| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

السبت 14/5/ 2011                                                                                                   

 

قراءة في أبعاد تهديد رئيس الوزراء

مصطفى الأدهم *

في مؤتمره الصحفي الأخير، المنعقد يوم الأربعاء الماضي بتاريخ (11.05.2011) - لوح رئيس الوزراء نوري المالكي، ووفقا لوكالات الأنباء "بتقديم استقالته واسقاط الحكومة والمطالبة بحل مجلس النواب في حال رأى أن لا فائدة منه". وفيما بدا ردا منه على ´تهديد´ رئيس الوزراء ، أكد رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي خلال مؤتمر صحفي عقده أمس الخميس، بمبنى مجلس النواب، نقلته ´السومرية نيوز´ ، "إن أي جهة لا تستطيع اقالة مجلس النواب، إلا المجلس نفسه بالأغلبية المطلقة من عدد نوابه" مستدركا إن "رئيس الوزراء يستطيع تقديم طلب إلى رئيس الجمهورية للمطالبة بحل البرلمان، ولكن هذا الأمر يعتمد على قرار البرلمان نفسه بالأغلبية المطلقة، بواقع 163 نائبا".

أتى تلويح رئيس الوزراء بأسقاط حكومته وحل البرلمان (مجلس النواب) متزامنا مع ما اسميه ´صولة الرسائل´ بين كل من رئيس الوزراء وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من جهة وزعيم ائتلاف العراقية ورئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي من جهة أخرى. وهي صولة جديدة ضمن "حرب التنافس"  التي يخوضها الطرفان حول موقع رئاسة مجلس الوزراء بالإضافة إلى ما يمثلانه من خلفية سياسية متناقضة حول فهم وادارة دفة العملية السياسية والمرحلة الراهنة.
وتزامن تلويح رئيس الوزراء، مع اقتراب مهلة ال-(100 يوم) على الإنتهاء. وهي المهلة التي اطلقها سابقا من أجل تحسين الأداء الحكومي، وما تلا ذلك من تفاسير متباينة لمدة ال (100 يوم) بين كل من رئيس الوزراء وفريقه من جهة وخصومه ومنافسيه السياسين من جهة أخرى.
حيث يرى الفريق الأول أن المسؤولية "شخصية" يتحملها الوزير المقصر ومن ورائه كتلته النيابية التي رشحته وفرضته على رئيس الوزراء وعليه فأن على هذا "الوزير الفاشل" أن يرحل عن التشكيلة الوزارية ويستعاض عنه ببديل أفضل. بينما يقول الفريق الثاني بأن المسؤولية "تضامنية" بل يلمح إلى أن من يتحميلها هو رئيس الوزراء شخصيا بصفته قائدا لفريقه الوزاري، وعليه يتوجب عليه ترك الفرصة لغيره كي يقود دفة العمل الحكومي. 
وفي خضم هكذا شد وجذب وجولات من التصريحات والتصريحات المضادة وبعد صولة الرسائل ولد "التهديد" بأسقاط ´حكومة الشراكة الوطنية´ بيد رئيسها من  خلال استقالته مع حل البرلمان من خلال كتلته النيابية الأكبر "التحالف الوطني العراقي" والذي يشغل بدوره (154) مقعد من مقاعد مجلس النواب.

ونحن هنا بصدد قراءة وتحليل الإمكانية النظرية أي الدستورية لابعاد "تهديد" رئيس مجلس الوزراء بأسقاط الحكومة وحل البرلمان:

أولا: في امكانية اسقاط الحكومة. نناقش فرضية واحدة هنا وهي اسقاط الحكومة على يد رئيسها وهي موضوع المقال.
- يمتلك رئيس مجلس الوزراء ألحق الدستوري والقانوني لتقديم استقالته. وهذا ألحق هو جزء من الحرية الشخصية التي يمتلكها الشخص الشاغل لمنصب رئيس مجلس الوزراء، وهو بذلك لا يختلف عن غيره من موظفي الدولة. حيث لا يوجد نص دستوري يمنع رئيس مجلس الوزراء من تقديم استقالته من منصبه.
وعليه وعند أقدام رئيس مجلس الوزراء على تقديم استقالته وبعد دخولها حيز التنفيذ، "تسقط" حكومته بأعتبارها هي الأخرى مستقيلة.
وفي ذلك تشابه في النتيجة وليس في الخلفية مع نص المادة (61) ثامنا، من الدستور، والتي تنص على الأتي:
"تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء.".
لذلك وبعد كون الحكومة مستقيلة بأستقالة رئيسها، يكون كل من رئيس مجلس الوزراء والوزارة في خانة تصريف الأعمال اليومية لحين تشكيل مجلس الوزراء الجديد، وهو الذي يشبه بدوره أيضا من النتيجة وليس الخلفية، نص المادة (61) ثامنا، من الدستور، التي تقول:
"في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية لمدة لا تزيد على ثلاثين يوما. إلى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقا لاحكام المادة (76) من هذا الدستور.".

وفيما يخص تشكيل مجلس الوزراء الجديد، يتم كما ورد أعلاه في المادة (61) ثامنا، حيث يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح جديد لتشكيل الحكومة الجديدة، يقدمه إلى مجلس النواب كي يعرض تشكيلته الحكومية هناك لنيل الثقة وفقا للمادة (76) من الدستور.

وعليه وكما ورد في السياق أعلاه، يمكن لرئيس مجلس الوزراء اسقاط الحكومة - من خلال استقالته هو شخصيا. وهذا حق حصري لرئيس مجلس الوزراء لا يشاركه فيه أحد. نعم يمكن نظريا ودستوريا لرئيس الجمهورية -و-أو- مجلس النواب وعبر الأليات الدستورية سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء وحكومته. لكن كما أسلفنا، فأننا نتناول فقط امكانية ما لوح به رئيس مجلس الوزراء في مؤتمره الصحفي الأخير.

ثانيا: حول امكانية حل البرلمان من قبل رئيس مجلس الوزراء؟!
أن الدستور تحدث وفي مادة واحدة منه على امكانية حل مجلس النواب، وهي المادة (64)، حيث نص على ما يلي:
"أولا: يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناء على طلب من ثلث اعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس الوزراء.".
ومن خلال نص المادة أعلاه يمكن تقسيم امكانية حل مجلس النواب إلى قسمين:

الأول: حل المجلس "لنفسه بنفسه" - وذلك من خلال طلب بحل المجلس، يتقدم به ثلث أعضاء مجلس النواب. فيعتبر المجلس منحلا، في حال صوتت الأغلبية المطلقة للمجلس (163 نائب) على طلب الحل.
وهذه صلاحية حصرية لأعضاء مجلس النواب لا يشاركهم بها أحد من السلطة التنفيذية لا بشكل مباشر ولا غير مباشر.

الثاني: حل مجلس النواب لنفسه بنفسه لكن بطلب من السلطة التنفيذية من خلال توافق رأسي ركنيها أي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. حيث يجب على رئيس مجلس الوزراء الحصول على موافقة رئيس الجمهورية على طلبه بحل مجلس النواب، ومن ثم يتقدم به إلى المجلس ويعتبر المجلس منحلا إذا ما نال الطلب الغالبية المطلقة من أصوات أعضاء المجلس البالغة (163 صوت).

وفي كلتا الحالتين أعلاه وفيما اذا ما حل مجلس النواب، تكون الحكومة مستقيلة سواء أكانت هي الأخرى مستقيلة قبل حل المجلس أم لا، وتقوم
 بتصريف الأعمال اليومية، حتى يتشكل مجلس نواب جديد وحكومة ورئاسة جديدة للوزارة والجمهورية بعد انتخابات عامة في البلد يدعو لها رئيس الجمهورية، عملا بالمادة (64)، من الدستور، والتي تنص:
"ثانيا: يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة اقصاها ستون يوما من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلا ويواصل تصريف الأعمال اليومية.".

وعليه يتضح لنا الإمكانية النظرية لإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب من قبل رئيس مجلس الوزراء فيما إذا عمل على ذلك وتوفرت له ´الضروريات الدستورية´ وعبر الأليات الدستورية والقنوات القانونية، كي يتم له فيما اذا أراد مراده.حيث أعطاه الدستور من حيث المبدأ، حق اسقاط الحكومة، وحق الطلب و"العمل" على حل مجلس النواب.
لكن في الأولى أعطاه الدستور حقا حصريا له لا يشاركه به أحد من حيث اسقاط الحكومة عبر استقالته هو شخصيا مما يعد الحكومة مستقيلة هي الأخرى (ناهيك عن اعطاء ألحق لكل من مجلس النواب ورئيس الجمهورية لسحب وطلب سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء).
فالصلاحية هنا حصرية في يد رئيس مجلس الوزراء وهو من يقرر استخدامها دون استئذان أحد. وهذا أسهل بكثير من حل البرلمان من قبل طلب يعمل على انجاحه رئيس مجلس الوزراء. حيث الصلاحية هنا مشتركة وبشكل متفاوت، بين كل من رئيس الوزراء الذي يتقدم بالطلب، ورئيس الجمهورية الذي يجب أن يوافق عليه، ومجلس النواب الذي هو صاحب الكلمة ألفصل في النهاية  من خلال التصويت على الطلب بالأغلبية المطلقة.
لذلك فأن مجلس النواب هو سيد نفسه،  في حال ما تكلمنا عن امكانية حله على أرض الواقع. حيث لا يتم الحل للمجلس ألا عبر تصوت غالبية اعضائه المطلقة على ذلك.

لذلك فأن على رئيس مجلس الوزراء وفيما إذا توفرت له القناعة التامة التي تدعوه إلى اسقاط "تلويحه - تهديده" بحل مجلس النواب من فضاء الإعلام إلى أرض الواقع السياسي العراقي وفق ارشاداته المرورية الدستورية، يتوجب عليه أن يضمن موافقة جميع أعضاء كتلته النيابية الأكثر عددا "التحالف الوطني العراقي" والذي يملك (154) نائب في المجلس وان يضمن قرابة (10) نواب اضافيين من الكتل النيابة الأخرى كي يصل إلى الأغلبية المطلقة (163 نائب) كي يصوتوا على حل مجلس النواب. لأن احتمال موافقة رئيس الجمهورية على طلب يتقدم به رئيس مجلس الوزراء لحل البرلمان، يعد احتمالا شبه معدوم من وجهة نظري. إلا اذا توافرت ارادة شعبية ضاغطة أو - و توافق سياسي كبير. 

وفي الختام يمكن لرئيس مجلس الوزراء من الناحية النظرية - الدستورية اسقاط حكومته وحل البرلمان فيما اذا حاز على القناعة التامة أولا و من ثم ضمان ال(163) صوت في مجلس النواب ثانيا.
وهذه الأخيرة صعبة المنال وشبه معدوم التوافق عليها في حلبة العملية السياسية في العراق الجديد - حيث الإتفاق على الإختلاف هو التوافق!

 

13.05.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter