| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

السبت 12/11/ 2011                                                                                                   

 

انتهاء مرحلة سياسة "تصفير المشاكل" التركية !

مصطفى الأدهم *

تعتبر سياسة "تصفير المشاكل" اختراعا وماركة مسجلة بأسم وزير خارجية تركيا، البروفسور أحمد داوود اوغلو. أصدرها في كتابه المنشور أيام ما كان أستاذا جامعيا، ومستشارا لرئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان. الذي اتخذها كسياسة معلنة لحكومته. وعليه، دولته. وكان أن عين داوود اغلو وزيرا لخارجيته، وبالتالي مسؤولا مباشرا عن اسقاط نظريته من بين سطور الكتب إلى أرض الواقع السياسي؛ دوليا، واهمه اقليميا. تزامن التبني التركي لسياسة "تصفير المشاكل" مع بروز دور اقليمي، هو جديد لها، وغير معهود منها؛ بعد حقبة "العجوز المريض"! - أثار بدوره السخط والترحاب - المتراوح؛ بين الإفراط والحذر، وما بينهما فاحت رائحة الطائفية من المنطقة. سمي الدور الإقليمي الجديد لتركيا - بالنزعة العثمانية - أو أحياء أمجاد "السلطنة العثمانية". وعليه سمي ادروغان وطاقمه ب-"العثمانيون الجدد". ومن هذا النسيج أنتزعت تركيا لنفسها دورا، بدأت تلعبه في المنطقة، تحت يافطة "تصفير المشاكل" - مما يمكن الإطلاق عليه؛ اللعب ب"الوسائل الناعمة". التي وان أثارت الحفيظة، مع الحيطة والحذر، وما بينهما من تطبيل وتهليل.. إلا أنها كانت محط الأنظار من زاوية التحليل..

لكن، منذ مدة ليست بالقصيرة بدأت مؤشرات جديدة تصدر من الجانب التركي، خصوصا؛ من اردوغان شخصيا. تدل هذه المؤشرات وما رافقها من معطيات، على انتهاء العمل بسياسة "تصفير المشاكل"، واستبدالها بسياسة جديدة هي الأقرب إلى مسمى سياسة "تكثير المشاكل" !! - كخليط؛ من القديم؛ المزمن. ومن الجديد؛ الظاهر والمخفي. وما خفي "ربما" كان أعظم!
فمن جملة المعطيات والمؤشرات على استبدال التصفير بالتكثير، التالي:

- مع العراق:
مشكلة أمنية قديمة - جديدة. مع الأخذ بعين الإعتبار الوتيرة التصاعدية لها حاليا. المشكلة ناتجة عن الخروقات العسكرية؛ المتكررة والمتعمدة، بريا وجويا للأراضي العراقية، عبر اقليم كوردستان، وما تضمنه من قصف للقرى وازهاق للأرواح وتدمير للممتلكات. كله تحت يافطة "ملاحقة حزب العمال الكوردستاني". هذه المشكلة الأمنية تسبب في رفع منسوب توتير العلاقات العراقية - التركية، الكردية العراقية - التركية. كما تضع الحكومة المركزية والإقليمية في حرج مع الشارع.
يضاف لها، أزمة المياه المستمرة، وهي الأخرى قديمة - جديدة. ولا يمكن اغفال الدور التركي المتنامي في العراق، والتدخل لرسم تفاصيله، كدعم أنقرة ل"ساسة الفدرلة الطائفية"! - الداعين لإقامة الأقاليم التي يطلقون عليها "السنية"، كأقليم "صلاح ألدين"، واقليم "الأنبار"، واقليم "الموصل"، والحلم بأقلمة"ديالى"! تمهيدا لإعلان "الاقليم السني الكبير" الواحد الموحد، كخطوة ثانية تحت الرعاية والوصاية التركية المباشرة والسعودية.
وبعدها تكون العهدة على الراوي - النجيفي؛ المصرح في واشنطن "بالتفكير السني بالإنفصال عن العراق"، وتكريره في لندن. وهو - أي أسامة النجيفي، رئيس مجلس النواب العراقي - حليف أنقرة في بغداد حسب راي المحللين، واحد أكبر عرابي الفيدرالية الطائفية - ذات النفس التقسيمي، بعد أن كان أحد أكبر معارضي الفيدرالية؛ كحق دستوري، وواقع مطبق.
ما يثير أكثر من علامة استفهام وتعجب ؟!

كما لا يخفى التنسيق الملفت لنظر المراقبين، بين داعم دعوة "فدرلة الأنبار" طائفيا، نائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي، وبين أنقرة. حيث أن كثرة عدد زياراته المعلنة لها هو الأخر يثير العديد من علامات الإستفهام، لدى المراقبين. خصوصا مع شرافة منصبه وخلوه من الصلاحيات، ألا ما يكلفه به رئيس الجمهورية. وتزامن سلسلة زياراته لأنقرة مع دعوات "الأقاليم السنية" وترحيبه ودعمه لها!
أن تدخل أنقرة في الشؤون الداخلية العراقية، حالها حال بقية دول الجوار، يتعارض مع سياسة "تصفير المشاكل". لأن من شأن التدخل أن يخلق المشاكل، ولا يصفرها. لأنه يرضي طرف، على حساب أخر.

- مع سوريا:
قطع للعلاقات. مشاكل لم تعد خافية، ولا تستدعي التعداد وشرح الأبعاد. خصوصا أنها أضحت سياسة تركيا الرسمية. وسمة شبه يومية ومتصاعدة من قبل اردوغان شخصيا. وعلى خلفية هذا، تنتقل سلة المشاكل التركية، إلى لبنان مع فئات لبنانية وازنة في التركيبة السياسية، الحكومية والنيابية.

- مع مصر:
يوجد قلق، وعدم ارتياح للدور التركي - الاردوغاني الداعم لتيارات "الإسلام السياسي"، خصوصا جماعة "الإخوان المسلمين"، وما يرافقه من تصدير لل-"نموذج التركي". كل هذا يقلق، التيارات العلمانية، الليبرالية والأقليات، بالإضافة الى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم، ويقلقه أيضا الدعم التركي لحركة "حماس" الفلسطينية، وما كان له - أي اردوغان - من رغبة في زيارة قطاع غزة (تراجع عنها)، خلال زيارته للقاهرة. مما أثار انزعاج وحفيظة الجنرالات في مصر، لأنه يضعف بكل تأكيد الدور المصري على الساحة الفلسطينية. خصوصا اذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن مصر تعتبر قطاع غزة، حديقة خلفية لها. وانها "راعية" القضية الفلسطينية اقليميا!

- مع ايران:
وعلى خلفية الموقف التركي من سوريا، وتجاهله التحذيرات؛ السرية والعلنية. المباشرة وغير المباشرة، في هذا الخصوص من ايران. وقبوله - أي اردوغان - بأستضافة الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضي بلاده. مما تعده ايران تهديدا واستهدافا مباشرا لأمنها القومي.

- مع "الربيع العربي":
كان لمواقفه المتناقضة في بعض الاحيان، ردود فعل سلبية عند قطاعات، سياسية، شعبية واعلامية. ولا يمكن اغفال ميوعته تجاه نظام القذافي، المتناقضة مع حماسته المفرطة في امكان أخرى! مضاف على ذلك، تخوفات من قبل التيارات العلمانية. الليبرالية. والأقليات على خلفية دعمه - اردوغان - وحزبه للأحزاب الإسلامية وفروع جماعة "الإخوان المسلمين" في كل من مصر وتونس و"حماس" - (ما يغضب جانب أبو مازن، وما يمثله داخليا، اقليميا ودوليا).

- جملة من المشاكل المعلقة:

• "المشكلة الأرمنية": تاريخية معلقة ومعقدة (ما يسمى بمذبحة الأرمن). غير محلة. بل قل شبه مستعصية على الحل من قبل الطرفين. ومدولة، ولا يخفى وجودها في جوارير الكونجرس الأمريكي، والموقف الأرمني، مدعوم غربيا. ويستخدم هذا الملف كورقة ضغط وابتزاز بوجه تركيا، يلوح به عند الحاجة.

• "المشكلة القبرصية": هي الأخرى لها تاريخها، وعقدها وشبه استعصائها على الحل. ولها أنعكاساتها الدولية. فالموقف الأوروبي المدعوم أمميا لحل القضية القبرصية، يعارضه الجانب التركي. كما أن لهذه المشكلة المركبة بعدها الإشكالي في العلاقات غير المستقرة مع اليونان العضو في الإتحاد الأوروبي.

• مع الإتحاد الأوروبي: هناك خلافات عميقة، وحلول تكاد تكون عقيمة. بما يخص موضوعة انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي، كعضو كامل الأعضوية. وهو ما تعارضه كل من فرنسا والمانيا، أكبر واغنى دول هذه المنظومة. وما قيل عن عزوف تركي عن العضوية، بعد الإستدارة نحو الشرق! يضاف لها حزمة أخرى من الخلافات والتوترات على الرقعة الأوروبية، ترتفع وتنخفض وتيرتها بحسب تغيرات وتقلبات مناخ تحالفات وحاجات السياسة الدولية. وليس اخرها، الخلاف المستجد مع ألمانيا، وقرار اردوغان على أن تكون التركية هي "لغة اتراك ألمانيا الأولى بدل الألمانية" ما استدعى ردا ألمانيا. وفي المحصلة يدخل، النفوذ التركي الموروث في كل من البوسنة، وكوسوفو، المتقاطع مع أكثر من أجندة.

- داخليا:
• أزمة مع الجيش، نعم قلت وتيرتها، لكنها تحت الرماد! وان سيطر اردوغان حاليا على الجيش ب"انقلابه الأبيض" لكنه، لم يسيطر كليا، لتشعب دور الجيش داخليا.
• أزمة مع القضاء، ذو النزعة العلمانية - حامي الإرث الأتاتوركي. وهو الأن يعد أخر حصون "حماة العلمانية" القوية المتبقية من تركيا أتاتورك.
• أزمة شوفينية. مزمنة. معقدة، ودموية تجاه الشعب الكوردي في تركيا. التي لا تريد أن تعترف له بحقوقه، ولا تريد أن تعترف أن العالم تغيير.
• أزمة مع المكون العلوي المضطهد طائفيا. ناهيك عن الأزمة المستفحلة العداء مع "الأتاتوركيين" من الساسة والطبقات المغالية بالعلمانية ..

أن كل ما ذكر يثقل الكاهل السياسي للبروفسور أحمد داوود اوغلو، صاحب براءة اختراع سياسة "تصفير المشاكل". ويصعب من مهمته في الأستمرار في نفس المسار. كون السياسة الحالية تتقاطع مع التصفير، بل تستبدله بالتكثير.. لكنه، يحسب لداوود اغلو نجاحه في عمليات تصفير في أحيان، ولجوءه إلى التجميد والتحجيم أحايين أخرى.

لكن، يبدو أن اردوغان بدء السير بطريق جديدة معاكسة تماما لنظرية داوود اغلو. الذي خفت صوته، وافل نجم ظهوره في الأونة الأخيرة بشكل ملحوظ، لمصلحة أفراط اردوغان من الظهور واكثاره من ما أسماه الأستاذ عبدالرحمن الراشد، مدير عام فضائية "العربية" من "الظاهرة الصوتية لأردوغان" .. حيث أصاب اردوغان اسهال الإكثار من الإقوال، مع ملاحظة قلة الأفعال!
أن الرصد للمعطيات المذكورة، يعطي مؤشرا قويا على أن اردوغان ومعه حكومته، شرعت في عمليا في دفن سياسة "تصفير المشاكل" التي استنفذت، بعد استخدامها كجواز مرور ديبلوماسي للمنطقة، لإنتزاع دور اقليمي بقوة ناعمة، بشكل يتماشى مع طموح اردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" لما يسمى ب-"العثمانيون الجدد"، وما يستلزمه من تصدير لل-"نموذج التركي" في المنطقة.

أن ما يقوم به اردوغان حاليا، ما هو الى تكثير للمشاكل، كنتيجة حتمية عن الإنغماس في لعب الدور الإقليمي. حيث أنه لن يمكنه ألإستمرار في ارضاء جميع الأطراف. ولا بد له من الوقوف مع جانب على حساب أخر. وتحالف مع جانب على حساب أخر. ومحاباة لجانب على حساب أخر. وكلها تؤدي إلى خصومات مع البعض على حساب البعض الأخر. ومشاكل هنا وهناك.
وبالتالي فأن المحصلة لا ولن تساوي صفرا، وهي في أقل حالتها أكبر من الصفر، ولو بأشعار!...

 

6.11.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter