| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

الأثنين 5/3/ 2012                                                                                                   

 

بالدانماركي الفصيح : العراق.. الحل في تشكيل حكومة أغلبية سياسية (1)

مصطفى الأدهم

العراق يفتقر إلى الحياة البرلمانية الحقيقية

العراق لا يزال يشهد العديد من التحديات منها المتعلقة بالوضع الأمني، حيث لا يزال تهديد العمليات الإرهابية كالسيارات المفخخة قائما. وعلاوة على ذلك، يبرز الصراع السياسي بين الكتل والأحزاب المشاركة في الحكومة، هذه الكتل التي تختلف مع بعضها البعض على قائمة طويلة من القضايا المهمة، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ صلاحيات رئيس الوزراء، قانون "النفط والغاز" واستجداء التدخل الأجنبي للتأثير على عملية العملية السياسية في البلاد.

الصراع السياسي يلعب دورا رئيسيا في الإضطرابات اليومية في العراق، وذلك بسبب شكل الحكومة الحالي - حكومة الوحدة الوطنية.

حكومة الوحدة الوطنية

العراق اليوم يدار من قبل حكومة وحدة وطنية. شكلت في نسختها الأولى بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية على الكتل النيابية للخروج بهذا الشكل من الحكومات. والذي يعني أن الكتل العرقية والنيابية الثلاث (الشيعة والسنة والأكراد) يشكون معا الحكومة ويتشاركون مقاعدها.

هذا الشكل من أشكال الحكم يعد واحدا من الأسباب التي تعزى اليها الإضطرابات العديدة التي يشهدها العراق. حيث لا توجد ثقة متبادلة بين هذه الكتل الثلاثة، بالإضافة إلى الإختلاف الكبير في العديد من الأمور لا سيما الإختلاف الآيدولوجي الواضح. فنحن نتحدث عن جملة من التناقضات القوية جدا. فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ يصف نائب رئيس الوزراء - رئيسه (رئيس الوزراء) ب "الديكتاتور الأسوأ من صدام حسين"!!.

عليه، يمكن تخيل حجم التأثير والمعاناة التي تنعكس بشكل سلبي على حياة الشعب العراقي اليومية، من جراء استمرار هذا الصراع السياسي بين أقطاب الحكومة.

حكومة الأغلبية السياسية

في حال ما أريد للعراق الجديد أن يتقدم على نحو أفضل، لا بد حينها من تجاوز مسألة "اجبار" ودفع هذه الكتل المتصارعة للجلوس معا على طاولة حكومة واحدة.

بدلا من ذلك، يجب الإتجاه والعمل على تشكيل حكومة أغلبية سياسية. وهذا يعني أن هذه الحكومة تشكل من قبل كتل نيابية متقاربة ومتفاهمة بشكل كبير، حائزة على الأغلبية النيابية التي تؤمن لها الإستمرارية والعمل.

بالتوازي مع تشكيل حكومة الأغلبية السياسية / النيابية. يجب الإلتفات إلى أمر بالغ الأهمية، هو أن تشكيل حكومة الأغلبية السياسية / النيابية، لا يعني بالضرورة عزل مكون ما من المكونات الشعب العراقي. وذلك لأن عدم المشاركة في الحكومة من قبل كتلة ما لا يعني ذلك اقصاء المكون الإجتماعي.
فالبرلمان، بدوره يمثل جميع مكونات الشعب وتجلس تحت قبته كتل فيها نواب يمثلون كل الفسيفساء الإجتماعية العراقية على تنوعها العرقي والديني والمناطقي. والأهم، هو أن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات دستوريا وقانونيا بغض النظر عن خلفياتهم سواء أكانت شيعية أم سنية أم كردية.. ألخ.

التأثير المحلي

العراق دولة اتحادية. وهو ما يعني أن لكل اقيلم ومحافظة نظامها وسلطاتها المحلية الإدارية الختصة بها. وهو ما يعني بدوره مزيدا من اللامركزية والحرية لهذه الأقاليم والمحافظات لتنظيم وأدارة شؤونها بنفسها بحسب احتياجاتها ومصالحها، شريطة عدم مخالفة ذلك للدستور والقانون، بما لا يتعارض من الصلاحيات الحصرية المنوطة دستوريا بالسلطات الإتحادية.
هذا كله يسمح إلى كل اقليم ومحافظة في الحصول على حصة من "الكعكة" من الموازنة الإتحادية، بحسب الحسابات المعمول بها قانونيا.

في بلد غني بتنوعه، يكون من غير الواقعي "اجبار" هذا التنوع الفسيفسائي على العمل معا من اجل تشكيل حكومة واحدة يتشاركون جميعا قسمة كراسيها - كحكومة الوحدة الوطنية - التي "يجب" أن تعطي حصة لكل كتلة فازت بالإنتخابات النيابية.
والسبب يرجع إلى أن لكل كتلة من هذه الكتل آيدلوجيتها وبرنامجها السياسي وتفسيرها الخاص للنصوص الدستورية الذي قد لا يتفق بالضرورة مع بقية الكتل، هذا أن لم يتقاطع معه بشكل حاد أو كلي. وما موضوعة "إستقلالية السلطة القضائية" إلا دليل على مدى الحدة والتناقض بين هذه الكتل على أمور هي من ضمن المسلمات في النظم الديمقراطية، ناهيك عن كونها من القواعد الأساسية في الدستور العراقي. هذا من جانب.

من جانب أخر، فأن الكتلة التي لا تشارك في حكومة الأغلبية السياسية، يمكنها العودة إلى مقاعدها البرلمانية وممارسة عملها الدستوري كمعارضة برلمانية تقوم بالمراقبة والمحاسبة، إلى جانب العمل التشريعي للقوانيين. وهو ما لا يعني في النهاية عزلها عن العمل السياسي أو المساواة في الحقوق والواجبات المكفولة دستوريا وقانونيا.


يجب أن يكون هناك من حد فاصل بين البرلمان والحكومة

حكومة الأغلبية السياسية / النيابية هي الحل للصراع السياسي الدائم الذي يشهده العراق. في الوقت نفسه فأنها تعكس روح الدستور الذي يعرف العراق "على أنه بلد نظامه ديمقراطي اتحادي برلماني".
من جانب ثاني، سيتم تقليل حدة الخلافات داخل أقطاب الحكومة على عكس الصورة الحالية.. هذه الخلافات التي تؤثر بشكل سلبي على الأداء الحكومي وتعرقل تنفيذ الخطط والمشاريع الخدمية التي تمس حياة المواطن اليومية.

فحكومة بشكلها الحالي (وحدة وطنية) لايمكنها أن تكون منتجة بشكل فعال في ظل الخلافات بين أقطابها على جملة من الأمور الجوهرية كالبرمانج الحكومي وترجمة النصوص الدستورية واستقلالية السلطة القضائية ودور القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب، ناهيك عن الإختلاف على دور وحظر حزب "البعث" الفاشي المحرم دستوريا.

في حال ما استمر الوضع على ما هو عليه من الصورة الحالية للمشهد العراقي من حكومة الوحدة الوطنية، فهذا يعني عمليا أضمحلال الحدود الفاصلة بين السلطة التشريعية (البرلمان) والسلطة التنفذية (الحكومة)، الأمر الأشبه بعملية نقل البرلمان إلى طاولة مجلس الوزراء. فتكون النتيجة تحول الحكومة إلى برلمان مصغر، يكون لأعضائها دور مزدوج في ممارسة العمل الحكومي التنفيذي من جهة بالتوازي مع عمل المعارضة البرلمانية المعرقلة من جهة ثانية.

ما يعني اعادة رسم الصورة الحالية.


(1) نشرت في صحيفة "دن كورت أفيس" الدانماركية.
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter