| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. محمد شطب

 

 

 

 

الأربعاء 17/3/ 2009

 

وداعاً يا عطا

د. محمد شطب

عطا صاحب الضحكة الحلوة، أبو النكتة العفوية، المتفائل رغم ما حلَّ به منذ طفولته، الصديق والعون للآخرين. عطا ناكر الذات، المسامح ... نودعك اليوم وكلنا حزن وألم ...

لن أنسى أبداً رحلتنا المشتركة إلى الوطن، إلى الأهل والأصدقاء والأحبَّة بعد غياب إلزاميّ تجاوز ال 25 عام، لن أنسى زياراتك المتكررة أنت والأطفال إلينا، لقاءاتنا ومكالماتنا ورسائلنا، أحلامنا وآلامنا وآمالنا ...

إلى كل الأصدقاء والطيبين الذين تعرَّفوا عليك ووقفوا إلى جنبك في محنتك ومعاناتك الطويلة، إلى ورودك الثلاثة حياة ومكسيم وعلي، إلى كل أبناء عائلتنا، ومن شاركنا في محنتنا هذه حُبّي وتقديري وإحترامي. أشد على أياديكم متمنيا لكم ولي الصبر والسلوان.

عسير عليَّ أن أكتب رسالة فيها رِثاء، وأكثر عسراً أن أعنون هذه الرِسالة إليك، يا من كنت الأقرب إليَّ في غربتي، أخي وعزيزي وصديقي، إبن أختي، أبا مكسيم. لكني أكتب اليوم شيئاُ اِمتلأ به وجداني.

أقول هذا رغم إيماني بأني رُضِعتُ حُزناً ومرارةً وبكاء، ونَبُتُّ في بيئةٍ كانت ولا تزل حتى أفراحنا وأعراسنا فيها عويلُ ونشيجُ وحِداء.
كنت ومنذ صغري أراقب وبِحَسرة في مناسبات الفرح كيف ينهال كحل النسوة على خدودهن وكيف يذرفن الدموع وهنَّ يتذكرنَ مَنْ اِفتقدن مِن فلذات قلوبهنَّ. وما يُهَوّن الأمر علَيَّ هو علمي بأني سُقيتُ حليباُ ممزوجاُ ليس فقط برائِحة الوطن، أي بحبي للعِراق الذي نلت أول دروس تعلمه في مدرسة الطيبين من أبناء عائلتي، وكان والدك، إبن عمي، علي الشيخ حمود، الذي إعتلى أعواد المشانق إثر إنتفاضة الحَيّ المجيدة، واحداً منهم، وكنت أنت يا عطا في حينها جنيناً في بطن أمك، أختي الطيِّبة، التي كانت هي الأخرى عنوان للتضحية طيلة سنوات عمرها.
لم تر وجه والدك منذ الولادة، هكذا كان قَدَرُكَ، ولم تستطع توديع الكثيرين ممن كانوا أعزاء علينا بحكم غربتك. كان عمك أبو علي، محسن الشيخ حمود هو الآخر من هؤلاء الطيبين يشاركه إبن العم والأخ والصديق الغالي أبو بشير، عبد محسن شطب، الذي أعتبر نفسي غرس نعمته وتربيته، هذا الإنسان الذي مدحه الغرباء قبل الأصدقاء كانت وصيته الأخيرة لي أن لا ننسى العراق ولا ننسى أهل العراق، وأن نحبهم ونهتم بهم مثلما نهتم بأطفالنا، وأن يكون العراق مثوانا الأخير، وهذا ما أصررت عليه أنت ونفذْتُه.
أقام أهل الزبيدية مجلس الفاتحة عليه، بعد أن شارك هو في مجالس أفراحهم وأحزانهم التي لا تحصى في هذه المدينة، وآخرها مجلس الفاتحة الذي أقامه في بيته بعد إنهيار نظام القتله لأولاد عائلتنا الثلاثة، أخاك الأوسط عامر علي الشيخ حمود، وإبن عمك البكر علي محسن الشيخ حمود، وإبن خالك الأوسط وصفي جليل عبد الله، الذين إختطفتهم عصابات القتل الإجرامية في زمن النظام المقبور ولم نعرف شيئاَ عنهم حتى يومنا هذا، ورغم هذا فإننا بلينا بِحُب الناس وهذا دأبنا وديدننا.

في ظِل محرقة ألإرهاب والطائِفيَّة التي تدور رحاها في بلادي وتكوي بنيرانها أبناء العِراق، كل العراق، من بقي بين حدوده الجغرافية ومن تشرد في مختلف البلدان. أصبحنا اليوم جميعاُ سبايا تنهشنا الأمراض وتتلقفنا طعنات ولكنات المفسدين والمنافقين وتجّار الخُرافات والمُشعوذين من أصحاب العَمائِمِ واللَحى وأدعياء الدين، تملئنا الدموع والآلام والأحزان، ذنبنا إننا بقينا أحياء في هذا البلد الذي أخذت تختفي مِنه ملامِح الحياة، أمّا قِسمنا الآخر فقد اِفترسته أنياب البهائِم وتحَوَّل إلى شظايا على الطُرُقات وبقايا لجثث مجهولة الهويَّة وضحايا لِحروب التافِهين والمنبوذين.

ما حَلَّ بنا من خوفٍ وفَزِعٍ واِرتِباك، وما نتج عنه من يأسٍ وقنوط له جذوره وأسبابه ومسببيه، التي لم تكن الحملة ألإيمانِيَّة أولها ولا قهر العلمانِيَّة واليسار والديمقراطِيَّة آخرها، ولكن لابد من ليل الظلام أن ينجلي لنجد ...............

من يواسينا بفراق الحبيب؟
من يعيد إلينا ما سُرِقَ من أحلام وآمال؟
من يبعث فينا روح ألأمل والثقة بمستقبلنا الذي فقدناه؟
ولابد أن نقول يوماُ ما

*يا يُمَّة لا تِبجين دومج حزينة*

وأن نَجد بدائل أفضل لهذه المفردات القاسية:

وداعاُ أيتها الرفيقة الوفيَّة، أيها الرفيق الوفيّ
وداعاُ أيتها البنت العزيزة، أيها ألاِبن العزيز
وداعاُ أيتها ألأم الحنون، وداعاُ أيتها الزوجة المعطاء
وداعاُ أيتها الجارة الفاضلة، وداعاُ أيتها الصديقة الكريمة
وداعاُ أيها ألأخ الكبير، أيها الصديق العزيز، أيها المعلم الجليل
وداعاُ وداعاُ وداعاُ، وداعاُ وداعاُ وداعاُ أيتها... أيها ...

خالك/ محمد شطب
16.03.2010 ألمانيا
 

 

free web counter