| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

السبت 9/9/ 2006

 

 


العراقية..الوطنية..و مصالحة المالكي

 

مالوم ابو رغيف

الحرب الدائرة بين العراقيين تكشف عن مشاعر متعددة، متناقضة مختلفة باختلاف الانتماء والارتباط ، لكنها وعلى سيئاتها او حسناتها، خيرها وشرها تبقى مشاعر عراقية. العراقية كمفهوم لا يقصد به الاخلاص او الالتصاق بالوطن العراقي، بقدر ما هو تعبير قانوني يعبر عن الانتساب او الانتماء لارض معينة، جغرافية معينة، اي ليست حالة عاطفية او وجدانية تشمل العراق بناسه على اختلاف مشاربهم، انما حالة تعريف، تمييز للعراقيين دون سواهم.
العراقية حق مكتسب موروث لا يستطيع احد ان يسحبه او يسقطه مهما كان ومهما كانت الاسباب، فهو ملتصق به مثل ما يلتصق الاسم بصاحبه. حتى لو اقدم دكتاتور همجي متوحش، او نظام قمعي ارعن مثل نظام البعث وقائده الرقيع صدام على اسقاط هذا الحق، كما فعل النظام الغابر، بسحب الجنسية والانتماء العراقي من مئات الاف العراقيين تحت حجج وذرائع واهية، فارغة، قميئة تافهة مثل تفاهته وسقوطه، الا انهم عراقيون رغم انف كل من يدعي غير ذلك من القوميين الشوفينيين والعروبيين والطائفيين.
الرقيع صدام والصقيع عزت الدوري والارهابي حارث الظاري والخرف عدنان الدليمي او الخبل مقتدى الصدر والاملط الخالصي والمعتوه البغدادي او الصرخي شئنا ام ابينا، عراقيون رغم كل صفاتهم الطائفية والعنصرية والاجرامية . صفة اكتسبوها وورثوها من ابائهم ومن الارض التي ولدوا فوقها حيث شاءت الصدفة غير النبيلة ان تكون عراقية.
العراقية لا تعني الاخلاص ولا تعني الوطنية والانسانية، لا تعني باي حال الايمان بالحرية والعدالة الاجتماعية والحرص على الثروات الوطنية ولا تعني عكس ذلك ايضا. هي مجرد دلالة على الانتماء. العراق كارض ليس مصفى او فلتر لشوائب وعيوب ومثالب اجرامية، ففيه ولد الوطنيون والانسانيون والمخلصون مثل ما ولد المجرمون والسفاكون والخونة. فهو مهد الحضارات الانسانية الاولى كما هو موقع لاكبر المقابر الجماعية في العالم.
الكثير منا ربما قد صادف موقفا ادهشه واثار علامات الاستغراب والتعجب عنده، فأينما حل العراقي في ترحاله الدائم، عندما يسأل في البلدان العربية و الاسلامية عن هويته او جنسيته فيجيب بانه عراقي، فيرحب به ويثنى على اصله وفصله لكن سرعان من يتبخر هذا الترحيب ويحل بدلا عنه التبرم والانزعاج حال معرفتهم بانه لا ينتمي الى المقاومة الارهابية، ولا يقف معها، ولا يرى باسقاط النظام الهمجي ظلما ولا اثما، وانه مع تغيير نظام القمع والهمجية البعثية وضد تحكم الدين بالدولة. فالعراقية بعين العروبيين ليس انتماء فقط بل اصطفاف قومي ديني طائفي بغيظ. ليس صفة الى ارض العراق بل تعبيرا عن هوية عروبية شوفينية.
هذه النظرة القاصرة التي ولدها التعصب القومي المخادع غذتها نزعة التفاضل والافضلية بالمفهوم الديني لان محمد منهم، او لخرافة افضلية الدين الاسلامي على باقي الديانات نظاما وعبادة وممارسة، وتكبيل الناس في قوالب من التاريخ والخصومات الطائفية والعنصرية القومية، تبناها بعض العراقيين، لحسن الحظ الاقلية منهم، فعرفوا العراقي بانه العروبي، السني، القومي، المتعصب، الشوفيني. اما الكوردي والمسيحي والصابئي والازيدي والشيعي والشبكي والاثوري فهؤلاء اغراب وضيوف موقتين حلوا على العراق في غفلة من الزمن، لم يحترموا الضيافة ولا حق السيد صاحب الارض والدار، فالصقوا بهم التهم، وجعلوهم شماعة لتعليق عار الهزائم والسقوط ، وقللوا من شخصياتهم، اهانوا تاريخهم، انتقصوا من دياناتهم وارائهم، فوجب طردهم وارجاعهم الى اراضيهم او ارغامهم على الايمان بمبادئ الدين والعروبة او خفض الرؤوس وخرس الاصوات وعدم المطالبة باي حق او عدل..
صحيح اننا نعيش فوق هذه الارض وتحت هذه السماء العراقية لكن لكل احد منا افقه الخاص كافراد، ومحيطه كمكون اجتماعي يربطنا رباط واحد هو اننا جميعنا ابائنا واجدادنا ولدنا فوق هذه الارض.
واذا كانت العراقية لا تعبر عن صفة سياسية او حالة وجدانية عاطفية وانشداد للارض وللناس فان الوطنية العراقية هي تمييز عن التعريف القانوني والحق الموروث. فالوطنية ترتبط بالناس مثلما ترتبط بالارض، بالتاريخ القديم مثل ما ترتبط بالتاريخ الحديث، كل يجد فيها افقه ومحيطه ووجدانه ماضيه حاضره ومستقبله لانها انسانية الطابع والتطبع.
الوطنية العراقية فوق الانتماءات الدينية، القبلية، العشائرية والطائفية، كل هذه الانتماءات تحجيم للوطنية، مناهظة لها، معيقة عن اكتمالها معيبة لامتدادها الى اعمق نقطة من تاريخ العراق، كابحة لتاصلها في النفس العراقية.
درجنا على سماع مقولة ان من يقتل العراقيين ليس بعراقي، كلام قاله من يمارس الارهاب تحت جنح الظلام و يخطط له ليلا وفي الصباح سياسي يتشدق بالعراقية والعراقيين وتعليمات الدين، وسمعناه ايضا من يحاول ان يجمع الخير مع الشر، الحق مع الباطل للوصول الى السلطة او الاستقرار على كرسيها المريح. والحقيقة ان الانتماء الى العراق لا يعني ان لا يكون الانسان مجرما لعينا، ارهابيا شرير،ا اسلاميا متطرفا،متدينا متخلفا. لكن من يقتل ويسرق ويغتصب ويهرب ليس وطنيا، ليس شريفا ليس مخلصا لا للناس ولا للارض مع انه عراقي.
واذا كانت العراقية حق مكتسب، موروث، فان الوطنية تعني الجهد والتضحية ونكران الذات، تعني العمل من اجل رفع مكانة الوطن وناسه وتاريخه وسمعته في كل السبل وعلى صعيد كافة الحقول.
من هذا المنطلق لم يكن البعث ولن يصبح حزبا وطنيا لانه يعمل من اجل ان يكون العراقي ثانويا في المعادلة العروبية، ولن يصبح الحزب الديني وطنيا لانه يضع الانسان ثانويا فلا يكتفي بثانوية الانسان بالنسبة لاله، بل يعتبره ثانويا ايضا بالنسبة لمن يمثل الله على الارض. ولن تكون العشيرة وطنية، لان سمعة العشيرة ومكانة مشيختها فوق مكانة ابطال العراق الوطنيين.
وتحت ضوء هذه الافكار نرى ان من الصعب ان نسمي ما يحاول المالكي وجماعته لملمته ووضعه في اطار واحد رغم عدم انسجام الوانه وبعثرة غاياته واهدافه وبشاعة وسائله واهدافه، ان نسميه بالمصالحة الوطنية، انها مصالحة عراقية وليست وطنية.
اتفاق بين القبائل والعشائر والطوائف التي لا تعرف الوطنية الا من خلال مصلحتها الخاصة من خلال ما تفئ اليها هذه المصالحة من انفال وغنائم، مصالحة من اجل اسم العشيرة او القبيلة او الطائفة او المذهب، مصالحة يتسيد بها رؤساء العشائر ورجال الدين والمتنفذون الجدد والمناضلون الارهابيون. مصالحة تقمع فيها المراة لانها لا مكان لها في العشيرة ولا في الدين ولا في الطائفة. مصالحة تعني تقليص الوطنية ورسم حدودها بحيث لا تتجاوز مصالح القبيلة او الطائفة.