| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

الأربعاء 28 / 8 / 2013                                                                           


 

قراءة تحليلية : التداعيات الإقليمية للمشهد المصري

مصطفى الأدهم

الأزمة المصرية عميقة الى حد الخوف من مخاطر السقوط في انتون حرب أهلية. هذا على المستوى الداخلي. أما على الصعيد الخارجي - الأقليمي - فإنها تمثل حلبة الصراع الأكثر وضوحاً بين محورين يتنافسان على زعامة الإقليم السياسية، من خلال الإستحواذ على أكبر مساحة ممكنة من الرقعة العربية.

الجناحان ينتميان الى فصيل الإسلام السياسي. لكن لكل واحد منهما آيدلوجيته، ورؤيته، وإستراتيجياته، وتكتيكاته، وبالطبع تحالفاته الداخلية، الإقليمية، والدولية.

محور الأخوان
المحور الأول هو محور جماعة "الإخوان المسلمين" مشفوعأ بالنموذج "التركي - الأردوغاني" لحزب "العدالة والتنمية"، كبرواز "جميل" يؤطر صورة الجماعة - او بالأحرى آيدولجيتها - التي هي مثار جدل في موضوعة العنف والإرهاب وغزوات الصناديق التي تكشف عن مدى العمق بالإعتقاد بالديمقراطية كوسيلة لإدارة الدولة والمجتمع، وليس سلم للصعود الى كرسي الحكم.

هذا المحور يتكون من تركيا، مروراً بقطر وصعواً الى قطاع غرة، ومصر - أبان حكم د. محمد مرسي - إضافة الى كل من تونس وتعريجاً على ليبيا والسودان بنسبة أقل ـ كل بحسب ظرفه الداخلي.

ترويكا الزعامة
الزعامة في هذا المحور كانت شبه ترويكا، مقسمة كالتالي؛ الزعامة الأقليمية العليا لأردوغان الذي نصب كسلطان على عرش الأخوان، وصدره الأعظم أخوان مصر - بصورة أشبه الى وضع محمد علي باشا كوال على مصر، منصب من "الباب العالي" في الاسيتانة. أما "الريادة" الإعلامية وبيت المال فكانت من نصيب قطر بحكم الأمر الواقع ممثلة بشبكة "الجزيرة"، والبترودولار.

أما الغطاء الديني (الروحي) لهذا المحور فهو من نصيب الشيخ يوسف القرضاوي، واتحاده "العالمي لعلماء المسلمين" في الدوحة لعدم تمكن الجماعة من الاستحواذ على مشيخة الأزهر وإهدائها الى القرضاوي ليجمع طرفي المجد الديني - المنغمس في أعماق التمكين السياسي للجماعة على المستوى الإقليمي. لاحظ هجوم أردوغان على الازهر وشيخه.

محور المطاوعة
المحور الثاني يمثل ما يسمى بدول "الاعتدال العربي" بقيادة النظام السعودي الوهابي. هذا الجناح من الناحية العقدية هو الأكثر تطرفاً لانه بقيادة ال سعود وال الشيخ وقيادته تكفيرية وإقصائية للآخر المخالف لوهابيتها. ما يعني تلقائيا تكفير وإقصاء الآخر المختلف دينياً، مذهبياً، وطائفياً عن الفصيل الوهابي. بالتوازي مع التكفير - يتميز جناح الاعتدال بقيادة مطاوعة الوهابية بكونه الأشد محافظة ورجعية في الشأن الإجتماعي. لكنه وعلى النقيض مما سبق يتمتع بأقوى وأمتن العلاقات على المستوى الدولي لاسيما مع "المعزب" الأمريكي، و"صرگاله" البريطاني، وولية العهد الأمريكي في الإقليم.

توظيف القبلة سياسيأ
محور المطاوعة يفتقر الى البرواز السياسي، الذي "يميز" محور الإخوان. حيث لايوجد النموذج الأردوغاني المتصالح مع اسلاميته السياسية من جهة والديمقراطية والعصرنة - الغرب وولية العهد في الإقليم - من جهة إخرى.

لكنه يمتاز بوفرة البترودولار التي توظف داخلياً على شكل رشى لشراء الولاء لنظام العائلة، وعدم المطالبة بإصلاح سياسي حقيقي كخطوة في طريق الألف ميل نحو الديمقراطية. كما يتم توظيف البترودولار في السياسة الخارجية ومنها الصراعات في المنطقة.

يتمتع هذا المحور بقدرات إعلامية تنافس "الجزيرة". وقداراته المالية أكثر قوة. وعلاقاته الدولية أعمق تجذراً مع المعزب، والصرگال، وولية العهد. يضاف عليه توظيف آل سعود لمكانة مكة المكرمة والمدينة المنورة وثقلهما الروحي كأداة في السياسة الخارجية، يتضاءل أمامها اتحاد علماء الشيخ القرضاوي و تتقدم على الأزهر الشريف.

هوية الصراع
ان الصراع بين هذين المحورين هو ليس صراعاً بين الديكتاتورية والديمقراطية. ولا هو صراع بين الرجعية والتقدمية. وهو بعد ليس صراعاً بين المحافظة والانفتاح. وان كان الأخير هو اقرب توصيف للصورة.
إنما هو صراع بين آيدلوجيتين تتشابهان في الإستراتيجية؛ المتمثلة في الإستحواذ على السلطة محليأ.. توظيفها كوسيلة نحو حلم الزعامة الاقليمية أولاً، ومن ثم العالم الإسلامي - قدر الإمكان – ثانياً. ويختلفان في التكتيكات المتبعة لتحقيق الهدف.

ان كل محور منهما يسعى الى بناء خلافته وفقأ لرؤية.
فهما يتنافسان على تمثيل الاسلام الروحي والسياسي.. لذلك لايثق احدهما بالاخر، لانه يمثل البديل المنافس له (Alernative).
فمحور الأخوان يميل الى استخدام الديمقراطية كوسيلة وليس غاية (مادامت له الحظوة في الشارع) للوصول الى السلطة حتى يتمكن من الشروع في التمكين للمشروع - الايدلوجيا. بينما يخالفه محور المطاوعة الذي يعتبر الديمقراطية كفر وإلحاد بشكل علني ولايعتبرها غاية او وسيلة - هذا لانه يتربع على سدة الحكم، ويتحكم بالبلاد والعباد والأموال.. فلا "مبرر" لان يفتح باب المنافسة على نفسه من خلال الصندوق - مادام يتمتع بشرعية العم سام.

الاتفاق
المحوران كانا في تحالف في عدة مواطن لاسيما حول المشهد العراقي والموقف السلبي من ديمقراطيته الوليدة لأسباب طائفية وقومية. والأمر ذاته في المشهد اللبناني. كما كان توافقهما حول الملف الإيراني بشقيه النووي والإقليمي. وكذلك حول الملف التركي المتمثل بصعود وتصعيد نجم تركيا - أردوغان في الإقليم كمنافس للدور الإقليمي الإيراني - والكل يتذكر التطبيل والتزمير حول هذا الموضوع. كما كان التطابق مستمراً حول التغيير في تونس، ليبيا، واليمن. وقبر الثورة البحرانية. اضافة الى الازمة السورية.

بوادر الخلاف
بوادر الخلاف ظهرت مع وصول "الربيع العربي" الى محطة القاهرة.
هنا انحاز الإخوان الى الاخوان. والمطاوعة مع حسني مبارك، ومن ثم أحمد شفيق.
الاصطفاف كان واضحاً في الخطاب الديبلوماسي، والأداء السياسي، والتغطية الإعلامي.
ومع كل إشراقة شمس في سماء المحروسة، وتعمق أزمتها الداخلية، تجذر الصراع السياسي بين فصيل الإسلام السياسي بزعامة الاخوان، والفصيل الليبرالي ـ القومي ـ اليساري بزعامة "جبهة الإنقاذ" - حتى حسم الجيش الأمر لما هو عليه اليوم. وهنا مربط الفرس.

تدخل الجيش وحسمه الواضح والصارم، بل وإعادة رسمه للمشهد المصري، وعدم اعتراف الاخوان بالواقع الجديد حتى الساعة، دفعت كل الأطراف الاقليمية الى الخروج بالصراع من شاشات التلفاز، وصفحات الجرائد، والغرف المغلقة الى فضاء المواقف العلنية، الصريحة، والواضحة التي حددت إصطفاف كل طرف إقليمي مع حليفه المصري.

محور الاخوان بزعامة تركيا - أردوغان، ومعه جزيرة قطر، مروراً بحركة "حماس" في قطاع غزة، وحركة "النهضة" الحاكمة ضمن الترويكا في تونس الى إخوان ليبيا والسودان على شبه استحياء - وقفوا ضد الواقع الجديد في مصر دعما لإخوانها.

بينما محور السعودية دعم وبكل قوة المشهد الجديد. بداية من الترحيب به، وارتفاع مستوى الاتصالات والزيارات، الى المساعدات المالية المليارية. ثم التلويح بتعويض المساعدات الأوروبية حال توقفها؟

أعادة رسم المشهد الاقليمي
المعطيات المشار اليها أعلاه تدل على ان للمشهد المصري تداعياته الإقليمية التي صدعت التحالف السابق بين المحور الإخواني التركي القطري المصري وبين المحور السعودي. نقطة الالتقاء الأكثر قرباً بينهما اليوم هي الأزمة السورية.

وبعدها يأتي المشهد العراقي واللبناني إضافة الى الملف الإيراني.
يبدو ان تركيا - أردوغان قد بدأت تفقد من رصيدها في لعب دور الزعامة الأقليمية - منذ وقوفها مع إخوان مصر. فالمحور السعودي ومصر اليوم يصعدان في مواقفهما تجاه أنقرة. ولولا دور الأخيرة في الأزمة السورية، لأخرجوها من شباك الدور الإقليمي بعد ان ادخلوها من بابه بزفة سابقاً. خصوصا وان الرياض تمسك بعنق المشهد اللبناني اليوم.

موقع العراق
السؤال هو كيف سيتعامل العراق مع الواقع الجديد ويستثمره لصالحه، لجهة تقليل التدخل الإقليمي من المحورين في شأنه الداخلي؟
الموقف الحيادي لان ينفع. لانه يعني ضد الجميع. الأمر الذي يبقي حال تدخلهم في الشأن الداخلي العراقي على ما هو عليه اليوم!

ملاحظة: كل الشكر والتقدير إلى الأخوات والأخوة الذين تفضلوا بالسؤال والإستفسار والتواصل خلال فترة الإنقطاع الإضطراري عن الكتابة الصحفية في الشأن السياسي.
 

28.08.2013
 

* صحفي وكاتب عراقي.

free web counter