بهكذا حرب؟

ومن جانب أخر، لا يمكن اغفال "الربيع العربي" واسقاطه من الحسابات في حال القيام بهكذا ضربة. لأنها وبكل تأكيد سوف تربك هذا الربيع وقد تساعد على صعود وبروز المناخ المناهض للولايات المتحدة وحلفائها لا سيما اسرائيل، خصوصا وان هذا المناخ قد خفت صوته نسبيا في خضم "الربيع العربي" صاحب المطالب المحلية لا الإقليمية..

وعليه، لهذه الاسباب وغيرها لن تقوم اسرائيل بضربة عسكرية وشيكة على ايران. لأن الحروب لا تشن بالتسريات. ولا تقوم بالأخطار عبر وسائل الإعلام. وتهيئة الرأي العام والمناخ المناهض لإيران لا يحتاج إلى تسريبات دقيقة لتفاصيل ضربة عسكرية مزمعة. لأن هذا المناخ موجود منذ زمن، نتيجة العداء المستفحل بين كل من ايران وحلفائها والولايات المتحدة وحلفائها. وجمهور كل فريق متهيء بشكل مبدئي للخيار العسكري.
لكن، وفي نفس الوقت لا يمكن اسقاط جانب الحرب النفسية، وشد عود الجبهة الداخلية اسرائيليا كغاية منشودة من هذه التسريبات.
 


06.11.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter