نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الأحد 2 /7/ 2006

 

 


مصالحة ام هدنة مؤقته

 

مالوم ابو رغيف

تحاول الحكومة العراقية ايجاد مخرج للتناقض الحاد الذي وجدت فيه نفسها. فكل شئ مبني على التوافق، والتوافق من حيث التطبيقات السياسية المعمول بها ليس سوى تعبير اخر عن المحاصصة الطائفية بشكل دبلوماسي. لذلك ومهما كانت حدة اعتراضات اعضاء مجلس النواب فانها لا تعني شيئا، بل ان البرلمان نفسه لا يعني شيئا، فكل شئ يُحل بالتراضي وباتفاق قادة الكتل الذين يدعون تمثيل طوائفهم. مبعث التناقض هو ما بين وعود الحكومة للناس بالقضاء على الارهاب وعلى بواعثه ومسبباته وفكره وحاضناته وبؤره وبين اسلوب التوافق الذي يتطلب السير وفق خط سياسي غير متعرج لا يقتضي اغضاب الاخر مع الحرص الشديد على استثنائهم عند اتخاذ القرارات التي هي بدورها سوف تكون ضد بعض من الاديولوجيه الدينية والفقهية والسياسية لهذا الطرف او ذاك. فكيف لنا الاعتقاد بان عملية المصالحة ستكون ناجحة دون مساومة كبرى، دون تنازل شامل يتخذ من اسلوب عفى الله عما سلف شعارا والعمل وفق نظام الرضوخ واغماض العيون عن كل جرائم الماضي والحاضر.؟

لو ان العنف ليس الوسيلة المفضلة للوصول الى تحقيق الاطماع المعبر عنها بالشراكة، لو ان الارهاب لا تبرره المقاومة، لو ان الاختلافات سياسية فقط وليس دينية وطائفية، لو ان الدين لم يكن هو اساس بناء الدولة الجديدة، الدولة التي لن يكتمل بنائها مادام اساسها منخورا، لهان الامر ولكان حتى لسياسة التوافق معنى وهدف ولاستطاع السياسيون واحزابهم تقليل الخلافات والوصول الى حل للمشاكل العالقة. لكن مشكلة الدين، هي من اصعب المشاكل على الحل خاصة عندما يلبس الطامعون ثياب الوعظ والارشاد وينوبون عن الله في كل صغيرة وكبيرة.

لا تقع كل المشكلة على كاهل طرف واحد فقط، وان كان معظم جذورها مغروسة في تربته، فهذا الطرف كان جزء من النظام المنهار ومؤسسته الدينية.

المشكلة هي ان جميع الاطراف الدينية سنية وشيعية لها نفس الاهداف والاطماع، جعل المذهب ( الدين) المعين اساسا ومعيارا للاخلاص للوطن والناس والسيطرة من خلاله على عقول الناس وعواطفهم الملتهبة، والجنوح الى ربط الدولة بالدين وليس الدين بالدولة، فليس من وطني من لم يكن من مذهب معين وليس محلا للثقة من كان مختلفا في تفكيره او اعتقاده حتى لو كان بلا دين او لا يحبذ تدين السياسية وتمذهبها.

هذه هي المشكلة المعقدة التي لا تحلها مصالحة ولا مسامحة ولا عفى الله عما سلف، فالمشكلة تولد من جديد، عند اي مفترق طرق،وما اكثر المفترقات، فالمذاهب خطوط متوازية لا تلتقي في حلال ولا في حرام مهما حاول البعض تجميل الصورة وجعل المسلمين اخوة بينما العداوة ضاربة اطنابها في قلوبهم منذ مئات السنين.

لو لم يتدخل الدين في البناء السياسي للدولة، لكان من السهل القضاء على الارهاب مهما اختلفت الوانه وبواعثه، ولما طالب احد بالتسامح مع مجرمي البعث، ولما كان الشعور الطائفي هو الغالب والسائد في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الطائفية هي الابن الشرعي للدين، ابنا لا يمكن اجهاضه ولا التنكر له، المتدينون السياسيون طائفيون بطبيعتهم، من دون استثناء، مهما كانت ديناتهم، مسيحيون او يهود او هندوس او مسلمين. فكيف تجري مصالحة ضمن التفكير الطائفي نفسه.؟

وكيف يمكن التغلب على المشاكل والصعوبات المتولدة من الممارسات والتثقيفات والتطبيقات الدينية اذا كان طرفا اخر يمارس سياسته المذهبية ويعتبر جزء من هذه الطقوس خروج عن الدين.؟

لو تمت المصالحة، فانها سوف لن تكون دائمة، ستكون وقتية، عابرة، هدنة ليس الا، مكفولة ببقاء القوات الاجنبية، فان هي غادرت ذهبت الهدنة وان لم تغادر يبقى شعار المقاومة تبريرا للارهاب والاجرام.

المضحك ان الحكومة تريد التصالح لكنها لا تعرف مع من تتصالح. فلا اسماء شخصيات، ولا منظمات، ولا احزاب، ولا مرجعيات دينية او سياسية، ولا مجاميع مسلحة، مع انها تجري حوار معهم، فهل تخشى عليهم من الناس ام انها تخشى على الناس منهم.؟

ولماذا يكون الشعب اخر من يعلم كالزوج المخدوع بعفة زوجته بينما تتناولها كل الالسن.؟

او انها تخشى من الافصاح عن الذين تنوى التصالح معهم، اما خوفا من الانفضاح، بسبب وحشية او بعثية او تاريخ اسود للذين تحاورهم او خشية ان الطرف الاخر سوف يرفض مشروعها فلا تجد ما تفعله غير البقاء في المنطقة الخضراء.