| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

                                                                                    الأربعاء 2/11/ 2011



المالكي وأزمة الأقاليم

مالوم ابو رغيف

شنت الحكومة العراقية حملة اعتقالات واسعة شملت أكثر من 600 شخص اتهمتهم بالضلوع والاشتراك بمخطط ونشاط تآمري يهدفان إلى إسقاط نظام الحكم الحالي واعادة حكم البعث البغيض.

ومع إن عدد المقبوض عليهم كبير وملفت للنظر، ويبدو وكأنه اعتقال جماعي، إلا إن الأحزاب المشتركة بالعملية السياسة أو التي خارجها، عدا القائمة العراقية، تجاهلته كما تجاهلته الناس عدا سكنه محافظات الأغلبية السنية إذ خرجت مسيرات ضد الحكومة وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين على الفور.

لكن بقية المحافظات فضلت السكوت أو اكتفت بالتعليقات القصيرة التي لا تغني ولا تسمن، فلا احد يود الدفاع عن ألبعثيين لماضيهم الإجرامي الأسود وتعاونهم مع الإرهاب القادم من سوريا الذي فتك بالعراقيين فقتل وجرح وأعاق آلاف من الأبرياء الذين ذنبهم الوحيد أنهم عراقيون.

وعدا تهمة النشاط التآمري المنسوب إلى المعتقلين، لم تعط الحكومة أي تفاصيل أخرى عن طبيعة هذا النشاط التآمري وعن كيفية اكتشافه ولا عن مصادر تنفيذه ولا عن القوى والدول الداعمة والحاضنة له ولا عن طبيعة تمويله وارتباطه بالشبكات الإرهابية.

الترجيح الشائع هو إن محمد جبريل عضو المجلس الانتقالي الليبي قد جاء إلى العراق حاملا معه قوائم بأسماء ألبعثيين المـتآمرين المدعومين من ألقذافي لإسقاط نظام الحكم العراقي، عُثر على هذه القوائم كما تقول الرواية في مقرات الاستخبارات الليبية بعد سقوط طرابلس.

إذا صحت هذه النظرية فان محمد جبريل لم يترك ليبيا وهي في هذا الوضع الحرج ويأتي إلى العراق مسرعا ليطلع المالكي على أسماء البعثيين لله في الله وحبا في المالكي وحكومته دون ثمن ولا مقابل.

فما هو الثمن الذي دفعته الحكومة العراقية نضير قائمة الأسماء التي جلبها جبريل معه خاصة وان ليبيا تحتاج إلى أموال طائلة لإعادة الأعمار بعد الخراب الذي لحق بها؟

لم يعقب هذا الاعتقال الجماعي أي عملية إلقاء قبض على أي سياسي كبير أو حتى صغير له دور ملحوظ في العملية السياسية وله ضلع في هذا التآمر، مع إن قسم كبير من كوادر حزب الدعوة الحاكم أشاروا إلى مثل هذا الارتباط لكنهم مثل ما جرت عليه عادة السياسيين العراقيين ومن دون استثناء تجنبوا ذكر الأسماء وابتعدوا حتى عن التلميحات.

العراقيون رغم كل ما يمر بهم من نكبات وكوارث لا احد يخبرهم باسم متآمر ولا يكشف لهم مخطط ولا عنوان عدو ولا باسم دولة تصدر الإرهاب وكأنهم ضحية أشباح ، فالأشباح هي التي تقتلهم وتفجر وزاراتهم وتنهب ثرواتهم وتسرق نفطهم وتهرب الإرهابيين من السجون وتحرق أقسام الوثائق والمستندات وتحتل الأراضي وتهدم بيوتهم على رؤوسهم وتستورد المنتهي الصلاحية من الأدوية والأغذية.

حكومة المالكي كانت ولا زالت لا تقيم للشعب العراقي أي اعتبار أو وزن، فآخر ما تفكر به هو إن يكون الشعب على معرفة ودراية واطلاع أكان بما يخص ثرواته أو أوجه صرف وإنفاق المال العام أو ما يخص المؤامرات التي تحاك ضده وتستهدف حياته وممتلكاته.

الذي زاد الطين بلة هو إن هذه الاعتقالات أعقبت ما أثاره فصل وزير التعليم العالي والبحث العلمي للعديد من الكوادر التعليمية من جامعة تكريت المشمولين بقانون المساءلة والعدالة. وعلى ما يبدو إن لا المالكي ولا رعيل مستشاريه توقعوا طبيعة رد الفعل المضاد.

هذه المرة لم تفجر سيارات مفخخة ولا عبوات ناسفة ولم يجرد المتحمسون السيوف من اغمادها وينشدوا { يا ويل إلي ايعادينا يا ويلهم ياويل} كما فعلوا اثر جريمة النخيب، إنما التجأوا إلى رد استند على الدستور الذي كان المالكي واحد من الذين شاركوا بكتابته. فقد صوت مجلس محافظة صلاح الدين بأغلبية 20 صوتا وبتغيب قسم قليل من الأعضاء منهم ثلاثة من الشيعة وخمسة في السعودية لأداء فريضة الحج، صوت على إعلان محافظة صلاح الدين إقليما فدراليا.

أبدى السيد المالكي امتعاضا ارتسم على وجه عبوسا وعدم ارتياح واشتملت كلماته على اتهامات تزيد عمق الفجوة وتبعد جرفي التوافق وتنسب اليهم محاولة حماية ألبعثيين والعمل على تقسيم العراق وان لا المكان ولا الزمان مناسبين للفدرالية الموجودة في الدستور والذي يجب تغييره.

اختار السيد نوري المالكي وكوادر حزب الدعوة إسلوب المواجهة بدلا من اسلوب التصالح والمساومة، فاخطأوا التقدير ولم يتوقعوا بان سلطة المركز المفروضة بالأمر الواقع لا تفيد بشيء إذا ما احتكم للقانون وللدستور، وان نقطة الزيت على القماش يمكن إن تتسع لتشمل محافظات أخرى.

وحدث ما نغص صفو بال السيد رئيس الوزراء وما جعل أيامه مليئة بكوابيس الواقع، إذ أعلنت الأنبار ونينوى وديالى هي الأخرى عن نيتها بإنشاء الأقاليم الفدرالية إذا لم يُستجب إلى مطالبها بإلغاء أوامر السيد الأديب وإطلاق سراح المعتقلين وعدم تسفير أي معتقل إلى بغداد.

اتسع الخرق على الراقع ولم يعد سهلا معالجة الأمر دون تنازل سيفقد فيه رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ماء وجهه. السيد المالكي لا يجيد الدبلوماسية ولا التكتيك السياسي الذي يتطلبه المنصب، فمن طبعه العناد والتعنت حتى لو كان ذلك مجافيا للقانون والدستور بينما المرحلة تتطلب الالتزام والتقيد بالقانون والدستور وإبداء الكثير من المرونة والالتجاء إلى المساومات والتنازلات وتغليب مصلحة الوطن على مصلحة الحزب أو الانتماء الطائفي.

لكن هل يوجد حل آخر غير حل إنشاء الأقاليم الإدارية أو إنشاء الفدراليات لفض التصادمات الطائفية الناجمة عن سياسة الأحزاب الإسلامية والمرجعيات الدينية المهيمنة على السلطة والتي تبذل كل جهدها في نشر الثقافة المذهبية وجعل التفكير الديني أساسا للتربية والتعليم؟

إن ذلك، ومهما حسنت النيات، سينتج صراعا مذهبيا وطائفيا بين المكونات العراقية خاصة وان الصراع السياسي المتخذ شكلا طائفيا هو الغالب في المنطقة وعلى أشده بين إيران والسعودية.

إن من يريد عراقا قويا مزدهرا متعاضدا عليه إن ينصب خيمة الوطنية ويهدم خيمة الدين فخيمة الدين لم تجمع قوما في يوم من الأيام وعلى مر العصور.



 

 

free web counter