| الناس | الثقافية | ذكريات | صحف ومواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. محمد شطب

 

 

 

 

                                                                                                     السبت 12/2/ 2011

          

الفساد

د. محمد شطب

إِنَّ ***** "الفاشلين"
الملوكَ إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعِزَّةَ أهلِها أذِلاء.
فساد مستشري فى كل أجهزة ومؤسسات دولتنا من القمة إلى القاعدة

يُعرَّف الفساد بأنه  :
إساءَة إستخدام السلطة لتحقيق مآرب نفعية مادية خاصة بطريقة غير مشروعة ودون وجه حقّ، أي إِستخدام المنصب الحكومي لإضفاء غطاء قانوني على ممارسات مشبوهة لتحقيق مكاسب خاصّة. ( للفرد ... للحزب الذي ينتمي إليه ... للطائفه أو القومية ... أو للكتلة السياسيَّة التي ينتمي إليها أو ما شابه ذلك)

والفساد مرض اجتماعي وسياسي واقتصادي مُرَكَّبْ، خبيث وجشع، يُشَوِّه مختلف مؤسسات الدولة ويضر بسمعتها في الداخل والخارج كما يضر بالمناخ العام للإستثمار ويعيق عملية التنمية على كافة المستويات.

للفساد أشكال متعددة، وجوه مختلفة، ألوان متباينة، وتسميات لا تحصى، لكنها تلتقي جميعا تحت عنوان واحد، ومن أكثر هذه الأشكال بشاعة هو الثالوث غير المقدس للفساد السياسي والمالي والإداري، الذي بسط أجنحته على كل شيئ في عراقنا، وشمل بسلبياته كل المواطنين، حصل هذا بالدرجة الأساسيَّة وبشكله المفرط نتيجة للصراعات الحادة والدائمة بين السلطات الثلاث التشريعيّة والتنفيذية والقضائية، في دورتيها السابقة والآنيَّة، التي بنيت على أسس المحاصصة القومية والطائفية والمذهبيَّة، وتم إختيار معظم أعضاءها على طريقة الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، بعيداُ عن المعايير الموضوعية المتمثلة في الجدارة والكفائة والأهليَّة، مما تسببت في إشاعة الفتنة وإضاعة فرص الأمن والسلام، وجعل المواطنين يكتوون بنيران تخبطاتهم وصراعاتهم المشبعة بالشراهة والشراسة الخفية والمعلنة وبشكل مستمر، مما تولد عنه شعور لدى المراقب بأن هؤلاء بإصطفافاتهم هذه إنما يطبخون بوعي او بدون مقترحات بايدن البائسة على نار هادئة.

من وجوه الفساد الأكثر بروزاً إستغلال المنصب والتزوير والتلفيق والسرقة والرشوة والإبتزاز ونهب المال العام والعقود الوهمية والتهريب والتخريب، كما له أسباب ومسببات، وفي مقدمتها إنهيار المنظومات الأخلاقية والأمنية والإجتماعية في البلاد، وله درجات، محطات، روافد وشلّالات، ليس في درجات أفعاله فقط، بل بحجم مخاطره وقوَّة كوارثه، له رجاله وأقزامه وحواضنه، ومن يدعمهم، له خُدّامه ومن يجندهم وينظمهم ويحميهم، فهم أشخاص ومجاميع تعمل عمل المافيات، متواجدون في كل مكان في قمة الهرم السياسي كما في قاعدته، بين القادة وأحزابهم وكياناتهم، بين حماياتهم وحاشياتهم، وبين من يلهثون ورائهم، إنهم يساهمون بهذا الشكل أو ذاك بإبتزاز المواطن، والإثراء غير الشريف على حسابه، وإبتزاز الوطن ونهب أمواله العامة والمتاجرة بسيادته وإستقلاله ومكانته بين الأمم، موجودين بين ثنايانا، في البيت والعائلة والديوان، في ألأجهزة الإدارية بإختلاف مستوياتها، في العشيرة وهرمها، في دور العبادة والقائمين عليها، في القوات المسلحة بما فيها قوات حفظ الأمن والنظام، ببساطة في كل مكان. وللفساد نتائجه الوخيمة والكارثية، على الفرد ونموه وتطوره والرفع من شأنه، وعلى المجتمع وبناءه وتطور مؤسساته السياسية والإقتصادية والإجتماعية، على يومنا وغدنا، حاضرنا ومستقبلنا.

والفساد السياسي إمتداداً لسياسات المحاصصة والطائفية، التي إقتسموا بموجبها مواقع السلطة والمال والإدارة، وأخذ الواحد منهم يتستر على عيوب الأخر، إنَّ هذه السياسات المقيته، المنبوذة، لكنها المعتمدة بشكل مبرمج وبكثافة منذ الغزو، ترتبت عليها مساومات لامبدئيَّة وتنازلات مخزية، مرفوضة ليس فقط من قبل المواطنين الذين خبروها عن قرب ودفعوا ثمنها غالياً بآلاف من القتلى والجرحى والمهجرين، إنما أيضا من قبل العديد ممن يمارسونها تحت ضغوط مختلفة، بدأ بالذاتية ومروراً بالشللية والقبلية والمناطقية والحزبية وصولا الى الطائفيَّة والمذهبيَّة، وليس آخرها الضغوط الإقليميَّة والدولية من حكومات دول الجوار وغيرها لمن تربعوا خارج الحدود ومن يقف ورائهم من قوى الردة والظلام الذين ساهموا في دفع الدولار والمسدس وكاتم الصوت والمتفجرات لتشديد الضغوط على الأطراف المقابلة، ودفعهم إلى رسم السياسة التي يجب أن تكون وفق هذا المنظور أو ذاك مما هم يريدون، بعيدا عن أية مراعاة للمصالح الوطنية، لا بل إنهم إستباحوا بإنحنائاتهم هذه حرمة الوطن وجعلوه مساحة مفتوحة لتنافس هؤلاء الدخلاء، حتى أصبح الكثير من القائمين بهكذا سياسات سماسرة أذِللاء مدفوعين، فاقدي الرأي والحيلة فيما يقولون ويفعلون، ينفذون بغباء تعليمات أسيادهم من خارج الحدود، مما إنعكس على الأوضاع الداخلية بأشكال مزرية تَحَمَّل المواطنون ولا زالوا يتحملون نتائجها المأساوية. وما نماذج التأخير والعرقلة في إعلان نتائج الإنتخابات أو عقد جلسات البرلمان وحسم تشكيل لجانه وتفعيلها، وتشكيل الحكومة وإختيار ملاكاتها، وتقديم الحلول الناجحة لمشاكل المواطنين وإقرار الميزانية العامة وإطلاق برامج العمل والإستثمار وتفعيل أجهزة الدولة الرقابية إلا أوجه صارخة ومعيبة لهذا الفساد السياسي.

ولم تكتفي الكثير من الوجوه الفاسدة المتربعة على قمة الهرم السياسي بذلك كله، بل إنها عَمِدَت على التزاوج غير الشريف بين الفساد السياسي والفساد المالي، وإستغلت مواقعها للحصول على أكبر الثروات، وذلك ليس فقط بإستخدام السلطة وتشريع قوانين غير مألوفة في جميع دول العالم كتلك الخاصة برواتب القيادات المتنفذة مثل رواتب الرئاسات المختلفة وأعضاء البرلمان والوزراء والدرجات الخاصة، إنما بإستخدام أساليب النهب والسلب والإحتيال والتزوير وغيرها من أشكال الفساد المذكورة، حتى سُلبت المليارات من الأموال العامة خلال فترة قصيرة وذهبت إلى جيوب شلة قليلة يتنعمون بها على هواهم ويسرفون بإشكال لم يسبق لها مثيل ويوضفونها لأغراض غير نبيلة، مقابل حرمان الملايين من المواطنين من أبسط الخدمات.

وفي مقابلة مع السيد رحيم العكيلي رئيس لجنة النزاهه نشرها موقع الجيران بتأريخ 9.2.2011،
ورد فيها ما يلي:
• إن الوزراء العراقيين يفضلون التغطية على الفساد في وزارتهم على مكافحته، مؤكدًا أن الفساد هو أحد الأبواب المهمة لتمويل الإرهاب.
• صنفت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي للعام 2010 العراق كرابع أكثر دولة فسادًا في العالم.
• صدور 4082 أمر استدعاء بحق مطلوبين للهيئة خلال عام 2010، بينهم 197 بدرجة مدير عام وما فوق، مقابل 3710 في 2009 بينهم 152 بدرجة مدير عام وما فوق. (الفساد في تكاثر مستمر وشرس.)
• أن "التنفيذيين (أي المسؤولين من الوزراء والمدراء) في الغالب لا يؤمنون بالعمل ضد الفساد عمومًا".
• أن "الفساد أحد الأبواب المهمة لتمويل الإرهاب، وكثير من أموال الفساد تذهب إلى تمويل العمليات الإرهابية".
• "نحتاج تبني منظومة من القوانيين التي تنص عليها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، من أهمها حق الإطلاع على المعلومات، وقانون حماية الشهود والمخبرين، وقانون الشفافية في تمويل الأحزاب السياسية، وقانون الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية".
وفي هذا الباب يمكن، بل يجب، طرح بعض من الأسألة التي لم يحصل المواطنون على جواب لها بعد:

أين ذهبت الأرصدة والممتلكات الخاصة برأس النظام المخلوع وعائلته والمحسوبين عليه؟
أين إختفت ميزانية وأموال النظام والحزب المنحل وممتلكاته، التي تقدر بالملياردات؟
على أيّ رصيد نُقِلَت أموال الأرصدة العراقية المودعة في البنوك الأجنبية بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء؟
في أيّ جيوب نَزَلَت أموال وموجودات القطاع العام والبنوك والشركات والمؤسسات الحكومية وعقاراتها؟
وأين كُدِّسَت أموال الواردات العراقية من صادرات النفط للأعوام الثمانية الماضيه؟
وأين وأين ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ومن أجل إكتمال فرض السيطرة، وتوفير الغطاء والسبل اللازمة لتلك الأعمال الشنيعة، إمتدت أصابع الإخطبوط لتصل إلى الأجهزة الإدارية حيث أُشْبِعَت هي الأخرى بعناصر فاشلة لا تملك المعارف اللازمة ولا الخبرة والتجربة الضروريتين بفعل نظام المحاصصة الساري المفعول والذي يفرض أشخاص غير كفوئين لتولي مواقع مسؤولة في أجهزة الدولة، فقام هؤلاء بتزوير الشهادات العلمية لإخفاء فشلهم ولإضفاء الشرعية على توليهم مقاليد الأمور أمام منتسبيهم، فما كان نتيجة ذلك إلا سوء في الإداء وأكثر منه في الإنتاج، ترتب عليه ثمان سنوات عجاف عاشها العراقيون متجرعين مختلف أشكال الحرمان. وكان هؤلاء الفاسدون أذِلاء أمام من أوصلوهم إلى هذه المواقع من جهة وأمام منتسبيهم من الجهة الأخرى، فماذا يتوقع المواطن من هكذا عناصر فاشلة، وماذا يمكن أن يقدم هؤلاء الأذلاء لدفع العملية الديمقراطية التي يبشر بها الجميع، وهل يستحق هؤلاء أكثر من نقمة المواطن ولعنة الوطن، وتلازما مع هذا لا يجد الإنسان الشريف تبريراً لما جائت به إجراءات مجلس الوزراء التي رفعت من شأن هذه الخساسات والدنائات والتحايلات الشرِّيرة بتقديمها إنحنائة غيرمحمودة العواقب بإصدارها المراسيم الخاصة بالعفو عنهم.

ولابد هنا من الإشارة أيضاً إلى الفساد الثقافي الذي ساد هو الآخر وإنتشر، وصار مهنة بائسة للكثير من السياسيين والمتنفذين وهم يتناوبون بين مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ليدلوا بتصريحاتهم الرخيصة ويبشروا بما في جعبهم بإمور لا تمت للواقع بصلة، فهي أنماط من الفساد وتزييف الحقائق والكذب والرياء المستمر على المواطن وكَيْل الإطراءات الزائفة للمتنفذين والتلاعب بالمصطلحات الثقافية والسياسية وغيرها وتحريف معانيها ونشر معلومات مخالفة لما يجري إرضاءً لهذه الجهة أو ذاك المسؤول. وما يقوم به الكثير من المتعلمين، الذين يفرغون الرأي الحر والكلمة الصادقة من معانيها ويجعلون من أنفسهم أبواق رخيصة لمدح المسؤولين وتمجيدهم وتسويق أفكارهم إلا علامات شؤم لذلك.

أصبح الفساد في العراق اليوم بمثابة عامل ذو أثر مستمر في زحزحة الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي المظطرب أصلاً، فلا يُعْقَل ولا يُقْبَل أن يَغُض الشرفاء من أبناء الوطن أنظارهم عن توجيه أصابع الإتهام إلى الفاسدين والمفسدين لتخليص الوطن والمواطنين من عبئهم غير الشريف، وهذا يشكل مصدر قلق وإزعاج للقادة السياسين الماسكين بزمام الأمور والأحزاب والكتل التي ينتمون إليها، وبخاصة إذا كان هؤلاء وراء توفير الغطاء للفاسدين أو التستر على رذائلهم.

كما إنه أصبح آفة تنخر في مؤسسات الوطن القضائية وتُمَزِق نسيج قوانينه وتفتح الأبواب واسعة أمام المجرمين والعابثين والنصابين للقيام بما تسوغ لهم نفوسهم المريضة ليشيعوا الخراب والدمار، يدفعهم إلى ذلك إمكانيتهم في التخلص من أية عقوبات أو ملاحقات قانونيَّة، وتمكنهم من الإفلات من ذلك كله عن طريق إرشاء الفاسدين والتخلص من شرر العقاب. ((وما حادث الهروب الأخير للمجرمين من سجن البصرة إلا مثال على ذلك))، وهذا يعني أنَّ ما يشرعه البرلمانيون يمكن أن يقوضه الفاسدون، ومن يتمكن من إقناعنا بأن يد المفسدين لا يمكن أن تصل يوماً إلى قلوب المشرعين لتتقاسم معهم زَبَدْ الرشوة وتفسد في نفوسهم القدرة على التشريعات الفاعلة.

ومن يمكن تطميننا بأن هؤلاء الفاسدون لن يكونوا حجر عثرة في وجه تطبيق الإجراءات والتشريعات الجديدة، ووضع العراقيل أمام الأجهزة الرقابيَّة المختلفة إذا كانوا هم أول المتضررين منها. أو أنهم يعطلون مفعولها إذا لم يحصلوا على الرشاوي المطلوبة وبذلك يَشِلّوا عملية التغيير والتطور المرجوة في البلد.

كما يسهم الفساد وبشكل مباشر بإضعاف عملية النمو والتطور في مختلف المجالات، وبخاصة أصحاب المشاريع البسيطة ذات رؤوس الأموال الضعيفة، إي المشاريع ذات الطابع الفردي أو العائلي، فالكثير من الأرباح التي تحققها هذه المشاريع يدفعها أصحابها إلى ضعفاء النفوس من الفاسدين كي يتمكنوا من خلالهم الحصول على المواد اللازمة لتمشية أمور هذه المشاريع وليس لتطويرها أفقياً أو عمودياً. أما في المشاريع الكبيرة فتنعكس أضرار المبالغ المخصصة لدفع الرشاوي للفاسدين إما على ردائة المنتجات أو على زيادة الأسعار التي يتحمل نتائجها المواطن.

الفاسدون يساهمود بشكل غير شريف بالوقوف بوجه المنافسة الشريفة في العمل وخاصة عند قيامهم وبشكل دنيء بالتلاعب في منح الأجازات والرخص والعقود المختلفة مثل عقود الإستيراد وعقود الإستثمار لجهات غير كفوئة مقابل المبالغ الضخمة التي يمنحها هؤلاء اليهم.

ولعب الفساد دوراً قذراً في عقود السلاح الوهمية التي هُدِرَت بموجبها الملايين من المال العام، والتي تسببت بعدم الحصول على الأسلحة اللازمة من جهة، وتركت القوات المسلحة عاجزة حتى عن حماية نفسها من جهة أخرى، ناهيك عن حماية المواطن والوطن اللذين يتعرضون يومياً لشتى الأعمال الإرهابية التي ينفذها إرهابيو الداخل والوافدين من خارج الحدود بفعل خساسات الإخوة العرب ومخاوف الجيران المرعوبين. ومثل هذا حصل أيضاً حين إختفت الملياردات من الأموال المخصصة للمشاريع الكبرى ومنها الكهرباء على سبيل المثال.

في الدوائر المشرفة على قبض الظرائب الحكومية، لغرض رفد الميزانية العامة وبالتالي زيادة التخصيصات الموجهة إلى دعم المشاريع المختلفة، التي يمكن أن تصب في خدمة المواطنين، فكثيراً ما تذهب الموارد الكثيرة التي يتوجب جنيها كضرائب ورسوم مختلفة على الواردات العراقية إلى جيوب الفاسدين بدلاً من أن ترفد ميزانية الدولة، ولنا في منافذ العراق الحدودية المختلفة وموانئها التي تربعت على جني وارداتها قوى لا يعلمها إلا المتنفذون أمثلةً على ذلك.

وبسبب الفساد يحصل المواطن على مواد وخدمات تالفة نتيجة لحصول الشركات التي تقدم الرشاوي لكبار الموظفين للحصول على عقود للإستيراد تجلب من خلالها مواد متقادمة أو بنوعيات رديئة دون أن تخضع للمسائلة فهي قادرة على الإفلات من الرقابة بفعل مساعدة الفاسدين من المتنفذين.

ومن مصائب الفساد حرق، بل تدمير الدوائر والمؤسسات العامة وتلف أضابيرها ووثائقها للتغطية على السرقات والتجاوزات والإهمال الذي يحصل فيها جراء ممارسات الفاسدين، أو حرق المشاريع التي تم إنجازها بشكل غير مطابق للمواصفات اللازمة من أجل التغطية على ما جرى من إلتفاف حول عمليات تنفيذها المتدنية ومدى تورط الفاسدين في ذلك، وقد حدث الكثير من ذلك في هذا الإتجاه.

في كثير من دوائر الدولة، وبخاصة تلك التي تقدم الخدمات للمواطنين، أصبح الحصول على خدمات هذه الدوائر دون تقديم الرشاوي المتنوعة الأشكال أمراً صعباً أو معقداً وربما مستحيلاً، فكيف يطمئن المواطن إلى توجهات الدولة لبناء منظمات ومؤسسات جديدة يتم الإعتماد عليها لتوطيد عملية البناء الديمقراطي، إذا كان المواطن يعرف بأن القائمين على هذه المؤسسات معظمهم من الفاسدين ومن حملة الشهادات المزورة.

إبتدع الفاسدون طرقاً وأساليب للإلتفاف على المال العام وإبتلاع حصة الأسد منه، فهم يساهمون وبشكل مباشر في تقويض وتقليص الحصص المخصصة لسواد الناس وبهذا يسهمون في زيادة الفقراء فقراً وجهلاً ومرضاً، مقابل حصولهم على فرص أكثر وأكبر لزيادة ثرواتهم، وهنا يجري الإلتفاف على مبدأ التوزيع العادل للمال العام بين مواطني البلد الواحد، وما جرى ويجري بخصوص مفردات البطاقة التموينيَّة مثال واضح لذلك.

فعلى القوى الخيرة والشريفة والمؤمنة ببناء المجتمع المدني الديمقراطي من أبناء الوطن أن تسهم وبكل فعالية في فضح هذه المظاهر والحد منها، بل تجريمها والمطالبة على الدوام بإنزال أشد العقوبات بمن يمارسوها والمتسترين من ورائهم. تأكيد إستقلالية السلطة القضائية وحث الأجهزة التشريعية على إصدار المزيد من القوانين التي تحد من هذه الظاهرة، وحث الأجهزة التنفيذية بتفعيل أنشطة أجهزة الرقابة المختلفة بدلاً من التعطيل المتعمد لها وإتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة حتى يتحول الفساد فكراً وممارسة إلى مفهوم مدان أخلاقيا في وعي المواطنين. كما يتوجب التأكيد على ضرورة تقديم ومناقشة كافة الكشوفات والحسابات السنوية لمختلف أجهزة الدولة ومسؤوليها وإعتماد الشفافية في العمل.

خوفنا كبير وقلقنا واسع بأن يصبح الفساد ثقافة اجتماعية سائدة، بل سلوكاً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ليس لحاضرنا فقط، بل للأجيال القادمة، في حالة التهاون وغمض العيون وإسدال الستار وبأشكال متعمدة من قبل المسؤلين، وهذا ما يجري مع الأسف الشديد. يجب أن تتكاتف كل الجهود بالوقوف بوجه هذا الغول، هذا الطاعون، هذا السرطان المخيف الذي ينخر في جسد الدولة المتهالك ويفترس المجتمع ومؤسساته الرخوة. يجب إقتلاع مقومات الفساد من جذورها وإعلان شأن النزاهة، والكرامة، والصدق والأمانة وتعزيزها بين صفوف المواطنين، لكي يقوى المجتمع على تطهير نفسه من الرذائل. ولا بأس من الإستفادة من تجارب الشعوب التي سبقتنا في مكافحة هذا الداء بالإضافة إلى الأستفادة من اللوائح التي سنتها الهيئة العامة للأمم المتحدة في هذا السياق ومن الكوادر والهيئات الدولية ذات الإختصاص. ببساطة على أبطال المحاصصة أن يصحوا من سباتهم العميق ويفتحوا أبصارهم كي يتلمسوا نبض المواطن قبل فوات الأوان، فالسيل قادم لا محال.

يبقى السؤال عن الوقت الذي سَيُرفَع فيه شعار (مِنْ أَينَ لَكَ هذا) ؟؟؟
 

 

free web counter