| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. محمد شطب

 

 

 

 

الجمعة 18/9/ 2009

 

التَوافُقات السِياسِيَّة دَاءٌ أَم دَوَاء

د. محمد شطب

لا يمر يوما إلا ونسمع تصريحات لمختلف السياسيين ...، أو ما تناقلته محطات الإذاعة والتلفاز ووسائل الإعلام الأخرى ...، أو نقرأ على صفحات العديد من الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية، أنباء مفادها إَنَّ مساعي الجماعات والكتل السياسية المتنفذة قائم حاليا على ضرورة البحث عن مخارج للأزمات التي يمر بها الوطن في هذه الايام، أو ... تم الاتفاق على إدانة كل اشكال ...، ومناشدة العقلاء من كل الأطراف على العمل من أجل ...،
وكان فريق مع ... والآخر ضد...؟ وأبدى الحزب ال ... موافقته، لكن .... وفي الطرف الآخر كانت الإستعدادات مرهونه بالموافقة على ...،
فإن لـم تُقَدَّم التنازلات ولم تحصل الموافقـات اللازمة ...، فإن ذلك يعني الوقوف في وجه هكذا طلبات ووأدها في مهدها.
هناك مرونة كبيرة تُبذل من عدة جهات وبمستويات مختلفة لإقناع الأطراف...،
إنَّ هذه الجهود ترمي الى قبول الصيغة التي تطالب بضمانات من الطرف الآخر.
صرح بعض من القياديين في ... بأن المشاورات قطعت شوطا كبيرا في اتجاه تحقيق المصالحة.
أدلى الناطق الرسمي بتصريح عن قرب التوصل إلى اتفاق بين الأطـراف المختلفة بخصوص النقاط المفصلية ...، ولكن يبدو أنَّ هناك رفض لهذه الأفكار ... وبنفس الوقت ... لقبول الأفكار الأخرى ...الخ.

وفي ظل أجواء الحراك السياسي العنيف والنشاط المحموم المتمثل بالتحالفات والتكتلات والتخندقات الجديدة المتلازمة مع حمى الإنتخابات وما يترتب على ذلك كله من حماقات ونفاق سياسي وتزلف طائفي ومذهبي، لكسب هذا الحزب أو ذاك التيار أو تلك المجموعة وضمها إلى هذه الكتلة أو تلك رغم إختلاف الجذور وتباعد الأتجاهات، ورغم التناقضات الصارخة في المبادىء والبرامج، تضاعفت مثل هذه الأصوات وكثر الناعقون بها واللاهثون للدلو بدلوها حتى صارت لا تُلقي سماعا من أبسط المواطنين لمعرفتهم السابقة بما تنطوي عليه، فقد خبروا هذا كله بتجربتهم المريرة على الأقل للسنوات الخمس الأخيرة.

وإرتباطاً بذلك فإن كل الشرفاء والطيبين من أبناء هذا الوطن، كل قوى الديمقراطية والسلام والمحبة، قوى التيار الديمقراطي، وكل الغيارى والمخلصين الذين يريدون أن يكون الوطنُ حُراً، معافى، ينعم أهله بالخير والرفاه، ويسوده الأمن والسلام، مطالبون برص الصفوف وتوحيد الكلمة ونبذ التشتت، من أجل إنتشال الوطن من المحن والكوارث التي تعصف به من كل حدب وصوب.

لا تسلَّموا الأمور بأيادي من لا تهمهم مصلحة هذا الوطن، ولا مصالح مواطنيه، ممن إرتموا بأحضان الغير وربما بمن هم خارج الحدود، أو لمن ركبوا الموجة السياسية ووجدوا أنفسهمم في معمعانها بدراية منهم أو بقدرة قادر جاءت بهم من حيث لا يدرون وأوصلتهم الى ما لم يكن بحسبانهم يوما من الأيام.

لا تفتحوا الأبواب على مصاريعها لنشر سياسة التخاذل والتنازلات والمساومات والإندحار والشعور بعدم الرضا، والإحباط والإنكسار، وحتى بالهزيمة، بين الناس وفي كافة أنحاء البلاد.

لا تختاروا الحلول الوسطية، العرجاء، الممجوجة، الفارغة من أية محتوى، عديمة اللون والطعم والرائحة، فهي مرفوضة من قبل الجميع جملة وتفصيلاً. فقد جرَّت هكذا تصريحات الى سجالات سياسية وفكرية أفضت بظلالها على المشاركين والمواطنين وشَوَّهت من إمكانياتهم على تحديد الإتجاه الصحيح والإختيار الملائم في ظل هذه التخبطات.

المطلوب منكم مواقف معلنة، واضحة، صريحة، دقيقة، أمينة، بنّاءة، مقبولة من لدن المواطنين، وإجابات صادقة ومباشرة لا تقبل اللبس ولا الغموض للمتطلبات الآنية التي يعاني منها المواطن، لكي ننهض من كبوتنا وننفض عنّا غبار الحرب والموت والإرهاب والتخلف والجهل الذي نحن فيه، وأن تأخذوا بنظر الإعتبار ما يترتب على ذلك كله مستقبلاً، ووضع حداً للرؤى التوفيقية، التي لم تكن ثمارها في أحسن الأحوال إلا المزيد من الإنحدار والتهالك وراء المصالح الضيقة الشخصية والفؤية والشلليَّة والطائفية والمذهبية والعرقية والحزبيةً.

وطِّدوا أقدامكم بين صفوف من يجب أن يشملهم التغيير برحمته، ويرفع عن كاهلهم عناء معاناتهم اليوميَّة، بين الضعفاء وبيوت الفقراء، فهم السد المنيع لكم، لا بين من سرقوا قوت الناس، فهم بالتالي يريدون حتى سرقتكم وإبتلاعكم، غير أهّابين بعُسْرِ ما يهضمون.

سياسة التوافقات المُذِلَّة مرفوضة أيها الساسة الكرام، وما هي إلا إمتداداً لسياسات المحاصصة والطائفية المقيته، المنبوذة، والمرفوضة ليس فقط من قبل المواطنين الذين خبروها عن قرب، وإنما أيضا من قبل العديد ممن يمارسونها تحت ضغوط مختلفة، بدأ بالذاتية ومروراً بالشللية والقبلية والمناطقية والحزبية ووصولا الى الطائفيَّة والمذهبيَّة وليس آخرها الضغوط الإقليميَّة والدولية لمن تربعوا خارج الحدود وساهموا في دفع الدولار والمسدس والمتفجرات لتشديد هذه الضغوط على الأطراف المقابلة، ودفعهم إلى رسم السياسة التي يجب أن تكون وفق هذا المنظور أو ذاك بعيدا عن أية مراعاة للمصالح الوطنية، حتى أصبح الكثير من القائمين بهكذا سياسات سماسرة أذِللاء مدفوعين، فاقدي الرأي والحيلة فيما يقولون ويفعلون.

فالمضمون المعلن لهذه السياسات هو إحتواء الخلافات بين المتصارعين، والتراجع عن المواقف المتشددة لحالات مستعصية، وتقديم التنازلات من قبل هذا الطرف أو ذاك إرضاءً للطرف الآخر، وربما لتخفيف حدة التوتر التي ترافق العمل بكل أشكاله ومستوياته، ولإمتصاص حالات الشد والجذب التي يعاني منها أو ربما يتمسك بها الجميع، وبالتالي يجري الإعلان عن أية خطوة من هذا القبيل بأنها تمت من أجل لَمْ الشمل، وإيقاف الفتنة، وحقن الدماء، ومنح الآخرين الفرصة لمراجعة مواقفهم، وإشاعة السلام والوِئام ليس فقط بين القوى المختلفة بل بين المواطنين كلهم وبمختلف قوميّاتهم، أطيافهم وطوائفهم، أديانهم وإنتماءاتهم، لكنها في حقيقتها وجوهرها لا تعني أكثر من خلق قاسم مشترك لهم لا يستطيع أي من الأطراف المشارِكة أن يجد نفسه ممثلاً فيه بشكله وحجمه الحقيقي.

إبحثوا عن حلول سليمة لمعالجة مشاكل الواقع المرير الذي تمر به البلاد وساكنيها، وقدموا مشاريع ذات نوعية عالية تنبع من هذا الواقع وتصب فيه، تأخذ بعين الإعتبار نَفَس الشارع والمواطن والوطن، وحلولاً لا مجال للشك في صحتها، تمتلك ما فيه الكفاية من القوة والمصداقية، لتعني في نهاية المطاف، بأن رفضها هو رفض الناس لؤلائك الرافضين لها، لكي يلتف المواطنين حولكم، وليس إلى اللجوء لسياسة التوافقات وتقديم التنازلات لتغطية العجز الواضح الذي يعانيه هذا الطرف أو ذاك منكم.

القِلَّة لا تعني الضعْف، ولا تعني التراجع أمام الآخرين أو الإنحناء أمامهم والتزلف لهم ولا القبول بإملائاتهم، ولا تحمل بين طياتها المسكنة أو الخنوع، أمّا سياسة التوافقات فتعني سياسة بوس اللحى، وغمض العيون، وإسدال الستار على الأخطاء والنواقص والعيوب والرذائل التي يرتكبها الحِيتان الكبار، والتغطية على الفساد المالي والإداري للمتربعين في قمة الهرم السياسي، وبالتالي يتحول الكيان المعني الى ذيل لتلك الكيانات التي قدم لها التنازلات وإرتبط معها في التوافقات، حتى صار المواطن لا يقوى على التفريق بين من يرتكب الجرم ومن يتستر عليه، وبذلك تسهل عملية تحجيمكم وتهميشكم التي يترتب عليها الإنكماش في ممارسة الدور اللائق الذي تريدون أن تمارسوه، وسيكون إبتعاد المواطنين عن اللحاق بكياناتكم أمر طبيعي بل نتيجة حتمية لو إعتمدتم سياسة التوافقات. لا تسمحوا للعنة التبعية أن تكون ضِلاً لكم، ولا لليأس أن يرافقكم.

يجب إعتماد سياسات تربوية سليمة من قبلكم، يتربى الناس من خلالها على ضرورة إتخاذ القرارات الصائبة، التي تصب في مصلحة المواطن والوطن، وليست تلك التي تهدف الى إرضاء هذا أو إقناع ذاك، والإبتعاد عن المساومات والمداهنات اللامبدئية واللاأخلاقية، حبا بكسب ود الآخرين من الأطراف المتواجدة في الساحة أو على الأقل صاحبة النفوذ منها.

ألم تعني سياسة التوافقات في حقيقتها تقديم التنازلات، أياً كانت هذه التنازلات، قليلة في كميتها، صغيرة في حجمها، متواضعة في مدياتها، بسيطة في مضامينها، لكنها بالتأكيد تشكل البداية، وتجر بلا أدنى شك الى المزيد، الى تنازلات أكثر وأكبر وأوسع وأشد تعقيداً وأعظم هلاكاً، وربما الى كوارث على هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المتفاوضة منكم، كوارث ربما تَمَّتْ برمجتها سابقا، رغم أنها تبدو في بداية الأمر وكأنها أمور ليست ذات شأن.

الم تَجُرْ هكذا سياسات الى إللهاث وراء تقديم المزيد والمزيد من التنازلات، وفي حالة العجز عن تقديم المزيد، يتم اللجوء الى ممارسة سياسات غبية وارتكاب حماقات غير محسوبة العواقب تحت طائلة الشعور بالذنب لما تم إرتكابه؟

ألم تعنيِ سياسة التوافقات في نهاية المطاف، اللجوء إلى سياسة الخضوع للآخر رغم عدم إلتماس الاحترام والجدِّيَّة اللازمين من قبله وتقديم التنازلات المتتالية للوصول الى توافقات تفضي في نهاية المطاف الى أن يفقد الكيان المعني شخصيته، ربما خوفا من البقاء وحيداً أو بعيدا عن المسرح السياسي القائم، أو وقوعاً في ضرورة وهم الإلتزام بسياسة العمل المشترك مع الآخرين، أو طمعا بالحصول على بعض الإمتيازات والمكاسب الآنية، الضيقة، المحدودة مثل بعض الوظائف أو المخصصات أو ما شاكل ذلك، أو الإرتماء في هاوية ما يسمى بسلوكية العبيد، خذ ما يمكنك الحصول عليه، المهم أن يكون لك شيئاً ما مثل الآخرين ولا تحسب للآتي أي حساب، أو حتى الوقوع في سياسة العمى، عندما يكون الكيان المعني حالة يتوافق عليها الآخرون دون علمه أو درايته.

وبالمقابل فإن الحذر من الحصول على تنازلات من قبل الآخرين مطلوب أيضاً، فربما يكون ذلك من أجل الإستفادة من الشريك الجديد ولو لفترة عابرة لتحقيق مآرب في نفس يعقوب، كما حدث هذا ويحدث على الساحة العراقية ليس لفترة ما بعد الإحتلال فقط، وإنما للفترات التي سبقتها أيضاً.

إنَّ الحفاظ على الذات والمكانة والتأريخ وعلى الإستقلالية والشخصية الطبقية والفكرية والثقافية، وبالتالي على حريَّة الحركة والمناورة والإختيار، خيراً من الإنزلاق في متاهات توافقات ربما تكون مبرمجة سابقاً، وتلحق الضرر بفاعِليها، وربما تؤدي يوما الى التهلكة.

إنَّ التحلي بالصبر والحكمة والتحمل والإمعان في دراسة الموقف، خيرا من الإنزلاق في متاهات التوافقات اللامبدئية، والثبات على المواقف والدفاع عن المبادئ وإمتلاك الحنكة والمعرفة والمقدرة والإسلوب اللازم على إقناع الآخرين بمواقفكم وطروحاتكم ودفعهم للتعاطف مع هذه المواقف وربما الى تبنيها وفي أسوأ الحالات تأجيل نقاط الخلاف الآنية واللقاء مع الآخر حول الأمور التي لا تستدعي تقديم التنازلات ولا سلوك طريق التوافقات.

وأن لا يعني هذا على أية حال الجمود في التعامل مع الآخرين، أو الإنتظار الممل وتفويت الفرص المتاحة، كما لا يعني التعنت في إتخاذ المواقف المطلوبة، ولا التعالي على الآخرين أوالسخرية منهم وإزدراء آرائهم ومواقفهم، ناهيك عن عدم السماح للغير بإثارة الشكوك والضغينة أو لمحاولات أي طرف باساليبه الخفية أو المعلنة الغاء الآخر أو إقصائه.

يجب إمتلاك الشجاعة والقوة والإرادة السياسية القوية للوقوف في وجه الآخرين وفضح سياساتهم ومطاليبهم وتعريتها وكشف مضامينها إن لم تكن عادلة وتصب في المصلحة العامة.

يجب أن تكونوا أكثر وضوحاً في التعبير عمّا تريدون، وعما تطمحون اليه، وأن تكونوا المبادرين في الإقدام على إتخاذ الخطوات الصحيحة وتقديم البرامج البنائة، وليس إعتماد سياسة الإنتظار إلى حين فوات الأوان، أو أن تكون تصرفاتكم مجرد ردود أفعال لما يقوم به الآخرين، ردود أفعال ربما تكون خجولة أو مُبَطَّنة، نعم يجب أن تكونوا السبّاقون، وإن كان هذا السلوك وهذا الطريق أكثر وعورة وأشد صعوبة وإيلاما، لكن يجب إمتلاك القدرة على الإقتحام في هكذا مسالك وعرة، ونبذ سياسة التجبجب خوفا من القادم، أو الإستسلام لمشيئة الأقدار.

كما يجب تفهّم الواقع المرير الذي يمر به شعبنا ووطننا بشكل جيد، وأن تتعلموا منه الدروس وتستقوا منه العبر، فسياسة التوافقات والتنازلات والتراجعات المرفوضة، التي إختبرها المواطن عن قرب، تمتد في نهايتها الى الصفوف، تنخرها وتنهشها وتنتشر فيها إنتشار النار في الهشيم.

كما يجب أن تكونوا على المحك وأن تبرهنوا دائماً وأبداً ومن خلال المواقف الواضحة، إخلاصكم لهذا الشعب ولهذا الوطن وأن تستمعوا الى نداء الضمير وتقفوا الى جانب العدل والحق وإحترام القانون وسيادته. أن تفضحوا كل ما لا يمتلك المقومات السويَّة ولا تبقوا مغمضي العيون وتخدعوا أنفسكم، وتصبحوا كمثل النعامة، كما يجب إحترام الناس ومراعات الجانب الأخلاقي قبل الإقدام على أية مساومات أو توافقات لا أخلاقية ولا مبدئية، تظر بالمصلحة العامة، إرضاءً لحفنة قليلة من المتساومين، والتي يمكن أن تؤدي الى مردودات عكسية. يجب الإنتباه إلى ذلك كله قبل أن ينتبه المواطن الى خلفيّات هكذا مساومات.

الكف عن ممارسة سياسة السكوت المطبق عن إرتكاب الخطأ، والهمس الخجول في آذان من يرتكبوا المخالفات بل الحماقات من المسؤلين، فبهذا يتم توفير الغطاء لسياسات السلب والنهب للمال العام، وعلى الفساد المالي والإداري الذي تجاوز في حجمه وأبعاده كل التصورات. كما يجب الكف عن سياسة الخنوع وإعتماد التنازلات والمساومات والتوافقات كممارسة يومية بدلا من الطموح الى الحصول على الأفضل في أي ظرف تمرُّون فيه، وخاصة في ظرفنا الحالي، معتمدين على إمكانياتكم وطاقاتكم الخاصة ودعم الأخيار لكم، وخاصة عندما يتم تبني مطاليبهم، وأن لا تديروا بظهوركم اليهم أو تلهثوا وراء من يتلاعبون بحقوقهم، وقد علمتنا التجارب السابقة بأنكم ستكونوا الضحية الأولى في نهاية المطاف إذا ما إعتمدتم طريق التنازلات والتشتت هذا.

ويمكن لضحاياكم، إذا ما تم إعتماد هكذا سياسات من قبلكم، أن يتناولوا جرع الموت البطيء على خطوات، تبدأ بعدم الإرتياح لِما تم إنجازه، يعقبها تأنيب الضمير على ما تم فقدانه، ويليها اللجوء الى سلوكية الخنوع والشعور بالضعف أمام من أدخلتم في ضنِّهم إنهم أقوياء، وينتهي بهم المطاف الى أمراض إجتماعية ونفسية لا تحمد عقباها.

إن إستعداد المواطنين لتحمل الآلام من أجل إحقاق حقوقهم، وكذا إستعدادهم للوقوف وراء من يدافع عن هذه الحقوق يبقى أكبر من إستعدادهم لقبول الضغوط أوالوعود المعسولة المقدمة من هذا وذاك وبالتالي ضياع هذه الحقوق بين الأطراف المتساومة.

ألم تكن المساومات محفوفة بالخطر الذي يمكن أن يؤدي يوما باللاهثين على هذا الطريق إلى التنازل بخطوات متتابعة تصل بهم في النهاية إلى التنازل عن كل شيء حتى يتنازل عنهم الآخرون.

وحين تتوفر لديكم القناعة بأن الطرف المقابل لم يكن محقاً بطلباته وشروطه وإملائاته، وإنَّ مواقفه غريبة وبعيدة عن الواقع، ولم يكن هناك مبرر عقلاني لمد جسور العلاقة إليه، فلماذا تُقَدَّم له التنازلات؟ ولماذا يتم اللجوء الى سياسة التوافقات معه؟

شِدّوا من وزركم، وإعتمدوا على قدراتكم فهي كبيرة، كثيرة وغزيرة، لا تذهبوا طواعية إلى من يريد الخلاص منكم، ولا تفرطوا بسهولة بثقة الناس الأبرياء التي منحوها لكم، ولا تتستروا بأعذار مفتعلة لحماقات ربما سترتكبوها إذا ما أعتمدتم طريق التوافقات. إتعضوا من تجاربكم السابقة رغم تغيّر الزمان والفرسان، وإن كانت سياسة التوافقات من فُضَّة فإن الثبات والجرءة والإقدام في أوقات المحن من ذَهَب، وإن الإعتماد على الذات يفتح دائماً آفاقأً جديدة.

free web counter