| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

الجمعة 17/6/ 2011                                                                                                   

 

الإجتثاث الثوري في الربيع العربي

مصطفى الأدهم *

ما كاد نظام عربي ديكتاتوري يسقط، حتى تعالت الأصوات الشعبية، الثقافية، الصحفية والسياسية منادية: التطهير ... التطهير!.. والتطهير هنا، ليس للمولود الجديد. بل هو، للمولودة الجديدة ´الدولة´ - ما بعد الثورة.
كنا في العراق الجديد وما زلنا، نقول، بوجوب الإلتزام بتطبيق الدستور، الذي يلزم السلطات باجتثاث حزب البعث الفاشي فكرا واعضاءا من اصابة جسم السلطات الثلاث فيدراليا أو محليا، بفايروسه القاتل. وعلى الرغم من "بحة" الصوت العراقي الحر الزائر بعدم السماح للبعث والبعثية، أن ينجسوا مرة أخرى أرض الحياة السياسية، الثقافية، والعامة في العراق، لكن بعض أهل السياسة، ما فتيء يدافع عن عار البعث واجرامه، وكان وما يزال يضغط بكل الوسائل القذرة من أجل الاستحصال على مكاسب، تحسب لصالح فك الطوق الدستوري عن البعث الفاشي.
والأغرب، هو، ما يقوم به بعض الساسة ممن تضرر من اجرام البعث، حيث يقوم هذا البعض ساهيا، أو عامدا، لتافه المرحلي من الأسباب بتخفيف "الكلبجات" القانونية عن البعث والبعثية! وفي هذا رضوخ مقرف لضغوط كل من الداخل والخارج الذي يجاهر بعار الدفاع عن البعث الفاشي...
فكم هوجمنا نحن أهل العراق، من الخارج العربي، شعبيا، ثقافيا، اعلاميا وسياسيا نتيجة الإصرار والعمل على اجتثاث البعث. حتى صار البعض ممن يمثل العراق، وحين تستضيفه فضائية عربية ما، ترتعد فرائصه، ويتلعثم لسانه، ولا تسعفه كلماته، حينما يسأل عن السياسة "الظالمة" لإجتثاث البعث "البريء والحباب" في العراق، والذي لا ذنب له سوى أكل المشوي من الكباب!!!
على مدى ثمانية اعوام، كان موضوع أجتثاث البعث في العراق، هو، وجبة رئيسية دسمة على مادة الأخبار، في مطعم الفضائيات العربية. وكان الموضوع، محل رصد، وتحليل، وكثرة أقاويل من هنا وهناك. حتى راح البعض العربي، يدعو بصلافة قل نظيرها إلى أن يشرك البعث الفاشي في العملية السياسية، كي تتحقق "المصالحة الوطنية" التي عساها لا تحققت أن كان الغرض منها، هو، مصالحة البعث.

وكم من مرة، قيلت القصائد العذرية، في مخاطر "انسانية" ناتجة عن اجتثاث البعثية من مفاصل الدولة، كالوزارات، الدوائر والجامعات. وكم من دمعة ذرفت في "جادر" الفضائيات والمؤتمرات على حرمان البعثية وعوائلهم من مصدر رزقهم، بعد اخراجهم من الوظائف الحكومية. وكم من ضحكة شماتة، ونظرة استهزاء، كان مصدرها مذيع أو مذيعة، أو محاور أو محلل، أو مفكر عربي، عندما كنا نقول بأن فلول النظام البائد، وبقايا البعث، لهم اليد الطولى مع شراكئهم من التنظيمات الإرهابية فيما يحصل في العراق الجديد من أعمال اجرامية وارهابية، تطال الجميع.

كم سخروا منا، حين سماعهم كلمات رددناها، ومازلنا، لها مصاديقها على أرض الواقع، من قبيل (فلول النظام السابق، بقايا البعث، ازلام الأجهزة الأمنية القمعية، بعض كبار ضباط الجيش السابق، رجال أعمال كان لهم ارتباطات وثيقة مع أركان النظام السابق، ألخ من القائمة المعروفة)، حيث كان لسان الحال العربي، يقول، ما هذه الا شماعة جديدة، تريدون تعليق فشل تجربتكم عليها، أو أنها خدع الإحتلال واعوانه، أو أنه الحقد على البعث والبعثية، وهل يعقل أن يكون لهذا الفصيل كل هذه القوة في التخريب والتدمير، وكيف لم يحمي نفسه، ألخ من دنيء التبرير وتافه السؤال...

وما هي إلا سنوات بعد سقوط نظام البعث في العراق، حتى هب الربيع العربي بنسائمه على المنطقة، وسقط نظام بن علي في تونس، ولحقه نظام مبارك في مصر، والحبل على الجرار، ومنذ تلك اللحظة التي سقط فيها نظام بن علي في تونس، بدأنا نسمع نفس الصوت العربي، بنفس اللسان العربي، يغني مع الأرض عربي وبالعربي العامي والفصيح، كل العرب تصيح : الإجتثاث الإجتثاث.. أو وفق شعار الثورات "الشعب يريد الإجتثاث"..!؟
فسبحان مغير الأحوال، بالأمس كانوا يشتموننا حينما كنا ننادي بالإلتزام بتطبيق الإجتثاث، واليوم هم أنفسهم من ينادي له ولضرورة العمل به، اسوة أو استنساخا للتجربة العراقية!!

منذ سقوط نظام بن علي في تونس، ونظام مبارك في مصر، ونحن نسمع بجمعة "التطهير"، و´الخوف من عودة الأحزاب الحاكمه بوجوه جديدة، بعد أن تم حلها من القضاء، والسبب هو وجود أثرياء لهم أجندة مضادة للثورة، يسعون لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، اجهاضا للثورة الشعبية، وان الثورة لن تكتمل إلا بالتطهير الشامل من كل بقايا النظام في مؤسسات الدولة، لأن ولائهم هو للنظام السابق وليس للثورة´!! - أليس هذا عين ما يقوله اللسان العراقي!

و رأينا المظاهرات في كل من مصر وتونس المطالبة بضرورة تطهير المؤسسات من ازلام النظام، وبالأخص وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية وضباطها، ورمي كل عمل تخريبي عليهم. مع وجود تبني وترويج ودفاع عربي عام  أعلامي وفكري لهذا الطرح الذي اتفقوا فيما سبق على معاداته في الحالة العراقية!
وعليه، لماذا يحل للعرب في ربيعهم ما يحرم على أهل العراق؟ وصدام هو هبل الإرهاب، ومناة الإجرام، ولات الطغيان، وصنم الديكتاتورية الأكبر، وفرعون التطهير العرقي الأكثر دموية عبر التاريخ!
أليس هذا كيل مفضوح بمكيالين، من جانب كل من الشعوب والنخب العربية؟!
ألا يعد هذا، تناقض صارخ، يغتصب الحيادية؟ ويعدم الإنسانية؟ ويقتل العدالة في الطرح والتعاطي؟
ألا يعد هذا التناقض العربي، الذي يساند الجلاد على حساب الضحية في العراق، بمثابة المشاركة في الحرب التي يخوضها البعث والإرهاب على شعب العراق؟ - يشم منها رائحة النازية الطائفية الكريهة، والشوفينية القومية المقيتة؟!..

الجواب، وببساطة وبكل أسف هو، نعم. وهذا ما يكرس ما أسميته الرأي الواحد في التعاطي والتغطية، دونما رأي أخر، كما تدعي القنوات "الثورية"، والدافع هو المصالح والعصبية الطائفية الجاهيلة. ومن هنا نصل الى المؤشر المحزن على السقوط المبكر لجنين الديمقراطية من رحم أمه - الربيع العربي - حيث لا يمكن للديمقراطية أن تتعايش في مناخ الإزدواجية والانتقائية الطائفية، فتحلل لمصر والمصريين، ولتونس والتوانسة، ما تحرمه على العراق والعراقيين، مع الأخذ بعين الإعتبار أن أهل العراق قد قمعوا أضعاف مضاعفة تفوق ما يمكن أن يتخيله العقل المصري أو التونسي الذي ذاق مر بن علي ومبارك. 

أن للربيع العربي محاسنه الكثيرة، التي كان أولها اسقاط الأنظمة ومن اخرها فضح الإبتذال الرخيص الذي مارسته النخب والفضائيات العربية "الثورية" تجاه الحالة العراقية، حيث هجوا أهل العراق بحجة سياسة الإجتثاث للبعث الفاشي، واليوم نفس الأصوات ونفس القنوات بعد أن أصبحت "ثورية" وخلعت ثوب "المقاومة" تروج وتدافع عن حق كل من أهل مصر، واهل تونس، باجتثاث بعثيتهم - "وان لم ينتموا" ...

شكرا لربيع العرب، الذي فاق ويكيليكس في فضحه التناقض الصارخ الذي تعاني منه الشعوب والنخب على حد سواء.

 

17.06.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter