| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 9/11/ 2008

 

السيادة الوطنية

د. محمد شطب

1) ماذا تعني كلمة السيادة في اللغة العربية:
جاء في قاموس المنجد في اللغة والإعلام ما يلي:

ساد: سَادَ ـ يَسودُ، سِيادَةً و سُوْدَدًا و سُؤْدُدًا و سَيْدُودَةً: شرُف ومَجُد.
سادَ قَومَهُ: صارَ سيِّدهم و متسلِّطاً عليهم.
سادهُ: غلبهُ عند المغالبة في شرفٍ ونحوه، فهو سائِد ج سَادَة وجج سادات.
سَوَّدَ: جَرُءَ و سَوَّدَهُ: جَعَلَهُ سَيِّدًا إِسْتَادَ القَومَ: قَتَلَ او أَسرَ سَيِّدَهُم.
السُوْد مصدرها السيادة، السُوْدَد و السُؤْدُد: كَرَم المنصب (السيادة) القَدر الرفيع.
السِّيَادة: لقب شرقي ج أَسْياد و سَادَة وسَيَائِد: ذو السيادة.
السيد عند النصارى: لقب المسيح و عند المسلمين: من كان من السلالة النَبَويَّة.(1)

2) أمّا في قواميس اللغة الألمانية فقد ورد ما يلي بخصوص مصطلح السيادة: .

( SOUVERAINETÉالسيادة كلمة فرنسية الأصل )
خاصيَّة من خصائص الدولة الحديثة،
هي أعلى سطوة، غير منقولة، وشمولية، وغير منقوصة أو محدودة في الداخل والخارج،
يتضمن مفهوم السيادة الإستقلالية من اي بلد.
تطور هذا المفهوم من قبل المفكر الفرنسي جان بودين 1530 ـ 1596
حامل السيادة في الدول الإرستقراطية هو قائد الدولة (السيادة الإرستقراطية)،
وفي الجمهوريات الديمقراطية والدول ذات البرلمانات الديمقراطية (سيادة الشعب)،
أما في الدول المنضوية في أحلاف (فالسيادة لكل دولة من هذه الدول)،
وفي الدولة الإتحادية (تكون السيادة لكل الدولة)،
أما الأحلاف الحديثة للدول مثل هيئة الأمم المتحدة فإنها تقود بإتجاه تحديد السيادة الوطنية.(2)

إِنَّ المصطلح، أياً كان، هو كأي كلمة أخرى يتكون من لفظٍ ومعنى، أي من شكل ومضمون، وعندما يتطابق اللفظ مع المعنى تعطي الكلمة الدلالة اللازمة لها، وهذه الدلالة تكوِّن المفهوم الذي يُراد طرحه أو إيصاله الى السامِع أو القارئ، وإذا حدث أي تغيير بالرابطة الوثيقة بين اللفظ والمضمون تتغير بذات الوقت الدلالة ويتغير معها المفهوم.

كثيراً ما يستخدم السياسيون في بلداننا العربية مصطلحات مختلفة في كتاباتهم و طروحاتهم السياسية دون أن يراعوا الدقة في إستخدام هذه المصطلحات، أو دون أن تكون لهم الدراية الكاملة بمضامينها، أو بمنشأها وتطورها، وغالباً مايترتب على ذلك تخبط أو إِرباك، بل سوء فهم لما يتم طرحه من قبل المتلقي. ولا غرابة في هذا الإرباك حيث إنَّ غالبية هذه المصطلحات ذات ألأصول اليونانية أو الرومانية بشكل خاص، أو ألأوربية بشكل عام، ظهرت وتطورت في إطار ثقافي ومعرفي يختلف تماماً عن ذلك الإطار الثقافي الذي يتم تداولها فيه في بلداننا.

3) من التعاريف الواردة أعلاه، فإن السيادة تعني كونها أعلى قوَّة سيطرة في البلاد، مستقلة في الداخل والخارج، وبإمكانها إتخاذ القرارات اللازمة لمصلحة الشعب والوطن، وهذا يشترط أن تكون الدولة قادرة على حماية نفسها بنفسها، وتحافظ على إستقلاليتها، وتتمتع بالمرونة واللياقة التي تؤهلها على الإستمرار بذلك.
ومن هذا يمكن أن نستخلص المواصفات التالية التي يتضمنها مفهوم السيادة وهي:
1. إنها مطلقة، أي لا تعلوها سلطة أخرى في الدولة.
2. لها صفة الشمولية، حيث يخضع جميع المواطنين في البلد لأحكامها، بغض النظرعن إنتمائاتهم القوميَّة والمذهبية والعرقيّة والسياسيّة والفكرية، ولا تنافسها في ذلك أية جهة أخرى. فالدولة لاتخضع عند مباشرتها لخصائص السيادة لأية سلطة، داخلية كانت أم خارجية، أيا كانت طبيعتها، بما في ذلك القيم الأخلاقية السائدة، إلا برضاها واستجابة لمصالحها الوطنية.
3. إن صفة السيادة ملازمة للدولة، ولا يجوز التنازل عنها لأية جهةِ أخرى، ( لم تكن السيادة سوى ممارسة الإرادة العامة، فإنها مما لا يمكن التنازل عنه، إن صاحب السيادة الذي ليس سوى كائن جماعي لا يمكن أن يمثله غيره، فالسلطة يمكن نقلها ولكن الإرادة لا يمكن نقلها، والواقع أنه إذا لم يكن من المتعذرات أن تلتقي إرادة خاصة في نقطة مع الإرادة العامة فإنه من المستحيل على الأقل أن يكون هذه الالتقاء ثابتا ومستمرا. ) (
روسو الفصل الأول – الكتاب الثاني.)
4. لها صفة الديمومة، فالسيادة ملازمة لقيام الدولة، تدوم بديمومتها و تنتهي إذا ما إنتهت الدولة، وهنا لا يصح الخلط بين الدولة والحكومة، حيث أنَّ الحكومات في أي بلد كان في حالة تغيّر مستمر، إما عن طريق توارث الحكم، أوالإنقلابات العسكرية أو الإنتخابات، إلا أنَّ الدولة باقية.
5. إنَّ هذه السيادة غير قابلة للتجزئة، ففي الدولة الواحدة يجب أن تكون هناك سيادة واحدة، لا يمكن تجزئتها أو إخضاعها لمبادئ المحاصصة الطائفية أو الحزبية، أو التكتلات أو الزمر المسلّحة أو ما شابه ذلك. يشير روسو الى ( إن السيادة لا تتجزأ، لأن الإرادة إما أن تكون عامة وإما ألا تكون كذلك، فهي إما إرادة الشعب في مجموعه وإما إرادة جزء منه فقط، وفي الحالة الأولى تكون الإرادة العامة المعلنة عملا من أعمال السيادة ولها أن تسن القوانين.) روسو (
المصدر السابق)
ومع ذلك، فيمكن أن تكون هناك إستثناءات في موضوع السيادة، بموافقة ممثلي الشعب وبقرار منهم، فمثلاً في المانيا وحسب المادة 24 من القانون الأساسي يمكن نقل بعض من صلاحيات السلطة المركزية وبموجب قانون يصدر بهذا الخصوص الى مؤسسات دول اخرى (مثل مؤسسات دول الوحدة الأوربية). كذلك بإستطاعة المانيا، وعلى النهج نفسه، السماح بتحديد صلاحيات السيادة الخاصة بها، وذلك بالتنازل عن بعض من هذه الصلاحيّات في اِطار مجموعة من الدول التي تشترك معها في اِتحاد ما، فمثلاً بموجب المادة 23 من القانون الأساسي يمكن نقل قسم من هذه الصلاحيات الى دول الوحدة الأوربية.(3)

في بدايات تشكيل الدول، وفي دولة الفراعنة في مصر القديمة مثلا، ساد ما سمي لاحقاً بالحق الإلهي، حيث كان ملك الفراعنة، وإن لم يكن إلها، يتصرف برعاياه كيف يشاء، وكانوا هؤلاء الملوك يتمتعون بسلطات مطلقة، وما كان بإمكان رعاياهم بحال من الأحوال محاسبتهم أو معارضتهم، لأن تسلطهم هذا بمفهوم ذلك العصر، كان شيء لابد وأن يقع. وفي العصور الوسطى، أي في ظل الحكومات الملكيَّة في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوربا وخاصة في فرنسا، حيث كانت حكومات ذات سلطات مطلقة توارثوا مفهوم الحق الإلهي هذا، فكان الحاكم، الملك أو الكنيسة أو الطبقات الإقطاعية المسيطرة، محور السيادة والكيان العام، وكل تعدي على هذه السيادة، كان بمثابة تعدي مباشر وشخصي على هيبة وقدسية الحاكم نفسه، أما الشعب فلا يعدو كونه خادما مطيعا للحاكم ولجميع قراراته، حتى وان خالفت هذه القرارات مصلحة المجموع العام.
وفي الإسلام أُعتُمِدت مقولة الحق الإلهي أيضاً، ومُنِح الحاكم نَبِياً أو إماماً أو والياً أو غيرهما من الحكام المسلمين حق الحكم بين الناس (لتحكم بين الناس بما أراك الله) سورة النساء الآية 105،
ومن حقه التصرف بمربوبيه كيف يشاء فالله سلطه عليهم، وأي تعدي عليه أو عصيان لأمره، إنما هو عصيان لأمر الله.

4) يعتبر الفيلسوف الفرنسي جان بودين  (1530 – 1596 Jean Bodin)
الناشط السياسي و رجل القانون و أحَد كبار المنظرين في بناء الدولة، هو من وضع المفاهيم النظرية لهذا الركن الأساسي من الأركان التي تعتمد عليها الدولة الحديثة وذلك في مؤلفه السياسي الرئيسي الشهير *ستة كتب حول الجمهورية*. وقد صاغ في مؤلفه هذا افكاره بخصوص بناء الدولة الحديثة، ويشير في هذا المجال اِلى أنَّ أهم علامة مميزة للدولة هي الإستقلالية، أي السيادة. ويفسرها على (إنها القوَّة الشرعيَّة المطلقة والوحيدة، التي بدونها لا يمكن تصور أي نظام دائم للمجتمع. فهي التي تؤمن السلام وتوحد المجتمع.)(4)
وكان لهذا التصور في زمن بودين مغزاه السياسي، حيث كانت فرنسا في حينها تعاني من التجزئة جِرّاء الحروب الأهلية الطائفية، فأراد لها السلام والتوحد وذلك من خلال طرحه لفكرة تحييد كل الأطراف المتنازعة ومنح الَمَلِك الحكم المطلق على كافة هذه الأطراف.
وهذا يعني بأن الملك صار يتمتع بالسلطة المطلقة والصلاحيّات المفتوحة، بسن و اِلغاء القوانين و الحكم المطلق على كافة الأطراف والمجاميع المتواجدة في المجتمع دون الرجوع الى أية جهةٍ اخرى.

5) وعلى مدى مئات السنين، وارتباطاً بالتطورات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي مرَّت بها الشعوب في أوروبا تغيَّر وتطوَّر مفهوم السيادة الذي جاء به بودين، والذي اِنطلق فيه، وارتباطاً بالظروف الموضوعية القائمة آنذاك من أن السيد هو الحاكم المطلق. ففي منتصف القرن السابع عشر ظهر الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبس (Thomas Hobbes 05.04.1588- 04.12.1679) وهو فيلسوف وجودي، مادي، من الداعين اِلى حرية الإرادة، وكانت أفكاره بخصوص الأخلاق والسياسة بعيدة عن التأثيرات الدينيَّة السائدة في زمنه. إهتم بعلوم الطبيعة والأخلاق والتنظير لشؤون الدولة.
إشتهر من خلال كتابه الرئيسي  ( Leviathan الحكم الإستبدادي المنشور عام 1651)
تَعرَّف على غاليلو غاليله وحاول أن ينقل نظامه في الميكانيك والرياضيات على التأريخ والمجتمع، وإستطاع أن يطور المفاهيم التي جاء بها بودين بخصوص السيادة، وأن يكسر الأعراف السائدة في الفلسفة السياسية القديمة، فإستخلص من نظام الحكم الإقطاعي الإستبدادي للدولة القائم آنذاك كيفية الربط بين السيادة وجوهر الدولة، في وقت كانت تبدو فيه السيادة والدولة متطابقتان بالنسبة اليه.
وقد إعتبر شمولية سلطة الدولة ظاهرة دنيويَّة ورفض الإعتراف بأية صلة لها بحقوق سماويَّة، كما كان ذلك شائعاً بفعل هيمنة الكنيسة في أوروبا، فإستطاع بذلك عقلنة السيادة وتحويلها من ضرورة قيام الحرب من قبل الجميع ضد الجميع الى تجنب هذه الحرب.(5)

6) واصل المفكرون الأوربيون تطويرهم للأفكار المتعلقة بفكرة السيادة، فبعد الثورة الصناعية التي اِنبثقت في أوروبا واِنتقال المجتمع الى مرحلة جديدة في تاريخه، وما رافق ذلك من ظهور وتطور قوى البرجوازية التي جاءت بمفكريها من أمثال الفيلسوف (جون لوك 1623 ـ 1704)، والفيلسوف مونتسكيو (1689 ـ 1755)، والفيلسوف فولتير (1694 ـ 1778)، والفيلسوف جان جاك روسو (1712 ـ 1778) الذي يعتبرالأكثر تأثيراً في تطور المجتمع من خلال كتابه الشهير (العقد الاجتماعي).
في هذا الكتاب المنشور عام 1762/ الجزء الثاني/ الصفحة الأولى وما يليها. الذي يحدد فيه العلاقة الإيجابية بين الفرد والمجتمع، و تقوم على اساسها مؤسسات الدولة وتحدد قياداتها التي تمتلك زمام السلطة الشرعية لتسيير هذه الدولة، والتي كان يرى أنّ واجبها الأساسي هو الحفاظ على سلامة المواطن وحريته. كان روسّو يردد ( أن في وجود الحكومة الشرعية المنظمة، يتسابق المواطنون للمشاركة في الأجتماعات والمجالس التمثيلية وفي غيابها يفقدون هذا الإهتمام، ويعزفون عمّا يجري في محيطهم من امور هذه الحكومة ودولتها.) (
المصدر السابق)

وقد طرح روسو مفهوم سيادة الشعب ودعا اليه، ذلك المفهوم الذي ينادي بضرورة توزيع السيادة بين جميع أفراد الشعب، على أساس المساواة فيما بينهم، وبدون تفريق أو استثناء، حيث يحّمل الحكام مسؤولية أي انتهاك لهذه الحقوق، ويسمح للشعب بمقاومة حكامه عند ظهور بوادر انحراف أو اضطهاد بين صفوفه. (
المصدر أعلاه)

وضع جان جاك روسو في كتابه المشار اليه أسس مفهوم المواطنة في ضوء القوانين الطبيعية التي تقر بحقوق الإنسان في الحرية والمساواة مما يتطلب اقامة النظام الديمقراطي الذي يكون فيه الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة، وذكر في مؤلفه المذكور: (ان الإرادة الجماعية تستطيع وحدها تسيير دواليب الدولة. ولايمكن ان يخضع الشعب لقوانين لا يسنها بنفسه. ان السلطة التشريعية هي ملك الشعب، ولا يمكن ان تكون لغيره، وكل قانون لا يصادق عليه الشعب بنفسه يعتبر ملغى، أو بالاحرى لا يعتبر قانوناً.)(6)

7) وبعد إندلاع الثورة الفرنسية وإعلان شعاراتها في الحرية و المساوات و ألأخاء بين المواطنين جاء روبسبير في كلمته المسماة (كلمة الدستور في آيار/1793 ) وكذلك فيشته في مقالاته الخاصة ب (تصحيح أحكام الجماهير بخصوص الثورة الفرنسية 1793) حيث اِعتبر هؤلاء المفكرون بأن الشعب هو وحده من يمتلك حق السيادة، وإِنَّ حكمه غير قابل للنقل أو التجزئة أو الإقتصار أو التقادم، وبهذا تبدو سيادة الشعب كونها شرعنة ديمقراطية لسيادة الدولة.
وتَضَمَّن الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان والمواطن في 26 آب 1789 وفي المادة الثالثة منه ما يلي: (مصدر كل سيادة يكمن جوهره عند الشعب، فلا يحق لأية جهة أو أي شخص ممارسة السلطة، التي لا تعتمد وبشكل واضح على هذا الأساس.)

8) إستَمَرَّ مفهوم مبدأ السيادة بالتطور، ورافقته مصطلحات جديدة فمن السيادة، الى سيادة الدولة، والى الدولة السيادية، ثم سيادة الشعب، والسيادة الداخلية ثم السيادة الخارجية، واخيرها السيادة الوطنية.
وإختلف مفكرو الدول الرأسمالية في تناولهم لمفهوم السيادة إرتباطاً بمصالح بلدانهم، فمنهم من يسمي الدولة المستقلة، أي صاحبة السيادة، هي فقط تلك الدولة التي لا تقف أمام سيادتها أية عوائق، والتي يحق لها القيام بما تشاء بما في ذلك شن الحروب على الدول الأخرى، وهذا ما نعيشه في عالمنا اليوم، حيث يمنح نفر قليل من الدول المارقة لنفسها مثل هذه الحقوق، حتى وإن كان ذلك خروجاُ علنياُ على مبادئ الشرعية الدولية ومواثيقها وأعرافها المنصوص عليها في وثائق المنظومة الدولية. ويرى فريق آخر بأن فكرة السيادة قد تقادمت وأصبحت عائقاً أمام التقدم، بل سبباً من أسباب إندلاع الحروب.

9) أمّا الفيلسوف الألماني كارل ماركس 5/5/1818 ـ 14/3/1883، فقد تناول هذا الموضوع في (ملاحظاته النقدية حول مفهوم السيادة )، ذلك المفهوم الذي صاغه الفيلسوف ألألماني المثالي فريدريش هيغل 27/8/1770 ـ 14/11/1831 في موضوعته الشهيرة (اسس فلسفة القانون)(7)

10) وطور لينين 22/4/1870 ـ 21/1/1924 من بعد ماركس هذا المفهوم من خلال تعاليمه الخاصة بحق الأمم والشعوب، صغيرها وكبيرها في تقرير مصيرها، والذي يتضمن حق الأمم في تقرير مصيرها السياسي وبناء دولها الوطنية، كذلك حقها في اقامة التحالفات بما يضمن حقوقها في المساواة مع الدول الأخرى. وكانت معظم هذه التعاليم تشير الى حقوق المستعمرات وشعوبها في آسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية في الإستقلال والتحرر والإنعتاق والتحكم بشؤونها السياديَّة، بعد إن كانت خاضعة الى السيطرة الأجنبية ولعقود بل قرون من الزمن كانت فيها خاضعة بالكامل للسيطرة الإستعمارية، مسلوبة ألإرادة وفاقدة للسيادة.
وقد توجت تعاليم لينين بهذا الخصوص بالقرارات الصادرة في روسيا السوفيتية بتأريخ 8/11/1917 مثل مرسوم السلام، ومرسوم الأرض، وكذلك المرسوم الخاص بحقوق الشعوب في 12/3/1917.

11) وقد إجتمعت هذه المفاهيم والتعاليم لكبار الفلاسفة و المًنَظِّرين وعلى مرّ القرون في الوثيقة الأممية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة بتأريخ 26/6/1945 بإسم اللائحة الأممية، وإعتماداً على المادة الثانية منها، و الخاصة بالمبادئ الأساسية للمنظمة، صدر الإعلان الخاص بحقوق الشعوب الصادر عام 1970 والذي ضمن لجميع الدول حق التمتع بالسيادة المتساوية، ثم المساواة مع الدول الأخرى بغض النظر عن قواها الإقتصادية والعسكرية والمالية وغيرها وفق مبدأ الإعتراف المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. كما يعترف هذا الإعلان بالمساواة القانونية لكافة الدول.

12) في الدول المستقلة تفرض السلطة القائمة سيادتها على المجتمع، على كل فرد من أفراده، وتعلوا إرادتها على كل إرادات ألأفراد والجماعات، ولها الشرعية وحدها بإصدار القوانين التي تمكنها من ذلك، كما لها الحق بمتابعة تنفيذ هذه القوانين أو تعديلها أو إلغائها حسب ماتقتضيه مصلحة الوطن والشعب. وفي الدول الديمقراطية الحديثة يتم ربط السيادة بتوفير المناخ السياسي الملائم بما يضمن ألأمن والسلام وحرية التعبير والإعلام والتنظيم والاجتماع لأبناء البلد.

13) انَّ مضمون مفهوم السيادة الوطنية مرتبط بالطبيعة الطبقية للسلطة الحاكمة، وعلى ضوء ذلك تتحدد الأهداف وطرق العمل في مجاليّ السياسة الداخلية والخارجية للدولة المعنيّة. ففي الجانب الداخلي، أي ضمن الحدود الجغرافية للبلد، حيث تمتلك الدولة السلطة الشرعية المطلقة على جميع الأفراد والمجموعات التي يتعين عليهم إطاعة الدولة داخل إقليمها، وأي انتهاك لهذه الأوامر يعرضهم للعقاب وفق القوانين التي سنَّتها الدولة ذاتها، وتمتلك الدولة ضمن هذا المبدأ الحق الأعلى في التأثيرعلى تطور التركيبة الإجتماعية والإقتصادية للبلد، وأن ترسم السياسات اللازمة على المستوى الداخلي وتقوم بمتابعة تطبيقها، ولها اليد العليا في السيطرة على موارد البلاد وثرواتها الماديَّة والماليَّة.
أما السيادة في الجانب الخارجي فتعنى، وكما حددتها المواثيق الدولية، الاستقلال عن كل رقابة وتدخل من أية دولة أخرى أومنظمة دولية، وعدم السماح للدول الأخرى في التدخل في شؤونها أو التأثير على مواقفها الخارجية، أو علاقاتها وإرتباطاتها مع الدول الأخرى، وهنا ينشأ التمييز بين دولة كاملة السيادة وأخرى ناقصة أو محدودة السيادة، كالدول المستعمَرة والدول التي تُوضع تحت الحماية أو الانتداب أو الوصاية.

14) السيادة في الدولة الإسلامية
بعد معرفة مفهوم السيادة ونشأتها، بقي معرفة من يملك السيادة في الدولة الإسلامية، هل الحاكم أم الأمة أم غيرهم.
ذهب البعض الى أن السيادة تكون للأمة واستدل بالنصوص التي تخاطب الأمة بمجموعها وبمبدأ الشورى في الإسلام. إلا أنَّ الإسلام لم يفصل بين الدين والدولة كما فعلت المسيحية (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) وانما جعل الإسلام الخلافة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا.(9)

وقد حددت الأدلة الشرعية الإطار العام لكافة التصرفات سواء أكانت صادرة من الحكام أم المحكومين، فالكل خاضع لها وملزم بطاعة أحكامها، فالشريعة حاكمة لغيرها ولا يجوز تجاوزها أو إلغاؤها أو تبديلها أو تعديلها.(10)
وقد تجسد ذلك في الآيات القرآنية التالية:

(إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ.)
سورة الأنعام آية رقم 57

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضلالاً مُّبِيناً )
سورة الأحزاب آية رقم 36

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً.)
سورة النساء آية رقم 59

فالسيادة في الدولة الإسلامية لله عز وجل, والتشريع له وحده سبحانه، هذه السيادة متمثلة في شريعته كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والدولة إنما تستمد سيادتها من خلال التزامها بالأحكام الشرعية وتنفيذها لها، وللأمة بعد ذلك حق تولية الإمام ومحاسبته وعزله ومراقبة السلطة الحاكمة في التزامها حدود الله وليس لها ولا للسلطة الحاكمة الحق في العدول عن شريعة الله.(
المصدر10)

وإذا كانت بعض الدول الحديثة تعتز بأنها تلتزم بسيادة القانون والتمسك بالدستور، فإن الدولة الإسلامية تلتزم بالشرع، ولا تخرج عنه، وهو قانونها الذي يلزمها العمل به والرجوع إليه حتى تستحق رضوان الله وقبول الناس، وهو قانون لم تضعه هي، بل فرض عليها من سلطة أعلى منها، وبالتالي لا تستطيع أن تلغيه أو تجمده إلا إذا خرجت عن طبيعتها ولم تعد دولة مسلمة". (
المصدر10)

وقد ذهب البعض إلى تقسيم السيادة إلى قسمين :
الأول: السيادة المطلقة وهي لا تكون إلا لله،
والثاني: السيادة النسبية وهي تكون للأمة ضمن حدود أحكام الشريعة الإسلامية.

15) أما المشروع الذي طرحه كوفي آنان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 54، الذي يعتبر فيه (أن السيادة لم تعد خاصة بالدولة القومية، بشكلها الحاليّ، الذي يعتبر أساس العلاقات الدولية المعاصرة، ولكن تتعلق بالأفراد أنفسهم، وهي تعني الحريات الأساسية لكل فرد، تلك الحريّات المنصوص عليها والمحفوظة في مواثيق الأمم المتحدة.)(11)
إنَّ كوفي انان، في طرحه لهذا المفهوم دعوة مكشوفة إلى حماية الوجود الإنساني للأفراد وحقوقهم على كافة المستويات، وليس حماية الحكومات، اي الجهات التي تنتهك هذه الحقوق، ويحمل الدول القائمة، كل واحدة منها، مسؤولية حماية هذه الحقوق أمام المجتمع الدولي.
وبهذه الدعوة الصريحة, وبهذا التوجه الجديد، الذي لا يخلو من التوافق والتناغم مع ما جاءت به طروحات ومشاريع العولمة الحديثة التي أخذت بفتح الأبواب على مصراعيها للشركات المتعددة الجنسيات ولتشابك رؤوس الأموال والتي قامت بدورها بخرق كل مفاهيم السيادة، يفتتح انان الطريق أمام المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني لكي تتدخل لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، في دولها أو في الدول الأخرى، دون تفويض مسبق من الأمم المتحدة.
16) وأخيراُ: ماذا يمكن أن يعني مصطلح السيادة يا ترى، لو تصورنا إنَّ الإنسان، الفرد، المواطن، الواحد مِنّا، ذكراً كان أم أنثى، يمتلك حق السيادة على نفسه، وأن يُمنَح هذا الواحد وبموجب قوانين دولية ووطنية الحقوق التي تؤهله في السيطرة على شؤونه الخاصة وإدارتها حسب رؤيته وعدم السماح للآخرين في التدخل بذلك، شريطة أن لا تنطوي طموحات هذه السيادة على ما يتعارض مع حقوق الآخرين.
 


(1) المنجد في اللغة والإعلام/ دار المشرق بيروت
(2) Meyers Lexikon online/ Jean Bodin
(3) Meyers Lexikon online
(4) معجم الكنائس/ جان بودين/ حول السيادة Bodin, Jean über die Souveränität – Internet
(5) القاموس الفلسفي الجزء الثاني ص 1111 Philosophisches Wörterbuch T. 2 S. 1111
(6) جريدة المدى/ الموضوع: من أجل إنجاح مهمة كتابة الدستور في الجمعية الوطنية.
(7) كارل ماركس/ ملاحظات نقدية حول مفهوم السيادة الهيغلي
(8) لينين/ حق الأمم في تقرير مصيرها
(9) الشرعيّة وسيادة القانون/ ياسر قطيشات/ مجلة أقلام الثقافة/ الإنترنت
(10) (السيادة مفهومها ونشئتها ومظاهرها/ طريق الإسلام/ الإنترنت)
(11) كلمة كوفي انان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 54

 

 shatup@gmx.net



 

free web counter

 

أرشيف المقالات