| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

الأربعاء 8/12/ 2010



متى سيحرقون الكتب

مالوم ابو رغيف

لقد شاطت واحترقت الطبخة، فلم يكن حظر الموسيقى والغناء والرقص ولمسرح في مهرجان بابل ولا منع سيرك البصرة سوى إجراءات أولية لجس النبض ومعرفة ردة الفعل على الصعيد الشعبي والثقافي والسياسي. وعندما اتضح لهذه الحفنة الظلامية من عشاق التخلف الحضاري والتكلس المعرفي، بان المعنيين بالأمر عيونهم بصيرة وأياديهم قصيرة وإن جلهم منشغلون بإطماعهم أكثر من انشغالهم بتحقيق شعاراتهم، ورأت بان رد فعل المثقفين والفنانين والكتاب والصحفيين والعلمانيين ردا باهتا باردا اكتفى ببعض المقالات الصحفية والاحتجاجات الكلامية ولم تقترن بإجراءات مضادة، لا قانونية ولا حقوقية ولا دستورية ولا ثقافية، استمرت هذه الحفنة الجاهلة بالمضي بإجراءاتها الباطلة وهذه المرة في محافظة بغداد حيث قام رئيس مجلس المحافظة المدعو كامل الزيدي باعتداء على الحريات العامة بإجراءات دكتاتورية النزعة، استبدادية التطبيق، فأغلقت النوادي الليلية ومنها نادي اتحاد الأدباء وكذلك محلات بيع المشروبات الكحولية. ثم أعقبها قرار صدر من وزير التربية زاير خضير الخزاعي بإيقاف تدريس مادتي المسرح والموسيقى وإزالة كافة التماثيل والأنصاب الموجودة في فضاءات معهد وأكاديمية الفنون الجميلة لأنها تتنافيان وتعليمات الدين الإسلامي.

إن هم أزالوا التماثيل اليوم والغوا تدريس المسرح والموسيقى، فما هي إلا مسألة وقت حتى يحرقون الكتب بحجة تنافيها مع الدين وبذريعة إن العراق بلد إسلامي وتحت شعار لا ثقافة إلا الثقافة الإسلامية.

لا نعرف ماذا يعني الفن عند زاير خضير الخزاعي وماذا يعني الجمال وما هي مقاييسه وما هي قواعده على حد فهمه، فإذا كانت الموسيقى والمسرح ليستا من الفنون الجميلة فما هي الفنون الجميلة بنظر وزير التربية إذن؟

بل نحن لا نعرف أيضا ما هو الدين عند وزير التربية وعند رئيس مجالس المحافظة هل الدين يعني قندهار وتورا بور وقوانين طلبان الذين حطموا تماثيل بوذا وسجنوا النساء وحولوا المدارس إلى كتاتيب ونشروا الظلام.

هل يعني الدين عند هذين السيدين تكبيل الأيادي وتكميم الأفواه وكسر آلات الموسيقى وتحطيم المسارح وحرق دور السينما ومنع الفرح!؟

هل يعني الدين شق الجيوب ولطم الصدور والبكاء والنحيب والعويل ولبس السواد وإطلاق اللحى وطمغ الجباه واضطهاد الناس والدعوة إلى الله بالكلمة الجلفة البشعة؟

إن المسألة ابعد من إن تكون مجرد قرار فردي من ملا كامل الزيدي أو زاير خضير الخزاعي، فهذان السيدان وان كانا نموذجان صارخان للعجرفة والطغموية إلا إنهما قاصران عن التصرف لوحديهما، فهم، وهذا أكيد، قد تشاورا وتحاورا مع جهات دينية وإسلامية سياسية تعتبر الحرية نوعا من الآثام والثقافة نوعا من التحلل والفنون نوعا من المعاصي، جهات لا تؤمن بالحوار ولا بالتفاهم ولا بالقانون ولا بالدستور، بل ربما إن هذه الإجراءات التعسفية هي من ضمن الشروط التي مهدت للتفاهمات الانتخابية لتشكيل الحكومة برئاسة المالكي.

إن هذه الإجراءات الجائرة والاعتداءات السافرة على الحريات العامة وعلى الثقافة وعلى الفنون وعلى مستقبل العراق الحضاري مؤشرات لا تبشر إلا بمستقبل مظلم إذا لم يقف لها بالمرصاد وإذا لم يتم فضح الجهات الظلامية التي تقف خلفها.

كما إن سكوت وصمت الأحزاب والكتل والمنظمات التي تدعي الحرص على مستقبل العراق وعلى تاريخه وحضارته وفنونه على مثل هذه الأفعال الظلامية لا يعني إلا إن هذا الجمع السياسي الذي يتشدق بالحرص على العراق هو أيضا من نفس الطينة الفاسدة لأحزاب النهب والسلب والمحاصصة.

إن هذه الجهات الظلامية لا تعرف التعامل بالتي هي أحسن، لا بالمجادلة ولا بالمساجلة ولا بالحوار ولا بالحق، لذلك ينبغي إن تكون ردة الفعل قوية الزخم متشعبة الاتجاهات على كافة المستويات الحقوقية والقانونية ولإنسانية والبرلمانية والأممية، وبكافة وسائل الإعلام، المسموع والمرئي والمقروء، على مستوى البيت والشارع والمحلة والمدينة.

فلا يوجد أثمن واغلي وأقدس من حرية وكرامة الإنسان، أنها تابوا مقدس لا يسمح المساس به لأنها ثمرة دماء الملايين من الشهداء، الذين جادوا بأنفسهم من اجل إن ينعم غيرهم بالحرية، من اجل إن يزدهر العراق بفنه وتتألق حضارته وترتفع هامات مواطنيه وتصدح الموسيقى في ربوعه ويعم الفرح أرجاءه، لا إن يخيم عليه الحزن والكآبة والظلام.

 

 

 

free web counter