| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى الأدهم

 

 

 

الجمعة 11/2/ 2011

 

قاهرة المعز ... وانتصرت الثورة

مصطفى الأدهم *

وأخيرا وبعد ثمانية عشر يوما من النضال السلمي المتواصل، من خلال إستمرار الإرادة الشعبية المصرية وروحها الثورية، وتحمل الرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيلة للدموع، وبعد "صولات" الدهس المتعمد من سيارات الشرطة، وبعد ثلاث خطابات من الرئيس المخلوع جائت متأخرة خالية من المضمون، لم تواكب الحدث وسرعته ولم تخاطب صناعه بلغتهم ولغة عصرتهم التي تمقت الكلاسيكية الخشبية التي تعاني منها خطابات الطغاة العرب.
وبعد إن أسهب الطاغية السابق في مدح ذاته ارضاءا لكبريائه الذي سحقه كبرياء الشعب المصري اليوم وبالضربة القاضية سليما.
انتصرت اليوم دماء شهداء مصر، شهداء التعذيب والمعتقلات والسجون وحملات القمع والإعتقالات وشهداء قانون الطواريء سيء الصيت والتطبيق..

انتصرت دماء شهداء ثور 25 يوليو، دماء شهداء ميدان التحرير .. الذي أصبح قطب رحى الإنتفاضة المصرية وصار قلب الثورة ورمز لروحيتها وإصرارها على الإنتصار على "تناحة" الفرعون .. بعد ثلاثة عقود من حكم "زواج فريند" بين السلطة والمال .. وما انتجه من أبناء مجهولي النسب من فساد إداري ومالي وطغيان سلطة، تفننت في إهانة وتجويع الشعب دون إكتراث..
لقد تفرعن الفرعون لعقود، ولم يجد من يقولها له "مين فرعنك يا فرعون" فظن في نفسه إنه هو هو الحاكم بأمره، لا شريك له في الحكم والسلطة ولا منة لأحد عليه ولا رقابة تعلو تاجه .. ولكنه صحى ذات صباح ضنه كسابقيه عادي خالي من جديد، لكنه كان صباحا مختلفا عن غيره من صباحات .. كان صباحا مميزا دقة فيه ساعة الصفر في الحرب الشعبية على النظام الفرعوني، ومنذ ذلك الصباح بدئت النهاية لعمر رأس هرم النظام الهرم الذي كان قد تجاوز عمره الإفتراضي من سنين.

لم ينفع مبارك تشبثه الهستيري بالسلطة ولم يسعفه تمجيد ذاته التي يحتقرها شعبه ولم يهب لنصرته حلفائه على المستوى الإقليمي أو الدولي أو حتى من لهم خصوصية إستراتيجية .. واصبح مبارك بين مطرقة الشعب وسندان سهام حلفائه .. وأمسى يتخبط في تنازلاته المتأخرة وإنصاف الحلول التي جائت كلها بعد إستهلاك مضمونها يشوبها النقصان وينضح منها التكلس الفكري الذي يعاني منها العقل الخرف للنظام الذي كان يظن جاهلا أو مستهزءا بأن شعبه سيكتفي بهذا الفتات من منقوص ومتأخر الإجراءات التي اسماها تنازلات .. ومضى مبارك فيما اسميناها مقامرته في اعتماده على الجيش، الذي كان أمامه أمرين، إما دعم مبارك الذي فقد شرعيته الدستورية والشعبية أو دعم الشعب وشرعيته الثورية التي تفوق كل شرعية، وقلنا في إن كلتا الحالتين مبارك هو الخاسر، لأنه خسر إحترام الشعب، وخسر ما هو أهم شرعيته، مع إنكسار حازج الخوف بشكل نهائي من قبل الشعب ونشر الغسيل الوسخ لمبارك ونظامه وأجهزته القمعية على المستوى الدولي ما أحرج حلفائه وداعميه الذين لم يجدوا مفرا من تقريعه والضغط عليه ذات اليمين وذات الشمال كي "يغور" سلميا عن كاهل الشعب ويحترم ارادته (كي يوفر غطاءا أمنا لنقل السطلة بدل إن تفلت الأمور من عقالها، فلا تعرف نتائجها) - كل هذا ولسان حال الحلفاء يردد على أسماع مبارك "الشين إلي تعرفة أحسن من الزين ألي ما تعرفة" - لكنها "تناحة" مبارك والدكتورا ب"العناد" التي يفتخر بها جعلاه لا ينصت لشعبه ولا يسمع لناصحيه ضانا انها أيام وتعدي .. لكن عناد الأرادة الشعبية كسر عناده .. وصبر شعبه الثائر جعد أنفه .. فكانت كلمة شعبه الثورية هي العليا وكلمته هو هي السلفى ... انها الشعوب عندما تحيى، فتسكر أغلال الطغيان عنها وتنفض غبار الذل وتخلع ثياب العبودية التي ألبسها اياها الطاغية على حين غرة من الزمن.. فتعود الكرة لكن هذه المرة مع تبادل الموضع والصفة دائمة، فيلبس الشعب ثوب الذلة للطاغية ويركله خارج ملعب الوطن والحياة السياسية إلى مزبلة التاريخ وقبلها إلى سوح المحاكم (إن تمكن) دون أن ينفع المخلوع طغيانه، وجبروته، وكبريائه، أو أمنه وجيشه وحرسه ولا حتى ماله وعلاقاته..

لم يستوعب مبارك الشعار الذي كان يصدح به ميدان التحرير ليل نهار "ارحل ارحل" - الذي تطور في مرحلته الثانية بعد عجز النظام عن فهمه رغم سهولته فأصبح بحلته الجديدة "ارحل يعني امشي" - فلم يرحل الفرعون بل تحول كما قلنا في مقال سالف إلى نيرون، مما إستدعى معالجة بلاغية من قبل ساكني ميدان التحرير للشعار سالف الذكر ، عسى ولعله في نسخته الثالثة يتوالم مع المشاكل السمعية التي يعاني منها نيرون وحاشيته فصاح ميدان التحرير عن بكرة أبيه وبمن فيه من ملايين "ارحل يعني امشي .. يلي ما إبتفهمشي ... ارحل يعني امشي .. يلي ما إبتفهمشي" .. ولم يفهم المعني الأول فخرج الأمس بخطاب بائس متأخر يعلن فيه عن تفويض صلاحياته إلى نائبه في خطوة نصف حل جديد متأخرة خارجة عن سياقها الزمني، لم يرتضيها الشارع مكررا "مش حنمشي هو يمشي" بقوا هم ومشى هو خاسئا ذليلا لا كرامة له بعد رفضه الخروج اللائق والأمن الذي من به عليه شعبه، وهذا هو مصير كل طاغية كما أشرنا في مقال سابق بأن مصير كل طاغية هو مزبلة التاريخ .. خرج مبارك ونائبه (ألذي أحرقه مبارك بعناده فأحرقه وأفقده المصداقية والجدية) ونظامه اليوم من السلطة مسيرا غير مخيرا صاغرا أمام ارادة الشعب، بعد إن كسر كبريائه وصدق لسان حال قائلهم مش حمنشي هو يمشي .. نعم لقد رحل عن قاهرة المعز ما اسميناهم في مقالات سابقة: الحاكم العسكري ورحلت الإدارة العسكرية ورحلت معها حكومة الوقت الضائع. 

فمبروك إلى الشعب المصري الشقيق من بلاد الرافدين مهد الحضارات، التي ذاقت وشعبها أبشع صور الدكتاتورية والطغيان في حقبة البعث الساقط وصدامه المقبور، الذي أجلسناه في قبره بعد أن جدعنا أنفه رغم مئات آلالاف من الشهداء والضحايا والمفقودين والمغيبين والمهاجرين والمهجرين والمسفرين والسجناء السياسيين والمؤنفلين وشهداء المقابر الجماعية شهداء الحملات الكيمياوية وشهداء الإرهاب القاعدي البعثي .. لكنه كصاحبه السابق مبارك خلع وعدم بأسم الشعب وكلاهما إلى مزبلة التاريخ فالى جهنم وبئس المصير.

نتمنى للشعب المصري الشقيق كل التوفيق في ثورته الشعبية الناجحه والى حكم مدني غير عسركي ديمقراطي. من سيدة البلاد بغداد  تحية حب إلى شقيقتها قاهرة المعز التي تحتفل اليوم بإنتصار إرادة الجماهير على "تناحة" الرئيس المخلوع بأرادة الشعب، وهذا اللقب الذي ضل مبارك يفر منه خوفا من كابوس بن علي، لكنه يا سبحان الله فر منه إليه، وفي ذلك عبر لك طاغية ..

لقد حيا الناطق بأسم المجلس العسكري الأعلى قائد سلاح الجو (وهو ذات الموقع الذي كان مبارك يشغله قبل ثلاثة عقود) شهداء الشعب وفق التحية العسكرية وهو ما لم يفعله لمبارك وفي ذلك عبر اخرى لكل معتبر .. فالشعب هو الباقي والخالد هو الوطن والشهداء والكرامة تنتصر والطغاة إلى الإحتقار والذلة.

فالى مزيد من الثورات ضد كل الطغاة...

 

11.02.2011
 

* صحفي وكاتب عراقي.
 

 

free web counter