| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الأربعاء 4/10/ 2006

 

 

استثمار لنفرهد معا

 

مالوم ابو رغيف

بعد ان استطاعت الحكومات العراقية المتعاقبة الديمقراطية، الحريصة جدا على الشعب اكثر من حرص عزرائيل على ازهاق الارواح ، وتمكنت من نهب و فرهدة، على حد تعبير الاخ مهدي قاسم، ما فوق سطح الارض وما في داخلها، وتهريب الثقيل والخفيف، الغالي والرخيص، ،المرغوب وغير المرغوب الى خارج العراق، وبعد ان بيعت بأبخس الاثمان الدبابات والمدرعات ومنصات اطلاق الصواريخ والمدافع والشاحنات والسيارات والشفلات وكل انواع المحركات والشبابيك والابواب والاسلاك الكهربايئة نحاسية وعادية، والالمنيوم والفافون على انها مجرد خردة نشكر من يشتريها منا ونثني على صداقته ووقفته واعانته لتخليصنا منها ومن مليارات الدولارت الزائدة عن الحاجة، المتعبة لجيوبنا والثقيلة على ايدينا والعصية على التداول، وبعد ان هُربت الثروة الحيوانية والنباتية والتراثية والفنية والاثرية والدينية والمخطوطات التي لا تقدر بثمن، بعد ان غدا العراق قاعا صفصفا خالية، وكأن الساعة قد قامت وعصف بالناس والاشجار وجففت الانهار، يتجه نواب الشعب الحريصون على مصلحته وامنه واطمئنانه وسلامته هم وحكومتهم الرشيدة الفريدة من نوعها، التي تسعى الى مصالحة مع الارهابيين والذباحين والبعثيين تحت شعار المصالحة الوطنية بين التكتلات الطائفية، حكومة تستجدي من دول الجوار العطف واللطف والحنية، فتقدم لهم الرشاوي والاكراميات والعروض السخية، فتبيع النفط الى الشقيقة البديعة الاردن بأسعار تفضيلية لا يوجد مثلها ولا قبلها حتى اذا قارنها بمقولة الحسنة بعشرة امثالها الالهية، فبرميل النفط الذي تجاوز سعره السبعين دولار تبيعه!! بــ 10 $ فقط وربما تتحمل تكلفة النقل والتخزين والتعبئة والحراسة والمرافقة، مع ان الاف الفقراء العراقيين يزدحمون امام محطات التعبئة، يخاطرون بأنفسهم من اجل كف من النفط الابيض وكم غالونا من البنزين. بينما الاردن لا زالت متمسكة بالطائرات وتحتفظ بالاموال العراقية المجمدة عندها، وتستقطع منها ما تشاء، وتعطي لمن تريد، فمال عمك ما يهمك ومال ابوك ابكي عليه. بعد هذا كله تتجه الحكومة العراقية ومجلس النواب الى تشريع قانون للاستثمار قدمه مجلس الوزراء الحكومة واشرف على صياغته حيدر العبادي صاحب صفقة الموبايل المصرية الشهيرة.
يقول المثل العراقي"" جوعان يعلج علج، عريان لابس قندرة"" نعم ان العراقيين جياع ليس للطعام فقط ، بل للامن والامان والاطمئنان، فلم تعد علكة الديمقراطية الانتخابية تخدعنا وتلهي افواهنا وتعمينا عن المطالبة بحريتنا المصادرة اكان من الارهابيين او من مليشيات الله ورجال دينه. ونحن عراة، نرتجف بردا وزمهريرا، ليس من البرد فقط ، بل من كذب اغطية الوعود والعهود والشعارات الزائفة والاحلام الدينية الكاذبة.
فاذا كنتم ايها الحاكمون ترفعون شعار هذا ما رزقني ربي ، فقولوا وفسروا لنا لماذا يقتصر رزق الله تعالى على جيوبكم وحساباتكم وقصوركم ووسائل لهوكم واماكن راحتكم وينسانا بالكامل وكأننا خلقنا للعذاب على ايديكم؟؟
اذا كان الشعب نفسه جوعان متلهف الى وجبة من الامان، فكيف يأتي المستثمر الاجنبي مخاطرا بحياته وامواله الا اذا كان لصا محترفا من موقعي الكابونات، لا يخاطر بجلده ولا بثروته، بل متخذا من جلود العراقيين كبش فداء له ومن العراق وكالة للسمسرة.؟
واذا كان الشعب عاريا يرتجف من شفافيتكم ومعسول كلامكم، فهل المستثمر الاجنبي سوف يكسينا ويمنحنا الدفئ وهو لاهم له غير الربح وكسب الاموال بأسهل الطرق واقبحها .؟
اليس المهمة الاولى ايها الجشعون يا من تحاولون من خلال قانون الاستثمار عقد الصفقات وتلقي الرشاوى والهدايا والعطايا والتسهيلات، ان توفروا الامن وتقضوا على الارهاب وتوقفوا نزيف الدم العراقي الذي اصبح ارخص من الماء على عهدكم.؟
عادل عبد المهدي في السعودية بسفرته الاخيرة ناشد رجال الاعمال السعوديين استثمار اموالهم في العراق قائلا من يأتي سيربح كثيرا، تعالوا لتربحوا، وكأنه يقول لتفرهدوا. نعم هو محق بذلك فالعراق كان ولا يزال بستان قريش والبقرة الحلوب التي كادت اضرعها ان تجف من جشع الحاكمين والقادمين والعربان والعجم ومن غباء من توصله الصدفة او البندقية الى سدة الحكم.
في المدارس الابتدائية يُخبر الاطفال على الكتابة بالقلم الرصاص لتصحيح اخطائهم ، اما اطفال برلماننا الابتدائي ، يصرون على الكتابة بقلم الحبر رغم اخطائهم المتكررة التي يصرون على صوابها، وبعد اكتشافها من خلال الكوارث والمآسي التي منها ما نعيشه الان، لا يستطيعون تجاوزها الا بعد جهد جهيد مع تقطيع الورقة وليس مسح الحبر فقط.
هم مجرد مقلدين لا ينظرون الا الى الشكل، المظهر، اما الفحوى، الجوهر، فهذا ما لا يدركونه ولا يفهمونه.
في مناقشة قانون الاستثمار ينظرون الى تجربة الامارات محاولين اخذها كنموذج راقي يستحق الاتباع، ناسيين ان الاستثمار بدول الخليج يرتكز على قطاعات الخدمات، الفندقة، السياحة، ، الكازينوات والسينما( التلفزيون، والمسارح والاستديوات الغنائية)، التي نافس قطاعها مصر وسحبت كل فنانيها ومخرجيها، الى درجة هددت الانتاج الفني المصري الذي يعتبر من اهم القطاعات الانتاجية المدرة للارباح، بينما رجال برلماننا الاشاوس الفطاحل المؤمنين يؤكدون على الاستثمارات التي لا تتعارض مع مبادئ الدين الاسلامي ولا القيم الاجتماعية العشائرية، ويستثنون الفندقة والسياحة الدينية وكل ما تنهي عنه فتاوى رجال الدين الفنتازية المتخلفة من الاستثمار.
الاستثمار وتسهيلاته يهدف الى :
1. تشغيل الايدي العاملة الوطنية عن طريق انشاء فرص عمل لا تستطيع الدولة على عرضها لجمهرة العاطلين عن العمل.
2. تزويد سوق العمل بالخبرات والمهارات والتقنيات التي يحتاجها العمال والكوادر الوطنية.
3. اغناء خزينة الدولة عن طريق دفع الضرائب والرسوم المفروضة حسب طبيعة الانتاج ومكان المشاريع .
4. الاستثمار في الحقول والقطاعات التي تعجز الدولة او القطاع الوطني او لا تتمكن بسبب نقص المهارة او الخبرة او التقنية او التمويل في استغلالها.
وكل هذا بضوابط لا تجعل من التسهيلات الممنوحة وكأنها اطلاق اليد والتصرف حسب الرغبة والاستغلال غير المسؤول، ولا تمكن المستثمر من العبث بالثروات الوطنية تبعا لمحرك الجشع والطمع واللصوصية.
قانون الاستثمار محل المناقشة يعول على المستثمر الاجنبي اكثر مما يعول على الدولة في بناء العراق واعماره من جديد ويربط عجلة التطور والاقتصاد في البلاد الاجنبية ، فأي خلاف سياسي سيهدد البلد نفسه ويجعل اقتصاده كسيحا وسياسته منقادة الى املاءات المالكين.
ولا يلزم المستثمر الاجنبي بتشغيل العراقيين بشكل واضح، ويعفيه من الضرائب لمدة عشرة سنوات قابلة للتجديد، ويعطيه حق التملك لمدة خمسين سنة او اكثر.
وتبدو الدولة العراقية مثل متسولة لا تملك لا المال ولا قوة القانون، تفرط ببيتها وعيالها وتتيح لمن تستجدي منهم ، حرية التصرف واطلاق اليد والعبث بكل شئ.
نكرر ان ما يلفت الانتباه، انه في الوقت الذي لم تستطع الدولة العراقية ممثلة بحكوماتها المتعاقبة الوفاء بما قطعته على نفسها، ليس بأعادة الاعمار فقط، بل توفير الخدمات الاساسية من ماء وكهرباء ووقود وادوية واغذية ومواصلات واتصالات، تقفز على هذا الواقع المزري لتناقش قانون للاستثمار، وهي تعرف مقدما ان لا احد سوف يخاطر بالمجئ الى العراق في غياب اهم حافز لرؤوس الاموال، وهو الامن ، ان لم يكن المستثمر لصا دوليا محترفا.
الا اذا كان القانون الجديد يرتبط بجشع البعض واطماعهم ولصوصيتهم المكشوفة للجميع، وانانيتهم في احتكار القشطة والحليب بالكامل وترك الشعب يعاني الحرمان وحسرة ولوعة من عينه بصيرة ويده قصيرة.