| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

السبت 26/3/ 2011                                                                                                   

 

الشيخ القرضاوي وطائفية الإفتاء الخاوي

مصطفى الأدهم *

قال الشيخ يوسف القرضاوي (رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين) يوم الجمعة الماضية ومن على منبر الجمعة في العاصمة القطرية الدوحة في الثورة البحرانية ما نصه: «أن ما يحدث في البحرين «ثورة طائفية»، وأن باقي الثورات الأربع «كلها ثورة شعب ضد حاكمه الظالم». واعتبر "أن مشكلة ما حدث في البحرين أنه حدث من الشيعة ضد السنة", انتهى.

واليوم الجمعة قال الشيخ القرضاوي ومن على نفس منبر الجمعة ما نصه: `لا يمكن أن تنفصل سوريا عن تاريخ الأمة العربية، قال بعضهم إن سوريا بمنأى عن هذه الثورات، كيف ذلك، أليست جزءا من الأمة؟ ألا تجري عليها قوانين الله في الأمم والمجتمعات؟ سوريا مثل غيرها، بل هي أولى من غيرها بهذه الثورات.` واضاف قائلا : `الرئيس الأسد يعامله الشعب على أنه سني، وهو مثقف وشاب ويمكنه أن يعمل الكثير، ولكن مشكلته أنه أسير حاشيته وطائفته.`, انتهى.

يحار المرء وهو ينظر إلى هذا التعاطي الإنتقائي للشيخ القرضاوي مع الأحداث الجارية في البلدان العربية. فتارة هو يؤيد كما فعلنا ما حدث من ثورات شعبية في كل من تونس ومصر وما يحدث من ثورة مستمرة في كل من ليبيا واليمن، والتي نأمل أن تنجح لتحقق تطلعات الشعبين في الحرية والديمقراطية والكرامة في كل من ليبيا واليمن. لكن عندما وصلت شرارة الثورة الشعبية السلمية إلى البحرين، خالف الشيخ الإجماع العام وثارت ثائرته واصطف عمليا مع النظام القمعي في البحرين، لا بل إن صاحب الفضيلة لم يكتف بذلك فقط، بل إنه قد نعت الثورة في البحرين بأبشع الأوصاف والنعوت ذات الدلالات الطائفية المقيتة وافترى على شعب البحرين ما لم يفتره نظام القمع الطائفي في المنامة وراعيه السعودي.

حيث قال الشيخ ما لم يسمع به غيره لجهة قوله: "أن شعب البحرين قد احتل مساجد الطائفة السنية هناك"، وهي الفرية التي يفهم منها مقدار الرغبة الواضحة في الشحن الطائفي والتجييش المذهبي المقيت، كي تكون "حربا مقدسة" في المنامة بين أبناء الدين الواحد والقومية الواحدة والبلد الواحد. ولا نعلم حقا إن كان في ميدان اللؤلؤة سابقا (هدمته القوات البحرينية والسعودية الغازية، بحجة انسيابية السير!) مساجد لأبناء الطائفة السنية أو الطائفة الشيعية كي يتم احتلالها من قبل ثار من الشعب سلميا هناك! والكل يعلم وشاهد أن الثورة الشعبية والمسيرات السلمية كانت قد تمركزت في جلها، في وحول ميدان اللؤلؤة السابق، مع بعض المسيرات الجوالة السلمية التي حملت الشعارات الوطنية ذات المطالب غير المذهبية مع الإعلام البحرينية والورود ومنها مسيرة "الرفاع" بأتجاه الديوان الملكي والتي واجهتها السلطات هناك بالقمع والبلطجة. فأين تلك المساجد التي احتلت؟!

وتغافل فضيلة الشيخ عامدا عن سلمية الثورة وشعبيتها في البحرين والمشاركة النوعية لأبناء الطائفة السنية هناك، كما غض الطرف قاصدا عن الغزو والإحتلال السعودية للبحرين وشعبها لأسباب طائفية غير خافية وفق قاعدة "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" وهو العالم أن ميثاق قوات "درع الجزيرة" تنص فقط على قد حالات العدوان والحرب الخارجية لا المشكلات الداخلية.
وهو مع ذلك يفترض به أن يكون أخر من يعمل بهذه القاعدة "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، كون الإفتاء أمانة، ورأي العالم يجب أن يكون بجانب ألحق لا الباطل. والحق مع الشعب الذي ثار سلميا لا مع الحاكم الظالم الذي قمع شعبه وفتح بلاده للإحتلال الأجنبي. 

إن القاعدة الشيخ القرضاوي تقول بأختصار (وهذا ما يفهم من خطبته في الجمعة الماضية حول ثورة البحرين)، "على الأكثرية الشعبية في أي بلد أن لا تثور على حكم الأقلية الشعبية لأنه والحالة هذه وبحسب منطق الشيخ ستكون ثورة "طائفية" غير "شعبية" ما دامت الأقلية لم تكن "كلها" مع الأكثرية في القيام ضد الحكم.".!
ورغم عجائبية وغرائبية هذا المنطق للشيخ، فأنه هو اليوم قد قام بنقضه بنفسه وبلسانه ومن على نفس المنبر..!!
فكما ناقض الشيخ نفسه في الجمعة الماضية، حيث نقض أخر كلامه أوله في خطبته حول ثورة البحرين (وهذا ما اثبتناه في مقالنا السابق الموسوم "عندما يكذب صاحب الفضيلة .. الشيخ يوسف القرضاوي")، ناقض الشيخ نفسه مجددا وفند بكلامه اليوم نظريته، فخطبة الجمعة اليوم دحضت فحوى خطبة الجمعة الماضية، كما يرى ويفهم من النصوص المستقاة أعلاه من كلام الشيخ! 
وعليه يحار المرء فعلا، ويدهش حقا لجهة سرعة التناقض وكثرة الإختلاف في منطق الشيخ القرضاوي...!!! فكنت قد قلت في مقال سابق: ´قد لا يستغرب أن يشن الشيخ القرضاوي هجومه على الثورة في البحرين، وهو الذي يتخذ من العاصمة القطرية مقرا له يجاور به قاعدة "العديد" وقطر التي تشارك عسكريا في قوات "درع الجزيرة" الغازية لشعب البحرين´. 
لكن المستغرب حقا هو ما صدر منه اليوم حول ما جرى من أحداث ومظاهرات في مدينة درعا، حيث هدم به الشيخ "حججه" التي ساقها في افترائه وهجومه على ثورة الشعب البحراني السلمية. فكيف والحالة هذه يجوز وحسب منطق الشيخ القرضاوي للأكثرية الشعبية (سنية) في سورية أن تثور حسب وصفه ضد النظام كون الرئيس ينتمي للطائفة العلوية؟! ولماذا لا ينعتها ب"الثورة الطائفية" كما أسلف مع الثورة في البحرين؟ وهو العالم بالخلفيات الطائفية غير المخفية لها!..
بل وهو الذي غمز من جهة خلفيتها الطائفية، حينما قال بلسانه:
"الرئيس الأسد يعامله الشعب على أنه سني، وهو مثقف وشاب ويمكنه أن يعمل الكثير، ولكن مشكلته أنه أسير حاشيته وطائفته"..!
فهل نظام قائممقامية الوصاية والإحتلال السعودي للبحرين يعامل الشعب على إنه شيعي؟ أو ليس النظام الحاكم في المنامة هو أسير طائفته بل أسير النظام السعودي الطائفي الذي يكفر مشايخه جهارا نهارا أبناء الشعب البحراني، لا لشيء سوى الإختلاف المذهبي! 
ولماذا يحل الشيخ لأبناء الطائفة السنية في سورية ما يحرمه على أبناء الطائفة الشيعية في البحرين؟
ولماذا يدعم ويتحمس ويدافع ويروج فضيلة الشيخ لما يحدث في سورية ويعاكسه فيما يخص البحرين؟
ولماذا يحتج على ما يقول عنها مداهمات لمساجد هناك، بينما يسكت عامدا عن المداهمات للمساجد في البحرين؟
ولماذا يرى فضيلته في اقالة محافظ درعا "عملا غير كاف"، بينما يسكت عن non-اقالة حتى لغفير في البحرين؟
واين هي المصداقية في هكذا تناقض في المواقف وانتقائية في الطرح؟
أوليس هذا التناقض لفضيلة الشيخ في المواقف يدل على التعصب المذهبي الواضح؟ الجواب للأسف نعم.
أوليست هذه الإنتقائية في الطرح تدل على تخندق طائفي فاضح؟ الجواب وبكل أسف نعم.
فكيف أذن والحالة هذه من طائفية عمياء وعصبيات مذهبية شعواء ، والشيخ هو (رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين)؟

فهل الاسلام في نظر الشيخ القرضاوي حكر على أبناء الطائفة السنية فقط وابناء الطائفة الشيعة يكفرون عنه؟
فيكون فضيلته بذلك قد تشارك وتقاطع مع مشايخ التكفير! هل حقا هذا هو منهج ومنهاج الشيخ القرضاوي - التكفير؟
إن هذا التناقض المفضوح في مفاهيم الشيخ القرضاوي، مع ازدواج المعايير في ارائه، يدل وبشكل سافر عن طائفية عمياء وعصبية شعواء تتحكم في منطق الإفتاء الخاوي للشيخ القرضاوي.

وهو بذلك قد رسخ مجددا وخلال جمعتين متتاليتين ما حاول فاشلا إن يدفعه عن نفسه لجهة قوله إن "متهم بالكره للشيعة" وهو بعد هذا مذنب بالدليل وليس متهم بالتحليل. وهذا مع شديد الأسف ما لا يليق أن يكون من ´رئيس للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين´.
 

25.03.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter