| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

السبت 22/12/ 2007



اعداد البهائم واعداد المستشارين الحكوميين

مالوم ابو رغيف

اراد السلطان العثماني معرفة اعداد الباشوات والبيكوات الذين شملهم بعطفه ورحمته ومنحهم القابا ومراتبا في لحظات هناءه وصفاءه وانشراح صدره. المهمة ليست بالسهلة، فكيف سيتم التمييز بين الباشوات والبيكوات وكيف سيتم معرفة اعدادهم الغفيرة!!

لا شيئ مستحيل وكل مشكلة لها حل كما يقول المثل. اقترح احد الجهابذة المقربين من السلطان ان يتميز البشاوات بإمتطاء الخيول ، بينما يفرز البيكات بركوب البغال، وسيكون عدد هذه الحيوانات هو عدد المحظوظين بالحصول على الالقاب السلطانية. ويتم العرض في اكبر ميادين العاصمة مساحة وتنظيما وهي مناسبة ايضا لاظهار ولاء الباشوات والبيكوات للسلطان والهتاف له بالروح بالدم نفديك يا سلطان.

وفي اليوم الموعود جلس السلطان على كرسيه المذهب، مدهون مصبوغ الشارب، تتدلى على صدره الخشاخيش والخراخيش الذي علقها لحسن منظرها وليس لهدف اخر، وجلس حوله الافندية والحبربشية وكبار رجال الدين الذين لم ينقطعوا يحمدون الله لانه اتم عليهم نعمته ورزقهم بمولاهم السلطان الضرورة، رمز وفخر الامة الاسلامية بأتراكها وعربانها.

وحين عزفت الموسيقى الحماسية تقدم الباشوات وهم يمتطون الخيول المطهمة المزوقة، ويرفعون ويلوحون بالرايات السلطانية، ويصرخون الى حد تلف الحناجر وانقطاع الاحبال الصوتية بحب السلطان وجلالة قدره وحبه وطاعته وانهم عبيد له طالما سكنت ارواحهم بأجسادهم.

وبعد انتهاء قافلة الخيول وقطيع الباشوات اتى البيكاوات وهم يركبون البغال القوية الشكيمة والعزيمة، المزينة بكل الوان اعلام الدولة السلطانية، والمزخرفة بالآيات والادعية التي تتوسل الى الله ان يحفظ لهم السلطان ويديم نعمته عليهم لهذه النعمة الكبرى التي حظوا بها بأن جعلهم يعيشون بعصر السلطان الذهبي. احساسهم اوحى لهم ان البغل اعلى مقاما من الاسد، فالاسد لا يحمل بيك على ظهره.

انتهت مسيرة البغال - البيكوات بتسلسل وصل الى الالاف، فتصور السلطان ان الاعداد قد انتهت واذا به يتفاجأ بنهيق وزعيق غلب على اصوات موسيقى القرب المرافقة للمسيرة الحيوانية الحكومية المشتركة، واذا بمظاهرة موحدة من الحمير والبيكوات يعلنون خضوعهم التام، الشامل والكامل الى كل القوانين التي شرّعها السلطان، استفسر السلطان مستغربا عن رؤية الحمير في المسيرة السلطانية.

اجابه الحاجب الكبير بأن اعداد البغال لم تكف لكل البيكوات لذا لم يجدوا بدا من الاستعانة بالحمير واكمال الامر الخطير.

اثنى السلطان على مفهومية الحاجب واشاد بعلمه وفهمه وقال انه لا يفرق بين الحيوانات ولا بين البيكوات فكلهم بهائم الله.

لكن السلطان علا صوت شخيره ونخيره وامتقع وجهه تعجبا واستغرابا بعد ان مر اخر حمار او اخر بيك، اذ ما هي الا لحيظات من الوقت حتى علت غبرة متعاضمة وجلبة صاخبة، تفوقت بوقعها وضوضائها على وقع حوافر الخيول والبغال والحمير مجتمعة، عياط وصراخ لبيكوات مشاة يلهجون بالدعاء والولاء الابدي للسلطان فهم من غير السلطان ثكالى وولايا لا عائل لهم ولا معين ولا حظ لهم ولا نصيب.

من هؤلاء ؟؟ سأل السلطان في دهشة سلطانية اخذته على غفلة مثل ما تأخذ نوبة الصرع مريضها.

اجاب الحاجب الاكبر

يا سيدي ومولاي لقد اكتشفنا ان اعداد البيكوات هي اكثر من الحمير الموجودة في عموم السلطنة، فما كان منا، بتوفيق من الله جل جلاله والهام من لدن معاليكم الا تعليق الارقام على رقاب خدامكم البيكوات ونأتي بهم مشيا على الاقدام في هذا الاستعراض العام..

حضرتني هذه الحكاية التي رواها الكاتب التركي الرائع عزيز ينسين وانا بين آونة واخرى اقرأ او اسمع بأن فلان او علان مستشار لهذا او ذاك في الدولة العراقية. اعداد هائلة من المستشارين الحكوميين. بالطبع من غير مجلس شورى الدولة، الذي لا نعرف ما هي مهمته على وجه التحديد، فالرئيس الطلباني له مستشارين لا يعرف اعدادهم ولا مواقع تواجدهم ولا مقدار روابتهم ، وللمالكي مستشارين معممين وافندية يعيشون في العراق او في خارج العراق، هو الاخر لا يعرف لا اعدادهم ولا شهاداتهم ولا مخصصاتهم بل لم يستشرهم يوما..ربما!!

لا يتوقف الامر عند هذا الحد، اذ ان هذه الاعداد الكبيرة المجهولة الهوية المجهولة الرواتب والسكن والمخصصات، اي مستشاري الريس الطلباني ومستشاري نوابه ومستشاري المالكي ومستشاري نوابه، ومستشاري المشهداني ومستشاري نوابه، لهذه السلسلة الطويلة من المستشارين مستشارون ايضا يعينونهم ويخصصون لهم رواتب مغرية ويمنحونهم السكن والعلاوات والحمايات والمخصصات، ويفتحون لهم مكاتب ودوائر على الارض او على الخريطة.

لكل نائب برلماني مكتب خاص به، وله وكيل وعدد من المستشارين ومن الموظفين. لكل محافظ وكلاء ومستشارين ومستشارين للمستشارين. لكل وزير وكلاء ومستشارين ومستشارين للمستشارين الخ .

هذه التسونامي من المستشارين المحسوبين على الدولة العراقية الذين ينطبق عليهم المثل العراقي (اسمك بالحصاد ومنجلك مكسور)، لو اردنا معرفة اعدادهم متبعين النظام الذي اتبعه السلطان العثماني لما كفيت لا خيول ولا حمير ولا كديش ولا جحوش ولا بغال ولا تيوس، ولزاد عدد المستشارين على اعداد كل هذه البهائم مجتمعة.

كل المستشارين يملكون شهادات دكتوراه وماجستير وبروفيسور. طبعا طبعا ...وهذه الشهادات مثلهم مجهولة المصدر مجهولة الهوية مجهولة السكن.... طبعا طبعا  .


 


 

Counters