| الناس | الثقافية | ذكريات | صحف ومواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. محمد شطب

 

 

 

 

                                                                                                 السبت 12/3/ 2011

          

إلى رُبَّان السفينة

د. محمد شطب

تَوَكَّلْ على الشعب وإستنهض قواه وإعتصم بجموع المتظاهرين التي جالت مدن العراق وإنخَرَطَ فيها الآلاف من بناته وأبنائه الخيِّرين، من الجياع، والمحرومين، والمظلومين، والعاطلين عن العمل، اليتامى والأرامل والثكالى وغيرهم الكثيرين ممن تعرضوا لفواجع عقود مَرَّت من السنين، إلتهموا التحدي وإعتمدوا على قواهم الذاتية، وثقتهم العالية بالنفس، غير هيّابين للكثير من المخاوف التي أثارها ويثيرها المنتفعين، تساعدهم وتقف إلى جانبهم القوى المؤمنة بطاقات الشباب وتطلعاتهم وحقوقهم المشروعة من طلائع الشعب. وقد زادت أعداد هؤلاء بالتأكيد على عدد الأصوات التي جناها أي من أعضاء مجلس نوّاب العراق في حملاتهم الإنتخابية.

أَصغِ إلى مطاليبهم العادلة وأبحث معهم عن حلولٍ لها، فهي ليست مطاليب ناس بطرانة، بل ناس جوعانه، تعبانة، متألمة، منخذلة، فقدت الثقة بالعملية السياسية وبالمستقبل، إنها مطاليب صريحة واضحة، تدعواإلى تعديل الدستور وإصلاح النظام السياسي والإجتماعي وليس تغييره أو قلبه أو العودة به إلى الوراء، إلى إعلان القطيعة مع سياسة المحاصصة البغيضة وما ترتب عليها من كوارث على مجمل التطورات الجارية في البلاد، ووقف التدهور القائم في الدولة والمجتمع، الذي تقف ورائه الصراعات القومية والطائفية والمذهبية، وإقتلاع الفساد والمفسدين من مؤسسات الدولة، ووضع حد للأعمال الإرهابية، والشروع بإقرار القوانين الجديدة التي تنسجم مع التطورات الحاصلة، وبناء مؤسسات المجتمع المدني وفق المفاهيم الحديثة تحكمها مبادىء الدستور، والإرتقاء بالمؤسسات العلمية إلى المستوى الذي يليق بالعراق والعراقيين، وصولاً إلى المطاليب الخدمية بدأً بتوفير مواد البطاقة التموينية وتوفير فرص العمل للشباب العاطلين، ووسائل العيش التي تنسجم مع متطلبات القرن ال 21 كالسكن اللائق والماء والكهرباء والخدمات الصحيَّة وغيرها الكثير. وهذه المطاليب المشروعة أَقَرَّتها وأعترفت بها وساندتها كافة القوى السياسيَّة في البلاد وليس فقط من لم تفز في الإنتخابات.

هذه شعارات ومطاليب ليست محدودة أو قليلة أو سطحيَّة أو فئوية، بل إنها مركزة وجذرية وتشمل جملة النظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي القائم في البلد، والجهات التي رفعتها والأخرى التي وقفت وراء المطالبين بها ليست شرائح محدودة بل هي مجاميع واسعة من مختلف فئات وطبقات المجتمع العراقي. فالمطلوب تشكيل فرق عمل من ذوي الإختصاص والكفاءات والتجربة، من المخلصين وغير المتورطين بالفساد والرشوة والتزوير وسرقة قوة الشعب، لتدارس هذه المطاليب ووضع الخطط اللازمة للتجاوب معها، وإحترام عامل الزمن في كافة الإجراءات التي ستتخذها. وما فلسفة ال 100 يوم المقترحة، والتي ستجري من بعدها تقييمات على عمل وجهد وطاقات المسؤلين المبذولة وإمكانياتهم في التجاوب مع مطاليب الجماهير وما سيترتب عليها من تغييرات في الكادر والمسؤلين والمواقع المشغولة، إلا ضياع للمزيد من الوقت وتكريس للإنتظار بإتجاه المجهول، وتعني أيضاً زيادة إضافية لإستمرار آلام المواطنين، فلم يكن هؤلاء المسؤلون من الموظفين الجدد حتى نعطيهم الفرصة هذه، بل إنهم من نفس الوجوه والأحزاب والشلل والكتل التي إستحوذت على مواقع المسؤلية والقرار وعبثت وتعبث بإقتصاد البلاد وبمصالح العباد للسنوات الأخيرة على الأقل، وهم من نفس الطينة والعجينة التي هَبَّت الجماهير لرفضها والمطالبة بإستبدالها. المطلوب الآن، اليوم قبل غد، البدء بالجديد الفاعل والمثمر وإختزال الوقت والمسابقة مع الزمن لتنفيذ مطاليب الجماهير وكسب ود الناس والإبتعاد عن التوجهات التجريبيَّة، بل الأستفادة من الخبر والتجارب التي زَكَّتها الحياة وأفرزتها تجارب الشعوب بخبرائها وطاقاتها وتوجهاتها المنصَبَّة بإتجاه خدمة المواطن والوطن، ولا عيب في اللجوء إلى المنظمات الدولية والإستعانة بخبراتها.

لا تجهد نفسك وتضيِّع وقتك، لا أنت ولا مستشاريك وكبار موظفيك في كيفية الإلتفاف على هذه الحشود والسخرية منها وتفنيد مطاليبها، والتنصل من تحمّل المسؤلية أمامها وأمام الشعب، فهي مسؤليتك أنت بالدرجة الأولى، خَوَّلك الدستور والقانون والنظام النهوض بها ورعايتها والدفاع عنها وحمايتها، وهي مطاليب ليست تعجيزيَّة بل هي مطاليب بمجملها تكَوِّن الحدود الدنيا للعيش الكريم، والتي يجب توفرها لكل إنسان، وقد ثبتتها وأقرتها كل الشرائع والقوانين الإنسانية.

بَذَلْتَ الكثير من الجهد ووظفت الكثير من أموال الدولة وطاقاتها من أجل إنتزاع هذه المسؤلية من الآخرين، وخصصت الكثير من الوقت والجهد لمفاوضاتك مع الآخرين من أجل ذلك، وقدَّمت لهم مقابل ذلك تنازلات كان البعض منها بالتأكيد مُذِلاً لك، ومغايراً لمعتقداتك، ومعاكساً لتصريحاتك، وصَبر المواطنون على ذلك كله، ضَنَّا منهم بأَنَّ البعض من هذه التنازلات كانت جزء من الحراك والمراوغات السياسية التي لا بُدَّ من اللجوء اليها للتمكن من نزع الثقة من الآخرين وبالتالي تحمُّلها من أجل الذود عن مصالح الجموع، وأعلنت مراراً وتكراراً عن إستعدادك لتحمل مثل هذه المسؤلية، لا طمعاً منك، كما أعربت، بمال أو جاه، ولا رغبة منك في التسلط وفرض الإرادة على الآخرين، إنما من أجل نصرة أبناء شعبك الذين ذاقوا ما ذاقوا من الحرمان على أيدي أسلافك، فإجعل من هؤلاء درعاً لك في هجومك على الفساد والمفسدين والخارجين عن القانون، وملاذا تؤول إليه وقت الشدة، فهم السد المنيع.

لا تدر بظهرك إلى المتظاهرين ولا تُصدر أوامرك بالنيل منهم والإنقضاض عليهم والتشهير بهم، وغلق الطرقات في وجوههم، وتحريك وسائل الإعلام الرسمية ضدهم، ناهيك عن مضايقة ومحاربة مسانديهم ومن وقف معهم من المتنورين، صحفيين وأدباء ومربين والكثير من الشخصيات والأحزاب السياسية والمنظمات الإجتماعية والمخلصين من العراقيين، الذين أرادوا بتضامنهم هذا القيام بدورهم الوطني، الذي كان عليهم القيام به منذ وقت بعيد. وإعلم أَنَّ من يجني حصاد هذا المنحى هم الشامتين، وما أكثرهم من حواليك، ولا يَفْرَح لهجومك هذا إلا المتربصين وقد إنتشروا ونشروا سمومهم في كل الميادين.

يكفيك لهاثاً لإرضاء الطامعين، والمختبئين تحت غطاء المحاصصة والغارقين حتى نخاع العظم في الجشاعة وسلب ونهب أموال الجائعين. لقد قبلتهم، رغم درايتك بهم، وبما يهدفون، فلا تجعل من نفسك ستاراً لهم ومدافعاً عن مثالبهم، ولا تغمض عينيك عن عوراتهم، فهم الداء والبلاء، وبسببهم تفشى وإنتشر بين ناسنا وفي ربوع وطننا مختلف أنواع الوباء.

إبدأ بالثورة على نفسك، لتخرج من النفق الذي أوصلوك إليه، والثورة على من يحيط بك، وتخلَّص من هذه الأدران الخبيثه، التي تخدش وتنهش يومياً بجسدك وجسد العراق وأجساد العراقيين، فقد خذلك هؤلاء مراراً، وإنقلبوا عليك ووقفوا حجر عثرة أمامك، وأنت أكثر العارفين بمكرهم وغدرهم، لا تخشى منهم، فإنهم سرعان ما يتهاوون، إذا ما وجدوا فيك ما لا يمكنهم أن ينهشون، وإذا علموا أنَّ درعك وسيفك هم أبناء الوطن الخيرين، فهم بالتأكيد عاجزون عن الوقوف أمام صوت الحق والعدل والإنصاف، لأن من في داخله مرض، ومن يضمر عكس ما يُصَرِّح به، هو متخاذل وجبان يخشى من صوت الحق، الذي هو صوت المتظاهرين.

لقد تدفق سيل الشباب، تُحَرِّكُه وتَدفعه صحة وعدالة مطاليبه التي رفعها، يزيد من إندفاعة هذا تجاهل وإستهتار الكثير من المتنفذين والمتسلطين والمتحكمين بحقوقه، فهو ماضِ إلى الأمام، لا توقف ولا هوادة ولا إنحسار، يكبر بعيون الطيبين، وتزداد حوله أعداد المؤيدين، يتجذر بدعمهم ويرفع من سقف مطاليبه بمؤازرتهم، وسينهض أبطال هذا السيل بالتأكيد بأنفسهم لتقديم الإجابات على مطاليبهم، إن لم يجدوا إذناً صاغيه لهم.

لا تنتظر إلى أن يأتيك الفاسقون، ويدلوا بما لديهم من بضاعة فاسدة وآراء بالية، فهم ما يدلوا بهذا إلا لغرض في نفوسهم المريضة، لا يهمهم أمر رعية ولا حرمة وطن، ولا تعنيهم صيحات الثائرين، فهم صُمٌ بُكمٌ لا يفقهون، تحركهم منافع بائسة تتحكم بها بصيرة قصيرة المدى جلها شخصية أو حزبية أو طائفية، ناهيك عن تلك التي وراءها مطامع إقليميَّة أو حتى دولية. إحترم عامل الزمن! فحين يأتي السيل لا تنفع حيلة، ولا ينفع مال ولا بنون.

هؤلاء يعرفون، بأنَّ المخاض مُستَعِر، والتسونامي هائج، وهو يمخر في بطن الوطن العربي الكبير، وأمواجه جرفت بعضاً من الأدران التي وسَّخَتْه لسنين طويله ونظَّفت جزءً من شواطيه، والآخرى تنتظر دورها بالتأكيد، وهي في حيرة من أمرها، تترقب موعد قدوم هذا السيل الجارف، فهو قادم لا محال، ليجرفها ويلحق بها إلى مزابل التأريخ. لذا نراهم مستشرهين في الحصول على النصيب الأكبر من الثروة والمكانة، وما لنا إلا أن نذكرهم بما آلت إليه أموال صدام ومبارك والقذافي وغيرهم من البراثن القذره، التي سلبوها من أفواه المواطنين وجَمَّعوها بعد إن حرموا الملايين. تَخَلَّص من هذه الأوبئة ومن شرورها ورموزها وخَلِّصنا منهم، ولا تُرْخِصْ دماءنا دفاعاً عنهم، فالوطن لأهله الطيبين، والخير للخَيِّرين.


 

12/3/2011
 

free web counter