موقع الناس     http://al-nnas.com/

الثقة السياسية وحكومة الوحدة الوطنية

 

مالوم ابو رغيف

السبت 27 /5/ 2006

كقاعدة تعمل الحكومات وفق برنامج تتتفق عليه الاطراف المشاركة فيها من اجل تنفيذه والوفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها. فالبرنامج هو حجر الزاوية في البناء السياسي لاي حكومة. والمتبع ايضا ان في الحكومات الائتلافية او في حكومات الوحدة الوطنية، ان احزابها تشخص المتطلبات والضروريات التي يجب انجازها بعد الاتفاق على تعريف المرحلة السياسية التي يمر بها البلد. لا يمكن لاي حزب او تكتل سياسي ان يشترك بحكومة دون ان يسعى من اجل تحقيق بعض من اهدافه او بعض مما يسعى اليه والعمل على انهاء التناقضات التي يثيرها العمل السياسي الى حد يُمَكن هذا الأئتلاف الحاكم ان يستمر. الحكومات التي تشذ عن ذلك هي الحكومات الطائفية، فهذه لا تملك برنامج وطني، ولا اهداف تخص الجميع، ولا اتفاق مرحلي يجمع الاحزاب السياسية المتقاسمة للسلطة تحت خيمة مشتركة. فهي تتقاطع بالاهداف وبالشعارت وفي المنهج وفي البرنامج وفي الوطن.

الحكومة العراقية هي نموذج واضح لمثل هذه الحكومات، رغم ان اسمها حكومة الوحدة الوطنية. والحقيقة ليس لهذه الحكومة من الوطنية الا الاسم.

مصلحة العراقيين هي في التخلص من الارهاب والقضاء عليه وعلى ذرائعه وعلى شعارته واهدافه ورجاله و حاضناته ومموليه ومسانديه ومروجيه مهما كان المبرر، اكان تبريرا دينيا قدسيا او وصية نبوية او عشائرية او قومية او مقاومة. لكن ما نراه على ارض الواقع وما نسمع به من تصريحات، يثير الغرابة والدهشة. لاول مرة في العالم نشاهد ان نائب رئيس جمهورية يدعوا الى محاربة حكومته ويبرر لمن يحاربها ذلك، ويعتبر هذا العمل عملا مشروعا كفلته الشرائع والقوانين الدولية، ويبدي استعداده على ان يكون الناطق باسمها ان طلبت منه ذلك.

هذا النائب الذي لم توافق الاحزاب الاسلامية الشيعية على ترشيحه كرئيس للبرلمان بحجة انه طائفي ثم عادت ووافقت على ان يكون نائبا للرئيس وكأن المنصب يغير التوجه السياسي ( مهزلة من مهازل الاحزاب الاسلامية الشيعية المعتادة) هذا النائب بالوقت الذي يطالب ويؤيد ويدعو الى المقاومة، فانه يخوض مباحثات مع الامريكان لنيل المزيد من المكتسبات، ويتخاطب معهم بغزل وهيام، ويتبع خطاويهم، بل يمنحهم الثقة المطلقة، فهو يطلب ان لا تأتي قوة من الحرس الوطني او الشرطة الى منطقة الا اذا رافقها الامريكيون، فهم محلا للثقة، وديمقراطيون بالتعامل، ولا يضيع من يعتقلوه، وينسى ابو غريب وام غريب. وعندما خصه بوش بمكالمة عابرة بدى وكان الارض لم تعد تحمله، يكاد يطير من الفرح والبهجة فينتقل من فضائية الى فضائية ويرسم ابتسامة كاذبة على وجهه المتجهم المخادع ليزف الخبر والبشرى ان بوش قد اتصل به.

وبنفس الوقت الذي يطالب تكتل الاحزاب السنية بضرورة مرافقة الامريكيين للقوات العراقية عند الدخول الى معاقلهم الموبؤة، فانهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها ويصدرون البيانات والمنشورات والمناشدات ان شنت القوات الامريكية حملات ضد الارهابيين في الرمادي او في الضلوعية او حديثة او القائم الى اخر المناطق التي بيض وفرخ فيها الارهاب. لكنهم يلزمون الصمت ولا يتحرك لهم لا حاجب ولا شعرة رأس عدنما يرتكب الارهابيون المقاومون جرائمهم اليومية. وبدلا عن ادانة الارهاب والتثقيف بضرورة التصدي له، نرى عدنان الدليمي يصرخ من على شاشة التلفاز باعلى صوته، مهتزا، مرتعشا كانه تعرض الى هزة ارضية او اخذته صعقة كهربائية، فيعيد اسطوانته الطائفية عن السنة واهلها. لا اعتراض لكنه يتغافل كليا عن المجازر اليومي التي تقام لبقية الشعب. هذا هو خطابه الذي عرفته الناس بعد سقوط صدام الذي لم يذكره بسوء لا هو ولا طارق الهاشمي.

ولا نعرف كيف يريد الدليمي والهاشمي ولفيفهما وتكتلهما ان ينهوا ويقضوا على الارهاب ان كان زرقاويا او بعثيا او طائفيا وهم

ضد الحملات الامريكية لمحاربته

ضد القوات العراقية ان داهمت اوكاره

ضد الحملات الاعلامية ان فضحت جرائمه

ضد اي جهد او عمل وطني لا يعترف بما يسمى بالمقاومة رغم ارهابيتها ودمويتها وارتباطاتها بالبعث وبالدول الخارجية.

اما التكتل الشيعي، فهؤلاء وبعد ان استولوا على السلطة وذاقوا حلاوتها وسكنوا في قصور صدام واستحوذوا على متنزهاته وتحكموا في مناطقهم، وازادوا غنى وسمنة، نسوا مظلومية كانوا يتباكون عليها، وتخلوا عن شعبا كان يذبح ويدفن وظل في عهدهم يذبح ولا يدفن. فشكلوا مليشيات تطارده وتضطهده وتجبر نساءه على الجلوس في البيوت. ان كان صدام قد قتل الاجساد فهؤلاء قد قتلوا الحلم والامل في قلوب الاحياء. هؤلاء لا يملكون برنامج سياسي غير البكائيات والندبات وانتظار المهدي والضرب على الصدور، وكأن المطمح الوحيد الذي كان يسعى الشعب العراقي الى تحقيقه هو حرية اللطم والانتظار واضطهاد النساء.

والملاحظ على هذا التكتل انه مستعد على تغيير خطابه السياسي بصورة متكررة وحسب الظروف. فاليوم مثلا يصرح منتصر الامارة الذي كان في قائمة الائتلاف، انه لا يكتفي بالمصالحة الوطنية بل يطالب بعفو عام لجميع من لم تتلطخ اياديهم بدماء العراقيين. ويستمر في الحديث في التنظير ليقول اننا والمقاومون نشترك بهدف واحد، اخراج القوات المحتلة، نحن بالطرق السلمية، لكن ان لم تخرج فسيكون لكل حادث حديث..اي لا تسيئوا الظن بنا فنحن معكم اجلا ام عاجلا. ملاقة واضحة لا غير.

وبسبب تناقضات وتغييرات الخطاب السياسي الاسلامي الشيعي، لم يُعد يُعرف، هل ان القوات الاجنبية هي قوات احتلال ام قوات من اجل فرض الامن ومساعدة العراقيين للقضاء على الارهابيين وبناء اجهزتهم الامنية.!

فان كانوا يعتبروها قوات محتلة للبلاد فلماذا يسمحون للسفير الامريكي الحضور في كافة الفعاليات السياسية.؟

ولماذا تطلب الحكومة العراقية من الامم المتحدة ومجلس الامن تمديد بقاء القوات المتعددة الجنسية لحين استتباب الامن.؟

ولماذا يجلس اغلب اعضاء الحكومة في المنطقة الخضراء بحماية القوات الامريكية.؟ وهل يتعقدون ان هذه القوات المجهزة باحدث الاسلحة هي رهن اشارتهم، يقولون لها غادري فتغادر وامكثي فتمكث.؟

واذا كانت لمساعدة العراقيين في القضاء على الارهاب فلماذا هذا النفاق السياسي المستمر على الصعيد الاعلامي والخطابي بانعاتها بقوات احتلال والتثقيف ضدها وتحميلها وزر التدهور الامني في كل مكان.؟

هناك عشرات اسئلة الدهشة والحيرة تثيرها مواقف هذه الاحزاب الاسلامية شعية او سنية تشير الى انفصام الشخصية او النفاق السياسي الذي اصبح الميزة الرئيسة للاحزاب الاسلامية.

ورغم كل هذه المحن والكوارث التي تمر بها الناس من قتل وجوع وعري وارهاب وخوف واضطهاد ويأس من المستقبل بشكل لا يختلف كثيرا عن ما سبق. فان هناك من ينهب ويسرق ويهرب ويعقد الصفقات ويزداد غنى ويُوعد بمنصب او بشركة تجارية غالبا ما تكون وهمية..

حكومة الوحدة الوطنية هي اتفاق على انهاء مرحلة معينة على ضوء خطة سياسية واقتصادية وامنية متكاملة. ولا يمكن انجازها الا بالثقة المتبادلة. لكن وكما نرى ان الثقة لا توجد حتى داخل التكتلات من الصنف الواحد. وان انتفى الاساس الذي تبنى عليه حكومة الوحدة الوطنية، فلا يوجد غير اساس طائفي توزع الحصص على ضوءه في اطار صفقات تجارية لا تخضع لمتطلبات المرحلة ولا لمصلحة الوطن.