| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الجمعة 8 /12/ 2006

 

 

بيكر - هاملتون والوصايا الخائبة

 

مالوم ابو رغيف

على ما يبدو ان الرئيس بوش سيمزق اوراق ووصايا السيدين بيكر وهاملتون كما كسر موسى الواح الطين التي كتب عليها وصايا الرب العشرة. واذا كان على يهود موسى اطاعة قوانين الرب، فإن الرئيس بوش غير ملزم بإطاعتها والعمل بها ولا الحكومة العراقية ملزمة ايضا بالعمل وفق النصائح التي بعضها منقوع بسم مقدم على طبق النوايا الحسنة. فريق بيكر هاملتون يشبه الى حد كبير الشورى الاسلامية، فهي مجرد هيئة لتقديم النصح والمشورة للخليفة والاستئناس برأيها، فإن شاء عمل بنصائحها وان لم يشئ ضرب بها عرض الحائط، وعلى ما يبدو ان بوش سيضرب بأغلب النصائح عرض الحائط، ليس لانه لا يجدها نافعة، بل لان العمل بها هو الهزيمة التي يتوخى الرئيس الامريكي ان لا يراها وهو يتربع على كرسي البيت الابيض. سينهي فترته الرئاسية مؤملا الانتصار ويترك الخيبة لمن يأتي بعده، على الاغلب الديمقراطيون الذين سيكون لهم نهجهم الخاص وحربهم الخاصة ضد الارهاب وضد الوهابيين المتخلفين واسلاميي ولاية الفقية الظلامية.
التقرير لا يعكس ما توصل اليه فريق بيكرـــ هاملتون ولا يعكس رأيهم وتحليلهم للاوضاع الدائرة في العراق كما تحاول التقارير الصحفية الايحاء بذلك، انما تعكس وجهات نظر وحلول وشروط الانظمة والاستخبارات والتنظيمات العربية وخلاصة ما انتهت اليه المباحثات والتفاوضات بين الامريكيين والفصائل المسلحة حسب التعبير الامريكي الجديد او الارهابيين حسب تعبير العراقيين المنكوبين بكل شئ.
الانظمة العربية هي احد الاسباب في التدهور الحاصل، فبراثنها تجدها مغروسة في الشؤون الداخلية العراقية ويدها اللئيمة ممتدة دائما بالاموال والسلاح والخطط الارهابية لدعم فصائل الجريمة والقتل. واضافة الى الانظمة العربية ودورها الشرير تضيف الحكومة الامريكية الى الوحل ماء وطينا بتخبطاتها وسوء ادارتها للازمة اضافة الى عدم نزاهة الحكومات العراقية المتعاقبة التي وجد بعض اعضائها في المناصب الممنوحة لهم فرصة لا تعوض ولن يجود الدهر بها يوما للاثراء الفاحش الذي لم يحدث مثله في التاريخ والسرقات المليونيرية بسهولة تامة يحسدهم اللصوص المحترفون عليها.
ليست نصائح بيكرــ هاملتون العسكرية المباشرة هي المهمة بالموضوع، فهي مجرد تكتيكات عسكرية تتغير كلما تغيرت ظروف المعركة ومستجدات تطوراتها وردود الافعال الدولية والاقليمية المحيطة بالعراق، فالانسحاب اليوم او غد لا يعني شيئا طالما احتفظت الولايات المتحدة الامريكية بقواعد لها في العراق وتواجدت على عتبة البيت العراقي في الكويت او في قطر وافغانستان. كما ان التلميح الى الانسحاب في 2008 هو تطمين لايران بأن ليس من نية، على الاقل في الوقت الحاضر لمهاجمتها هي او مهاجمة سوريا، وبالتالي يسهل ادخال ايران وسوريا في حوار لحل ليس مشكلة العراق فقط، بل لمشكلة فلسطين ايضا والسلاح النووي الايراني.
كما ان التهديد بتقليل الدعم ماليا ودبلوماسيا وعسكريا ان فشلت الحكومة العراقية في ارساء المصالحة الوطنية وارساء الامن ( لاحظ هنا المصالحة ثم الامن) هو ضغط على حكومة المالكي الاسلامية ان هي لم تلبِ الشروط التي يقدمانها السيدان بيكر وهاملتون نيابة عن مجاميع العمل العروبية والاسلامية الوهابية والخليجية وكذلك شروط ما درج على تسميته في المدة الاخيرة بالفصائل العراقية المسلحة.
لعل اخطر ما تطرحه الوثيقة والذي تعمد السياسيون العراقيون عدم الاشارة اليه واكتفوا بتعليقات ساذجة غبية تعبر عن اتجاهاتهم المتهاوية وسطحيتهم المتناهية وابتعادهم عن مصالح شعبهم، اقول اخطر ما يتعلق بالوثيقة هو التصور الذي طرحه بيكرــ هاملتون لحل المشكل العراقي.
ما رفضته اغلب الاحزاب العراقية بتدويل القضية العراقية وما اكدت عليه القوى الوطنية برفض تدخل الدول المجاورة او الدول الاقليمية بشؤون العراق الداخلية، يطرحه السيدان بيكر وهاملتون بشكل اخر لا يفهم منه الا تدويل القضية العراقية وسلب العراقي حقه بتقرير مصيره واعطاءه الى دول اخرى نياتها الحسنة سوف لن تتخطى مصالحها وتصفية صراعاتها على الساحة العراقية. فالتقرير مثلا يقترح
""على الولايات المتحدة أن تسعى فوراً إلى انشاء «المجموعة الدولية لدعم العراق» التي يجب أن تشمل جميع دول جوار العراق، فضلاً عن غيرها من بلدان المنطقة والعالم""
""ينبغي أن تطور المجموعة نهجاً محدداً للتعاطي مع دول الجوار، يأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الدول واتجاهاتها ومساهماتها المحتملة.""
المشكلة لا تكمن في الحملة الدبلوماسية ولا في المجموعة الدولية المقترحة لكن في صراع المصالح القائم الان والذي يعاني العراقيون جراءه الامرين، من اهم هذه الصراعات هو الصراع والتنافس المذهبي بين ايران والسعودية والذي اخذ يمتد شره الى لبنان كما اشار السيد حسن نصرالله بخطابه الاخير بأن هناك من يثير النزعات المذهبية بين السنة والشيعة في لبنان. كما ان دول الخليج العربي تجد من مصلحتها ابقاء العراقي في وضع غير مستقر يعاني من الخراب والدمار، فهي تعتقد ان اي تحسن في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي سيقلل من اهميتها ومن مكانتها نظرا لما يتمتع به العراق من ثروات واهمية تاريخية وحضارية رائدة. وفي حين تسعى السعودية الى نشر المذهب الوهابي البدوي، تحاول ايران تحويل العراق الى تابع لولاية الفقية، سوريا تعتبر نفسها الوريث الشرعي لحزب البعث بينما تحاول الدول العربية اللعب على الوتر القومي وجعل العراق عروبيا بالكامل مما يعني الاجهاز على ما حققه الشعب الكوردي من منجزات اكتسبها بنضاله الدؤوب من اجل الحرية والفيدرالية. ومن هنا جاء الربط الامريكي بين القضايا العروبية، فلسطين والجولان مع القضية العراقية.وهو ايضا ارضاء للقوميين العرب الذين اصابهم السعار منذ سقوط النظام البعثي.
العراق رغم انه ضحية لصراع مصالح واطماع الدول المجاورة وللتصورات العروبية والاسلامية الرثة، الا ان حل مشكلته يجب ان لا تتم على ايدي خارج اطاره الثقافي والسياسي ومصالح مكوناته، فأي تجاوز على حقوق هذه المكونات يعني ابقاء الوضع غير المستقر وامكانية تطور الصراع الى حرب اهلية. ان كنا نستطيع غلق الشبابيك التي تأتي من خلالها رياح السموم، فإننا لن نستطيع عمل شيئا ان كنا في وسط العاصفة.
واذا كان التقرير قد لبى مصالح القوى الاقليمية والدولية بإشراكها في المسألة العراقية، فإنه تبنّى بعض طروحات من اراد افشال الدستور وتغيير اهم بندوه وجعله قانونا ومشروعا يؤمن تشريع التوافق( او المحاصصة بتعبير ادق) والعمل على جعل الفيدرالية اتحاد ولايات لا تتحكم بثرواتها ولا بقوانينها ولا بمصالح سكانها فالتقرير يؤكد على :
""مراجعة الدستور العراقي أمر اساسي لتحقيق المصالحة الوطنية ويجب ان يتم ذلك في شكل عاجل. والامم المتحدة لديها خبرة فى هذا المجال، ويجب أن تلعب دوراً في هذه العملية.""
الاطراف المعترضة على الدستور لا تعترض على ربطه بالدين وجعله اسلاميا، هذه الاطراف المتمثلة بجبهة التوافق السنية الطائفية هي بحد ذاتها اسلامية النزعة، تشترك مع الاحزاب الشيعية بالتوجه الديني وتختلف بالهدف الطائفي. فأي مراجعة للدستور سوف تكون على حساب الحقوق الديمقراطية والفيدرالية لصالح الهيمنة الدينية.
كما يستجيب التقرير لشروط ما يعرف بالفصائل المسلحة ( الارهابيين من بعثيين واسلاميين وقوميين عدا تنظيم القاعدة) ويقترح ان تكون المصالحة الوطنية عامة شاملة من دون استثناء :
""تتطلب المصالحة الوطنية إعادة البعثيين والقوميين العرب إلى الحياة الوطنية، مع رموز نظام صدام حسين. على الولايات المتحدة أن تشجع عودة العراقيين المؤهلين من السنة أو الشيعة أو القوميين أو البعثيين السابقين أو الأكراد إلى الحكومة"
وكذلك
""يجب ان تكون مبادرات العفو متاحة. ونجاح أي جهد في المصالحة الوطنية يجب أن يشمل إيجاد سبل للتوفيق بين ألد الأعداء السابقين""
و
""على الولايات المتحدة أن تشجع الحوار بين الجماعات الطائفية. ويجب أن تكون الحكومة العراقية أكثر سخاء فيما يتعلق بموضوع العفو عن المسلحين""
كما ان مقترح البدء بسحب القوات الامريكية في عام 2008 هو بمثابة استجابة وانصياع لمطلب هيئة علماء المسلمين الارهابية التي تنادي بجدولة الاحتلال وكذلك للتيار الصدري الذي يردد كالببغاء ما يردده ارهابي الهيئة الضارية.
وفي الوقت الذي تلبى مطالب الطائفيين والذباحين والمجرمين المقاومين، لا تعطى اهمية للشعب الكوردي ولا لسكان الجنوب او اولئك الفقراء والمعدومين الذين عانوا الامرين في عهد صدام وما زالو يعانون فلا احد يهتم بهم او يسمع لهم وكأن رضاهم تحصيل حاصل.
فكيف تكون مصالحة وطنية بينما يؤجل حسم موضوع شائك مثل موضوع كركوك.؟
كيف يستطيع هذا التقرير اقناع الشعب الكوردي ان لا يتكرر السيناريو اليعربي ضده وان لا يغمط حقه وان تحترم ارادته وتطلعات شعبه، وهو يؤجل قضية مهمة ليس لحق الشعب الكوردي فقط، بل على المجال القانوني والانساني وارجاع الحق لاصحابه الذين سلبت منهم بيوتهم واراضيهم وهجروا وقتلوا وعذبو من دون ذنب اقترفوه؟
امن اجل حفنة طائفيين او عنصريين يضحى بشعب كامل كان الضحية الاولى لاغلب الحكومات العراقية المتعاقبة؟
التقرير يعرض الموضوع بشكل حسن نوايا فيقول:
""في ضوء الوضع الخطير في كركوك، هناك ضرورة للتحكيم الدولي لتجنب العنف الطائفي. كركوك يمكن ان تكون برميل بارود. وإجراء استفتاء حول مصير كركوك قبل نهاية عام 2007، كما يقضي الدستور العراقي، سيكون انفجاراً، لذا يجب تأخيره. وهذه مسألة يجب أن تدرج على جدول أعمال «المجموعة الدولية لدعم العراق» في اطار عملها الديبلوماسي""
كما يلاحظ على هذا التقرير غياب كلمات الديمقراطية، حقوق الانسان، الفيدرالية، الانتخابات، البرلمان، العلمانية..
على ما يبدو وكما ذكرت في مقال سابق، ان بناء العراق الجديد حسب التصور الامريكي المطروح الان ، هو بناء عراق لايختلف عن بناء الدول العربية المجاورة، فقد كف الحديث من زمن ليس بالقصير عن النموذج العراقي الرائد المشرق وعن التجربة العراقية وحقوق الانسان، الذنب لا يتحمله الامريكيين وحدهم، بل العمائم العراقية، سنة وشيعة وتدخلاتهم في السياسة وطموح الاسلاميين الى تحويل العراق الى جمهورية اسلامية يتقاسم النفوذ فيها المؤمنين المؤدلجين من كلا المذهبين.
تقرير بيكر- هاملتون هو محاولة لغلق منافذ الارهاب، لكن هذا الغلق سيكون على حساب الشعب العراقي اولا، والغلق لا يعني انهاء الارهاب بل يعني شراء رضائه وعقد هدنة مؤقته معه ثانيا، وثالثا هو ان من اثار الارهاب واقترف الجرائم اكانوا بعثيين اطائفيين او دول مجاورة عربية واسلامية، سيثابون على اجرامهم وزعزعتهم الاوضاع ووأ التجربة.
لكن الولايات المتحدة وان كلفتها الحرب خسائر باهضة، الا انها ستدرك ايضا ان هي عملت وفق بعض مقترحات هذا التقرير ستخسر هيبتها وتكسر وعودها وتعلن عن فشلها بارساء مشروع لا زالت تبشر فيه هو مشروع الشرق الاوسط الكبير.