| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الأحد 26/8/ 2007

 

 


التيارات الصدرية الناشزة


مالوم ابو رغيف

المذهب الشيعي قائم على اساس الولاء لعلي بن ابي طالب وآل بيته، ليس ولاءا قوميا ولا مذهبيا بقدر ما هو ولاء للحق، ولاء منطلق ومبني على قاعدة نظرية رائعة اسسها الامام علي بقوله العظيم اعرفوا الحق تعرفون اهله. كما ان ارتباط شيعة العراق بعلي بن ابي طالب هو ارتباط فطري غير مصطنع، ولاء وافق هواهم وميولهم الثورية، فعلي والحسين هما رمزان للثورة ضد الظلم والنضال من اجل حقوق الفقراء. الشيعة العراقيون على اختلاف قومياتهم ومنحدراتهم الاجتماعية ليسوا نتاج فرد او مجموعة دينية من آيات وحجج اسلام ورجال دين، فهؤلاء كانوا دائما من الطبقة المسيطرة، من الطبقة التي تحضي بالثريد بينما الشعب يعاني قساوة الخبز اليابس، التشيع لعلي كان وما زال فطرة الانسان العراقي على الثورة وتقديس الثوار ولا يهم انتمائهم الديني او القومي، فالشهيد فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراق لم يكن مسلما ولا شيعيا لكنه كان ثائرا مناضلا من اجل حقوق العمال والفلاحيين لذلك خُلد في الذاكرة الشعبية العراقية.

لذلك ومن هذا المنطلق لم يكن لرجل دين مهما علا مقامه وكثرت القابه وبزغ نجمه وكانت له مكانة مميزة، لم يكن له دور في تكوين وجدانية الشيعي العراقي، ولم يؤثر احد، لا بنظرية ولا بكتاب ولا بموقف بتغيير حالة الشيعي العراقي الفكرية والوجدانية، فتكون اكثر صلابة او اكثر صقلا، فالشيعي العراقي دائم الولاء للامام علي بن ابي طالب والامام الحسين ومحبتهم العاطفية اصبحت جزء من تكوين الشيعي العراقي الوجداني والعقلاني والعاطفي حتى وان كان علمانيا او ملحدا.

لذلك فإن العوائل الشيعية الدينية المعروفة عند الشيعة العراقيين لم ينظر اليها نظرة احترامية خاصة ولم ترسم حولها هالة من التقديس والتبجيل ولم تكن هناك سلالات تتوارث القداسة، فلم يوجد في ذاكرة الشيعي الوجدانية اشجع واعلم واقدس وارحم وابجل من الائمة، لذلك كل الاسماء مهما كان كبرها تنسى وتندثر حين تموت وتتضاءل بالمقارنة مع آل البيت.

السيد محمد باقر الصدر كأي رجل دين شيعي له جهده الخاص في الشأن الديني وليس في الشأن الاجتماعي، في الشأن النظري الديني وليس في الفلسفة ولا في الاقتصاد، وان كانت له كتب في هذا المجال الا انها لم تكن كتب اصلية ابداعية، بل هي مثل ردود على نظريات فلسفية واقتصادية ومعارضتها بأراء اسلامية لم يثبت لا التطبيق ولا الزمن صحتها انما حمل تفنيدها وخطلها. وعلى العموم، السيد الشهيد محمد باقر الصدر لم يكتسب هذه المكانة الكبيرة في ذهنية الشيعة العراقيين لكتبه ولا لارائه الدينية، ففي الدين ليس من جديد الا الخروج عن جادته، فلم يترك رجال الدين الاولون شيئا الا واشبعوه بحثا وقولا وتنظيرا من حيض النساء الى ختان الاولاد الى زواج المتعة، السيد كانت له هذه المكانة بسبب الطريقة البشعة التي قُتل بها وبسبب موقفه الصلب من النظام السابق وعدم الخضوع له او اعطائه تبريرا بشن الحرب على ايران والتفريط بأرواح الاف الناس من العراقيين الابرياء.

اما الصدر الثاني، ابو مقتدى، وان تم اغتياله هو واولاده على يد النظام السابق، الا ان سيرة حياته الاولى تشير الى تعاونه التام مع الحكومة الصدامية البعثية ، والعمل وفق نظرياتها الطائفية بالانتقاص من رجال الدين الشيعة العراقيين الذي وضع السيد صادق الصدر نفسه معهم في منافسة للاستحواذ على المنصب وقيادة المرجعية المجبرة على الصمت و الاقامة الجبرية. لقد نشط صادق الصدر نشاطا ملحوظا في زمن الحملة الايمانية فأدخل صلاة الجمعة المرفوضة عند الشيعة لانها لا تقام الا برضى الامام عن الحاكم وتعتبر بنفس الوقت تزكية للحاكم ان هي اقيمت، وحارب الفن وشن هجوما غير مسبوق على الغجر واتاحت له السلطات حرية الحركة وسط الفلاحين والمناطق الفقيرة وبنت له جامعة الكوفة ودست الكثير من وكلاء الامن بين صفوف طلابه او حلقاته الدراسية. لقد عمل الصدر الثاني كل ما في وسعه لسحب البساط من تحت اقدام المرجعية النجفية ووصمها بالصمت اما مرجعيته الجديدة فوصفها بالمرجعية الناطقة، التي لم نسمعها تنطق معترضة على الحكومة ولا فاضحة لجرائم النظام ولا محتجة على المقابر الجماعية التي كانت ليس بذلك البعد عن قدمي محمد صادق الصدر، فكيف لا يعرف السيد صادق الصدر مكان المقابر الجماعية على عددها الكبير وهو المتنقل الدائم الحركة الذي يتمتع بشعبية واسعة مع ان كل الشيعة بما فيهم الخائفون يعرفون اين دفن احبائهم واقربائهم!!

لم تنطق مرجعية الصدر الثاني سوى بما يسمح به النظام لها النطق به، هو استعدادها التام لمحاربة امريكا واسرائيل. لكن السيد صادق الصدر امتاز بشي اخر كان ومازال مهملا من قبل المرجعية النجفية ومن قبل احزاب الاسلام السياسي الشيعي، هو ان السيد صادق الصدر ارتبط ببسطاء وفقراء الناس وجعلهم يستمعون له ويستمع لهم، لكنه ومثل اي رجل دين، لم يكن يبحث عن حل لمشاكلهم ولا لمآسيهم ولا لشكاويهم ومظالمهم، بل كان يجير كل هذه الوشائج لمصلحة مرجعيته الجديدة وللاجهاز على المرجعية الصامتة كما وصفها هو بنفسه، كما ان حله الوحيد الذي قدمه لكل مشاكل الشيعة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وللاضطهاد الطائفي المسلط عليهم هو ظهور المهدي المنتظر، لكننا نعرف الان كيف فعل جيش المهدي بالناس.

ما كان كل هذا الحديث لو لم تنشأ حركات كل منها يدعّي انه التيار الصدري او وكيل للصدر، لو لم يخيم ضباب الادعاء على مرايا الحقيقة فيحجب رؤية الوجه الحقيقي للمسألة، بأن هذا التيار لولا شهادة السيد باقر الصدر لم يكن له شأنا على الاطلاق.

تيار الصدر ، اي موقف هو المقصود واي تيار هو المشار اليه، اهو موقف السيد باقر الصدر ام هو موقف صادق الصدر ام مقتدى الصدر، ثلاثة في واحد، مثل الثالوث المقدس الاب والابن والروح القدس.غير اننا نعرف انه لو لم يكن باقر الصدر لما كانت كل هذه الهالة المرسومة حول عائلة الصدر، ولما صودرت كل تضحيات الناس الكبرى التي فاقت في روعتها واستبسالها كل الشهداء القديسين الذين نعرفهم في القرن العشرين. ولما تحدث البعض عن فداحة خسارته وتعداد قتلاه ونسيان قتلى اولاد الملحة، وكأن الذين يموتون من افراد الشعب ليسوا بذوي قيمة وليسوا هم من بدأ التضحية وغامر بكل شئ وقتل في ساحات الوغى مقاتلا وليس مقادا.

لقد تشعبت المسألة بعد ان وصل الامر الى مرحلة التقديس، اصبح لدينا عائلة مقدسة هي عائلة الصدر او ربما عشيرة الصدر، اصبح لقب الصدر مثل لقب التكريتي يفتح كل الابواب الموصدة، فهم مصونون غير مسؤولون، من يجرأ على انتقادهم او يقل لاحد منهم ان على عينك حاجب.؟ من ينتقد باقر الصدر فهو كافر وملحد وزنديق، من يجرأ على ليس فقط رفع وابعاد صورة الصدر الثاني ، فهذا مقتول الساعة الساعة العجل العجل، لكن من يجرأ ان لا يعلق صورته.؟

هذه القدسية المفروضة بقوة السلاح، هذه القدسية المصطنعة المفروضة على الناس بالغصب تتشابه وهمجية الانظمة القمعية، هي لا تختلف عنها، لا من حيث المظهر ولا من حيث الجوهر، بل تزيد عليها ، فإن كانت الناس تتعاطف مع المقتولين على يد الدكتاتور وتنزلهم الجنات وتصفهم بالشهداء، فإنها في هذه الحالة، حالة اذا تم قتلهم على يد الاحزاب المقدسة ، فإن الناس ستكون مطمئنة بأن القتلى سيكون مثواهم النار وانهم عاصون لله ورسوله ولاؤلي الامر، لذلك ان تمكنت هذه القداسة من الحكم ومن السلطة، فإنها ستكون اكثر وحشية واكثر دموية من اعتى الدكتاتوريين، ودون اي خوف اكان من الله او من القانون، ولهذا ورغم العدد الكبير للمجازر الاسلامية التاريخية لم تنتقدها كتب الاولين ولم تشر اليها الا كأنتصارات وفتوحات منذ حروب الردة ولحد الان.

والحقيقة وكما اوضحت الاحداث ان التيار الصدري هو التيار الانتهازي في العملية السياسية وفي التفكير والاسلوب والتنظير الديني، ولانه كذلك انقسم هذا التيار وانشطر على نفسه فأصبح تيارات متعددة لا يرتبط بعضها بالبعض الاخر سوى بإدعاء احقية تمثيل صادق الصدر، اما السيد باقر الصدر فقد نسوه ولا يستخدم اسمه الا لايهام الناس بأنهم منه او لتعليق بعض صوره لمعرفتهم بأنه يحتل مكانة مميزة لدى المواطن الشيعي. التيار الصدري استبدل مكانة السيد باقر الصدر من حالة التبجيل الى حالة الدعاية الاعلانية الصورية لايهام الناس ان تشابه الاسماء والالقاب تعني ايضا تماثل التفكير والفهم والمكانة.

من طبع التيارات الانتهازية الانشطارـ والتكتل ومحاولة الاستحواذ على مجموعة التابعين، فلو درسنا التيارات الشيعية بشكل عام لما وجدنا اختلافات تنظيرية كبيرة ولا نظريات فلسفية معقدة تميز رجل الدين هذا عن ذاك، انما ميول وعواطف تتركز على الشخصية وليس على نوع التثقيف كما ان التطور الذي حصل في الدين الاسلامي من حيث النظريات الكهنوتية هو بسبب حالة الاختلاف بين السنة والشيعة او بين المذاهب المختلفة.

ولم يظهر لنا تزعم صادق الصدر للمرجعيه الناطقة اي خلاف فلسفي او نظري او تأملي مع المرجعية الصامته، فلو حصل ذلك، لكان النقاش الديني النظري او التأملي والغيبي والفنتازي على كل لسان ولامتلات الصحف والكتب به ولجهد كل كتاب الانترنت الاسلاميين على الادلاء بدلوهم في هذا المضمار ولما تركوا ايمانهم واسلامهم ولجؤوا الى الكتابات السياسية التي لا تعبر عن روح الدين ولا عن تصوراتهم الغيبية.

مقتدى الصدر ادخل نظرية وراثة المكانة القدسية، وكأنه يرث مسبحة او سجادة صلاة وليس مكانة دينية من المفروض ان والده قد وصلها بجهد وتعب وآناة وطول دراسة وتبحر بالعلوم، الا اذا كان مقتدى الصدر يعتقد بأن الوالد ليس مؤهلا ولا ملائما للمكانة الدينية التي كان يحتلها، وان الامر لا يتطب سوى لبس كفن وعمامة وقراءة بعض الايات القرانية واحتكار المهدي. وانتقلت العدوى من مقتدى الى اخرين منهم وراثة عمار الحكيم لولاية والده السيد عبد العزيز الحكيم دون ان تكون انتخابات او يكون للعمر دورا وللتجربة مقياسا، ولو اكتفى بالوراثة الدينية لهان الامر لكنه تطاول اكثر من ان تسمح له الوراثة بذلك فأخذ يستقبل السفراء والوزراء وكإنه رئيس دولة او رئيس حكومة وكإنه ورث العراق.

طلاب واتباع صادق الصدر لم يرضهم ذلك، لم يرضهم وراثة مقتدى لمكانة ابيه الدينية، لذلك اعلن كل واحد منهم انه الوصي الموعود وان ما قاله مقتدى ليس الا تشويه للحقيقة، فمقتدى لا يليق ولا يصلح وليس له من العلم والفهم الاسلامي والسياسي شيئا، وهو يبدو وكأنه يود هدم البيت على رأسه ويطلب من الاخرين ليس انقاذه بل بالدخول معه الى البيت لينهار وليلقى الجميع حتفه غير مأسوف عليه.

ولو نظرنا الى مدعين وراثة الصدر لرأينا ان كل واحد منهم يمتاز بمثلبة وليس بحسنة، فأحدهم واسمه الحسني ادعى انه وكيل المهدي وانه قابله وناسبه وشرب الشاي معه، واوعز له بإبلاغ الناس بالبشارة واخر يسمى اليعقوبي الذي اسس حزبا للفضيلة التي لا يراها الا عبر وزارة النفط، وهناك الكتلة السياسية البرلمانية التي تختلف حتى مع مقتدى الصدر نفسه بأطروحاته الصبيانية او بأطروحاته الدينية ومنها تحريمه كرة القدم، وعندما فاز الفريق العراقي على السعودية كان اول المهنئين هو بهاء الاعرجي بالضد من الفتوى الفنتازية لعالمه الكبير مقتدى الصدر بتحريم الطوبة.

وما يسمى التيار الصدري بخطه السياسي والعسكري، يختلف بإختلاف المحافظات وبإختلاف المناطق وبإختلاف التبعية، فجيش المهدي في البصرة غيره في بغداد وفي مدينة الثورة غيره في مدينة الشعلة او البياع.

ولعل ظهور احد المقربين من مقتدى الصدر واعلانه بأن مقتدى الصدر قد يسحب ثقته من البرلمانيين الصدريين ان هم لم ينسحبوا، وان العملية السياسية فاشلة والمهمة الاساسية هي التصدي للاحتلال، ثم اتهام الكتلة الصدرية البرلمانية لهذا الناطق بتهمة من النوع الثقيل بإعتباره بعثيا اجتثته هيئة اجتثاث البعث، كل هذا يوضح الخلل والخطل والخربطة والمزعطة السياسية التي يمر بها العراق. فهؤلاء الذي لا يعرفون لاي كتلة ينتمون ولا لأي حزب وما هي اهدافهم وما هي برامجهم ومن هو زعيمهم الذي يقودهم، ومن الذي معهم ومن الذي ليس معهم هؤلاء هم الذين يقودون البلد ويوهمونا انهم يقودوه الى شاطئ السلامة.

اذا زاد ربانو السفينة فستغرق، وفي العراق زاد الربانون وكثرت اختلافاتهم وتعددت ارائهم ولم يتفقوا حتى على انقاذها من الغرق ولا على اي شاطئ للسلامة وها هو الشعب العراقي كالسفينة التي تتقاذفها وتتلاطمها الامواج العاتية بينما الربانون مختلفون على روابتهم وامتيازاتهم وهم لا يعرفون ان غرق العراق فسيغرق الجميع .