| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

الأثنين 14/2/ 2011                                                                                                    

 

العراق وحمى المناصب المستحدثة!

مصطفى الأدهم *

ما إن جلس رؤساء واعضاء الأحزاب السياسية على كراسيهم الوثيرة، كزعماء وممثلي كتل نيابية بعد أن كانوا مرشحي قوائم إنتخابية، حتى تنكروا للعهود التي أخذوها على انفسهم تجاه ناخبيهم، و(غلسوا) على الوعود التي قطعوها للشعب قبل واثناء الحملات الإنتخابية (وحتى بعدها لكن بوتيرة منخفضة) لجهة أستيعابهم الدرس الإنتخابي الذي لقنه الشعب - الناخب لتلك الكتل والشخصيات، حيث أذل الشعب - الناخب بعضها وأعز بعضها الأخر إنتخابيا، وشطب على فلان فلم يمنحه فرصة الدخول للبرلمان وأعاد إنتخاب علان مع وجوه جديدة.

واطربنا ممثلو الكتل ومن ينطق بأسم الأحزاب بأهمية إن تكون الدورة الحالية مختلفة عن سابقاتها وان تكون متميزة كون هذه الكتل والأحزاب، برموزها ورؤسائها وقياديها يصرون على الخروج من الشرنقة المحاصصاتية (بمثلثها القومي والطائفي والمذهبي) إلى الفضاء الوطني البحت، مع تركيزهم على اعطائنا صورة ناصعة عن خططهم في حال وصولهم إلى مواقع المسؤولية والتي سوف تتضمن من جملة أمور، محاربة الفساد المالي والإداري والمحسوبية وتقليل الموازنات الأسطورية للرئاسات والمسؤولين بأضافة إلى العمل على تحسين الملف الأمني والسعي لتوفير الخدمات للمواطن - الناخب.
 
لكن الذي جرى ويجري على أرض الواقع السياسي في العراق اليوم، هو معاكس تماما لتلك الوعود الوردية والعهود المثالية وما رافقهما من شعارات وطنية، ما فتيء يغرد نغماتها بلابل الكتل البرلمانية بغية تدغيغ مشاعرنا .. أقول ما إن جلس هؤلاء السادة على كرسي المسؤولية وأصبحوا بفضلنا من أصحاب السعادة والمعالي والسيادة، يلتحفون الحصانة ويتدثرون "بالأمانة" التي حملهم اياها الشعب الناخب ، حتى بدئت حمى التكالب على المناصب فيما بينهم، فرتاهم حاملين السكاكين لتقسيم كعكة السلطة الشهية ، وفق مقاسات محاصصاتية (ذات أبعاد قومية تارة وطائفية تارة ومذهبية تارا أخرى) وبحجة "التوافقية" ، إلا لعنة الله على التوافقية التي تؤدي إلى إن تكون التشكيلة الوزارية مترهلة بدل أن تكون رشقية يسودها الإنسجام وسهولة العمل الجماعي كي تكون المحصلة سرعة في الإنجاز، إي سرعة في خدمة الشعب وتوفير متطلباته وهو الذي تجرع الحرمان لعقود على يد الصنم المقبور وحزبه الساقط ، وبعد تلك الحقبة المظلمة صبر الشعب النبيل على الإرهاب وانعدام الأمن والخدمات، وفوق هذا كله صبر على السياسيين وخلافاتهم و(عركاتهم) أكثر مما "صبروا" هم أنفسهم على بعضهم البعض!

فأي صبر لهم و"واحدهم" لا يصبر أن يكون فقط عضوا في مجلس النواب متشرفا في تمثيل هذا الشعب النبيل.
بل كل واحد منهم يريد قضم ما تطاله أسنانه من مناصب وهذا هو بيت الداء ومربط الفرس أي الشهية المفتوحة على المناصب وعدم الإكتفاء بمنصب عضو مجلس نواب (وكأن النيابة أصبحت عارا يتجنبها بعض "الزعماء") التي أدت أي تلكم (العين الفارغة) إلى صولات من المجالات السياسية وحملات من الترضية السيادية وفق قاعدة جديدة مفادها استحداث مناصب وليدة، كي تسد رمق السادة "الزعماء" حتى لا يزعلوا أو (يطنكروا) على بعضهم البعض مما يفسد قانونهم الفيزيائي للحكم "الرشيد" (شيلني واشيلك - أي شيلني اليوم بمنصب مجاملة، أردلك ياها إبمنصب رفع عتب باجر) وعلى هذا المنوال انتهينا إلى خارطة مناصب كبيرة أكبر من حجم الضرورة لها، لا تقدم أي خدمة سوى لشاغلها شخصيا وكتلته أو حزبه بشكل عام.

هذا بالإضافة إلى ما أصاب هذه الدورة على المستوى التشريعي (البرلمان) والتنفيذي (بشقيه مجلس الوزراء والرئاسة) من ترهل لكثرة الكراسي الجديدة وما تكلفه إقتصاديا وامنيا مما يضيف اعباءا جديدة على كاهل الموازنة العامة يدفع ثمنها المواطن العادي من نقص في الخدمات وعدم عناية بالفارق الهائل في "سلم" الرواتب بينه وبين أصحاب السيارات المدرعة - هذا طبعا في ضل عدم وجود سلم للرواتب حتى الأن يحد الفوارق والزيادات.

وبنظرة إحصائية على الدورة السابقة والحالية بغية المقارنة بينهما على مستوى عدد المناصب وما يتبع ذلك من تكلفة إقتصادية وامنية نرى التالي: 
 
في الدورة السابقة بشقيها التشريعي (البرلمان) والتنفيذ (مجلس الوزراء ومجلس الرئاسة)، نرى الأتي:
مجلس النواب كان مكون من 275 عضو.
مجلس الوزراء كان مكون من 40 عضو (بينهم رئيس الوزراء ونائبين).
مجلس الرئاسة (الذي يفترض دستوريا إن ينتهي العمل به بأنتهاء الدورة السابقة، لكن جرى تعديل القانون لدواعي "الترضية الوطنية") كان مكون من 3 عضو.

أما ما سمي بالمجلس السياسي والمجلس التنفيذي، فكانا يتكونان من أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية، دون أعضاء جدد سوى ممثل السيد رئيس اقليم كوردستان.
فيكون مجموع المناصب في الدورة السابقة 318 عضو.

إما في الدورة الحالية بشقيها التشريعي (البرلمان) والتنفيذي (مجلس الوزراء والرئاسة) والتي كان يفترض أن تكون دورة رشيقة أخف وزنا من سابقتها فنرى الأتي:

مجلس النواب يتكون من 325 عضو. أي أرتفاع عدد الأعضاء بمقدار 50 عضو، لدواعي التمثيل بصورة أشمل وأدق وفقا للتقدير السكاني - وهذا عذر مقبول.
مجلس والوزراء يتكون من 48 عضو (من ضمنهم رئيس الوزراء ونوابه الثلاثة) أي بزيادة قدرها 8 أعضاء عن الدورة السابقة مع الأخذ بعين الإعتبار زيادة نائب ثالث لرئيس المجلس عن المجلس السابق.

مجلس الرئاسة (مجازا) لأن العمل إنتهى بصيغة مجلس الرئاسة بأنتهاء الدورة السابقة. لكن القانون عدل ليتم تسمية وإنتخاب نواب للرئيس. يتكون المجلس الرئاسي من 4 أعضاء يحتمل زيادتهم إلى 5 أعضاء (في حال إستمر الخلاف على ترشيح السيد خضير الخزاعي ومسألة تمثيل القومية التركمانية) بأرتفاع 1 إلى 2 عضو عن المجلس السابق وبأرتفاع 3 إلى 4 عضو عن الصيغة الدستورية السابقة التي نصت على رئيس للجمهورية فقط.

ولم تقف بورصة المناصب المستحدثة عند هذا الحد المذكور في هذه الدورة إما سيتم إختراع "أم الرئاسات" أو ما يمكن الإصطلاح عليه "رئاسة الرئاسات" الممثلة بالمجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية وما يقال - ويراد له أن يتكون من رئيس ونائب (ربما أكثر من نائب) وأعضاء بالإضافة إلى 100 خبير أو مستشار، مع أفواج حماية، ومقر مستقل، ميزانية خاصة تواكب ميزانية رئيس الوزراء - لرئيس المجلس وموازنة موازية لموازنة مجلس الوزراء - للمجلس يضاف لها رواتب وأمتيازات ومخصصات ومنح اعضائه، ذلك لأن المجلس المذكور يملك رئيسه نفس الشخصية الإعتبارية لرئيس الوزراء .. أي حكومة برأسين، شبيهة بالشعار الروسي النسر ذو الرأسين!
في المحصلة يكون مجموع المناصب في الدورة الحالية "الرشيقة" 480 عضو (في حالة إنتخاب نائب رابع لرئيس الجمهورية واذا ما تشكلت "أم الرئاسات" المجلس الوطني للسياسات وضم رئيس بنائب واحد مع 100 خبير أو مستشار).

وعندما نقوم بمقارنة النتيجتين النهائيتين لمجموع المناصب في الدورة السابقة والحالية لإيجاد الفارق بينمها تكون النتيجة على الشكل التالي:
(الدورة الحالية 480 منصب - الدورة السابقة 318 منصب = 162 منصب زائد ومستحدث) في الدورة الحالية التي كان يفترض كما أسلفنا نقلا عن تصريحات الكتل السياسة إن تكون تشكيلة أرشق من سابقاتها.

إن زيادة بمعدل 162 منصب جديد يمكن وصفها بحالة التضخم المناصبي الذي باتت تعاني منه العملية السياسية والحياة السياسية، ويشخص لوجود خلل واضح في أدارة اللعبة السياسية وقواعد التداور على السلطة. هذه 162 منصب مستحث في الدورة الحالية السمينة لا الرشقية كما يفترض أن تكون، ستشكل عبئا قويا على الموازنة العامة للدولة وستثقل كاهل المواطن (لأنها ستحرمه كي تعطي للمسؤولين) وتصيب الجهاز الإداري بالترهل وفقدان التجانس مع صعوبة القيادة والتوافق لتعدد الرؤوس والأراء وتداخل الصلاحيات. 

المحصلة لن تقف عند هذا الحد بل سيتبعها المزيد من الأعباء والتكاليف الإقتصادية والأمينة المتأتية من ال-162 منصب جديد، ذلك إن كل منصب له رواتب، تقاعد، مخصصات، بدل خطروة، بدل سفر، منح، مكافأت، سيارات مدرعة ومواكب مرافقة، حمايات، مسكن وقطعة أرض بالإضافة إلى الجوازات الديبلوماسية والحصانات. ومن يستطيع إجراء هذه الحسبة ويعطينا الرقم النهائي لإجمالي التكلفة المالية لهذة التشكيلة، يسدي لنا خدمة نشكره عليها.

أقول إن حل الخلافات السياسية والمشاكل بين الكتل لا يجوز أن يكون وفق بدعة استحداث مناصب وليدة للمجاملة والترضية، لأن هذه على تكلفتها ستكون حلول مؤقتة وترقيعية بل ومرحلية لا فائدة ترتجى منها في سبيل خدمة الوطن والمواطن. إن الحلول يجب إن تكون سياسية بعيدة إن صيغة إدارة الدولة. ولا بأس إن تزعل الكتلة الفلانية أو حتى المكون الفلاني أو الشخصية العلانية وتكون في خندق المعارضة ، هذه ضاهرة صحية وديمقراطية ، ما دامت جميع المحافظات ممثلة وفق حصتها في المجلس النيابي مما يعني تمثيل كل المكونات والقوميات والأديان والطوائف والمذاهب والعشائر والأفرقاء السياسين ناهيك عن الأقليات.

أعتقد إن الحل للقضاء على هذا التضخم المناصبي يتمثل بتشريع قانون، يقنن بدعة الاستحداث للمناصب للدواعي المجاملاتية والمحاصصاتية، فيحدد بقانون السقف الأعلى الذي يمكن أن يتكون منه مجلس الوزراء، مع إلغاء مناصب نواب الرئيس كون المنصب في حد ذاته شرفي، ووأد "أم الرئاسات" أو "مجلس قيادة الثورة" - المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية، لعدم الحاجة له كونه إما إستشاري أي غير ملزم أو تنفيذي مما يعني حكومة برأسين، والسفينة التي يقودها قبطانان تغرق، كما يقول المثل.
إن زمام المبادرة هي بيد أعضاء مجلسي الرئاسة والوزراء لصياغة مشروع قانون يرسل الى مجلس النواب كي يقرأ ويعدل ويصوت عليه فيقر،  وينهي حالة الإنفلات في إبتكار المناصب والمسميات والصلاحيات.

والدعوة تشمل بكل تأكيد كل صحفي وأعلامي وكاتب وأديب وشاعر وفنان ومثقف عراقي وكل حقوقي واكاديمي وكل شاب وشابة عراقية، كي نشكل جماعة ضغط سلمية حضارية بالصوت والكلمة والقلم وندفع بأتجاه تشريع قانون يقنن ويحدد ويقونن عملية استحداث المناصب، ويضع حد لهذا التضخم المناصبي الذي استشرى في هذه الدورة.

 

14.02.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter