| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الأربعاء 24/1/ 2007

 

 

ليس هذا ما اراده العراقيون

 

مالوم ابو رغيف

الدكتاتوريات تسلب الفرح والبهجة، تسلب المتعة والسرورـ لكنها تضمن للجميع الحزن والتجهم، حرية الحزن لا يصونها قانون ولا يمنعها قانون، تصبح شئ طبيعي تفرزها الانظمة الشمولية، قد يكون الحزن طقوسي ديني، وقد يكون الحزن لسبب شخصي، لنقص في المعيشة، لفراق احباب، اقارب او اصدقاء، دائم، ازلي او على امل الرجوع، ولو ان في عراق البعث لم يكن يزرع الامل، وان زرع فلن تخضر له اوراق، فأوراقه تخرج يابسة ميتة على اغصانها: الحزن هو القاعدة والفرح هو الاستثناء النادر الحدوث في عراق صدام.

ومع هذا فان تطلعات الشعوب لا تموت وان كثرت احزانها، و قلوب الشعوب تهفو الى الافضل، الى الاكمل ، تعمل للوصول الى تغيير واقعها المزري، المحزن الكئيب، ويصبح من المستحيل عليها السكوت على واقعها المرير، ستهب، ستثور، تتحين الفرض للانقاض على الطغاة، ربما تخسر كما حدث في العراق حيث قدم الشعب ضحايا كبيرة هائلة على درب الحرية للوصول الى ما وصلت اليه الشعوب الاخرى، وقد ينجح كما نجحت شعوب فبنت حضارة واسست لرقي وبناء وعمران.

العراقيون على مختلف طوائفهم وانتماءاتهم الحزبية والايدلوجية والقومية والدينية لم يأملوا ان يكون لهم نظاما دينيا مظلما كنظام ملالي ايران، او نظاما اسلاميا وهابيا متخلفا مغرقا في الرجعية والجهل كالنظام السعودي، لم يصابوا بحنين الى ماضي اسلامي ولا الى ماضي ملوكي، لم يتمنوا تغيير النظام ليصوموا ويصلوا ويحجوا ويزكوا ويخمسوا ويلطموا ويجلدوا انفسهم ويحجبوا نساؤهم ويطيلوا لحاياهم ويكثروا عدد محابسهم ومسابحهم، فكل هذه الامور هي من علائم الحزن السرمدي المكفول في جوهر الدكاتاتورية ونظامها الشمولي.

لم ينظروا الى مكة ويحسدوا سكانها لانهم يملكون الحجر الاسود، ولا الى المدينة ليجاوروا قبر النبي محمد، لم ينظروا الى نقاب السعوديات ولا الى جادر الايرانيات ليتمنوا ان تكون نساؤهم مثلهن، ولا الى سيف الجلاد السعودي كيف يحز الرقبة على الطريقة الاسلامية، ولا الى السوط الايراني كيف يدمي ظهر من تجرأ على التدخين في رمضان، ولا الى حجارة الرماة وهم يرجمون امرأة بلا رحمة لانها اتهمت في الزنى في اليمن التعيس. كانو يريدون التخلص من السيف وحَدهِ السوط وجَلدهِ من الحجر وصلده، من الاوامر التي تفرض ولا تعطي مساحة للنقاش ولا للاعتراض. اي اوامر حتى لو كانت من ظل الله على الارض.

لقد تطلع الشعب العراقي الى الحرية الى الخلاص الى الديمقراطي الى المساواة الى انصاف الانسان، اي انسان، الى معاقبة قاتله وسارقه والمضّيق على حرياته والقامع لمواهبه وهواياته. كان الشعب في حنين دائم الى دول ليس لها ما يربطها بأي تجربة دينية ولا اسلامية، كانوا يتمنون ان يصبحوا مثل الدول المتحضرة المتقدمة في العمران والبناء والقانون المدني والحكم العلماني والقدرة على محاسبة الجميع ان اخطأوا وزّلوا او سرقوا واختلسوا، لم يكن يريدون نظام الامتيازات ولا الترفعات الدينية ولم يصدقوا ان الله قدّر الارزاق فجعل الفقراء فقراء والاغنياء فواحش في المال وفي القول والتصرف.

ربما نظر العراقيون الى هولندا او بلجيكا او الدنمارك او السويد وتمنوا ان يكونوا مثلهم في حريتهم وفي سعادتهم وفي احترام القانون لهم، ان يكون رجل الدين محترم على بعد من السياسة، ان يذهب اليه الناس ان رغبوا ولا يفرض نفسه بالاجبار ان رفضوا.

فهل ما نراه الان هو ما تمناه العراقيون.؟

هل تمنوا ان يبشر احد بظهور الامام المهدي وهم قد انتصروا على الدكتاتورية من دون مساعدة قوة خفية لهم.؟

هل تمنوا ان يروا رجال الدين في الطالعة والنازلة، في الجامعات وفي المساجد وفي البرامج التلفزيونية والاذاعية، في البرلمانات وفي الوزارات وفي المحاضرات.. ام كانوا يتمنون ان تكون بلادهم قبلة الفن والشعر والابداع والفني والمعماري حيث تنعقد المؤترات العلمية والطبية والادبية والفسلفية؟

هل تمنوا ان يروا قطعان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر السنية والشيعية تفرض عليهم دكتاتوريتها واساليبها القمعية وتتقمص دور الانبياء والقديسين. ام كانوا يموتون من اجل ان لا يشموا اي ريح نتنة لرجل امن او استخبارات او مخابرات او بوليس جلف ؟

هل تمنوا ان تبنى الجوامع وتهمل المدارس، ان تتحول الجامعات الى اوكار للاحزاب الاسلامية السنية والشيعية، ان يُستبدل المدرسون الذين كانوا يهتفون للقائد ويحفظون نظريات القائد بآخرين يهتفون للحزب الفلاني والحزب العلاني وللشيخ فلان وولاية الله علان.؟

لا اعتقد ان الاحزاب الاسلامية التي تقود العملية السياسية في الوقت الحاضر لا تعرف هذا، ولا تجهل ايضا تلك التي تعارضها من مسلمين يبررون القتل و يشرعّونه وفق نظرية اسلامية ووفق آيات قرانية لا يستطيع اي رجل دين سني او شيعي ان يختلف على تفسيرها بل على وقت تطبيقها، اي عندما تحين الفرصة المؤاتية والسيطرة التامة على الناس ثم فرض حكم الشريعة، فلا يحق لاحد الجدال بأمر الله، اقول ان من يقود العملية السياسية الان يعرفون تماما ان الشعب العراقي لم يكن يتطلع الى ما يحاولون فرضه والتأسيس له، يعرفون ان الشعب العراقي، سكان ريف او مدينة هم علمانيون بالفطرة، حتى الله ان لم يسمع دعواهم ولم يروا مساعدته قد يهجرونه، فكيف برجال الاحزاب السياسية الاسلامية الذين جذبتهم ترافة القصور فهجروا خشونة سجادة الصلاة وتركوا الناس يموتون في اللوعة والخيبة مرة اخرى؟؟!!.

نعم لم يرد الشعب العراقي ما يراه الان ولم يتطلع له في يوم من الايام ولم يشغل تفكيره ولا لبرهة واحدة، بل ما من شعب في العالم يتطلع الى حكم ديني، فلقد سقطت وانقرضت وولت فترات الحكم بأسم السماء.