| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 21/12/ 2008

 

الفيِدرالية مبدأ تنظيمي
Fédéralisme

د. محمد شطب

1.
قبل الإنتقال إلى أصل ومضمون هذا المصطلح أشير إلى التقسيم التالي الذي أتى به الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس 384 – 322 ق.م.، حيث قسَّمَ هذا الفيلسوف الكبير ومنذ ذلك الوقت المبكر أشكال ممارسة السلطة إلى ستت أقسام وهي: النظام الملكي، النظام الإرستقراطي، النظام التعسفي، نظام حكم القِلَّة والنظام الديمقراطي.(1)
في وقتنا الحاضر تتوزع أنظمة الحكم بين أنظمة دكتاتوريَّة وأخرى ديمقراطيَّة، وبينما تنقسم الدكتاتوريات إلى نوعين أساسيَّين هما حكم الفرد الواحد والحكم المطلق للأنظمة الملكيَّة، تنقسم الحكومات الديمقراطيَّة إلى ملكيّات دستوريَّة و ديمقراطيّات برلمانيَّة، وتعتبر ألأخيرة أفضل ألأنواع في ممارسة السلطة وأكثرها تقدماً ورُقِيّا وإحتراماً لحقوق الإنسان. وفي هذه الدول تتواجد البرلمانات المُنْتَخَبة ديمقراطياً من قبل المواطنين والتي تَتَخِذ على عاتقها سن الدساتير وتشريع القوانين التي تَبني الدولة على أساسها مجمل سياساتها، وتوفر ألأنظمة الديمقراطية المناخ أللازم لبناء الدولة الفيدرالية.

2.
الفيِدرالية كلمة فرنسية الأصل، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية Foedus التي تعني الإتحاد.
وقد تحول هذا المصطلح إلى مبدأ تنظيمي، تعمل بموجبه المنظمات الإجتماعية الكبيرة وخاصة الدول.(2)
جوهر هذا المبدأ هو منح صلاحيات واسعة للوحدات المختلفة المنضوية في إطار دولة واحدة تحت مركز ما، والتي تُكَوِّن بمجموعها وحدة متكاملة. ويختلف هذا ألإتجاه عن المبدأ المعتمد في الحكومات المركزية التي ترى أنَّ للمركز الحقَّ في إتخاذ كافة القرارات وفي إدارة شؤون الدولة. وتعتبر الفيدرالية نظرية سياسية تعتمد مبدأ التضامن من أجل الحياة والعمل المشترك بين المواطنين على أسس سلمِيَّة. وهي بهذا تتمثَّل مبادئ التعددية في المجتمع وتحترم حقوق الأقليّات، لا مِنَّةً منها عليها بل إقرارا غير مشروط لهذه الحقوق.

3.
وقدر تعلق هذا المصطلح ببناء الدولة الفيدرالية، فبموجبه يتم تقسيم مهام الدولة بين المركز والأقاليم، وفق مبدأ نقل الكثير من المهام إلى الأقاليم وحصر القليل منها بالمركز، وذلك بالإعتماد على نصوص قانونية يتم تثبيتها في دستور الدولة المعنية أو في اللوائح و القوانين التي يصار إلى سنِّها لاحقاً، وأن يُثَبَّتْ دستورياً الحق الأبدي للأقاليم التي يتم الأعلان عن تشكيلها بعدم ضمها إلى المركز أو إلغاء تواجدها المستقل لاحقاً، ولا يجوز ذلك أبدأً لا عن طريق تغيير الدستور ولا عن طريق إستفتاء شعبي أو ما شابه ذلك من إجراءات تعسفيَّة قد تلجاْ اليها الحكومات المركزية حين تطغى عليها حالات مَرَضِيَّة مثل غرور رئيس الحكومة أو طائفية حكومته أو إنحيازيتها أو الخضوع لضغوط ما داخلية كانت أم خارجية.

4.
ولكل فيدرالية أو إقليم حكومته الخاصة به والمنتخبة من قبل مواطنيه، ولهذه الحكومة الحق في رسم السياسة التي يصار إلى إعتمادها مع الحكومة المركزية أو مع بقية الأقاليم، ولها الحق بإتخاذ القرارات الحاسمة التي تتعلق بمواطني الأقليم أو رفض القرارات المركزية التي تتعارض مع مصالح مواطني هذا الإقليم ، ونقلِ الخلاف بشأنها إلى المحكمة الاتحادية العليا التي تتولى قول الكلمة الفصل في مواضيع الخلاف بين المركز ووحداته الفيدرالية. ولكل واحدة من هذه الفيدراليات المتحدة خصوصيّاتها، ولها الإستقلالية في وضع دساتيرها وميزانياتها وبرامجها، على أن لا تتعارض مع دستور البلاد الأساسي. ولها كذلك أمر تنفيذ هذه البرامج ومراقبة هذا الأمر. كما أنَّ لها الحق في رسم أنظمتها في المجالات المختلفة مثل أنظمة الحقوق والضرائب والإدارة والصحة والتعليم والتأمين وغيرها، ولها أن تختار الصيغ التي تراها مناسبة من أجل تنفيذ برامجها هذه وجلب الرأسمال اللازم للإستثمار والبناء، أي أنَّ لها الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية حسب ماتمليه دساتيرها شريطة أن لا يتعارض هذا مع مضمون الدستور أو القوانين المركزية للدولة، وأن يكون ذلك كله منسجماً مع المبادئ الأساسية التي يضمنها الدستور وغير متعارضة معها، وأن لا تكون قابلة للتلاعب.
وهنا يمكن القول بأن نظام الدولة الفيدرالية أو الإتحادية إنما هو مجموعة من الحكومات الفيدرالية المتمتعة بالإستقلالية الواسعة وهي التي تمارس القسم الأكبر من السلطات في الدولة.

5.
أما مهام الحكومة المركزية فتتركز على التمثيل الخارجي للدولة وعلاقاتها مع بقية الدول ورسم السياسات الخاصة بالدفاع والمالية والخط العام لتطور البلاد في ميادين التعليم والثقافة وإقرار العملة المستخدمة وإتخاذ القرارات ذات الصفة العمومية لكافة مواطني البلد. ومن الواجبات الأخرى للحكومة المركزية تقسيم الواردات المالية على الأقاليم بموجب منظومات محددة يجري الإتفاق عليها مع حكومات الأقاليم وتحقيق عملية إنماء متساوية في البلاد، ولا يحق لها إملاء قراراتها على حكومات الأقاليم إلا بقدر تجاوب هذه القرارات مع الدستور والتشريعات المركزية وتناغمها مع تشريعات هذه الأقاليم. وغالباً ما تقوم الحكومة المركزية بالتعاون مع ممثلي الأقاليم المختلفة بصياغة مشاريع القوانين المستقبلية للبلاد وتقديمها إلى البرلمان لغرض إقرارها وبناء على ذلك تكون ملزمة لكافة الأقاليم.

6.
يجب أن لا تستغل حكومة أي إقليم إستقلاليتها فقط لنزع المزيد من المكاسب من السلطة المركزية، أو التجاوز على الصلاحيّات المناطة بتلك السلطة أومحاولة الإلتفاف عليها، وربما يكون ذلك على حساب الأقاليم الأخرى، بل يجب أن تهتم بتطوير كادرها الإداري والفني والعلمي والقانوني الذي يكون بإستطاعته ألإرتقاء بالإقليم ورعاية ما تم التوصل اليه من مكاسب وإنجازات، وأن تكون كل واحدة من الأقاليم المتواجدة في بلد ما سبّاقة في تقديم خبراتها ومُثُلها إلى بقية الأقاليم وصولاً إلى تحقيق مبدأ التكامل والنهوض المتكافِئ للجميع.

7.
إختلفت الأسباب والدوافع لقيام الدول الفيدرالية، ففي أمريكا وكندا وأستراليا مثلاً كان عامل التحرر من السيطرة البريطانية وما رافق ذلك من إتِّخاذ إجراءات إدارية جديدة من مختلف المكونات الإجتماعية لهذه الدول ومن أجل أعمال مشتركة في مجالات السياسة والإقتصاد لتجاوز تَرِكَة وتبعيات السيطرة الأجنبية والنهوض من جديد، كذلك من أجل توزيع المهام الأمنية ومهام الدفاع في مثل هكذا بلدان واسعة الأرجاء. أما في بلدان أخرى مثل سويسرا فكان الدافع الأساسي هوالتحرر من الإضطهاد والخنق الثقافي الذي كانت تعانيه المكونات الإجتماعية المختلفة في البلاد، ففي هذا البلد يعيش الألمان و الفرنسيون والإيطاليون و بقايا من الرومان القدامى الذين يتكلمون بعض اللهجات الرومانية القديمة. ومن أجل ضمهم في دولة واحدة يتمتع بها الجميع بكامل حقوقهم وتأمين الحماية اللازمة لهم تم إختيار النظام الفيدرالي. كذلك الحال في بلجيكا حيث تم تقسيم ولاياتها الثلاث على أساس الأكثرية اللغوية الفليميية والفرنسية والألمانية.
بينما كانت دوافع المانيا التي كانت آخذة بالتبلور والتكامل في بناء نظامها الرأسمالي بداية القرن التاسع عشر مبنية على التباينات الإجتماعية المتواجدة فيها، بحيث أنَّ الهدف الأساسي من وراء سن قانون الفيدراليات عام 1871 كان لحماية وتأمين مصالح المواطنين في الولايات المختلفة من هذه التباينات القائمة، إلا أن دستور عام 1945 الذي أقر الفيدرالية أيضاً، وذلك وفقاً لمشيئة الدول الرأسمالية الثلاث التي قامت بالمشاركة في تفتيت ألمانيا الهتلريَّة إلا أنهم أعادو تشكيلها حسب منظورهم السياسي والإقتصادي، فكان هدفه الوقوف بوجه المساواة الإجتماعيَّة الكليَّة بين المواطنين. وتنبغي الإشارة هنا إلى أنَّ صيغ الفيدرالية التي تمَّ اختيارها في البلدان المذكورة، وفي سياقات سياسية وتاريخية وإثنية مختلفة ، لم تؤدِّ إلى طمس الهوية الوطنية لهذه البلدان وشعوبها، ولم تضع الهويات العرقية أو الطائفية أو المناطقية فوقها.

8.
وتبقى الدوافع الرئيسية إلى قيام هكذا أشكال تنظيميَّة للدولة هي تحديد وتقليص السلطات السياسية المركزيَّة وذلك عن طريق توزيعها بين المركز والأقاليم، وبهذا يصار إلى تقسيم الحقوق والواجبات في الدولة الواحدة على هذه المستويات المختلفة، وإلى تنوع مصادر التأثير في عملية الإدارة والبناء من جانب آخر، كذلك إعتماد أشكال وطرق مختلفة لتحقيق الأهداف والمشاريع التي يراد إنجازها سواء على مستوى المركز أو الأقاليم ، يضاف إلى ذلك إن إمكانية حماية الأقليات تكون محفوظة في هكذا نظام، وذلك عن طريق تشكيل أقاليم خاصة بها بحيث لا تشعر هذه الأقليات في تواجدها في مثل هذه الأقاليم بشعور الأقلية، لأنها تشكل الأكثرية في إطار الإقليم الذي تتواجد فيه، ويمكنها إختيار طريق تطورها بالشكل الذي ترتأيه.

9.
وصار مبدأ الفيدراليَّة يعني:(3)
ـ السعي إلى إقامة الدولة الإتحادية من مجموعة من الفيدراليات أو الولايات أو الأقاليم المستقلة.
ـ أو الحفاظ على الدولة المركزية القائمة، وتقسيمها إلى أقاليم مرتبطة بالمركز، ومنح صلاحيّات واسعة للأقاليم المنظوية تحت سيادتها.
ـ تَغْيير الشكل القائم للدولة، كأن يتم تحويل دولة إقطاعية أو ملكيِّة، تضع تحت سيطرتها العديد من الإقطاعيات أو الملكيّات، إلى دولة جمهورية برلمانيَّة مبنية على أسس الفيدرالية، كما حصل ذلك في النمسا.
ـ واخيراً، ولأسباب سياسية دولية، أو لظروف قاهرة يمكن أن تدمج أجزاء من دولة معينة أو من عدة دول لتشكل دولة فيدرالية جديدة كما حصل عند تشكيل البوسنة وهيرتسيجوفينا في فيدرالية مستقلة بعد تفكيك يوغسلافيا بفعل الضربات العسكريَّة لحلف الناتو وبتدخل خارق من الإتحاد الأوربي وبالتالي تحويلها إلى جمهوريات متناثرة، بل ومتناحِرَة وتفضيل بعضها على البعض في الإنضمام إلى الوحدة الأوربية.

10.
والهدف من إقامة الفيدراليات هو:
ـ وضع نهاية لقيام حكومات مركزية دكتاتورية وتشييد الأسس السليمة لنشوء الديمقراطياة اللامركزية.
ـ التنسيق الأفضل بين خصوصيات ومصالح كل ولاية من الولايات المتآلفة لصالح كافة الولايات.
ـ تطوير النهج الديمقراطي العام وترسيخ أسس التضامن والسلام وتشجيع التعددية في الإدارة والحكم.
ـ المساهمة الفعّالة في بلورة النشاط السياسي وبناء الكادرعلى مستويات مختلفة.
ـ الحل الأفضل للمشاكل على مستوى الإقاليم والحيلولة دون تراكم المشاكل على الحكومة المركزية.

وتقدم الدول ذات النظم الفيدرالية الأطر الحقوقية والتنظيمية التي تتمكن من خلالها كل ولاية من تطوير خصوصيتها وإستقلاليتها من جهة، وتسهم في تطوير وتعميق التعاضد بين بعضها البعض.
وضمن هذا المبدأ، وكنتيجة لنقل الكثير من السلطات إلى الولايات أو الأقاليم أو الفيدراليات المتحدة، فإن ما يبقى من سلطات مركزية فعلاً، إنما يصب في مصلحة كافة الفيدراليات، بالمقابل يتم فسح المجال واسِعاً أمام هذه الفيدراليات لتنظيم شؤونها متحملة بذلك مسؤلياتها الخاصة بهذا المجال، وهي بممارساتها هذه تُسَهِّل إِمكانيّات الحكومة المركزية بالإسراع في إنجاز مهامها وتساهم في وضع قراراتها.

11.
في الممارسة العملية لهذا النهج من التنظيم الإجتماعي للدول يُسَطّر لنا التأريخ الكثير من الأمثلة والتي يمتد بعضها إلى ما قبل ألتأريخ المعاصر، حيث وضع اليونان والرومان اللبنات الأولى على الطريق في هذا المجال، وما الإتحاد الذي حصل بين أثينا العاصمة اليونانية وبين المدن اليونانية الساحلية والمدن الواقعة على إمتداد بحر إيجة خلال الحرب التي شنتها اليونان على بلاد فارس عام 477 ق. م. وعلى سبارتيكوس في القرن الرابع قبل الميلاد 378 ق. م. إلا واحدة من تلك الأمثلة. (4)

في سويسرا التي تعتبر مثالاً يحتذى به لمثل هذه الفيدراليات حيث بدأوا في القرن الثالث عشر وللفترة من 1231 ـ إلى 1291 م. بتوقيع الإتفاقيات الأولى بين ثلاث من الكانتونات الكثيرة التي كانت قائمة آنذاك وتشكيل ما يسمى بوثيقة الإتحاد الأبدي، وقد توسع هذا العقد ليشمل العديد من الكانتونات الأخرى، وإستمر حتى عام 1848 حيث بسطت فرنسا الإستعماريَّة نفوذها على هذه الكانتونات، إلا أنَّ سويسرا عادت ومنذ عام 1874 لتصبح من جديد دولة فيدرالية معاصرة وتشكل أفضل نموذج للعلاقاتات الفيدرالية على المستوى العالمي. دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 7.5 مليون نسمة ومساحتها أقل من مساحة محافظة المثنى العراقية (الناصرية التي تبلغ 51740 كم2) فمساحة سويسرا هي فقط 41245 كم2.
تتكون سويسرا من 26 ولاية يتمتع مواطنوها بكافة الحقوق التي منحتها لهم دساتيرهم، وهنا يجب القول بأن برلمانات الولايات السويسرية تتسع لتشمل على برلمانات في المحافظات والأقضية والنواحي تناقش هموم الناس وتضمن لهم حقوقهم. وإن الهدف الرئيسي في سويسرا هو نقل المهام قدر ماهو ممكن إلى البرلمانات الصغيرة والأصغر لقربها ولمعرفتها بهموم مواطنيها لتجد أسرع الحلول لما يُسْتَجَّد من مشاكل وأن تتبنى البرلمانات الكبيرة ما تعجز عن حسمه صغيراتها تلافياً لما يمكن أن يترتب على ذلك من إشكالات بين مواطني الولايات المختلفة.
في 23.01.1579 تم الإتفاق بين 7 دويلات في هولندا لتشكيل دولة إتحادية مركزية، وبعد سنتين، أي في 26.07.1581 تم ضَم ولايات جديدة لها وبقيت هذه التشكيلة محافظة نسبيا على جوهرها لحد الآن.
بتأريخ 15.11.1777 وبعد سلسلة طويلة من المفاوضات والإتفاقيات أقَّر الكونجرس الأمريكي قيام نظام إتحاد فيدرالي أزلي في أمريكا يضم 13 ولاية في دولة مركزية واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية. وللفترة من 1790 وحتى 1865 ضُمَّت 23 ولاية جديدة إلى هذا الإتحاد، وبعد عام 1856 تَكَوَّنت 14 ولاية جديدة في أمريكا تم إلحاقها بالإتحاد الفيدرالي أيضاً.
بدأ بعام 1813 تمكن الألمان من توحيد ولاياتهم المتناحرة في إتحاد يضم 38 ولاية ألمانية أطلق عليه الإتحاد الألماني، توقف العمل بهذا الإتحاد عام 1866، ومنذ عام 1878 تبلور إتحاد جديد ليتحول إلى الإمبراطورية الألمانية، ونص دستور هذه الإمبراطورية المعلن في 16.04.1871 على كون المانيا دولة إتحادية.
بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية التي شنتها ألمانيا على دول العالم، وبعد هزيمتها في الحرب الأخيرة عام 1945 تم تقسيمها إلى مقاطعات وضعت مباشرة تحت سيطرة قوّات دول الحلفاء، وبعد مرور أربعة أعوام فقط على إنتهاء الحرب العالمية الثانية أعيد بناء دولة المانيا من جديد، فتم تشكيل جمهورية المانيا الإتحادية متكونة ، هذه المرة ، من عشر مقاطعات من أصل مناطق الإحتلال الغربية الثلاث الأمريكية والبريطانية والفرنسية في 23.05.1949، وكانت صياغة ومضمون دستور الفيدراليات/ القانون الأساسي، الذي تمت الموافقة عليه بتأريخ 08.05.1949 يختلف عما جاء به دستور عام 1871 حيث كانت تفوح من ثناياه آثار الإملاءات التي تركتها هذه الدول وأرادت من خلالها رسم التطور اللاحق لهذا البلد الذي خرج لتوه من حرب كارثية على مواطنيه ومواطني بلدان كثيرة في العالم. وفي نفس العام تم إعادة بناء القسم الشرقي من المانيا، الذي كان تحت السيطرة السوفيتية، وذلك بتشكيل جمهورية المانيا الديمقراطية بتأريخ 07.10.1949 التي كانت في البدء تتكون من مجموعة من الولايات، وبعد الإصلاح الإداري الذي حصل عام 1952 تم تشكيل 14 محافظة بدلا من الولايات، وإرتباطاً بسلسلة الإنهيارات التي حصلت في منظومة الدول الإشتراكية تمكنت المانيا الإتحادية من إبرام إتفاقية سريعة وغير متكافئة مع المانيا الديمقراطية وتمكنت أخيراً من إحتوائها كليا، وبتأريخ 03.10.1990 تم توحيد الألمانيتين بشكل شبه قسري في جمهورية واحدة هي جمهورية المانيا الإتحادية التي تتكون اليوم من 15 ولاية إتحاديَّة.

12.
عرفت المجتمعات فيدراليات قديمة تم تفكيكها لأسباب مختلفة فمثلاُ:
ـ تحويل ولايات جمهورية المانيا الديمقراطية، التي تم بنائها عام 1945 إلى محافظات في عام 1952 ثم تم إلغاء هذه الجمهورية ودمجها مع جمهورية المانيا الإتحادية عام 1990.
ـ تفكيك بعض الدول الإشتراكية مثل تشيكوسلوفاكيا التي تشكلت عام 1960 ـ إلى 31.12.1992، حيث تحولت إلى دولتين مستقلتين هما التشيك والسلوفاك
ـ إنهيار دولة الإتحاد السوفياتي 1923 ـ 1991، التي كانت تضم العديد من الجمهوريات الفيدرالية وجمهوريات الحكم الذاتي المتآلفة تحت سقف السوفيتات وتشكلت إثر ذلك العديد من الجمهوريات الجديدة المستقلة.
ـ تهديم دولة يوغسلافيا الإتحادية وتحويل فُتاتها إلى جمهوريات مختلفة.
ـ حَل الدولة الفيدرالية التي تم تشكيلها من فتات يوغسلافيا بين صربيا ومونتينيجرا من 2003 إلى 2006

13.
إن النظام السياسي الجديد في العراق حسب الدستور الدائم هو نظام إتحادي،
حيث ينص دستور جمهورية العراق على ما يلي:
"يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ واقاليم ومحافظاتٍ لا مركزية واداراتٍ محلية."
وبعد إقرار فيدرالية إقليم كردستان، فإن الدستور العراقي يمنح الحق لبقية المحافظات في تشكيل فيدرالياتها كما جاء ذلك في المادة (113) منه:
"اولاً ـ يقر هذا الدستور اقليم كردستان وسلطاته القائمة، اقليماً اتحادياً.
ثانياً ـ يقر هذا الدستور، الاقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لاحكامه."
كذلك تم تحديد الأسس التي يمكن إعتمادها في تشكيل الأقاليم، حيث ورد في المادة (115) من الدستور مايلي: "يحق لكل محافظةٍ او اكثر، تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين:
اولاً :ـ طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.
ثانياً :ـ طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم."
وتم الإتفاق على قانون الأقاليم وتشريعه في تشرين الأول من عام 2006.

بعد إقرار كل هذه الأسس القانونية المتينه التي يمكن الرجوع اليها في أي وقت للمباشرة في تشكيل ألأقاليم، بقي أمر التشكيل مسألة مرتبطة بحاجة سكان هذه أوتلك من المحافظات والظروف الموضوعية الموجبة بالإضافة إلى مراعات الوضع العام في البلد، وهذا يتطلب قبل كل شيء:

ـ إستعادة السيادة الوطنية الكاملة، وإكتمال الإستقلالية في إتخاذ القرارات وتنفيذها.
ـ تمكين الحكومة المركزية الجديدة وأجهزتها المختلفة في البلاد من النهوض بمهامها، وإشاعة العلاقات الديمقراطية بين مرافق الدولة المختلفة، وبين الحكومة المركزية والمحافظات بعيداً عن آفات وضغوط المحاصصة والمرجعيات غير السياسية والميليشيات وغيرها بالإضافة إلى الضغوط الخارجية، فتطوير وتعزيز السلطة المركزية المبنية على أسس ديمقراطية هو بمثابة السد الأمين للدفاع عن الفيدراليات.
ـ الإنتهاء من عملية تعديل الدستور وتفعيل بنوده ليصبح فعلا دستوراً لجميع العراقيين يمكنهم الرجوع اليه في حسم أمورهم.
ـ تعميق وتطوير إستقلالية السلطات الثلاث في الدولة وتحريم التدخل في شؤونها وفق قوانين تسن لهذا الغرض.
ـ إكتمال عملية إعادة بناء وتأهيل وإصلاح أجهزة الدولة المختلفة وبخاصة أجهزة الدفاع والأمن والرقابة والجهاز الإداري والمالي وتمكينها من تقديم الأعمال الناضجة في عملية بناء الفيدراليات.
ـ التمكن من تقديم الخدمات العامة للمواطنين في عموم البلاد والتقليل من معاناتهم وتوفير فرص العمل اللازمة لهم.
ـ تمكين مؤسسات الدفاع المدني من النهوض بدورها جنباً إلى جنب مع أجهزة الدولة الأخرى لتنوير المواطن وتمكينه من إستيعاب ما له وما عليه من حقوق وواجبات وتأهيله لإتخاذ القرارات المناسبة.
ـ تعزيز وتطوير ونشر مبادىء الديمقراطية في كافة مرافق الدولة وفي ممارسات الناس اليومية.
ـ منح الأجهزة الإدارية في المحافظات البعض من الصلاحيات المركزية بشكل تدريجي ودعمها وتقديم المساعدات اللازمة لها لتمكينها من الإعتماد على نفسها في وضع الحلول لمشاكلها.
وبخلاف ذلك فإن دعوات القيام بتشكيل الفيدراليات في ظل الظرف القائم تبدو وكأنها دعوات للإنفصال والتقسيم والتشرذم، وهذا ما لا يطمح اليه أبناء أية محافظة بالتأكيد ، حتى وإن انطلى عليهم خطاب بعض الساسة ووعودهم المعسولة ، لفترة من الزمن.
وأخيراً فإن الدولة المستقلة، ذات السيادة الكاملة، التي تتمتع حكومتها بثقة المواطنين و القادرة على حماية حدود البلاد والمتمكنة من تأمين الأمن والأمان لرعاياها، دولة فيها دستور دائم يحترم حقوق وإرادة الجميع وبرلمان منتخب وفق أسس سليمة، يحرس على تقديم أفضل التشريعات لتلبية حاجيات الشعب، وجهاز إداري كفوء يعتمد الكفاءة والنزاهة والمسائلة والشفافية في تقديم الخدمات للمواطنين، وتحت قيادة أمينة بعيدة عن المحاصصة والفساد والجهل والتلاعب والأحقاد بكافة أشكالها، وبعيداً عن سلاح الميليشيات وضغوط المرجعيات والضغوط الخارجية والداخلية، وبقناعة المواطنين وبملأ إرادتهم، أي في ضل أجواء ديمقراطية حقيقية، وهذا ما نطمح اليه، فقط في هكذا أجواء، يمكن بناء دولة فدرالية حديثة يكتب لها النجاح والديمومة.

14.
جدول بأسماء الدول المعاصرة التي إعتمدت النظام الفيدرالي حسب التسلسل الزمني (5)



 المصادر:
1) صفحات أكاديميَّة/ الإنترنت Akademische Blätter online
2) Wikipedia/ Internet
3)Kleine Enzyklopädie Weltgeschichte Teil 1 und 2/ VEB Bibliographisches Institut Leipzig 1981
4) Föderalismuslexikon/ Internet
5) المصدر الأوَّل
6) الفيدرالية في سويسرا/ الإنترنت

shatup@gmx.net
 

free web counter

 

أرشيف المقالات