| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

السبت 21/5/ 2011                                                                                                   

 

ليبيا بين جماهيرية الخيمة وحلم الدولة

مصطفى الأدهم *

طيلة فترة حكم "عميد الحكام العرب" العقيد معمر القذافي، عمل الرجل بجهد متناهي على تفكيك كل ما يمت الى الدولة بصلة. فعلى مدار أكثر من أربعة عقود من الزمن ´الثوري-الأخضر´ تفانى العقيد القذافي في بناء جماهيريته العظمى - ´دولة الخيمة´ في ليبيا على أنقاض ليبيا الدولة سواء أكانت ليبيا ملكية أم جمهورية.

فلم يتبقى من معالم الدولة في ليبيا اليوم-الجماهيرية شيء يذكر! فلا دستور يحكتم إليه وان كان شكليا، ولا نظام حكم من المتعارف عليه في ´أبجد هوز´ علم السياسة - حيث نظام الحكم الحالي في ليبيا هو مسخ ولد من أفكار العقيد القذافي لا يشبه شيئا من الواقع أو الخيال السياسي ولا يمت إلى ماضي أو حاضر.

فلا رئيس كالرؤساء ولا ملك كالملوك! فالرجل يدعي أنه ليس بحاكم وان حكم قولا وفعلا وواقعا معاشا?! وهو فوق هذا ليس برئيس بل عميد رؤساء، ولا هو ملك بل ملك ملوك!! ولا جمهورية هنا ولا ملكية هناك، بل هي جماهيرية، الحكم فيها للجماهير! - لكنه ´القائد الفاتح´ وحده من يحكم ويقرر، وولده من يرث حكمه من بعده، طبعا أن بقيا على قيد الحياة أو في ليبيا وهذه قصة أخرى.

في دولة الخيمة القذافية لا توجد حكومة ولا مجلس وزراء، ولا رئيس وزراء وبالتالي لا وزارة ولا وزراء، بل لجان هلامية ليس لها حدود تعريفية ولا وظيفية يمكن التعاطي معها. كما لا يوجد أي شكل من أشكال البرلمان في جماهيرية الخيمة، ولا جيش نظامي بل كتائب أمنية وميليشيات عسكرية نواتها الموالون وعمودها المرتزقة.

دفن القذافي كل ذكريات الدولة في ليبيا واستبدلها بعندياته فالإسم تغير إلى سطر كامل يصعب على القذافي نفسه أن يتذكره، والعلم اختزلت ألوانه باللون الأخضر، والحكم بقول ´القائد الفاتح´ وكتيبه الأخضر. ومن بين هذا الحطام لأشلاء الدولة نهضت الجماهير التي قمعها فاتح الجماهيرية، وسمعنا صوتها الذي افتقدناه على طيلة عقود لطغيان صوت ´القائد الأممي´ - حيث لا يعلو صوت على صوت القائد!

نهض الشعب الليبي في ثورته ضد العقيد القذافي وخيمته كي ينعتق من جماهيريته فيبني من جديد دولة في ليبيا لكن هذه المرة على أنقاض ´دولة الخيمة´ - لكن هذا الحلم ليس صعب المنال وان طال تحقيقه. 

نعم, الثورة اليوم في ليبيا تخوض اختبار مصيري ، فأن نجحت في المحافظة على ما تحت يدها من أراضي محررة، وان هي زحفت تنافس القذافي على ما تبقى من خيمته، كي تفتحها من فتحه الذي طال ظلامه حتى كاد فجر الحرية أن يفقد الأمل بنفسه، عندها يمكن القول ببدء تطبيق الحلم إلى واقع. فما دام للقذافي خيمة يحكمها، فأنه قد "يفتح" غيرها منها! 

فالثوار اليوم في ليبيا يتعرضون إلى حملة ترهيب تعرض لها قبلهم شعب العراقي من قبل القومجية والتنظيمات المتطرفة، حيث يتهمونهم بالخيانة تارة والعمالة تارة أخرى، والشعار هو النفط الليبي.

لا أحد ينكر أهمية النفط الليبي في المعادلة الدولية، لكن لا يجب لي عنق الحقائق وتشويه الواقع، فالنفط الليبي كان وما زال نفط القذافي - يعطيه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء - ولم يستفد منه الشعب الليبي، قدر استفادة أنظمة وجهات وشخصيات كان للقذافي مآربه في تعويمها في بحر النفط الأسود.

والأن حانت الفرصة للشعب الليبي أن يستثمر هذا النفط في العمل على اسقاط القذافي وما تبقى من خيمته وليس بالضرورة أن يعطي هذا النفط مجانا لحلفاء اليوم، لكن يمكن استثماره بشروطه الناجحة كما هو الحال مع باقي الدول التي تستفيد من نفطها. فالسوق النفطية معروف أن أكبر مستهلكيها الولايات المتحدة وحلفائها في القارة الأوروبية وعليه ليس بالأمر الجديد القول أن النفط سوف يذهب الى الولايات المتحدة فالكل يبيع النفط لها وهي تشتري من الكل بشكل مباشر وغير مباشر وهذا منطق مصالح السوق.

على الثوار في ليبيا مواصلة المشوار، وان لا يستسلموا إلى شعارات القومجية التخوينية، ولا إلى ارهاب القذافي بشبح الحرب الأهلية, فالحرب هي بين الشعب وبين القذافي وحرس خيمته من مرتزقة الداخل والخارج. وعليهم أن يكثروا من العمل الديبلوماسي والإعلامي الذي يعطي الإنطباع أن ألإستمرار في هذه الحرب ومساندتها رغم تكاليفها له فوائده الأخلاقية والإنسانية ناهيك عن الإستثمار بالورقة الإقتصادية.

فنظام القذافي شريك وداعم سابق وحالي للإرهاب ولا يمكن الثقة والتعويل عليه، وهو مزاجي متقلب. اليوم يحالف, وغدا يخاصم, وبعد غد يحارب. واهم نقطة يجب أن يسعى لها الثوار في ليبيا هي القيادة الموحدة فعلا, والصوت الواحد قولا, والبندقية الواحدة عملا - وعلى هذه القيادة الواحدة الموحدة أن تكون واعية بأن أخطر ما يهدد شرعيتها هو أن تخترق من قبل التنظيمات الإرهابية أو المتطرفة التي يمكن أن تقفز من الثورة إلى الحكم المحلي أو الكلي.

فليبيا اليوم يجب أن تكون ثورتها، ثورة دولة ضد واقع الخيمة. حتى لا تكون النتيجة من خيمة إلى خيمة. 
 

21.05.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter