موقع الناس     http://al-nnas.com/

الفدرالية بين الرافض والمطالب


مالوم ابو رغيف

الخميس 28/9/ 2006

الفدرالية، يفسرها البعض انها اتحاد، واخر يذهب الى الطرف النقيض ليقول انها تجزيئ وتقسيم. وهي لا هذا ولا ذاك. هي نظام للحكم ، لا اكثر ولا اقل. مثل ما تتوزع السلطة في النظم الديمقراطية لكي لا تكون بيد واحد، غالبا ما تكون يد دكتاتور همجي ارعن، توزع الفدرالية سلطة المركز على عدة مراكز للحكم، لكي لا يتكون برلمان للحظوة، برلمان للذي يعانون من التخمة ومن داء البطنة، ولكي يكون للديمقراطية معنى تطبيقي فعلي . حتى يمكن القول ان اي ديمقراطية من دون فدرالية هي ديمقراطية منتقصة.

الذي يلفت النظر في النقاشات الحادة حول الفدرالية ، هي ان من يرفضها ويشجبها ويعتبرها عملية من اجل تقسيم العراق وتفتيته واضعافه، ويُنظر ضدها، يعطي اسبابا لضرورة قيامها وانشاءها، ليس فقط لانه يغالط المنطق ، بل لان الاحداث المفجعة الكارثية التي حلت بالعراق ما بعد اسقاط النظام الهمجي على يد ما سمي بالمقاومة، كانت احد الاسباب التي جعلت المطالبة بها لكل العراق امر لا يمكن التنصل منه.

فالارهاب انطلق من نفس المناطق التي ترفض الفدرالية ، والارهابيين والعبثيين والصداميين والبهائم المفخخة يترعون بنفس المراعي الاسلامية التي ترفض الفدرالية، والامارات الطلبانية قامت بنفس المدن التي ترفض الفدرالية ، وتكفير الشيعة وتخوين الكورد وتحليل دماء المسيحيين والايزديين والمندائيين وبقية الاديان يفتى بها من نفس الجوامع والمشايخ التي ترفض الفدرالية. وصور صدام وشعاراته ترفع وتلصق في نفس المناطق التي ترفض الفدرالية ، ودعوات اطلاق سراح الرئيس البائس المجرم صدام هي من نفس التجمعات والعشائر والمنظمات التي ترفض الفدرالية. هذه المناطق، الطرق فيها مغلقة، الاعمال فيها معلقة، لا يتجرأ عراقي، من لا تؤهله هويته القومية او الدينية على السكن او العمل او المرور عبرها، تكتلاتها وسياسيوها الذين التحقوا بالعملية السياسية لا زالوا يؤكدون على المقاومة وشرفها رغم عهرها وسقوطها، على بطولتها وتصديها للمحتل واعوانه رغم جبنها وخستها، يؤيدون برنامجها ويرفعون شعاراتها، يرتبطون بها، تؤثرعليهم لا يؤثرون عليها. يتهمون من يفضحها بالعمالة والخيانة والتآمر على العراق وعلى وحدته. فهل يعتقد الرافضون للفدرالية، بأن بقية الشعب العراقي، وهو يرى اعمالهم ويقرأ شعاراتهم ويسمع طروحاتهم وثنائهم على المقاومة الارهابية، لا يعتريه الخوف ، لا تسكنه الهواجس، ولا يستبد به القلق بأن رفضهم للفدرالية وكلاهم عن الوحدة العراقية ما هو الا كلام باطل مخادع ، وحرص مصطنع ، ووطنية مشوهه ، واخلاص منافق. وانهم يعدون العدة ويمهدون الطريق لعودة البعث من جديد؟!!

من يريد وحدة العراق عليه ان يقدم شيئا لهذه الوحدة ، من يحرص على شعب العراق عليه ان لا يولول ولا يعلول ويقوم الدنيا ولا يقعدها صراخا وتهديدا على طائفة واحدة ويتناسى المجاز التي تقام للناس في كل مكان . عليه ان يُري الناس افعاله واعماله ومحاربته للارهاب لا السكوت عنه والمداراة عليه والتنظير له واسباغ الشرعية والوطنية عليه ، ان لا يكون لسان حاله ولا يتبنى افكاره ويطرحها بالبرلمان ، كما تفعل التكتلات الرافضة للفدرالية ، ان يدين عمليات التهجر التي تمت تحت سمعه وبصره ، وان لا يسخر صحفه ولا فضائياته ولا اذاعاته للدعاية المضادة للشعب ورغبته بالتخلص والانعتاق من اثار صدام ومن اثار نظامه البغيض . عليه ان يساعد القانون في القاء القبض علي المجرمين والذباحين لا ان يطالب باطلاق سراح كل وغد وجزار ومغتصب بحجة البراءة من دم يوسف.

عليه ان يعترف ان التخلص من صدام حتى لو كان على يد ابليس ، كان عملا من اجل ان يتحرر العراق من ظلم ابشع دكتاتورية همجية عاشها بلد في القرن العشرين الى يوم سقوطها في القرن والواحد والعشرين.

من يسمع هؤلاء لا يفكر بالفدرالية فقط ، بل بالانفصال عنهم وعن طروحاتهم ، وله حق ان يفكر بذلك، فليس من مسيح اخر غير المسيح عيسى ، وليس من خد تصفع ولا يرفع صاحبها يده بالرد، وليس من بيت يضرم فيه النار ولا يفكر ساكنه بتحصينه.

لكن اذا كان هؤلاء الذين يخلطون الحق بالباطل ، يضعون اساسا موجبا لقيام الفدرالية ، فأن من ينادي بفدرالية الوسط والجنوب لا يعطي مبررا ولا دافعا لقيامها، بل على العكس يبعث التوجس والشك والخوف من قيامها.

فالاحزاب الاسلامية التي تطالب وتعمل جاهدة ليل نهار من اجل تأسيس الفدرالية ، هي نفس القوى التي تصادر اسم الله وتحكم بأسمه بحكم الشريعة التي لم يأمر بها الله بل من ادعى تمثيله وكان ظله على الارض، حكم لا يعني سوى السوط والكرباج والتنكيل والتعزير واضطهاد النساء ومحاربة اي تقدم اجتماعي بحجة البدعة والخروج عن حكم الاسلام ، هي نفسها التي تود نشر تعليمات الولي الفقيه وتقول بأولية الدين على الانسان، هي نفسها التي تعمل على ان يكون كل شئ محاط بغلاف ديني ، هي من يدعوا الى اسلمة الشعر والموسيقى والفنون ، هي نفسها التي تؤمن بأن الشطرنج حرام والغناء حرام والرقص حرام والتمثيل حرام والسجائر حرام والمشروب حرام والسينما حرام والسفور حرام. هي نفسها التي كانت تعادي الديمقراطية ولم تكتبها يوما في ادبياتها اثناء سنوات حكم صدام الطويلة الثقيلة، لانها بدعة اوربية، وعمل معادي لروح الاسلام ، هي نفسها التي تعتقد ان اي فكر غير الفكر الاسلامي هو بدعة من عمل الشيطان وباعث على الرجس والعقوق، هي نفسها التي لم تبن بيتا، ولم تساعد محتاجا، ولم تهب لنجدة متضررا، ولم تعين عاطلا عن العمل ، ولم تنصف مهجرا. هي نفسها التي تخاطر بحياة الاف الناس غير ابهة بالقنابل والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والسيوف المشرعة ، الا لكي تثبت مقدرتها للتحكم بالناس ومشاعرهم من اجل مصلحة سياسية ، هي نفسها التي اغلقت محلات بيع الاقراص الليزرية ، وطاردت بائعي الخمور، وحجبت النساء. هي من افتى بأن الصلاة بأرض مغتصبة حرام واصطفت مع شيوخ العشائر والاقطاعين ضد الفلاحين ، هي نفسها من لم يُذكر لها عملا في ايام الملكية والاقطاع البغيض لصالح البسطاء من الناس ، هي نفسها التي تآمرت على ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة واصطفت مع البعثيين والمصريين وكل الحاقدين للاطاحة بالزعيم شهيد الشعب عبد الكريم قاسم . هي نفسها التي لا تتردد من عقد الصفقات مع كل من يضمن لها ربحا وفيرا وحياة رغيدة واملاكا وخدما وحشما.

فأي فدرالية ستكون غير فدرالية الاحزان والغم والهموم.؟

واي حياة ستكون في ظل فدرالية يحكمها رجال الدين الذين يعتقدون بأن حياة الانسان ليس لها معنى ان لم يكرسها لاطاعة رجال الدين ويطبق فتاويهم ولا يجادلهم في مسألة سياسية ولا اجتماعية ولا يعصي لهم امرا.

انها ستكون فدرالية اسوء من فترات محاكم التفتيش..

هل قدم هؤلاء الداعين الى انشاء الفدرالية الجنوبية المثل الحسن لاقامتها، هل اهتموا بحياة الناس ومعاناتهم ، وهم الحاكمون المتنفذون المالكون لاغلب المشاريع المشروعة وغير المشروعة ، الكانزين للذهب والفضة والاوراق النقدية.؟

هل اهتموا بالاطفال المتسكعة بالشوارع ، بالثكالى من النساء ، بالمهجريين ، بالمحتاجين بالمعوزين.؟ هل طالبوا بحق من غُبن، من قُتل، من ظُلم ، من هُجر، من طُمر.؟

هل بنوا مدرسة او معهدا او جامعة غير مدارس ومعاهد وجامعات تحفيظ القرآن وتخريج الرواديد والروزخونية.؟

ستكون فدرالية للحجاب والنقاب والعمامة والجلباب. وليس فدرالية ديمقراطية تعتمد على حقوق الانسان حسب القانون المتحضر، بل حسب ما يراها المعمون المهتمون بالحيض والنفاس والطلاق ، ومن تشغله تعريف العورات والرؤوس المكشوفة عن الآم الناس.

من يريد فدرالية للحفاظ على الانسان وعلى سعادته وحريته ، ان يقنع الشعب بذلك ، لا بالوعود والعهود المعسولة ، بل بالعمل الخلاق المثمر. ان لا يخلط الدين بالسياسة ، ولا يجني الثروات ويعاني من التخمة بينما الناس يفتك بها الجوع والحرمان ، ان لا يحيط به الحراس من كل الجهات بينما الناس لا يملكون حتى بيوتا لا تقيهم حر الشمس وبرد الشتاء ناهيك عن قنابل الهاون وصواريخ الكاتيوشا.

الفدرالية الدينية ما هي الا دكتاتورية مقنعة ، تبتعد عن اماكن الخطر والمنغصات حتى يخلى لها الجو فتمارس الحكم المطلق الابدي.

لماذا لم يقتدوا بتجربة كوردستان ويسيروا على منوالها ويبعدوا الدين عن السياسة ويتحكموا بالجامع والحسينيات ويتركوا صالونات السياسة ودهاليزها..؟

فأن كان الله ، كما يعظون الناس، لم يخلق الانس والجن الا ليعبدونه ، فلماذا يشغلون امرهم بالسياسة، ويلتهون عن عبادة الله بكل صغيرة وكبيرة ، بينما يأمرون الناس، ويغصبونهم على اطاعة اوامرهم بحجة عبادة الله واطاعة والياءه.؟

الشعب العراقي محاصر بين سكاكين الارهابيين واصدقائهم من التكتلات السنية السياسية وبين الاطماع الدينية.. فمتى ومن يفك هذا الحصار اللعين.؟!!

هذا الوضع المتناقض هو سبب مأساة العراق ومعاناته وسبب لتغلغل العناصر الاجنبية من عربية الى ايرانية في شؤون العراق الداخلية.

الحل هو في انشاء فدراليات علمانية ، ليس على اساس ديني .. بل على اساس قانوني ودستور علماني خالص يعترف بحق الانسان بتقرير المصير والعيش بحرية لا تنتقص من حريات الاخرين وتحترم قراراتهم وارادتهم وتطمئن احلامهم وتعبد الطريق الى مستقبل زاهر.