| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. محمد شطب

 

 

 

 

الأثنين 13/12/ 2010

 

ال  ــ ت يّ ا ر ــ  الديمقراطي

د. محمد شطب

"نعيب زماننا والعيب فينا          ولو نطق الزمان بنا هجانا"

* هل يمكن الآن الحديث عن تيار ديمقراطي واضح المعالم، محدد المضامين والأهداف، في عراق اليوم المثقل بآلام التشظي والتفككك والإنقسامات على كافة المستويات، كلا، لم يظهر ولم يتبلور ولم يتكون هذا التيار بعد بالشكل والمضمون والأهداف والبرامج الذي يطمح اليها أياً من المحسوبين على هذ التيار على الأقل.

* نعم هناك قوى وتشكيلات وتجمعات ديمقراطيَّة، لكنها ضعيفة، مبعثرة، متناثرة، منحت نفسها صفة "الديمقراطية"، إلا أنها لا تزال بعيده كل البعد عن أن تستحق تسميتها بتيار ديمقراطي، فهي روافد متفرقة، تفتقر إلى البرامج المعلنة والإرادة الحاسمة، يسبح كل منها بالإتجاه الذي يرتأيه المتنفذين فيه، بعيداً عن إستحقاقات الوطن والمواطن، فهي عاجزه اليوم عن أن تلتحم لتكوِّن تيار واضح المعالم.

* على العديد من الأشخاص المنضويين تحت لواء هذه القوى أن يستوعبوا أولاً وبشكل صحيح الكثير من مفاهيم ومفردات الديمقراطية، وأن يجعلوا هذه المفاهيم معاييراً وقيماً ثابتة لهم في أقوالهم وأفعالهم، قبل أن يتباهوا في طرحها على الآخرين، حيث غالباً ما تنتهي نقاشات الكثير من هؤلاء حول الديمقراطية إلى نقاشات عقيمة حول المقتل أو أحقيَّة أهل البيت، فلا زالت أغلبيتنا تعاني من إزدواجية الشخصية الإجتماعية في أقوالها وممارساتها.

* لا زالت هذه القوى بعيدة عن إمتلاك مواصفات الجرئة والشجاعة والإقدام على مصارحة المواطنين بما تؤمن به من أفكار وقناعات ديمقراطية، وأن تعكس لهم بالملموس، وبالأمثلة الحيَّة، وبالشروحات الوافية مضامين هذه القناعات وحاجة إنسان القرن ال 21 إلى إعتمادها في حياته اليومية، وأن تعري وتفضح وتبرهن  فشل وبطلان الأفكار الظلامية وإدعاءات وعّاظ السلاطين وسياساتهم اللاوطنية.

* العديد من مناصري هذه القوى عاجزة من أن تقوم بالتبشير علناً بما تؤمن به أمام الآخرين، وبخاصة أمام أولائك الذين غلَّفتهم القوى الظلامية بأساطيرها ولفتّهم بخرافاتها، فهم يكتفون غالباً بالتبجح بطرح أفكارهم ومعتقداتهم الديمقراطية أمام من يؤمنوا بها فقط، إلا أنهم غالباً ما يظهروا بمظاهر الرضى والقناعة والقبول بمجريات الأمور السائدة أمام الآخرين الذين لا يشاركونهم في قناعاتهم الديمقراطية هذه، أي أن الكثير منهم حمّالي أوجه، منافقين أمام أنفسهم وأمام الآخرين.

* ضرورة أن تكف القوى الديمقراطية عن ممارساتها الإنتهازية واللاأخلاقية، فهي تنتقد ممارسات القوى المتنفذة سِراً، لكنها لا تخجل من أن تلهث وراء هذه القوى في السر والعلن، وتطالب وبأشكال ممجوجة، بحصتها، سويَّة بما حصل عليه مؤازرين القوى في الجانب الآخر من حصص في هذا الموقع أو ذاك من جثة الوطن الجريح.

* أن تتوقف هذه القوى من اللهاث وراء القوى المتنفذه من أجل الفوز برضاها والحصول على بعضٍ من "مَكارِمِها"، أو الوصول إلى بعض المواقع التي راحت القوى المتنفذه تترحم بها عليهم وكأنهم ليسوا أهلاً لها.

*أن تتعلم وبصدق وقناعة كيفية السير وبخطا ثابته بإتجاه يضمن حقوق المواطن ويدافع بقوة عن سلامة وسيادة الوطن، أي بإتجاه يخالف المسيرة التي سلكها التيار السائد، فهي مطالبة بـأن تهبَّ لتنتقد  وبكل قوة مظاهر ومظامين وسلوكايّات أولي الأمر، حتى تتمكن من كسب ثقة المواطن الذي فقد الثقة بكل شيء سائد، القادة وبرامجهم وطروحاتهم وممارساتهم وبجملة الواقع المعاشي القائم.

* وأن يكون لسان حال هذه القوى كما يقول شاعرنا الكبير محمد مهدي الجواهري

"ليس كالمدَّعي قولة        وليس كآخر يسترحِمُ"

* أن تفضح وبشكل واعٍ الإدعاءات الباطلة والممارسات الزائفة للمتسلطين، وكيف يقومون بالضحك على ذقون وعقول المواطنين مستخدمين بذلك كل الوسائل بما فيها غير الدستورية وغير الشرعية للبقاء في مواقعهم ولتمرير سياساتهم، يجب على هذه القوى أن تقوم ببساطة بوضع المقارنات الصارخة بين أقوال وأفعال هؤلاء.

* أن تمتلك المصداقية في مواجهة أخطاء ومثالب المتنفذين، وليس بالوقوف موقف المتفرج منها، والصامت إزائها، وأن تكف عن إسدال الستار على ما تراه العيون وتسمعه الآذان وتحسه القلوب،  " فالساكت عن الحق شيطان أخرس."

* عليها أن تسمي الأشخاص والأحزاب والأنظمة، الأشياء والأحداث، بأسمائها ومواصفاتها الحقيقيَّة، دون رتوش أو تزلف أو تصَنّع، حيث إنَّ هذا السلوك يترتب عليه إذلالاً للنفس وإحتقاراً للكرامة وفقداناً لمن آمنوا بسلوك طريق الديمقراطيَّة. فلا يحق لنا، وبالأخص نحن، أن نسمي المجرم مناضلاً وطنياً، والحرامي حارساً أميناً على ممتلكات الشعب والوطن، والمرتشي موظفاً نزيها يعمل بمقتضى القانون، والجاهل راعياً للعلم، والفاسق مربِّيا سليماً.

يجب علينا الإبتعاد عن ممارسة سياسة   ــــــــــــــ خوفاً   و   طمعاً ـــــــــــــــــ

* أن لا تتحول هذه القوى إلى أقلام رخيصة تقوم بتجميل وجوه الساسة القبيحة.

* أن تبحث عن وسائل عمل جديدة وفاعلة ومباشرة، وأن تمنح المواطنين وبخاصة الشباب منهم ثقة أكبر وتوليهم مسؤليات تليق بهم لقيادة عمليات التغيير الذي نطمح اليها.

* أن لا تتعالى على عامة الناس وتكيل لهم التهم وتحملهم مسؤلية جهلهم وتخلفهم وإنسياقهم وراء إدعاءات المسؤليين، بل عليها أن تنتشلهم من هذا الواقع المذل وتفتح أمامهم آفاق المستقبل الذي يليق بهم، فهم ضحايا مغلوبين على أمرهم.

* أن تمد يدها للملايين المغيبة من جمهرة النساء وتفتح لهن المنافذ للخروج مما هنَّ فيه من ظلمات القرون الوسطى.

* أن تقدم المبادرات وتكون السبّاقة في طرح هموم ومطاليب ومشاكل المواطنين، والدفاع عنها بجرأة ومسؤليَّة، وأن لا تكون تصرفاتها مجرد ردود أفعال خجولة لما يقوم به المتنفذون.

* أن تكف عن لوم نفسها، وتضخيم عجزها وضعفها وتقاعسها وهروبها أمام الآخرين وبالتالي تقوقعها الذي يجر لا محالة إلى موتها البطيء، فالأحرى بها أن تنهض من سباتها وتصدح بما تريد.

تيمناً بقول الأديب المصري أمل دنقل:

"إن سَكُتَّ مُتْ وإن نَطُقْتَ مُتْ، فقُلها ومُتْ."

* لقد رفض الكثير من المواطنين الواقع المرير الذي يعيشونه، وأعلنوا ذلك صراحة أمام من هو مسؤول عن هذا كله. لقد نفظوا أيديهم من ديدان العراق ومن آفاته المخيفة، إلا أنهم لن يجدوا من يأخذ بأيديهم إلى السبيل الصحيح. أما آن الأوان للقوى الديمقراطية أن تمد أياديها وتحتضن هذا الزخم الكبير لتنير به دروب العراق.

 

* كانت هذه مشاركة بسيطة تم تقديمها في مؤتمر التيار الديمقراطي العراقي المنعقد في برلين بتأريخ 11/12/2010

free web counter