| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. محمد شطب

 

 

 

 

الأحد 15/11/ 2009

 

أخي المواطن!
هل تحبذ المشاركة في الإنتخابات؟

د. محمد شطب

أقدم مشاركتي بخصوص قانون الإنتخابات وتعديلاته المجحفة على شكل تساؤلات، أُرَقِّمُ تسلسلها بالأرقام السومريَّة، التي تتكون من رموز على شكل مسامير، وذلك رغبة مني في أن أدق هذه المسامير في رؤوس الفاسدين والمفسدين من أعضاء مجلس النواب، بل وفي نعش مجلسهم، دون أن أذرف دمعة واحدة على فراق الوجوه الكالحة للأغلبية العظمى منهم، ولن أشارك في حفل تأبينهم، سواءً أقيم هذا الحفل في المنطقة الخضراء أو في دول الجوار أو في محافل الشركات متعددة الجنسية.

* بعد المراوغات الطويلة، وبعد إعتماد كل الأساليب الممكنة وغير الممكنة، المشروعة وغير المشروعة، الأخلاقية وغير الأخلاقية، بِدأً بالمراوغات ومروراً بالمساومات وإنتهاءً بالخنوع أمام عصى الجلاد، كل هذا حدث في أوساط برلماننا المؤقر، قبل أن يضطر هذا المجلس الى تشريع التعديلات الجديدة على قانون الإنتخابات القديم، أي على القانون رقم 16 لسنة 2005، وذلك رغبة من ممثلي الشعب الأشاوس بالإحتفاظ بمقاعدهم لدورة ثانية وفق مقاسات القائمة المغلقة، سيئة الصيت كما ورد ذلك في نص القانون السابق، ولم نلمس في أي لحظة من الساعات الطوال التي بددوها في نقاشاتهم العقيمة، وفي 11 مرَّة من جلساتهم المتكررة، تلك التي أثارت سخرية الداني والقاصي، ليس للكيفية التي كانت تُدار بها، بل أيضاً لنوعية النقاشات والمجادلات التي كانت تثار فيها، والتي تنبع من ذاتية وطائفية وقومية المشاركين، ناهيك عن التجاذبات الحزبية فيما بينهم، ولم نلمس في أي خطوة من خطواتهم البهلوانية مراعات لمشاعر المواطن أو إحترامً لحقوقة أو إستجابة لندائاته المتكررة في ضرورة إجراء التعديلات التي تصب في مصلحته وترفع الغبن عنه كما كان الحال وفق مواد القانون السابق المشار إليه أعلاه، وكذا وفق ما جاءت به مواد قانون إنتخابات المحافظات، بل بالعكس من ذلك تم الإلتفاف على حقوق المواطنين والتعامل معهم ليس من باب الإنتماء للوطن الكبير، بل من أبواب ضيقة تكرس ما إمتلت به رئة العراق من أنفاس المحاصصة.

* لقد تمت هذه التعديلات في أجواء غير سليمة وغير برلمانية بالمعنى الحَرْفي لهذه الكلمة، ففي الجلسة التي تمت فيها الموافقة على هذه التعديلات كانت التوترات واضحة جداً على وجوه الحاضرين، ناهيك عن الفوضى العارمة، ليس من قبل المشرفين على إدارة الجلسة فقط بل أيضا من المشاركين جميعاً، وقد إنعكس هذا في كلمات السيد خالد العطية، الذي ترأس الجلسة والذي كانت ملامح الشرود على وجهه، تلك الكلمات التي تعكس مدى هذا الإضطراب، فقد كرر رجاءه مرّات ومرّات الى الحضور في الحفاظ على الهدوء، وضرب بيده على الطاولة عدة مرات ملتمسا الإلتزام بالنظام، كما هدد برفع الجلسة إذا إستمرت الأمور على هذا المنوال.

كل هذا كان نابعاً من الخوف الذي كان واضحاً على وجوه الَّذين شاركوا في جلسة يوم الأحد المصادف 8/11/2009، بعد إن بان لهم بأن التصويت على القائمة المفتوحة شيء لا محال منه، هكذا كان طلب المرجعيَّة الدينيَّة في عدَّة تصريحات لها، وهكذا أراد المواطن، لكي يتخلص من هذه الوجوه التي لا يعرف أحد من أين جاءوا بها، فَتَحْتَ غطاء القائمة المغلقة فُتِحَتْ لهم الأبواب ليتبوأوا أماكن في البرلمان، هم ليسوا أهلاً لها، وإستغلوا تواجدهم هناك لمنافعهم الشخصية دائرين ظهورهم إلى المواطن وغير مهتمين بجراح الوطن.

* لم يخف على أحد عدم عدالة التعديلات الجديدة التي أجريت على قانون الإنتخابات الأعرج أصلاً، والتي حصلت رغم أنوف أعضاء المجلس أنفسهم والكيانات التي من وراءهم، مما جعلهم يتفننون بصياغات جديدة تؤمن لهم ما يمكن أن يفقدوه جراء العمل بموازين القائمة المفتوحة، ورغم ذلك لم نسمع صوت الإعتراض من قبل المرجعية على هذه الأمور، فكأنها أدارت هي الأخرى بظهرها لحقوق المواطنين، التي طالما أعلنت وفي مناسبات متعددة عن حرصها عليها.

* لقد تم التجاوز من خلال هذه التعديلات علانية على حقوق المواطنين العراقيين في الخارج، حيث تشير معظم الدراسات والإحصائيات وكذا تصريحات المسؤلين السياسيين بأن أعداد المهاجرين والمهجرين العراقيين يتراوح بين ال 4 و ال 5 ملايين مواطن، هاجروا أو هُجِّروا رغم إرادتهم، إما بفعل السياسات الإجرامية التي إرتكبها النظام السابق أو بفعل الأوضاع الأمنية، بل بفعل الإحتراب الطائفي، الذي تتحمل الأحزاب والقوى المتنفذة في البرلمان جزء كبير من مسؤليته.

وما دام هذا الرقم يشكل خُمْس سكان العراق، فإن من العدل أن تُمْنَح لهؤلاء أيضا خمس مقاعد مجلس النواب، وإذا إنطلقنا من العدد الإجمالي المرتقب 323 عضو، فإن هذا يعني بأن حصتهم يجب أن تساوي 60 عضوا من بين الأعضاء. إلا أن تثبيت النسبة الجديدة وهي 5% لما يسمى بالمقاعد التعويضيَّة، يعني أن هذا العدد سيكون 16 عضوا فقط. وبما أنَّ تلك المقاعد مخصصة أصلا للقوائم التي لا تحقق القاسم الانتخابي على صعيد المحافظات بل تحققه على مستوى العراق في حالة كونه دائرة إنتخابية واحدة، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ هذه النسبة تتضمن بذات الوقت المقاعد المخصصة للمكونات القومية والطوائف التي تم تحديدها ب 8 مقاعد وعلى الشكل التالي: 5 مقاعد للمسيحيين، مقعد واحد للصابئة المندائيين، ومقعد واحد للأيزيديين، ومقعد واحد للشبك.

فلم يتبق لتمثيل العراقيين في الخارج إلا ما يقل عن 3 الى 4 مقاعد فقط، وهنا يظهر مدى إزدراء وإهمال أعضاء هذا المجلس لهؤلاء الملايين من أبناء الوطن، وبالتالي التنكيل بهم بأساليب ملتوية، والإيغال في إبعادهم وبكل الوسائل عن عملية ترميم وطنهم. ففي هذا معارضة صريحة لما جاء في الدستور الذي يؤكد على حق المساواة بين أبناء الوطن، كما إنه يضمن حقوق الأقليات كاملة، إلا أنَّ الحيف أصبح واضحاً هنا على مواطني الخارج وأقليات الداخل.

وفي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن من مجلس النواب أو من الإدارة السياسية الممثلة بالحكومة تقديم التسهيلات والإغراءات اللازمة وإتخاذ الإجراءات الكفيلة لتسهيل عودة هؤلاء المهاجرين والمهجرين والتخفيف من معاناتهم وشدهم الى الوطن وخاصة ذوي الإختصاصات والكفاءات منهم ليساهموا في إعادة بناء ما خربته الدكتاتورية، وما جرى ويجري جرّاء الاحتلال، وما بثَّته ثقافة الرعب والإرهاب والموت، وما أشاعه المفسدين والمتخلفين في بلد الحضارات، كي يساهموا بتقديم الحلول الناجحة للمشاكل الأمنية والإقتصادية والخدمية وغيرها المستفحلة في البلاد، ولكي يساهموا في وقف التفسخ الذي أخذ ينخر في جسم المجتمع العراقي ويبدأوا بشد لحمة نسيجه، لكي تعود دورة الحياة مجدداً الى طبيعتها، نرى بأن هكذا تشريعات تصب في الإتجاه المعاكس الذي لا يفضي لخدمة الوطن ولا لدمل جراح المواطنين.

* أما التعديل الآخر والقاضي بتحويل العراق إلى دوائر إنتخابية متعددة، فهو لا يعكس إرادة الأخيار من أبناء هذا الوطن في الوقوف ضد المحاولات التي تستهدف بهذا الشكل أو ذاك تمزيق وحدته وتحويله إلى كيانات مبعثرة تتحكم بها قوى إما قوميَّة متطرفة وإما طائفية منفلته. ولم يكن هذا التشريع إلا تجسيداً لسياسة المحاصصة الموبوئة، التي أتى بها بريمر بعد الإحتلال، وبالتالي لتمكين الواقفين من ورائها على الإحتفاظ بمقاعدهم المهزوزة. وقد نسوا أو تناسوا بأن العراق بنسيجه القومي والديني والسياسي يتكون من مجاميع مختلفة متناثرة في ربوعه الواسعة، لايمكنها الحصول على تمثيل عادل لها في أروقة البرلمان إذا تم إعتماد الدوائر المتعددة، وبالتالي ستصادر أصوات هؤلاء الى الآفات الكبيرة، التي تعمدت إهمالهم والتجني عليهم من خلال مساعيها اللاوطنيبة بإصدار هكذا قانون ينص على منح المقاعد الشاغرة الى الكتل الفائزة، كما تم ذلك في إنتخابات مجالس المحافظات، وما ترتب عليه من إستياء كبير من المواطنين الذين رُحِّلت أصواتهم عمداً لمن لا يشتهون، وذلك بعد إن إستحوذت الكتل الكبيرة على أصوات الناخبين للقوائم التي لم تتمكن من الوصول الى النسبة المقررة.

إن الهدف من ذلك هو تمكين الأحزاب والقوائم الكبيرة من الإستئثار بأصوات الناخبين المقدمة للقوائم الصغيرة، وبالتالي التمكن من الإستحواذ على مقاعد البرلمان وإقتسامها فيما بينها، وقد تجلى ذلك واضحاً حين قامت هذه الأحزاب أو التكتلات الكبيرة بمحاولاتها المحمومة للإلتفاف على المكونات الصغيرة وضمها اليها بهذا الشكل أو ذاك قبل موعد الإنتخابات لتتمكن من إحتوائها وبالتالي تحجيمها ومنعها من الوقوف بوجه السياسات التي ستتخذها هيَّ، ولم تكتفِ بذلك، بل تريد من خلال هذا التشريع، إلغاء المتبقي من هذه الكيانات الصغيرة لتتمكن من إحتكار العمل والإنفراد بقيادة البلاد والعباد.

لقد جاءت المباركة الرئيسيَّة على هذه التعديلات المجحفة من الراعي الأكبر، ليبارك لكم مساعيكم في وصد الأبواب أمام القوى الخيرة من أبناء الوطن، ولكن، أيها السادة الكرام، نأمل أن تكونوا على علم ودراية، بأن هذه المباركة هي المقدمة للإنفراد بكم، وسوف لن تجدوا من يعينكم حين يقوم هذا الوغل بتقطيع أوصالكم، فقد سبقتوه طواعيةً بتقطيع أوصال من يمكن أن يكون درعاً لكم.

* لمن نشتكي، ومن يستجيب؟ فحسب الدستور الموضوع وفق مقاسات المحاصصة البغيضة، يمكن اللجوء الى مجلس الرئاسة، ذلك المجلس المكون من ثلاث أشخاص، الرئيس ونائبيه، وحسب التقسيم البريمري الخِسِّيس، فالرئيس من الأكراد ونائبيه من الشيعة والسنة. وواضح جداً بأن لا رجاء من وراء هؤلاء الإشخاص، فقد شَرَّعت كياناتهم هذا القانون، وهم بحكم تبعيتهم للكيانات التي أوصلتهم الى هذه المواقع، لا حول لهم ولا قوة على نقضه.

* لن نتفاجأ، ولن ننحني أمام هذه الإجراءات الإعتباطية، التعسفيَّة، اللامسؤلة، أمام هذه الخروقات المكشوفة بحق العدل والقانون وبحقوق المواطنين بشكل عام. ولن نستغرب ذلك إذ أننا نعرف مصدرها، فلا يمكن أن نتوقع تشريعات ديمقراطية تقدميّة بإتجاه وحدة الوطن ووحدة مواطنيه وأمنهم وسلامتهم، إذا كان المُشَرِّعون يستهجنون هذه المفردات.

* سنساهم في الإنتخابات، وسنبذل كل ما في وسعنا، من أجل تغيير المقاسات التي وضعتوها لنا، ولن نترك البيت ,,لمطيرة‘‘، لأننا لا نريد أن نمنحكم أصواتنا طواعية، فإننا بصراحة فقدنا الثقة بكم، بعد إن منحناكم الوقت الكافي لتبرير هذه الثقة التي منحها الناخب لكم في ظِل أجواء أقل ما يمكن أن يقال عنها، إن الناخب كان فيها مُسّيَّرا، وتحت تأثيرات لم يكن بإمكانه مقاومتها في حينه، ولسنا من الجهالة والغباء بأن نسمح لكم بالإستحواذ على أصواتنا رغم أنوفنا.

* لن نتوجه إلى مجلس الرئاسة، ولا نتأمل خيراً من الحليف الأكبر، ولا ننتظر دعماً من الجيران ففي هذا كله مضيعة للوقت وإيغال في الوهم، إنَّ التوجه الصحيح هو بإتجاه أبناء الوطن، وفقرائه ومحروميه، إلى الأيتام والثكالى، الى الأرامل، إلى حشود العاطلين عن العمل، إلى الفلاحين اللذين تصحَّرت أراضيهم والعمال اللذين هُدَّت مصانعهم بفعل الحرب والدمار، إلى الرافضين لأعضاء مجلس النواب ومن وَرائهم، ولقوانينهم وتشريعاتهم المجحفة، فهناك مفاتيح التغيير.

* وأخيراً لابد من تسجيل شهادة فقر حال لهذا المجلس في أشهره الأخيرة، ولا نريد أن نعكس من خلال هذه الشهادة ما يتضمنه المعنى اللغوي لهذه المفردة، فأعضاء مجلسنا المؤقر هذا قد إهتموا وعلى أحسن وجه بما يضمن لهم العيش الرغيد مدى الحياة في قصور فارهة تغذيها أرصدة مصرفية تكفي ليس لهم ولأولادهم فقط بل تتجاوز ذلك بالتأكيد لتأمن حصص الأحفاد والأجيال اللاحقة كذلك، إنما أردنا أن نعرب من خلال هذه الشهادة عن ضحالة إستيعابهم للظروف التي تمر بها البلاد، ولمتطلبات المرحلة بشكل عام، ناهيك عن قصر نظرهم في تفهم طموحات المواطنين وعدم إدراكهم السبل التي تؤدي الى إنتشال هذا الوطن من براثن المحن التي ألمَّت به.

 

free web counter