| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

السبت 5/2/ 2011

 

الثورة التونسية بين بن علي والغنوشي

مصطفى الأدهم *
mt.alad@yahoo.com

محمد الغنوشي إسم رافق حقبة حكم بن علي القمعية، وهو ذات الإسم الذي ملأ الفراغ في السلطة بعد فرار بن علي الشهر الجاري على وقع الثورة التونسية وهو عين الإسم الذي أدار ويدير دفة الحكم اليوم في مرحلة ما بعد بن علي.

هذا الرجل النحيل الجسم وقليل التصريح، يثير جملة من علامات الإستفهام حوله وحول دوره أثناء وبعد فترة بن علي، ومنها مدى قربه وبعده مما حصل من إضطهاد وقمع خلال العقدين والنيف من حكم الاخير.
وما يرمي إليه الرجل فعلا بعد نجاح الثورة الشعبية بأسقاط الدكتاتور.? والسؤال الأهم هو سبب إصرار و"صمود" الرجل في مركزه وتمسكه رغم أنف الإرداة الشعبية الرافضة له وهي ذات الإرادة التي ارغمت بن علي على الفرار إلى جدة قبل اسبوعين.
فالفرق بين بن علي والغنوشي، إن الأول حاول الصمود لقرابة الشهر لكنه ترنح وسقط ومن ثم قرر الفرار بجلده، تاركا الجمل بما حمل للأخير الذي كان على العكس من رئيسه لجهة اظهاره "صمودا" ملفتا في البقاء في مركزه وبقي الحال معه على ما هو عليه من إستمرار التظاهرات والإحتجاجات الشعبية الرافضة له ولبقاءه في السلطة عبر ترأسه الوزارة.

فالغنوشي كان رئيس حكومة بن علي وبعد إن حل الأخير الحكومة في أخر أيامه بقي الأول مصرفا للأعمال ومكلفا لتشكيل حكومة جديدة، وحين فر بن علي طائرا إلى جدة، أمسك الغنوشي بتصريف الأعمال بيمينه والتكليف مع التأليف بيساره وعض بالنواجذ على سلطات الرئيس المخلوع، وبعد أربعة وعشرين ساعة على ذلك وحين أدى رئيس البرلمان اليمين رئيسا مؤقتا، بقي محمد الغنوشي رئيسا لحكومة تصريف الأعمال ومكلفا من الرئيس المؤقت لتشكيل حكومة جديدة أريد لها إن تكون حكومة وحدة وطنية. وبالفعل قام الغنوشي بتشكيل الحكومة الأولى بعد بن علي ولاقت ما لاقت من رفض شعبي أدت إلى جملة من الإستقالات في صفوفها لبعض شخصيات المعارضة إستجابة لهذا الرفض الشعبي. بعدها لجيء الغنوشي ممسكا بالمنصب إلى مرحلة التعديل الحكومي لإقصاء الوزراء الذين يمثلون حقبة بن علي وحزبه الحاكم، تلك الإجراءات التي لم تفلح في إقناع الشارع التونسي بالعدول عن استمراره في التظاهر لرفضه بقاء الغنوشي في سدة أدارة الدفة الحكومية في هذه المرحلة الإنتقالية. وهذا بحد ذاته يمثل تحد واضح لإرادة الجماهير وإجهاض لأهم أهداف الثورة المتمثل بالإنهاء التام لحقبة بن علي من سياسة وشخوص ورموز، ولم يسعف الرجل إعلانه الإستقالة من الحزب الحاكم واعتزامه إعتزال العمل السياسي بعد إنقضاء المرحلة الراهنة.

إن الصورة الرمزية لما يمثله الغنوشي لجهة كونه نائبا "سابق" لرئيس الحزب الحاكم (بن علي) ورئيسا للوزارة وقبلها وزيرا مخضرما في حقبة الرئيس المخلوع، تجعل الثقة الشعبية به شبه معدومة، لكونه قد أدار ونفذ سياسيات بن علي وحزبه وهذه "نقطة ضعفه" الكبرى التي يصعب تجاوزها رغم محاولاته الحثيثة في القفز عليها معتمدا على طرح نفسه "كرجل إقتصاد وإدارة تكنوقراط" كان بعيدا عن "مطبخ القرار السياسي والأمني" يساعده استغلاله "الذكي" لحالة الفراغ السياسي في إدارة المرحلة الإنتقالية.
وعليه أظهر محمد الغنوشي "صلابة ناعمة" فاقت ما أظهره رئيسه المخلوع و"صمد" في التمسك بمنصبه، راكبا موجة الثورة ومحاولا المشاركة في جني ثمارها، مع سعيه الحثيث للإستثمار في تحييد نفسه وعزلها عن الحقبة السابقة كي يفلت من المحاسبة أو المحاكمة فيخرج من "المولد مع الحمص".

هل هو قدر لتونس والتوانسة إن يكون محمد الغنوشي رئيس وزرائهم المزمن ورجل المراحل المتناقضة دون ان يكتوي بنارها بعد احتراقها! وهل عقمت تونس عن شخص يتوافر فيه الحد الأدنى من الإجماع السياسي والرضى الشعبي غير الغنوشي يقود الفترة الإنتقالية الحالية استجابة للإرادة الشعبية، كي تحمى بكارة الثورة التونسية الشعبية من ثورة مضادة صامتة تقوم بها حاشية بن علي!

الجواب سيحدده قادم الإيام ويرسم ملامحه التوانسة بريشة ارادتهم الشعبية وإصرارهم على حفظ بكارة ثورتهم.

 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter