| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

الجمعة 9/11/ 2007

 

عصر الانحطاط

مالوم ابو رغيف

في عصر الانحطاط البعثي الذي دام ما يزيد على الثلاثين سنة، كان للابداع والتميز والتفرد اتجاه واحد يشير الى الحضيض، فتحول الادب والفن والعلم والثقافة والشعر والسياسة والدين الى طقوس انحطاطية لمدح القائد. لقد ابدع الجميع في انتاج ما يشبه الهوسات الصاخبة ، فالاغاني والموسيقى والشعر والادب والاعمال التلفزيونية كانت عبارة عن جوقات صاخبة، لا تحمل من معنى سوى الصراخ، كان من النادر ان يتحدث مسؤول او مثقف بعثي بشكل هادي، الجميع يصرخ مثل ما يصرخ ضيوف الاتجاه المعاكس وكأنهم لا يبعدون بعضهم عن البعض الاخر سوى بضعة سنتمترات.
الضجيج والغوغاء والضوضاء الذي ولده البعثيون سواء على صعيد السياسة وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية او العربية، خلق حالة من الفوضى الفكرية والسياسية والعلاقات الاجتماعية المشوهه، لقد تتوجت هذه الفوضى والضجيج والانحطاط بالدخول بحربيين كارثيتين جرتا الويلات على الشعب العراقي وعلى المنطقة برمتها، واتضح ان الانحطاط الذي ولده البعث في حكمه الطويل لم يقتصر على العراق وحده بل شمل بتأثيره جميع بلدان ما يسمى بالامة العربية والاسلامية التي توجت انحطاطها هي الاخرة بالهجمات الانتحارية على مختلف انحاء العالم فأصبح لا يُنظر الى العربي الا كوحش مسعورلا يجيد سوى القتل وسفك الدماء والعياط واتقان الفوضى وفن الانحطاط. كانت الحروب والهجمات الانتحارية والمقاومات الارهابية التي هدفها القتل ليس الا، كانت معبرا حقيقيا لحالة الانحطاط التي عاشتها وتعيشها الشعوب العربية، ولعل ابرز ملامحها هو سيطرة رجال الدين على جميع نواحي الحياة، على التعليم وعلى الثقافة وعلى السياسة وعلى الفضائيات وعلى اسواق الكتب وعلى الانترنت. لقد بلغت فترة الانحطاط البعثي ذروتها بشن الحملة الايمانية الخبيثة في العراق وادخال الوهابية الحاملة لجراثيم الارهاب الفكري والديني في المجتمع العراقي، فأعملت جراثيمها فسادا في العقل الديني العراقي، السني والشيعي، الحركة الصدرية نموذجا للتأثر بالوهابية المتخلفة، واصبحت الوهابية ان لم تكن جوهرا فمظهرا هي الاساس التي يطمح على غراره بناء المجتمع العراقي الجديد في الوقت الحاضر، وما الموقف من النساء وقتلهن واجبارهن على ارتداء الحجاب والنقاب والغاء القوانين التي تحمي حقوقهن، ومحاربة الموسيقى والفن والفكر العلماني الا تقليدا وتيمنا واتباعا لسيرة الوهابية المتخلفة.

كنا نظن بأننا قد تخلصنا من عصر الانحطاط الاول، عصر الفترة المظلمة، رغم ان شعوب العالم قد حققت قفزات عملاقة بسنوات قليلة، كنا نظن اننا قد تجاوزنا فترة الظلام والتخلف والانحطاط بمرور القرون، لاننا نعرف ان التخلف و الحب الشرقي لا يشفى منهما العربي الا ان يدركه الموت، فها هي انظمة الخليج العربي، رغم تقدمها العمراني والمعاشي، ما ان تدخل محفلا للسياسة او للادب او للفن او محفلا دوليا لمنظمات انسانية او حقوقية الا ورشت في داخله بذور الفساد والانحطاط، رشاوى وشراء ذمم وتدنيس وتدليس، لكنا اعتقدنا باننا في العراق قد تخلصنا من التحجر الفكري، من تصورات السحرة والخرافات التي حملتها لنا الكتب الدينية كمعجزات للانبياء واثباتات عن وجود الله، كنا نعتقد ايضا ان ضجة وعياط وصخب البعث سيزول بسرعة، فما هو الا مظهر لا يملك جذورة في مجتمع وادي الرافدين، في مجتمع علماني بالفطرة، في بلد تأسست به الحضارة ، الحضارة السومرية الخالدة.
كم كنا واهمين، فلقد تبين ان للانحطاط قدما ورجل داخل العراق، بل انه اخطبوط يحيط بالجميع. فهل يوجد اكثر انحطاطا من تمجيد من يذبح الانسان امام الكامرات من يعتبر حالة الذبح والسلخ والاغتصاب والتعذيب على انها من وسائل المقاومة، انها ضربات واعمال لابد منها لايقاع الخوف والرعب في نفوس الاعداء.؟
هل يوجد اكثر انحطاطا من يطالب اشخاص كثيرون بالاعفاء عن قتلة اوغاد اغتالوا باسلحتهم القذرة وعذبوا واغتصبوا وحرقوا الاف الناس ثم اعتبارهم ضباط شرفاء.
هل يوجد اكثر انحطاطا من ان يتقاتل المؤمنون، رجال الله، رجال دينه على المناصب والغنائم وعلى تهريب النفط والاثار وتوزيع المخدرات.؟
هل يوجد اكثر انحطاطا من هيئة اسلامية تدعي تحرير العراق من نار الاحتلال واذا بها تغرق الى حد ارنبة الاذن في عمليات اختطاف الاجانب والمطالبة بفديات مليوينة وتحول مراكزها ومساجدها من بيوت لله الى اوكار لادارة شوؤن الخطف، بعد ان تبين ان الخطف والارهاب هو اسهل من امتهان الدين لتحقيق الثراء وكله بثوابه.
هل يوجد اكثر انحطاطا من تفجير السيارات المفخخة في الاسواق والمدارس والكنائس ودور العبادة وبين الاطفال والنساء وفي مواكب الاعراس ومآتم الاحزان.؟
هل يوجد اكثر انحطاطا من ان يتطوع الاف الشباب العربي والاسلامي للالتحاق بالارهاب العراقي من اجل قتل الناس الابرياء.
هل يوجد اكثر انحطاطا من ان يعود الاقطاع منصورا رافعا راية شيوخ العشائر والمطالبة للسيطرة على شؤون الدولة العراقية.
هل يوجد اكثر انحطاطا من ان تعرض العشيرة فتياتها في سوق النكاح مقابل مهر واحد هو الالتحاق بقطعان الارهاب المسماة مقاومة.

هل يوجد اكثر انحطاطا من ان اول ما يفكر فيه السياسي او البرلماني هو اشباع كرشه وغرائزه وامنه وامانه وان يدير شؤون السياسة والاقتصاد وان يوجه الاقتراحات والانتقادات من بلدان اخرى.
هل يوجد انحطاط اكثر من انحطاط امة تتخذ سافلا قاتلا سفاحا وغدا مثل صدام شهيدا لها.
فهل يمكن ان نسمي هؤلاء المفكرين والمعلقين الاخباريين والكتاب والصحفيين والفضائيين الذين اشادوا ويشيدون بالذباحين والقتلة والسفلة او رجال الدين الذين تركوا الله واتجهوا للسياسة واصبحت الاحاديث السياسة والجدل السياسي هو صلاتهم وصيامهم وبدلا من استخدام المسبحة في عد اسماء الله اخذوا بالتسبيح بالدولارت ليتذكروا اسماء المشاريع والصفقات وهذا ما رزقني ربي، هل يمكن ان يكون هؤلاء الا نتاج لعصر الانحطاط العربي والاسلامي الشامل والكامل والذي يشبه يوم ما قبل قيام الساعة.!!!


 


 

Counters