| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

السبت 19/2/ 2011                                                                                                   

 

البحرين والنفاق الأمريكي!

مصطفى الأدهم *

ما إن نجحت الثورة المصري بإطاحة آخر فراعنة قاهرة المعز، حتى خرجت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتصريحها حول ما اسمته (النفاق الإيراني) تجاه الثورة المصرية. وهو التصريح الذي تلقفته فرقة الإنشاد الطائفي للإعلام العربي بالتهليل والتبريك والتحليل. لكن ما هي إلا أيام حتى ثار الشعب البحريني على ديكتاتورية الأقلية التي تشق وحدة الشعب البحريني بتمييزيها الطائفي المتعمد والممنهج تجاه الأغلبية الشعبية والتاريخية في البحرين.

هذه الثورة الشعبية السلمية التي وضعت كل من الحكومة غير المنتخبة في البحرين ودول الخليج وامريكا في موقف حرج بل وضعتهم في خانة "أليك". حيث جاء (وكما هو متوقع) التعاطي الرسمي لحكومة البحرين غير المنتخبة مع مثيلاتها الخليجية من زاوية طائفية مقيتة بحتة، رافقها شبه تعتيم إعلامي في البداية مع تخبط إزاء الشكل الذي يجب أن تكون عليه هذه التغطية الإعلامية فيما بعد، عندما فاحت ريحة الدماء التي سالت من أجساد الشباب البحريني المتظاهر سلميا على يد ازلام الأجهزة الأمنية التي يفترض انها بحرينية وكل افرادها إما من لون طائفي أقلاوي صرف أو من غير البحارنة وبالتالي من غير حتى العرب كالبلوش والباكستانيين وغيرهم.

أقول عندما إمتلأ ميدان اللؤلؤة في العاصمة المنامة عن بكرة أبيه بالاف البحارنة من شيب وشباب ونساء واطفال وقبلها التظاهرات التي جابت شوارع البلد حاملة شعار "لا سنية ولا شيعية .. بحرينية بحرينية" مطالبين بالإصلاح السياسي وإنهاء التمييز الطائفي الحكومي والتجنيس للأغراض الطائفية والسياسية لتغيير التركيبة الديمغرافية للبحرين والقضاء على البطالة وانتهاج سياسة تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد، بدل تغليب لون على أخر أو تفضيل الأجنبي على المواطن الأصيل لأغراض طائفية مقيتة بحتة. واجهتهم قوى الأمن والشرطة بالقمع واستخدام الرصاص الحي في استهداف مباشر للصدور العارية لكل من تظاهر سلميا للتعبير عن رأيه مع العلم إن التظاهرات كانت مختلطة هذه المرة أي سنة وشيعة مع أغلبية واضحة للشيعة البحارنة، وهذه بديهية لأن الشيعة هم الغالبية السكانية إنتماءا لا تجنيسا ولهذه الأغلبية مظالم معروفة ومشروعة تجاه النظام الحاكم الذي يفترض به إن يكون عاقل وأيجابي في التعامل معها .. لكنها الغدة الطائفية السرطانية التي تعاني منها كل الأنظمة العربية غير المنتخبة تجاه الأخر الطائفي سواء كان هذا الأخر أقلية أم أكثرية كما هو الحال في الحالة البحرينية.

لقد فوجيء النظام البحريني بقوة المظاهرات هذه المرة وشموليتهاا الشعبية ، حتى بدا عاجزا للوهلة الأولى عن كيفية التعامل معها ، وهو الذي شاهد قبل أيام إنتصار الثورة الشعبية في كل من تونس ومصر ، لكنه حزم أمره سريعا ، وحدد خياراته التي جاءت من نسق القديم المتعارف عليه، أي إن تكون أمنية قمعية بحتة. مع المحاولة جهد الإمكان لأعطاه التظاهرات سمة طائفية، ثم لا قانونية ، وبعدها تخريبية ، مما يعني انها محركة من الخارج،  فيسهل عليه قمعها دون إعتراض خارجي كونه لا يهتم إلى الداخلي منه. وتسارعت حكومات الخليج لنصرة شقيقتها البحرينية في "فزعة" طائفية غير مخفية، على المستوى الرسمي والسياسي والأمني والإستعداد حتى العسكري. رافقتها النصرة الإعلامية المتراوحة بين التعتيم والتشويه قدر المستطاع لهذه الثورة وشعارتها واهدافها الوطنية المحقة. فابلت بلاءا حسنا في الأخيرة فلم نعد نرى الفرق في التغطية بين الجزيرة أو العربية الذي كان واضحا في تغطيتهما لثورة تونس ومصر. 

لم تكن مستغربة ردة الفعل الطائفية لحكومة البحرين غير المنتخبة، أو القمع الوحشي والقتل العمد الذي قامت به الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة البحرين غير المنتخبة، لكونها سياسة راسخة وممنهجة دأبت عليها ازاء المطالب الإنسانية والعادلة لشعب البحرين. ولم يكن بمستغرب تصريح الوزير البحريني غير المنتخب، الذي حاول جاهدا تبرير القمع والقتل الذي اقدمت عليه أجهزة حكومته الأمنية ، من خلال محاولته إلباس الأمر ثوب الطائفية المقيت. وهذا بحد ذاته عار ، إن يكون مبرر أي حكومة لقيامها بقتل مواطنيها كونهم فقط من طائفة غير طائفة الحاكم بأمره!
أضيف ولم تكن مستغربة "الفزعة" الرسمية والإعلامية وحتى العسكرية الخليجية المؤيدة لنهج النظام البحريني بقتل أبناء شعبه ومنعهم من الوصول إلى المستشفيات أو تلقي العلاج أو حتى تشييع شهدائهم ودفنهم بكرامة. وما رافق ذلك من إنشاد طائفي ودعارة إعلامية مقززة قامت بها الأذرع الإعلامية الصفراء وابواق التحريض الطائفي والأقلام الطائفية  لتلك الحكومات غير المنتخبة، فهذا كله متوقع من حكومات تستمد "شرعيتها" من شد وتر العصب الطائفي والنفخ في نار التفرقة بين أبناء الشعب والدين الواحد على اسس مذهبية.

لكن "المستغرب" هو رد الفعل الأمريكي الفاتر والمقتضب المتراوح بين دعوة حكومة البحرين غير المنتخبة "لضبط النفس" - وكأنها والحال هذه تواجه استفزاز من جماعات مشاغبة أو خارجية - وليس من أغلبية شعبية ذات بعد وطني! و "وجوب عدم إستخدام العنف تجاه المتظاهرين" - وهي أي الإدارة الأمريكية دأبت وكما اشارات وثائقها المسربة وعلى لسان سفرائها ومسؤوليها على نفي "حجج" الحكومة البحرينية التي ترمي إلى إعطاء الحراك الشعبي المعارض بعدا خارجيا. والمستغرب الثاني في هذا السياق هو التناقض في التعاطي الأمريكي مع ما جرى في بلدان مختلفة مشابه لما يجري في البحرين.. انها الفلسفة الأمريكية الفاشلة والتي جلبت لها الكره الشعبي عبر مساندتها الأنظمة الديكتاتورية والإستبداد على حساب حرية الشعوب - أي تفضيلها الوقوف إلى ما تسميه "الإستقرار" على الديمقراطية التي تعد قيمة أساسية لها بالإضافة إلى كونها حاجة إنسانية كما كتبت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس. وهذا بحد ذاته خطأ دفعت وما زالت الولايات المتحدة ثمنه من رصيد مصداقيتها وصورتها تجاه مبادئها الأساسية وتجاه شعوب المنطقة.

الربح يكون في عدم استعداء الشعوب عبر مساندة من يقمعها لأنه يجلب "إستقرارا" هشا وقتيا لا بد أن يزول في يوم ما، عندها ستخسر أمريكا صداقة الشعوب مع خسارة الحاكم المستبد لعرشه.

إن الشعب البحريني وضع الإدارة الأمريكية في خانة "أليك" عندما إنحازات إلى جانب القمع على الحرية والإرادة الشعبية، وادخلت ثورة الشعب البحريني السياسة الخارجية الأمريكية في زاوية النفاق المفضوح الذي اتهمت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إيران بممارسته تجاه الثورة المصرية.

السؤال المهم هنا ، هل ستعي الإدارة الأمريكية - السياسية الخارجية الأمريكية الدرس الذي يفترض انها تعلمته من مواقفها المتذبذبة والمتأخرة تجاه الثورة التونسية والمصرية، المتمثل في كسر القاعدة السابقة القائلة بتغليب الإستقرار على الديمقراطية واستبدالها بالمعادلة الصحيحة القائلة بتغليب الديمقراطية واراده الشعوب وتحررها على "الإستقرار" المتأتي من قمع الأنظمة الديكتاتورية؟

 

19.02.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter