| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

الأحد 1/1/ 2012                                                                                                   

 

صدقنا وكذبتم .. انسحب الأميركان من العراق

مصطفى الأدهم *

على مدى سنوات عمر "العراق الجديد"، كان "السيرك" العربي الطائفي، مصحوبا بفرقة "البعث" للإنشاد الدموي، وارشاد شيوخ التكفير، يتجول من عاصمة إلى أخرى ومن "قطر" عربي إلى أخر شقيق، ومن محطة فضائية إلى أخرى أرضية، ومن ستوديو إلى أخر ومن صفحات هذه الجريدة إلى صدارة تلك الصحيفة، عارضا براعاته البهلوانية في فنون الطائفية السياسية من جهة والشوفينية القومية من جهة، مع مشاهد حصرية في تشويه صورة العراق، وسمعة العراق وواقع العراق. وبالتالي تشويه صورة العراقي وسمعة العراقي وما بينهما قتل العراقي بين التكفير والتفجير وثالثما التخوين.

رسالة هذا السيرك كانت:
• لن ينسحب الإحتلال الأمريكي من العراق. حتى بعد 50 سنة.
• أن الإنسحاب الأمريكي من العراق، ما هو الا مسرحية، تنتهي ببقاء أكثر من قاعدة عسكرية له.
• اقليم كوردستان سيكون مقر قيادة قوات الإحتلال بعد مسرحية الإنسحاب وسيضم أكبر قاعدة أمريكية في العراق.
• الإتفاقية الأمنية - أتفاقية الإطار الإستراتيجي - بين كل من العراق والولايات المتحدة ما هي إلا حبر على ورق من أجل تسكين الشعب وتضليل الإعلام. العبرة في ملاحقها السرية التي ستبقي قواعد احتلالية.
• السفارة الأمريكية في بغداد ستكون الأكبر في العالم. كادرها يتكون من 30000 موظف. بعدها ادعوا أنه سيتكون من 15000 موظف. ونزل العدد حتى توارح بين 3000 - 5000 موظف.
• الشركات الأمنية الأمريكية ستحل محل قوات الإحتلال، وعناصرها ستتواجد بالالاف في العراق.
• لن يتم الإنسحاب الأمريكي حتى الصوري منه في نهاية العام 2011.
• ستعطى الحصانة للجندي والمدرب الأمريكي في العراق.

كانت هذه بأختصار أهم "النوطات" التي عزفت عليها أوركيسترا الإعلام العربي بشقيه؛ القومي و الطائفي، ترافقه في مشهد ملفت فرقة الوهابية للإنشاد التكفيري. وعن هذه النغمة النشاز التي أهلكت الحرث والنسل في العراق، كتبت المعلقات وأطنان من المقالات، ومئات الكتب وآلاف الدراسات، تشرح "الأبعاد الإستراتجية" و"القطب المخفية" .. "في العمق" في "ما وراء الخبر" من "المشهد العراقي" و"بالعربي".. "من العراق" وان كان "ألإتجاه معاسك"ا، ف"أكثر من رأي" يمكن سماعه، لكن لا صوت يعلو فوق أنكر الأصوات؛ الطائفية. ونقطة على السطر.

تناقلت هذه المعلقات "التحليلية" الكثير من الألسنة ل "مفكرين" "عزم"وا أن يحرورا العراق من دنس الإحتلال بعد "تخاذل" أهله من الصفوية والإنفصالية، وكانت أرض الأستوديو هي ساحة صولاتهم، ومنبر الجمعة في الدوحة والرياض هو ساحة جولاتهم في التعبئة والتحريض لخوض غمار حرب "التحرير المقدسة".
وما أن يدعو أحدهم في الأستوديو أو من المحراب ب"خلاص العراق من الإحتلال ودنسه"، حتى يمطر العراق بسيل من المفخخات والأحزمة الناسفة تحرق الأسواق وتهدم دور العبادة من الجوامع والمساجد والحسينيات والكنائس وتفجر الجامعات والمدارس ورياض الأطفال وتدمر الوزارات والدوائر الرسمية.. وتقتل الفقير والغني، والمدني والعسكري، الوطني و"العميل"، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الاسلامي والليبرالي، والمؤمن والملحد، السني والشيعي، والكوردي والعربي، الصابئي والمسيحي، والتوركماني والايزيدي..

على هذا المنوال ظل جرح الوطن ينزف أهله، وظلت بغداد تدمع دما بعد أن منع عنها دجلة. ما أن تحاول النهوض كي تضمد جرح العراق، حتى تأتيها طعنة من قبل تارة من دبر تارة أخرى.. وحالها هو حال مع اخواتها.
فأضحى العراق كالحسين يوم عاشوراء، ينادي هل من ناصر؟ فلا يجيبه أحد!
وهو في الطف بين أن يحمي نسائه وعياله، وبين أن يلملم أشلاء أنصاره ورجاله وما بينهما شموخه الذي لم ينكسر بين السلة والذلة.
فكان هو المنتصر ..
هيهات منا الذلة .. كانت شعار العراق على مدى 8 سنوات وما قبلهن.

البارحة كان الدليل، واليوم برهان صدق الخبر .. القديم الجديد .. لقد انسحب الأميركان من العراق في أواخر عام 2011 ولم تبقى لهم 50 قاعدة. ولم يحتضن أقليم كوردستان قيادة عملياتهم ولا أكبر قواعدهم. ونفذت حتى الأن الإتفاقية الموقعة بين البلدين. ولم تعطى حصانة للجنود، ولا للمدربين حتى التابعين لحلف "الناتو".
أنسحب الأميركان وفقا للشروط العراقية وظروفهم الداخلية وتم ما أردناه رغما عن أنوفكم. فحجم سفارتهم ليس الأكبر في العالم كما كذبتم. بل حاله حال ما هو موجود في اليابان، ألمانيا، كوريا الجنوبية والمكسيك. وعدد الكادر لا يتجاوز ال 2000 موظف ويتناقص كما صرح أكثر من مسؤول عراقي والناطق الرسمي بأسم السفارة الأمريكية في بغداد. كما لا توجد المئات من الشركات الأمنية ولا الاف من عناصرها بديلا عن القوات المنسحبة.

بينما حزم أخر جندي أمريكي أمتعته منسحبا من العراق، تنفيذا للإرادة العراقية وتطبيقا لبنود الإتفاقية الموقعة بين الطرفين، التي لم تظهر حتى الساعة مؤشرات على بنود سرية لها، يقبل (بضم الباء) بسطال هذا الجندي من كان يشتمنا بالأمس من على منبر الجمعة وكرسي الأستوديو، كي يقبل (بفتح الباء) أن يدخل لهم فاتحا محررا، بعد أن كان عندنا محتلا غازيا!

بينما كان يكفرنا ويعيرنا الشيخ القرضاوي وشيوخ الإرهاب الوهابي في السعودية مع "مفكر القومية" على "عدم مقاومة" الإحتلال الأمريكي الصهيوني الصليبي الغاشم - الذي لا يمكن الوثوق به ولا الركون لوعوده الوردية وشعاراته الكاتورنية - ها هو القرضاوي نفسه يفتي بحلية الإستعانة بالغزاة الأميركان وحلفائهم في حلف "الناتو" كي يفتحوا له البلدان، فيجلس اخوانه على عروشها فلا ينقضوا اتفاقيات السلام!!
بل ينفذون تصريحه القائل بمعاملة أميركا، واسرائيل والغرب عموما بالحكمة..
وحينما يسأل احدهم عن فلسطين؟
يجيب: عندي مليون عاطل عن العمل!
والتبرير جاهز وعلى لسان نفس المحللين والمفكرين والكتاب ومن على نفس الاستويوهات لنفس القنوات. حتي المنابر هي هي!

المشهد مستمر مذ لخصه ببلاغة الشاعر الدكتور الشيخ أحمد الوائلي - رحمه الله - في عينيته العصماء "رسالة الشعر".

ويد تكبل وهي مما يفتدى ..... ويد تقبل وهي مما يقطع
ويصان ذاك لأنه من معشر ..... ويضام ذاك لأنه لا يركع
وبراءة بيد الطغاة مهانة ..... ودناءة بيد المبرر تصنع
كبرت مفارقة يمثل دورها ..... بأسم العروبة والعروبة أرفع

انحسب الأمريكان من العراق بلا قواعد. وقواعدهم عامرة في المنطقة، وقيادتهم في "العديد" في الدوحة قائمة مجاورة لمنبر ومنزل الشيخ القرضاوي. واسطولهم الخامس ينعم في مرافيء البحرين.
انحسب الأميركان من العراق البارحة، فنزلوا في قواعدهم عندكم.
فصدقنا ..
وكذبتم .
وعدنا ..
فأنجزنا .
و وعدتم ..
فأخلفتم .
حلفنا ..
فنفذنا .
وحلفتم
فأحنثم .

ويحكم ما أصلفكم؟
أي أحمق سيصدقكم ؟!

• مبارك للعراق وأهله يوم الوفاء .. يوم السيادة
• عام سعيد حامل بالعطاء والأمن والأمان على العراق واهله. كل عام وانتم بألف خير.


01.01.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter