| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. محمد شطب

 

 

 

 

الأثنين 7/2/ 2011

 

متى تتواصل الشرارة ويشتعل الغضب

د. محمد شطب

تحركت الجموع في تونس الخضراء مطالبة الساسة الحاكمين بالقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل والتخلص من الفقر والقضاء على الجوع، ورفعت تبعاً لذلك شعارات إسقاط النظام ومحاسبة رموزه وملاحقتهم قانونياً لسياسات الفساد والنهب والسلب التي إرتكبوها. وترتب على ذلك هروب رأس الهرم وإنهيار حكومته من رئاسة الوزراء إلى مختلف الهيئاة الرئاسية وما إرتبط بها، وحل البديل المؤقت وبدء الشروع بصياغة القوانين التي تخدم مصالح الناس.

وفي مصر تحركت جموع الشباب، وفجَّرت ثورة الغضب العارمة للمطالبة بتنحية رأس النظام لتخليص البلاد من تركة الفساد السياسي والمالي والإداري الذي تعاني منه منذ عقود والمطالبة بتوفير فرص العمل والخبز للجياع، ولا زالت الثورة مندلعة ومنذ 25 كانون الثاني، يتعاطف معها وبشكل مستمر مئات الآلاف من المواطنين، حتى تمكنوا من إلْزام النظام وأزلامة على التجاوب مع مطاليبهم وتقديم المزيد من التنازلات والتغييرات التي كانت قبل ذلك من الأمور الغير مسموح حتى في مناقشتها من قبل هؤلاء الطغاة. فشملت هذه التنازلات إستقالة الحكومة القائمة وتشكيل حكومة جديدة، وإستقالة الهيئات القيادية في الحزب الحاكم، بدأ برئيس الحزب، الذي هو نفسه رئيس النظام الحاكم واللجان القيادية الأخرى في الحزب مثل هيئة مكتب الحزب والأمانة العامة للحزب، وسقطت رموز وستقدم أخرى إلى المحاكم، وربما ستقطع رؤوس (على طريقة تفليش مجلس قيادة الثورة والقيادتين القطرية والقومية لحزب البعث المقبور في عراق ما قبل 2003) وبعد الحبل على الجرار، حيث إنَّ سقف المطاليب التي تنادي بها الجماهير وبحق، بعد كل ما تعرضت إليه جراء سياسات هؤلاء الخونة، أكبر من ذلك بكثير، إنهم ينتظرون الخلاص الكامل منهم ومن كلابهم وسماسرتهم ومن يقف من ورائهم. كما إنهم يريدون بدائل شريفة ونظيفة، واعية، ملتزمة بمطاليبهم، حريصة على متابعة مستلزماتهم، وجادة في فتح أبواب المستقبل لهم ولعوائلهم، ببساطة يريدون حكومة تنبع من الشعب وتجند نفسها لخدمته. وهنا بدأت تداعيات الحكومة وظهرت النتائج الأولية لهذا الغليان، تعديلات قانونية، تغييرات دستورية، تعطيل أعمال مجلسي الشعب والشورى، وإشارات لمساهمات جديدة لوجوه وطنية بما فيها من الشباب الثائر في إدارة دفة الحكم والآتي أكثر.

في بلادنا المهمومة، المظلومة، المنكوبة، المسلوبة، المغتصبة،

كثرت وتنوعت أسباب الغضب، وكَبُرَ حجمها، وإزداد وزنها، وإشتَّدَ ثقلها،

ولن يقوى الفقراء في بلادي بعد على حملها.

إلى متى تبقى الجموع الغفيرة في بلاد الرافدين تتفرج على ما يجري في القيادات التي فرضت نفسها عليهم بأساليب ملتوية، وإلى متى ترضى بأن تبقى حطباً للنيران التي يشعلها ويؤججها هؤلاء أنفسهم، وإلى متى تستمر عملية إستغفال الناس والضحك على ذقونهم والتلاعب بمشاعرهم وعقولهم من قبل هؤلاء الحكّام. وإلى متى تستمر عملية تزييف مبادىء الديمقراطية الحقة وتفريغها من محتوياتها وتسويق ألاعيب المحاصصة والطائفية والقومية محلها، وإشغال الناس بإمور بعيدة عن همومهم وأكثر بعداً عن طموحاتهم.

ففي عراق اليوم:

الفقر والجوع

تزداد أعداد الفقراء بشكل متسارع، في بلد يعتبر أحد أغنى دول العالم، وأحد الدول الأكثر إنتاجاً وتسويقاً للنفط في العالم، حيث يُصَدَّر يومياً أكثر من مليونين برميل وبسعر تجاوز ال 80 دولار للبرميل الواحد، ناهيك عن بقِيَّة الخيرات والثروات. لديه ميزانية سنويه تتجاوز ال 100 مليارد دولار. هذه الميزانية تفوق في ضخامتها ميزانيّات خمسة من الدول العربية مشتركة (سوريا والأردن ولبنان ومصر واليمن)، علماً بأن عدد نفوس العراق لا يتجاوز ربع نفوس هذه البلدان. وفي تصريح لمسؤول في محافظة القادسية (إحدى محافظات جنوب العراق/ عدد سكانها 1.200.000 مواطن) يقول فيه: إنَّ عدد المواطنين دون مستوى الفقر في المحافظة وصل إلى نسبة 88%. أما النسبة العامة بين مجموع السكان فقد تجاوزت ال 38%. فأصبح العراقيون تبعاً لذلك كمثل البعير الذي يحمل الذهب ويأكل العاقول. وعندما يتحرك المواطنون بمسيرات سلميَّة في مدن مختلفة مثل الحمزة والديوانية وقبلها في مدينة البصرة لرفض هذا الواقع وللمطالبة بتوفير الخدمات وبحقوقهم المشروعة الأخرى تطوقهم القوات الحكومية وتطلق عليهم الرصاص الحي ليسقط من بينهم القتلى والجرحى.

البطالة

تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة البطالة هي بحدود 15% فقط. ولكن في مقابلة تلفزيونية مع السيد علي بابان، وزير التخطيط والإنماء السابق ذكر فيها أنَّ نسبة البطالة تجاوزت ال 30%، هذه الأرقام للبطالة الظاهرة، حيث الآلاف ممن فقدوا أماكن عملهم نتيجة للخراب والدمار الذي إندلع في كافة مؤسسات البلاد الإنتاجية، وما لحق بقطاع الزراعة نتيجة شحة المياه والإهمال الذي إمتد ليحول أخصب الأراضي إلى صحارى قاحلة، إضافة إلى مئات الآلاف من منتسبي القوات المسلحة السابقة، الذين فُرِط أو إنفَرَط عقالهم في ليلة وضحاها، أما البطالة الخفيَّة فلم يستطع أحد إحصائها، فقد أُتْخِمت دوائر الدولة بالعديد من الموظفين الذين لا يعرفون أساساً ما هي الواجبات التي يتوجب عليهم القيام بإدائها، حصلوا على هذه الدرجات من قبل مختلف القوى المتسلطة من أجل ضمان أصواتهم في الإنتخابات والترويج لسياساتهم ليس إلا. وفي الجانب الآخر تزداد أعداد المنتسبين إلى صفوف القوات المسلحة الجديدة على نفس منحى الإنتماء إلى الوظائف الحكومية، حتى تجاوز تعدادها المليون، وهي قوى غير منتجة إطلاقاً، بحيث صار 80% من ميزانية الدولة يذهب كمخصصات لتغطية هذه النفقات على أجهزة الدولة المختلفة الغير مثمرة بجانبها الأكبر، علماً بأن ربع هذه التخصيصات تذهب إلى جيوب العشرة المبشرة بالجّنَّة من مدللي الرئاسات الثلاث (أو ربما الأربعة لاحقاً) ومن لف لفهم.

الفساد

للفساد أشكال متعددة، وجوه مختلفة، ألوان متباينة، وتسميات لا تحصى، لكنها تلتقي جميعا تحت عنوان واحد، ومن أكثر هذه الأشكال بشاعة هو الثالوث غير المقدس للفساد السياسي والمالي والإداري، الذي بسط أجنحته على كل شيئ في عراقنا، وشمل بسلبياته كل المواطنين، حصل هذا بالدرجة الأساسيَّة بشكله المفرط نتيجة للصراعات الحادة والدائمة بين السلطات الثلاث التشريعيّة والتنفيذية والقضائية، في دورتيها السابقة والآنيَّة، التي بنيت على أسس المحاصصة القومية والطائفية، وتم إختيار معظم أعضاءها على طريقة الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، والتي تسببت في إشاعة الفتنة وإضاعة فرص الأمن والسلام، مما جعل المواطنين يكتوون بنيران تخبطاتهم وصراعاتهم المشبعة بالشراهة والشراسة الخفية والمعلنة وبشكل مستمر، مما تولد عنه شعور لدى المراقب بأن هؤلاء بإصطفافاتهم هذه إنما يطبخون بوعي او بدون وعي مقترحات بايدن البائسة على نار هادئة. (هناك مقال خاص عن الفساد)

الضحايا

لقد تنوعت أشكال الضحايا في بلادي، فمن ضحايا النظام السابق، اللذين تنوعت أشكال تصفياتهم من الحروب العبثية إلى القبور الجماعية، ومن الحروب الكيمياوية إلى حرق وقصف القرى والقصبات الحدودية، من تصفيات السجون إلى التصفيات على قارعة الشوارع .... وغيرها الكثير، ومنها إلى ضحايا حرب الغزو والإحتلال والإستباحة المنفلته، إلى ضحايا التآمر العربي والأجنبي بدأً بالجيران ومروراً بأعوان القاعدة، وما تداخل معها من جرائم إرتكبتها بقايا أزلام النظام المقبور، وما تلا ذلك كله من ضحايا الإقتتال الطائفي والمذهبي بين أبناء الوطن، وأخيرها ضحايا تصفيات إصطفافات الكتل السياسية المختلفة. وقد خلَّف ذلك فوضى وإضطراب أمني وسياسي نتج عنه جيوشاً من المعوقين والأرامل و الأيتام تجاوزت أعدادهم الملايين، ومجاميع من المهاجرين والمهجرين زادت هي الآخرى على الملايين، كما رافقه المزيد في حشود الأميين، واعداد المتسولين، وإهمال في كافة مرافق الخدمات وخاصة في توفير الماء والكهرباء والخدمات الصحية وشباكات الصرف الصحي وتزايد أكداس الأوساخ ترتب عليها إنتشار واسع للأمراض والأوبئة، حتى إرتفعت نسب المصابين بأمراض مختلفة إلى أرقام قياسية غير مسبوقة.

وفي هذه الأجواء المرعبة كثرت مجاميع القتل وجماعات الخطف والسلب والنهب وأعداد اللصوص والمسلحين فرادا وجماعات، على شاكلة العصابات والمافيات المنفلته والميليشيات المسلحة.

لقد أثبتت الأحداث بأن المواطنين تعبوا مما يجري، ضجروا، تمردوا، ورفضوا مواصلة الخنوع للتيارات السائدة، وما نسبة 49% من المواطنين، الذين عزفوا عن المشاركة في الإنتخابات الأخيرة إلا تعبيراً صارخاً لتخمتهم مما يقدم لهم من سقط المتاع

ألم تكن هذه أسباباً كافيه لإفتراش الشوارع وقطع الطرقات ورفع أصوات ورايات الإحتجاج عاليا وفضح أساليب ومراوغاة القادة الجدد، وشهر السيوف على طريقة أبا ذر الغفاري للتخلص من هذا الواقع الأليم.

صحيح إنَّ المعارضة ضعيفة، ومشتته ومتصارعة، تفتقر إلى برامج واضحه لتعبئة الغلابا وتنويرهم وإرشادهم وبث الروح الثورية في صفوفهم، ولكن ألم يحن الوقت لتجاوز هذه العقبات والإستفادة من كل ما حصل ويحصل من إخفاقات وتخبطات، ولم الشمل والبدأ من جديد لإحتضان الشارع التائه.

ومع هذا كله يمكن أن يطرح السؤال: مَنْ فَجَّر الثورة في تونس، ومن فجَّرها في مصر، ألم يكن شبابها وطلائعها وخيرة أبنائها، أين هم في بلاد الرافدين؟ نأمل أن لا يطول الإنتظار. نريد ثورة الشعب، نريد تغييراً ثورياً ينبع من بين صفوف المنكوبين، يكون منهم وإليهم، بعد إن تمخض التغيير الذي أتى به الإحتلال إلى فرض أجندات المحتل وسيطرة أيادي لا تتجاوب مع مصالح الملايين قدر تصارعها لخدمة مصالحها الشخصية والفئوية والحزبية والطائفية والمذهبية والقومية، ناهيك عن تسابقها في فرض أجندات أجنبية.

free web counter