| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الخميس 28 /12/ 2006

 

 

السياسة الامريكية والمسلسلات المصرية والمشهد العراقي

 

مالوم ابو رغيف

تبدأ المسلسلات المصرية مثيرة، مليئة بالحوادث والمواقف والتعقيدات. في ختام كل حلقة من المسلسل المصري متعدد الفصول، يوضع المشاهد في اثارة وترقب تدفعانه الى مشاهدة الحلقة التالية ليرى كيف ستحل المشكلة . لكنه يفاجأ بأن المخرج لا يعطي حلا، انما يصنع مشكلة اخرى تأخذ بلب وقلب المشاهد تجعله مشدودا متحمسا لرؤية عبقرية المخرج والمؤلف بحل كل هذه المشاكل والحوادث والمواقف. حتى والمسلسل يقترب من حلقاته الاخيرة لا يبدو اي تلميح ولا تمهيد لرؤية المخرج وطريقته في حل المشاكل والعقد.

في الحلقة الاخيرة، يبدو المخرج على عجلة من امره، ربما بسبب التمويل، ربما بسبب ارتباطاته وارتباط الممثلين بأعمال وتعهدات اخرى وربما بسبب مقص الرقيب، يسارع المخرج الى حل بعض المشاكل بصورة ارتجالية حمقاء بلهاء تجعل المشاهد نادما على ما ضيعه من وقت في الانشداد الى شاشة التلفزيون والاندماج في احداث مهزلة ان رجع الى حلقاتها الاولى سيجد ان بدايتها مثل نهايتها ساذجة مخيبة لجميع التوقعات، فالحمقى لا يمكن ان يحلون المشاكل والعقد الا بصورة حمقاء.

عندما اسقط الامريكيون نظام البعث الهمجي الارعن ، كان الحديث يدور عن الديمقراطية والحرية ودولة حقوق الانسان والتداول السلمي للسلطة واعادة اعمار ما خربه البعث وما دمرته حروبه الهمجية، كان الحديث يدور حول جعل العراق اشراقة للخير وينبوعا للديمقراطية يسقي بمياهه العذبة ليس اهل العراق فقط انما كل البلدان المحيطة.

لكن البداية كانت غير مشجعة، ليس بسبب حماقة المخرج الامريكي كونه لم يكن متهيأ ولم يدرس المشهد العراقي بشكل كاف ولم يطلع على خصوصياته، بل بسبب الممثلين الفاشلين الذين ما كان يهمهم اجادة الدور بقدر ما كان جل اهتمامهم مركزا على ملئ جيوبهم وحساباتهم بالاموال وتشغيل عوائلهم واقرابهم وعشائرهم في جوقات الكومبارس الحكومي والسياسي.

لم يتحقق شئ غير حرية الفوضى المنفلته، لم تتحق ديمقراطية غير ديمقراطية تشكيل الجيوش والعصابات وفرق الاختطاف ومجاميع اللصوصية والحرمنة. لم يكن الارهاب وحده هو المسؤول عن ما وصلنا اليه الان، وان كان له دور اساسي، لكن الاداء السيئ ، الافكار العقيمة بتأسيس دولة اسلامية، صعود اهل الدين وتراجع اهل السياسة، الاحلام غير الشرعية بتحويل العراق بشوارعه بأحيائه بمحافظاته بأنهاره بحدائقة بكل معاهده وجامعاته، بإعلامه وبمعاهد العلم والمعرفة الى معبد ديني، الى مسجد كبير لا يسمع فيه سوى صوت الاذان وقراءة القرآن وتسيير مواكب الاحزان وهمهمات رجال الدين. حتى الانتخابات، التي هي منتج حضاري انساني النزعة والصنع وليس رسالة للانبياء ولا القديسين، تحولت الى انتخابات دينية بشعارات دينية بأهداف دينية بيافطات وصور دينية .

لم يرد المخرج الامريكي اخراج فلم او مسرحية دينية وان استعان بممثلين متدينين واعتمد عليهم بتمثيل دور مدني حضاري يلغي الاعتماد الكلي على الله وعلى ظهور المخلص ويعتمد على الانسان بوصفه قيمة بحد ذاته وليس ذات تقل او تزداد قيمتها بقدر الانصياع وتنفيذ اوامر فتاوى رجال الدين المسيسيين.

لكن الرياح تجري لا بما تشتهي السفن ولا وفق ما يشتهي المخرج.

لم يلتزم الممثلون بتوجيهات المخرج، بل لاموه على تقصيره وعلى تقاعسه واهماله واخطائه وعثراته، كانوا الى حد ما محقين في ذلك، لكن ان ينسبوا اليه كل اخفاقاتهم، كل تخاصمهم على الظفر بدور البطولة، كل زلاتهم وعثراتهم، كل اهمالهم وتقاعسهم، كل عراكهم على احتلال البيوت والقصور ومخلفات النظام وجلاوزته، فهذا الاجحاف بعينه والكذب الفاضح.

فهم ليس لم يلتزموا بما عاهدوا، الله، الشعب و الامريكان عليه فحسب، بل لم يلتزموا بما تعاهدوا هم عليه في مؤتمراتهم التي عُقدت قبل سقوط النظام الهمجي، ولم يحترموا كلمتهم ولا قسمهم. وبدلا من الاكتفاء بدور البطولة او الادوار الرئيسة في داخل المشهد العراقي، راحوا يبحثون عن البطولة في الخارج، عند العرب وعند الدول الاسلامية الاخرى، فمن تولى منهم، قضى مدة ولايته في الخارج يبحث عن سند خارجي، عن دفع خارجي، عن دور خارجي، وتركوا كل هذه الملايين من مشاهدينهم ومشجعينهم ، من الذين صدقوا وعودهم وعهودهم و دفعوا دماء وحياة ليصعدونهم الى القمة، وحين صعدوا، تنكروا لمن اصعدوهم وابقوهم في الحضيض.

وها هو مخرجنا الهمام، بعد مراجعته للمشهد العرقي، ولربما لبهاضة التكلفة وضعف التمويل، او لخيبة امله بالممثلين، اوصلاه الى رأي يشبه القناعة بأن المسلسل وان طال سوف لن ينتهي الا الى ما يراه ونراه اليوم من واقع بشع. لذلك سارع بلغمطة الحلول وجعل الابطال الاشاوس يطلبون الصلح والتصالح، يبحثون عن الاستقرار لا عن الازدهار، عن الامان لا عن الحرية والديمقراطية، عن حقوق النخب لا عن حقوق الشعب.

وعلى عكس المسلسلات المصرية التي تبدأ في العادة بمأساة وتختتم بنهاية سعيدة، ابتدأ المسلسل العراقي بخروج الجماهير الشعبية وهي تعرب عن فرحتها واملها بالمستقبل الواعد السعيد وتشارك بتحطيم رموز البعث وجلاوزته لينتهي الى خنق الفرحة، ووأد الامل، ووداع الاحلام الوردية وليعود ازلام البعث مرة اخرى وهم اصحاب الفضل بالرجوع حتى وان وضعوا العصي بعجلة العملية السياسية، وعلى اية حال هي واقفة لا تتحرك بعصي او من دون عصي.

واذا كنا اعتدنا على رؤية نفس الممثل المصري في مسلسل اخر بأدوارمختلفة، فها نحن نرى نفس وجوه السياسيين الاسلاميين العراقيين يتبادلون الادوار في المناصب والوزارات وكأن العراق لم ينجب عباقرة غيرهم.