| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

الثلاثاء 1/3/ 2011                                                                                                   

 

ماري ووزر بن علي..!

مصطفى الأدهم *

استقالت الأحد وزيرة الخارجية الفرنيسة ميشيل اليو ماري ، بعد ثلاث أشهر من تربعها على عرش الديبلوماسية الفرنسية، قضتها في معركة دفاع خاسرة عن هفواتها واخطاءها التي رافقت مدة توزيرها وحسمت الأمس لصالح خصومها في المعارضة الفرنسية. 

البداية كانت مع ثورة الياسمين في تونس الخضراء والتي اطاحت برئيسها زين العابدين بن علي ، حينما قررت ماري قضاء عطلة أعياد الميلاد برفقة والديها في تونس ، بينما كانت القوى الأمنية لبن علي تقمع التظاهرات والإحتجاجات السلمية المعارضة له. هذا القمع الذي لم يشكل أي مانع في نظر ماري كي تعيد النظر بزيارتها الخاصة لتونس وهي من تمثل السياسة الخارجية الفرنسية وما لفرنسا من روابط سياسية وثقافية مع تونس والتوانسة ، وهو المنفذ الذي بدأ خصومها في المعارضة اليسارية الفرنسية يهاجمونها منه ، على اعتبار إن الوزيرة ماري قد اعطت مؤشر خاطيء لنظام بن علي الذي لم يتوانى في قمع شعبه بكل الوسائل المتاحة المتنافية مع حقوق الإنسان "التي يفترض إن لها أهمية عالية في بلاد الإفرنجة"..

وما زاد طين عميدة الديبلوماسية الفرنسية بلة هو تنقلها وعائلتها بطائرة خاصة وضعت تحت تصرفها من قبل أحد أكبر رجال الأعمال التوانسة الذي تربطه علاقات تجارية واستثمارية وثيقة مع أقارب بن علي واصهاره ، فتنقلت ماري بطائرته بين منتجعات ومدن الخضراء دونما حرج من هذه "الخدمة المجانية" و"الكرم الحاتمي" من أحد شركاء أقارب بن علي ، مما أثار العديد من علامات الإستفهام حول تصرف الوزيرة المستقيلة.. 

ولم تكتفي ماري بما سبق أو تحاول تصليحه أو تصحيحه ، لكنها بدلا من ذلك وما أن وطأت اقدامها باريس حتى شنت هجوما مضادا على منتقديها ، مبررة ما قامت به من باب الصداقة والعلاقة الخاصة بينها وبين المستثمر التونسي المقرب من نظام بن علي .. وزادت العيار بدفاعها المستميت عن المستثمر المذكور ، حيث اعتبرته من التجار "الإشراف" الذين أستغلهم بن علي واقاربه وقاموا بالسطو على أمواله ، وما شراكته مع أصهار بن علي إلا من باب انعدام الحيلة ، وهو الأمر الذي لم تشتره المعارضة والتي بدورها قامت برفع منسوب الإنتقاد لماري بعد "دوزنته" على نغمة وجوب إستقالة الوزيرة التي بحسبهم شوهت سمعة السياسة الخارجية الفرنسية.

ويبدو إن ماري لم تعر الأمر الإهتمام المطلوب ، فراحت ضحية لإفراطها في "مناصرة" نظام بن علي القمعي الصديق ، حينما وقفت تحت قبة البرلمان الفرنسي وصرحت بأن بلادها تعرض المساعدة على نظام بن علي لقمع الإحتجاجات الشعبية بأرسالها قوات من الشرطة أو المعدات التي تستخدم لقمع التظاهرات.
ومن هنا كانت القشة التي قصمت كرسي ماري الوزاري ، حيث أضحت خصما للشعب التونسي وثورته الشعبية السلمية ضد نظام قمعي ديكتاتوري ، وجرت معها فرنسا وسياستها الخارجية إلى حلبة المصارعة مع الشعب التونسي الثائر الذي لاقى مساندة سياسية من قبل المعارضة والإعلام الفرنسي في التصويب على ماري والمطالب بأستقالتها. لكنها والحق يقال قد حاولت جاهدة الصمود في موقعها والتشبث بكرسي الوزارة وهي الوزيرة التي يطلق عليها "المرأة التي حطمت الأرقام القياسية" ، لكونها أول رئيس من الجنس اللطيف لحزب فرنسي وازن وهو (التجمع من اجل الجمهورية الديغولي) بالإضافة لكونها أول أمرأة تبوأت جميع الحقائب السيادية في فرنسا فقد جالت ميشل اليو ماري على حقيبة الدفاع والداخلية والعدلية ثم كان مسك الختام في الخارجية الفرنسية فأستحقت عن جدارة لقب ´الوزيرة السوبر`.

لكن لم يدم صمود ماري كثيرا ما إن انكشفت علاقات عائلتها التجارية والعقارية في تونس والتي حامت حولها الشبهات والتي ربطت مع سابق الزيارة الى الخضراء والصداقة مع أحد أكبر التجار المحسوبين على نظام بن علي المخلوع.
وبدأ قصف العيار الثقيل من مدفعية المعارضة والإعلام الفرنسي على ماري وعائلتها ، واصبحت تحت وابل "رصاص" الانتقادت المطالبة باستقالتها كي لا تشوه أكثر سياسة فرنسا الخارجية ، خصوصا بعد التردد الواضح في مواكبة الثورة المصرية ، مما حسب سلبا عليها بأنه مساندة لنظام مبارك المخلوع.
ومن هنا بدأت الحلقة الدفاعية والمساندة لها تضيق من حولها ، وتخلى عنها تدريجيا الحلفاء ، بعد التيقن بأنها أمست ورقة محروقة ، تحرق كل من يقترب منها مدافعا عنها. وهو ما أدى إلى  رفع الغطاء عنها من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ، وهذا ما تم فعلا ، خصوصا وان ساركوزي ، يواجه إنخفاض شعبية في استطلاعات الرأي في بلاده ويستعد لخوض الإنتخابات الرئاسية بعد 14 شهرا ، لذلك فهو ليس بحاجة إلى عبء اضافي يضاف على كاهله المثقل بأعباء الداخل ومواجهة المنافسين من اليسار واليمين ، ناهيك عن اعباء الخارج من ثورة تونس ومصر وليبيا وما شاب موقف بارس من تردد سلبي ولهاث لمواكبة الأحدات جاء في أغلب الأحيان متأخرا. 
وعليه فقد استبقت ماري التسريبات التي راجت في الإيام الأخيرة والتي قالت بخروجها من سدة الخارجية الفرنسية بتعديل وزاري سيعلن عنه ساركوزي ، فقدمت استقالتها الإستباقية مع تأكيدها على انها لم تقترف ما يسيء إلى سمعة السياسة الخارجة الفرنسية!
والملفت للمتابع هو تزامن إستقالة ماري مع إستقالة أخر أقوى رجال بن علي وزيره الأول محمد الغنوشي الذي بقى في منصبه بعد رحيل بن علي يصرف الأعمال ويقود دفة المرحلة الإنتقالية رغم زخم المطالب الشعبية المطالبة باستقالته والتي رضخ لها أخيرا يوم أمس الأحد.

إن كل من الوزيرة ماري والوزير الأول الغنوشي حملا وزر بن علي لكن عن جدارة ، ولن تنسى ثورة الياسمين لهما ما كان من سابق تعاون مع الرئيس المخلوع. وهذا هو الدرس الذي على كل سياسي أن يعيه ، وهو إن الشعوب هي من يجب أن تساند لا الأنظمة الديكتاتورية والقمعية. والأهم هو إثبات فشل المعادلة الغربية القائلة " بتغليب المصالح والإستقرار (وان كان نتيجة القمع) على المباديء" ، هذه المعادلة اثبتت خطأها ويجب استبدالها بمعادلة جديدة تقوم على " تغليب المباديء ومصالح الشعوب وصداقتها على دعم "الإستقرار" المتأتي من نظم قمعية ، لأن هذه المصالح ستزول بمجرد زوال هذه الأنظمة الهشة التي اظهرت الثورات الشعبية عورتها القبيحة واثبتت إن "الإستقرار المتأتي منها هو أيضا استقرار هش ووقتي. بينما علاقة المصالح القائمة مع الشعوب والأنظمة الديمقراطية هي مصالح أكثر ديمومة واستقرار" وهذا ما يجب أن يكون ديدن السياسة الخارجية الجديدة للغرب ، إن أراد مواكبة الحدث لا امتصاصه.

والأمر في النهاية متروك للشاطر الذي يعي الدرس ، فيضمن نجاحه في الإمتحان..!

 

28.02.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter