| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

                                                                                    السبت 2/6/ 2012



لعبة سحب الثقة

مالوم ابو رغيف

الديمقراطية بكل مفاهيمها القانونية والسياسية والبرلمانية والاجتماعية ،غريبة، وافدة، ليست من سكنة المنطقة ولا من سكنة الجوار ولا المحيط الإقليمي، غريبة حتى على الذين قدموا من الخارج، فهم طارئون على البلدان الديمقراطية مثلما هم طارئون على العملية السياسية فصدق وصفهم بسياسيي الصدفة.

صدفة حملت حسن الطالع لهم، فسرقوا ونهبوا وغشوا واحتالوا وهربوا وأصبحوا مليونيرات وان لم تبد عليهم علامات النعمة، فهم وجه فقر مثلما هم وجه قباحة، وحملت سوء الطالع للمواطنين، ليس بسبب معاناتهم اليومية المتمثلة بشحة وانعدام الخدمات، بل كأن الله قد كتب عليهم معاناة من نوع آخر، هي تكبد رؤية وجوه سياسيي الصدفة يوميا بكل صلفهم ونزقهم وقرفهم وقلة حيائهم ، فهم كأبالسة دائمي الظهور، حتى عندما يسافرون، يطلعون على العراقيين من شاشات الفضائيات كمخلوقات بغيضة تعشق الشتائم والعراك لأتفه المسائل والأسباب.

لو إن شكل النظام شكلا آخر، غير الشكل البرلماني الديمقراطي، لما لام احد سياسيي الصدفة في قيادة البلد من حضيض لحضيض ومن خراب لخراب، فليس من تناقض بين الشكل وبين المضمون، بين المظهر وبين الجوهر، ولما أُصيب احد بخيبة أمل ولا بإحباط، فالخراب وعدم احترام المواطنين وغبن حقوقهم، أمورا قد أعتاد الناس عليها وتعايشوا معها منذ تأسيس الدولة العراق ولحد هذه اللحظة، وهي أيضا جزء من منظومة الحكم وقيم الحكام لدول الجوار الإقليمي التي يُعد الإنسان فيها ارخص رأس مال.

لكنهم يدعون أنها دولة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والقانون، فهل يعتقدون إن العراقيين بلهاء وخرقاء ليصدقوا آذانهم التي اعتادت على سماع هذه الادعاءات وليكذبوا عيونهم ومشاعرهم التي ترى وتحس الغبن والخيبة وترى الدمار والخراب يتجذر في النفوس وفي الطبيعة.

الديمقراطية ليس من بين آلياتها الحقد والبغض، ليس من ميزاتها التخوين والتدخل بالقضاء والنفخ في كوانين الطائفية. الديمقراطية اختلاف في الرأي وجدل سياسي حول الأصلح والأفضل والأكثر فائدة للناس، وليست العراك على الغنائم والمصالح الحزبية للكتل السياسية.

لو كانت الناس تعرف إن العملية السياسية تعني سياسة تقسيم الحصص والغنائم ما بين الأحزاب والكتل الانتخابية، لما ذهبت إلى صناديق الاقتراع مغامرة بحياتها متحدية الإرهاب.

الديمقراطية ليست هذه حصتي وتلك حصتك وهذه مناصبي وتلك هي مناصبك، أنها تعني البحث عن أنجع وأفضل السبل في القضاء على البطالة والارتفاع بالمستوى العلمي والثقافي والأدبي والفني والمعيشي للناس ذكورا وإناث، وتعني حفظ حصة الناس في ثروات وطنهم وإقامة مشاريع لتشغيل العاطلين وليس تأسيس وزارة الأربع والأربعين حرامي.

ووزارة الأربع والأربعين، أم الوزارات الفاشلة، هي من إنتاج وإخراج وتصميم الكتل المتخاصمة المتلاطمة في لعبة ما يسمى بسحب الثقة.

فهل يمكن للذي فرّط بثروات البلد وتجاهل اعتراض الناس وأستهزأ بمشاعرهم وأسس أربع وأربعين وزارة نصفها بدون حقيبة، لشراء الرضا بامتيازات ونثريات ومصاريف ورواتب السيد الوزير وضمان تشغيل حاشيته وأقاربه وحمايته وعشيرته بمناصب وهمية وتشريفية؟

هل يمكن إن تكون هذه الكتل المتخاصمة حريصة على مصالح الناس وعلى الديمقراطية وتثبيت مبادئها التي من أولها الشفافية، بينما ولحد الآن لم تقدم كتلة على إعلان عما اتفقوا عليه سرا في اتفاقية اربيل؟

لقد بلغ الاستخفاف بالناس حدا فاق الوصف، فعندما ناقش البرلمان اقتراح إلغاء بعض الوزارات الوهمية المسماة مجازا بوزارات الدولة، احتج البعض بشدة وطالب بقوة بان الإلغاء يجب إن يكون وفق معيار التوازن الوطني ووفق معادلات المحاصصة. ولك إن تحكم إي ميزان سيختل توازنه إن تم إلغاء وزارات نهب المال العام. انه ميزان الفساد الذي يحرصون على ابقاء كفتاه متزنتان.

إن ذلك يعني إن لنا الحق بان نضر بالقدر الذي يحق فيه للآخر إن يضر. لقد أصبح هذا المبدأ معمولا به في جزئيات عمل الدولة. فالنهب والسلب والضرر كلها يجب أن تجري وفق معيار التوازن الوطني للفساد العام.

السيد نوري المالكي ورهطه ومعارضوه ، كلهم كانوا من ضمن فريق تصميم وزارة أربع وأربعين حرامي، بصموا ووقعوا وحلفوا إن يظل أمرهم سرا بينهم، وان ينفذوا ما اتفقوا عليه خلسة، ولحد هذه اللحظة بقى سر اتفاقية اربيل قيد الكتمان، لم يفشيه احد، لا المالكي ولا خصوم المالكي، هناك تلميحات تحاول الغمز واللمز لكنها تبقى دون جرأة فضح السر. منها اتهام المالكي بأنه قد وقع على اتفاقيات ثنائية مع التحالف الكوردستاني.

وعندما كثر اللغط حول اتفاقية اربيل، نشرت صحيفة المدى وموقع الفرات التابع للمجلس الإسلامي الأعلى قصاصة تتضمن مبادئ في غاية العمومية حتى المجانين لا تختلف حولها قيل أنها هي اتفاقية اربيل!!

فهل الناس بهذه السذاجة لتصدق إن كل هذه المعارك والمشاحنات هي حول تطبيق نقاط في غاية العمومية والتي لا يمكن الاختلاف عليها؟

رغم إن نوري المالكي كان قطبا حاسما من أقطاب اتفاقية اربيل، ورغم انه وافق وبصم بالعشرة على تنفيذ جميع بنودها السرية والعلنية، فقد كان همه ولا يزال الاحتفاظ بالكرسي، لكنه على ما يبدو لم يكن مقتنعا، فوّقع على مضض وضمر لهم نية التنكر وفك الارتباط، كالزواج بنية الطلاق، فتنصل لما اتفقوا عليه سرا، وِأًول بنود الاتفاقية مثلما يؤول المفسرون بعض آيات القرآن وفق هواهم وحسب ما تقتضيه مصالحهم.

أي غدر بهم فكان عليهم ان يتنصلوا هم أيضا من الاتفاقية التي أصبح نوري المالكي بموجبها رئيسا للوزراء. لذلك قرروا جر إذنه ديمقراطيا

سحب الثقة هو أسلوب ديمقراطي، ليس بثورة ولا انقلاب، لا يستدعي الزعل والعداوات الشخصية وتجنب المصافحات كما فعل رئيس البرلمان العراقي النجيفي مع المالكي بل وحتى أستثناه من التحية في كلمته بذكرى تأبين السيد باقر الحكيم.

سحب الثقة لا يتطلب أيضا التهديد والتخوين، ولا خلط السياسة بالدين، ولا تدخل السياسيين بالقضاء، فيصبح الإرهابي بريئا و مظلوما ويجب إن يطلق سراحه حتى قبل إن يحاكم.
إن هذه التدخلات تعني إلغاء القانون والقضاء والتأسيس لدكتاتورية الزعماء.

سحب الثقة معمولا به في كل الدول الديمقراطية، قد تنجح المحاولة وقد تفشل ، مع فارق كبير بيننا وبين البلدان الديمقراطية الحقيقية، فهناك، وقبل سحب الثقة تُعلن الأسباب والاتهامات الموجبة، ليس مجرد اتهامات عامة، بل حقائق وتصرفات ملموسة، قد تتعارض مع الديمقراطية وتنتقص من حقوق الإنسان وتفرّط بثروات ومصالح الوطن او تتخطى القانون او تسئ استخدام السلطة. فالاتهامات العامة غير المسببة يعاقب عليها القانون.

سحب الثقة يعني إسقاط الحكومة، لكن المعارضون لا يريدون إسقاط الحكومة لأنهم فيها، ولأنهم من شكلها، ولأنهم يتحملون فشلها، ولأنهم لا يريدون التفريط بالمناصب التي حصلوا عليها، فمن يضمن ان القادم لن يكون اشد مرارة من المالكي نفسهَ!!

يبدو ان الصراع بين المعسكرين سيبقى على الأمد القريب، على الأقل دون حسم، ليس لتكافؤ القوى والكتل المتصارعة، بل لمخافة ما يفرزه هذا الصراع من عواقب واصطفافات طائفية واجتماعية جديدة.

والأرجح إن الأمور ستجنح نحو تسوية تشترط العدول عن سحب الثقة من المالكي مقابل ضمان عدم ترشيحه لولاية أخرى في الانتخابات القادمة، هو ورئيس الجمهورية جلال الطلباني ورئيس البرلمان أسامة النجيفي.







 

 

free web counter