مالوم أبو رغيف
الجمعة 4/1/ 2008
ازياء وملابس نواب ونائبات الشعب!!مالوم ابو رغيف
في فترة سابقة من تاريخ العراق، صدر قانون يمنع سياقة سيارة الاجرة بالملابس الشعبية، ولا يهم نوع السيارة اكانت لنقل الركاب او لنقل البضائع، ولا يهم المنطقة، اكانت شعبية او ريفية، والمخالف يدفع غرامة كبيرة ويتعهد بالالتزام بالزي الرسمي للسياقة وهو البنطال والقميص. رجل الدين يُعرف بملابسه الخاصة به، جبب وعمائم بيضاء تركية التصميم للسنة، وعمائم عربية، سوداء او بيضاء للشيعة. للجنود زيهم وللشرطة زيهم ولسواق القطار زيهم وللعمال زيهم الازرق البهيج. الازياء تعتبر بعض الاحيان احد شروط المهنة ومتطلباتها، تعرف المرء دون ابراز بطاقة تعريف. كما ان الملابس لا تدل على المهنة فقط، بل تدل على المرتبة الاجتماعية والطبقية، واذا كان العراقي الشعبي الذي عرف بمائدته العامرة يسأل عن اللون للاستفسار عن الصحة فيقول شلونك، فاللون له ارتباط بالاكل، الجوعان لونه اصفر، والشبعان لونه مثل لون خدود اعضاء البرلمان والحكومة، احمر، الاخوة اللبنانيون يسألون عن الكيف فيقول كيفك، لانتشار الحشيش في مزارعهم واعتيادهم تدخينه بكل ادب واحترام!!. اما الاخوة المصريون، الذين يعتبرون ان رائحة اللحمة المشوية هي من روائح الجنة، الذين اعتادوا اكل الفول والطعمية، فلا يسألون عن طعام لانه لا يتغير، يسألون عن الملابس بــ ازياك، فإن كانت الملابس بهيجة فهو في احسن حال وان كانت كالحة فهو في اسوء حال، فالمظاهر عند الدول العربية غير العراق سابقا، من اساسيات النفاق العربي.
بعد ان اسقطت قوات الاحتلال نظام البعث و حررت العراقيين من عبوديتهم الطويلة لال العوجة ، ومنحتهم حرية، بخل بها الله وانبياءه واولياءه على عباده العراقيين ، شاهدنا تبدلا في الازياء العراقية، ابتدأ بالسترب تيز striptease البعثي، حيث خلع كبار قادة الضباط ازيائهم العسكرية على ضفاف دجلة، قطعة بعد قطعة، قسم فضل زي الفانيلا واللباس الداخلي، والاخر قرر ان ينتسب الى نادي العراة عبر فضائيات دول العربان القومية التي قامت بنقل المشاهد حية على الهواء فظهروا زلطا ملطا.
واذا كانت حفلات السترب تيز striptease او التعري لم تدم طويلا، فهؤلاء الذين زلطوا وملطوا على ضفاف دجلة او في الحقول والقصور الرئاسية، سرعان ما اطلقوا لحاياهم وشعورهم وتحجبوا بالنقاب وشابهوا النساء الوهابيات من تبعية ال سعود، ثم التحقوا بالمقاومة العراقية ليمارسوا التعري في حفلات الشذوذ الخاصة بهم.
اكبر تغيير للازياء تم بعد ذلك بقليل، تغيير حيّرنا وجعلنا ننظر بعين الدهشة والاستغراب، فقد امتلأ العراق بالشباب المعمم، عمائم غير انيقة، ولا نظيفة، ولا جميلة، يمكن اطلاق (اسم طق اعطية) عليها او عمائم حي الله، المهم خلگ عمامة ، ولأول مرة في تاريخ العراقي الشيعي الديني نرى ان العمامة تعتمر على الدشداشة يعني عمامة سفاري، دون عباءة، دون حزام اخضر او اسود او ازرق.. كما ان المعممين الجدد امتازوا بميزة اخرى غير ميزة البهذلة، وهي ميزة انهم امتلكوا سعاليم طويلة، واجساد نحيفة، ولحى مفتعلة، فأغلبهم، لم يزل في الشوط الاخير من المراهقة فبدوا كزرافات تائهة هائمة على وجهها.
هذا في المناطق الشيعية، اما في المناطق السنية، فظهرت الخفافيش السوداء، والوجوه الملثمة، واللهجات التي تطابقت مع هذه الازياء المخيفة. اقترنت هذه الازياء و اللهجات بأفلام ذبح البشر امام كامرات التلفزة حيث كانت ثلاثة ايقاعات تعلن بشاعة المشهد، صوت الارهابي الذي يصرخ الله واكبر وصوت حشرجة الروح في رقبة المذبوح وصوت السكين وهي تنخر في لحم الضحية.
اما على صعيد الزي النسائي، فلم يطرأ التغيير فجاة كما هو حال جماعة السلاعيم المعممة، بل اخد دور التدرج، واقترن بالانتماء الحزبي. ولكي يتم تشجيع المرأة العراقية على ارتداء ازياء الحرية الاسلامية الجديدة، تطوع الكثير من الشباب المؤمن بإرتداء الزي الاسلامي الوهابي المتشيع قربة الى الله وكدعاية وتشجيع في سبيل الحركة الاسلامية، نقاب وحجاب وقفازات سوداء وجوارب سوداء كاملة الدسم. قام جيش المهدي بالعديد من الاستعراضات البهلوانية فحول ميادين الاحياء الشعبية الى مسارح لعرض الازياء الاستعبادية بصفتها ازياء اسلامية ، لا تدخل المرأة الى الجنة ان لم ترتديها. في المناطق السنية وجدوا حلا افضل لدخول المرأة للفردوس الاعلى بشكل اسرع، فكان زي ساجدة الريشاوي بأحزمتها الناسفة وزيها الخفافيشي المخيف، استعرضها التلفزيون الاردني من جميع الجوانب وكأنه يستعرض شخصية من شخصيات الساينس فكشن Science Fiction .
واذا كان البعض قد سارع الى اعتمار العمامة السنية التركية او العربية الشيعية في بداية الاحداث ، فإن جمع اخر من المعممين سارع الى تطليق العمامة والجبة طلاقا نهائيا لا رجعة فيه ، وارتدى ملابس الافندية ، معتقدا ان الفترة القادمة ستكون لحكم الافندية او لحكومة التكنوقراط ، وربما تغني له احدى الفاتنات اغنية المرحومة صديقة الملاية:
الافندي الافندي عيوني الافندي
الله يخلي نايبنا الحجي
صندوق امين البصرة
والله نائبنا الحجي غيره ما عندي
آخرون قلدوا الزي الايراني الدبلوماسي، تحريم ربطة العنق لانها تشبه بالكفار، اطلاق اللحى الخفيفة واهانة الشارب متبعين حديث ينسب الى النبي محمد، يقول فيه " اكرموا اللحية واهينوا الشارب".
بعض المعممين السنة، وفي مناخات الاحتقان الطائفي ، عندما اصبحت الطائفية ليست انسياقا وراء العواطف ووراء الاوهام فقط ، بل ذهنية سياسية، قالوا وداعا للزي العراقي الديني السني الجميل، واستبدلوه بالزي الوهابي القبيح، الذي يجعل اذكى اذكياء العالم يبدو غبيا للعيان ان وجد نفسه فيه.
من الجانب الديني السني نأخذ السيد عبد الغفور السامرائي نموذجا لهذا التغيير . لقد تبدل الشيخ السامرائي حسب المواقف السياسية او حسب مساهمات هيئة علماء المسلمين في تسميم الاجواء وتوتير العلاقات وتزييف الحقائق واغراق الشارع بالاكاذيب الرخيصة. فمرة يظهر الشيخ السامرائي بملابس رجل الدين المعتادة، واخرى في كوفية بيضاء وعقال اسود متين لكي يؤكد انتماءه الى العروبة، وعندما يحتقن طائفيا يظهر من خلال الفضائيات العربية في ملابس رجل الدين الوهابي.
واذا اخذنا نموذجا شيعيا، فأفضل مثال هو عبد الهادي العامري، صاحب قوات بدر، فإن جاء شهر عاشوراء ارتدى الزي الاسود الكامل وحمل وجها متجهما حزينا، حتى اعتاده فلا يُرى ضاحكا ابدا، او يظهر علينا بملابس الافرنجة عندما يريد الحديث عن الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، واذا ما نشأت مشكلة طائفية واراد التقرب لممثلي احزاب السنة، فإنه يرتدي الغترة البيضاء والعقال الاسود السميك، فيضرب زرزورين بحجر، الزرزور الاول تأكيد الاصل العربي وردا على من يتهموه بالاعجمية وخاصة ابو السدارة الارهابي عدنان الدليمي، والثاني هو تملقه الواضح لبعض الجهات. بعض الاحيان نكاد لا نعرفه الا بعد التدقيق في ملامحه وقصر قامته و تجّهم وجهه ومشاهدة عبوسته ويبوسته، فنستدرك بالقول انه صاحبنا القديم بس.. ..(الزي) اتغير.
في البرلمان العراقي انواع كثيرة من الازياء فإن نظرت الى بعض النائبات سيمتلكك احساس بأنك في فاتحة تقام على روح ميت، ومرات كأنك في سوق خضرة، فالعباءة والشيلة اضافة الى طقة علج البستج. قسم من النائبات محجبات حجاب مدر للدسم، حجاب كامل شامل مع القفازات والجوارب السوداء السميكة خوفا من تسرب الابالسة من خلال مسامات الاقمشة الى جسد المؤمنات النائبات، واخريات بنص حجاب، فيظهرن على شكل غراب مرقط لكنه مهلس الريش.
على الصعيد الرجالي، فحّدث ولا حرج، عمائم غليضة وعمائم دقيقة، انواع العكل والعباءات الرجالية ، انواع الاشمغة، حمراء وبيضاء وسوداء. فمرة تعتقد انك في برلمان اليمن، ومرة في برلمان البادية، ومرة في مجلس حسيني ومرة كأنك في مجمع لاصحاب بن تيمية.
بالطبع لكل هذه الازياء احذية تنسجم معها، من القباقيب الى الشحاطات الى النعل الى الكلاشات الى قنادر اتخذها المشهداني شعارا لديمقراطيته.
نظرة الى هيئة الرئاسة مثلا، طيفور في ملابس اوربية انيقة، العطية في زي اسلامي شيعي والرئيس متغير متقلب حتى ظهر اخيرا في شبح المرحوم سوكارنو فأعتقدنا ان الله بعثه الينا لقيادة المسيرة البرلمانية المظفرة بعد ان أعيتنا ومرّضتنا قيادة المشهداني .
هذه الازياء تعّبر عن اتجاهات متعددة، عن نوايا متعددة، وسياسات متعددة. وليست مجرد اختيارات ذوقية او تمسكا بالازياء الشعبية. انها توجهات تود ان تفرض نفسها على الشعب، وفرض التخلف كواقع رسمي معاش.
اعتقد ان على الحكومة الزام الموظفين بالزي المدني الرسمي الذي هو البدلة الاوربية مع ربطة العنق، وابعاد العباءة النسائية عن البرلمان والمدرسة والجامعات والوزارات، مثلها مثل العمل في المستشفيات، فهل يمكن لطبيبة ان تؤدي عملها وهي بعباءة او نقاب او قفاز اسلامي اسود. عندها سيموت اغلب مرضاها معتقدين انها من ابالسة النقمة وليس من ملائكة الرحمة.
وهل يعقل ان يدخل مدرس الى صفه ويقف امام تلامذته وهو في زي المتشيخ هادي العامري.؟