| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الثلاثاء 5/9/ 2006

 

 

قد نعفوا لكن لن ننسى ولن نسامح

 

مالوم ابو رغيف

في العراق الاستثنائات هي القاعدة والقاعدة هي الاستثناء، فالمصالحة مثلا وكما في كل دول العالم التي أُضطهدت وقُتلت وعُذبت شعبوها، او تلك التي مورس فيها التمييز العنصري والديني والسياسي، يطلب الطرف المُسئ من الطرف المُجنى عليه ان يعفى عنه ان يتصالح معه. ان يعترف الطرف المذنب باغلاطة واخطائه وجرائمه وموبقاته ومنكراته ويحاول تغيير منهجه وفكره وينتقد زعمائه وقادته وتبرا منهم ومن اعمالهم.

لم يحصل ولا مرة في التاريخ ان يجتمع المظلومون والمحرومون والضحايا امام الذين اخطئوا بحقهم، وشهروا السيوف والسكاكين والاسحلة بوجوههم، ولا زالوا في اصرار على اخطائهم ومجازرهم، فيطلبون منهم الصلح والصفح وان يكونوا يدا واحدة على اعدائهم، بينما ليس لهم اعداء الا الذين ينوون التصالح معهم. فهذا لا يعني مصالحة بقدر ما يعني ابتزاز من الجانب الظالم وانصياع من الجانب المظلوم.

حتى من الجانب الديني ولنا في قول الامام علي مثلا حسنا لمقولته الرائعة التي يقول فيها، اذا قدرت على عدوك فاجعل عفوك عنه شكرا للمقدرة عليه. فالقدرة على العدو او على الخصم هي المقررة، اما الضعف فهو الذي يدفع الى التنازل عن ما يجب عمله وعن ما ينبغي فعله وما لا يستطاع العفو عنه. فاين القدرة واين السيطرة واين الشعب من كل هذا. القدرة لا تعني الا ان يكون الشعب نفسه منعما مرفها امنا مطمئنا، اما ما نراه الان فما هو الا استمرار لواقع عاشه الشعب قبل سقوط النظام وما زال مستمرا على ما كان عليه ، اغتيالات وفقر وعوز وتهجير وتقتيل وتهريب وتبديد ثروات لا يشعر بها من يطبل للمصالحة ويرقص لها فهو في راحة بال لكن عبئها الاكبر يقع على كاهل المساكين من ابناء هذا الشعب الذي شائت الاقدار ان لا يحكمه الا الرخويين واللصوص والدجالين.

ما يثير الانتباه ان يتولى البعض القول والفصل، فينصب من نفسه ملكا مطاعا ويشرع هيئات ولجان ويقيم مؤتمرات ومحافل ليفرض على جل الشعب مصالحة لا تعني شيئا في الواقع اللهم الا التقاء النخب والاتفاق فيما بينها على اعادة المحاصصة وتوزيع الغنائم والاسلاب في معركة تخص الشعب بكافة شرائحه وفئاته ومكوناته نساءه رجاله واطفاله، لكن لا يُرجع اليه ولا يستشار ولا يُستفتى ولا يُقرر.

لم يحصل ولا مرة في التاريخ ان الشعب الذي لا زال محروما يعاني من الارهاب ومن القتل والفقر والعوز، لا يُلتفت اليه ولا الى ما عاشه من نكبات وكوارث في الماضي ولا في الحاضر، بينما جماعات حملت السلاح وامعنت قتلا وتخريبا بالناس توعد بالاشتراك بالعملية السياسية والاضطلاع بدور قيادي فيها. المنطق يقول ان لم يدفع هؤلاء ثمن اخطائهم ولا نقول جرائمهم، فعلى الاقل ان لا يشركون ولا يعطون اهمية استثنائية، فمن يثق بمن له سوابق اجرامية ومن يأمن بمن وجد السلاح وسيلة للوصول الى هدف غير الشريف. ممكن الصفح عن الاعداء والخصوم لكن الغباء كل الغباء ان يُعطى مثل هؤلاء الثقة ويمنحون المسؤلية.

يخدع نفسه ويوهمها، ويجعل من نفسه مثلا لن يُذكر بالتاريخ الا مقرونا بالسخرية والاستهزاء من يمد يده لسارق، لظالم، لمغتصب، لقاتل او لجلاد بالمصافحة، من يفرط بحقوق الناس وينسى الامهم ومعاناتهم.

لا زال اليهود يتصيدون رؤوس النازيين ولا زالوا يسوقوهم الى المحاكم رغم كبر سنهم ورغم مضي اعوام طوال على جرائمهم.

لقد رفعوا شعارا اورثوه الى ابنائهم يقول ,,لن ننسى جرائم النازية ولا نسامح النازيين,,. اما من تسيد بخدعة المظلومية، ومن تزعم بسلطة الطائفية، ومن تربع على عرش المسؤلية رافعا شعار الدين ومخافة الله، فلقد تنكر لكل وعوده مواثيقه وكلامه، فهو غير مؤهل ان يتعلم من التاريخ ولا من الاحداث ولا من الكوارث ولا من المحن. فها هم البعثيون وبعد ان عرفوا ان اسنان المالكي اللبنية لا تعض ولا توجع، عادوا ليفرضوا الشروط ويزيدوا بالمطالب، وليقلعوا اسنانه واحد بعد الاخر دون ان يوخزه الوجع ولا تخجله الفجوة بين اسنانه. من تغيير للدستور الى الهجوم على الفدرالية الى الاحتفاظ بعلم المقابر الجماعية والانفال واعادة جلادي الجيش والشرطة والمخابرات والاستخبارت والامن العامة، مع ان اغلب مطالبهم قد استجيب لها وتمت الموافقة على اغلبها الا انهم يتصرفون وفق منطق القوة والصلافة والعنجهية.

عليهم في البداية المصالحة مع الشعب الذي خدعوه، الشعب الذي تخلوا عنه واجاعوه وحرموه الحرية والنور، الشعب الذي يبددون ثرواته ذات اليمين وذات الشمال، الشعب الذي ذاق الامرين منهم ومن الارهاب، الشعب الذي منح الثقة لمن لا يستحقها وليس اهلا لها.

مثل هذه المصالحة لا تقنع الشعب ولا ترهب الارهاب، بل على العكس من هذا، ولقد رأت الحكومات السابقة التي اعقبت سقوط النظام، ان الناس ستاخذ الامور بيدها وترفع السلاح على من كان سببا بذلها وسفك دمائها وفقدان نسائها واطفالها وتدنيس مقدساتها. وعلى عكس ما ينادي به المالكي من القضاء على المليشيات، ستزداد عددا وعدة ويكثر افرادها وتعطى ذرائع ومبررات لوجودها.

لا مصالحة الا بعد القضاء على الارهاب، وعلى الجماعات المسلحة التي تجد من يدافع عنها في مجلس النواب ويبرر لها الذبح والقتل بحجة المقاومة وطرد الاحتلال و يتفاوض معها بالسر والعلانية. ولا عفو الا لمن يلقي سلاحه وهو صاغر معلنا ندمه وتوبته راكعا امام الشعب طالبا العفو والمغفرة منهم .مثل هذا وهذا فقط يمكن ان يعفى عنه.