| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الثلاثاء 19 /12/ 2006

 

 

قل مع من تنوي التصالح اقل لك من انت

 

مالوم ابو رغيف

كما كان متوقعا والذي لا يمكن توقع غيره، لم تفض جميع مؤتمرات المصالحة الى شئ ملموس. ليس الخطأ بالمصالحة نفسها بل الخطأ بإختيار الخصم الذي يجب التصالح معه. فمن الصعب تصور البعثيين خصما مؤهلا للتصالح والحوار وهم الذين يمارسون حوارهم من خلال وسائل القتل والتعذيب، لغتهم  الوحيدة للتخاطب والحوار، ولا يمكن تصور القطعان الاسلامية السلفية او تلك المدفوعة بالحقد الطائفي الاعمى شريكا بالعملية السياسية اذا ما اريد لهذه العملية الاستقرار والنجاح.

لقد اصبحت المصالحة حب من طرف واحد، فالاطراف التي تود الحكومة المصالحة معها تكتب شروطها واعتراضاتها ومطالبها بدم الناس الابرياء المسفوك بالشوارع والازقة والساحات العامة، ومع كل هذا الرفض الدموي للمشروع التصالحي، تصر الحكومة على خطب ود من يرفض ليس التصالح بل حتى وقف سفك الدماء ووقف التحريض الطائفي،  خطب ود يصل حد الرضوخ والسكوت عن هذه القطعان الارهابية  الدموية وتركها تعيث في الارض فسادا وتذبيحا، والسكوت عن كل التحريضات والمؤامرات التي تدعو الى قتل العراقيين جهارا نهارا كما فعل عدنان الدليمي وحارث الضاري في مؤتمر اسطنبول، مما يثير الاستغراب والتساؤل عن سبب  هذا السكوت والمجاملة للارهاب، وعن الجهود الكبيرة التي  تبذل لعقد مساومة مع الارهابيين، وعن اسباب ابعاد العلمانيين واليساريين وعدم توكيلهم بالمهمات و المناصب بينما توزع على من يشك بإخلاصة بل و اشتراكه بأعمال وافعال للحصول على الكثير من المكاسب ولو كان الارتقاء اليها على اشلاء الناس.!!

ومع ان هناك ضغوط مسلطة على السياسيين العراقيين  و انهم غير احرار بإتخاذ قراراتهم  على عكس ما يصرحون به امام الناس او يدّعونه في خطبهم وتصريحاتهم الصحفية، لكن اندفاعهم الاهوج بإتجاه المصالحة مع من لا يود التصالح معهم ويعبر عن رفضه بمزيد من السيارات المفخخة التي يتم تفجيرها في المزدحمات البشرية وفي اسواق المناطق الفقيرة المكتظة بالاطفال والنساء، لا يوجد له الا تفسير واحد، ان هؤلاء السياسيين الذين الفرق بين معيشتهم وبين معيشة الشعب هو كالفرق بين النعيم والجحيم، يودون البقاء في السلطة والاحتفاظ بمناصبهم حتى بعقد صفقة مع الشيطان،  ويجدون ان الاتفاق مع هذه القطعان الاسلامية هو افضل من الاتفاق مع الاحزاب العلمانية، وان الحكومة الاسلامية  المشتركة مع السلفيين والوهابيين هي افضل من الحكم بمشاركة العلمانيين.

لذلك كان انعقاد مؤتمر مكة بين رجال الدين الشيعة ورجال الدين السنة، وكذلك محاولة الاندماج بين حزب الدعوة وبين الحزب الاسلامي العراقي، وان كان الاساس النظري الذي يستند عليه الحزبان هو منهج سيد قطب كما يذكر الجعفري دائما، الذي يعمل على اقامة الدولة الاسلامية، الا ان الاتهامات بين الطرفين تثير الغرابة للاتفاق السريع بين من يطلق صفة المقاومة على الارهاب وبين من يجادل في ذلك جدالا يصل الى نفي وجود اي مقاومة.

كما ان الحكومة التي اصدرت مذكرة اعتقال بحق الشيخ حارث الضاري هي نفسها التي وجهت اليه الدعوة لحضور مؤتمر المصالحة، رغم قصر الفترة بين الحدثين و رغم رفضه المتكرر و تصريحاته الطائفية بمؤتمر اسطنبول وقبل مؤتمر اسطنبول، مما يدل على ارتجالية القرارات وسطحيتها وعدم دراستها بعمق.

واللافت للنظر ان محاولات المصالحة تجري في جو من الاحتقان والتنازع الطائفي  وسيول الاتهامات والتخوينات والتعابير العنصرية البغيضة مثل اتهام الشيعة بالصفوية والبويهية، واتهامهم بولائهم لبلدهم، اتهام كبر حتى اصبح علنيا تردده الدول ورؤسائها بدون خجل ولا دبلوماسية مثل ملك الاردن عبد الله وريس مصر مبارك والحكومة السعودية وتدخلها لنصرة طرف واحد من مكونات الشعب وليس من اجل اخماد الفتنة، اتهام يسحب وطنية الكورد والشيعة ويحملهم وحدهم مسؤولية تقسيم العراق واعطائه لقمة سائغة للدول الاجنبية ويمنح الوطنية والحرص على الانسان العراقي الى ما يسمى المقاومة الوطنية وبعض السياسيين من العرب السنة.

فهل يمكن الوصول الى المصالحة دون القضاء على جذور الفتنة ومسببيها.؟ دون تحديد اولياتها.؟ دون القضاء على الارهاب بحيث يستطيع الانسان العراقي ان يعبر عن نفسه بكل ثقة وحرية وليس تحت ارهاصات  الظروف وضغوطات الحاجات والرعب اليومي.؟ هل يمكن تحقيق المصالحة دون ان يكون الشعب امنا قادرا على رفض هذا الحزب او ذاك التصالح مع هذه الفئة او تلك.؟

هل يمكن تحقيق ولو قدر بسيط من المصالحة بينما الامن مفقود والخدمات معطلة والدماء تسفك ليل نهار واللصوص تسرق ملايين الدولارات في وضح النهار ولا تحترم لا الدولة ولا قرارتها وبرلمانها سائب يشغل اعضائه الحج والسفريات وترتيب الاعمال عن الجحيم الذي يعيشه الشعب.؟

لقد قلنا دائما ان من المستحيل تحقيق المصالحة في اطار تفكير سياسي ديني، لان سياسة الدين هي الطائفية بحد ذاتها، والطائفية لا تنتج الا التحارب والخصام.

للمصالحة مقدمات وممهدات اولها ان يكون للشعب ثقة بالحكومة وثقة برجالها وثقة بأحزابها وثقة بأن هناك من يحساب المختلس والمتآمر والارهابي فيها.

نحن الان في مهمة اخرى غير المهمة الغبية التي تطرحها الحكومة بالصلح مع البعث ومع الارهاب ومع قطعان الظلام الدينية، فهؤلاء هم من يعمل على توتير الاوضاع للوصول الى هدفهم المنشود ، المشكلة اصبحت اعمق من هذا نتيجة لرخاوة الحكومة وترددها وجبنها وهزلاتها بالتصدي للارهاب في كل اوجهه، ومهما كانت طائفته، لقد دخلت الاحقاد بيوت الناس واصبحت الهوية الطائفية والهوية القومية والمناطقية والعشائرية هي اساس المواطنة وليس الوطن بأجمعه.. المهمة هي زرع الثقة وروح المواطنة بين الناس وجعلهم يثقون بالحكومة..ولا يمكن ذلك بدون الابتعاد عن اسلمة الدولة وتديين مؤسستها وخاصة الاعلامية منها..

وعلى مايبدو ان الحكومة غير قادرة على ذلك بل غير راغبة بذلك، وان اصرت على الاستمرار بنفس النهج، نهج التراخي مع الارهابيين، واثابة القتلة السابقين واللاحقين وتطمين المفسدين والتغاضي عن التقصير، فإن العراق سوف لن يشهد استقرارا وستسفك المزيد من الدماء البرئية. وستصنع شماعات كثيرة جدا لتعليق الفشل على مساميرها والتنصل من المسؤولية.

وللخروج من المأزق لا بد من تشكيل حكومة علمانية، وطنية مؤقتة تضطلع بإدارة شوؤن العراق وتتعامل بصرامة كاملة مع الارهاب والمحرضين عليه دون اي رحمة او شفقة، فلا يوجد اغلى واثمن من الانسان، حكومة ترفع شعار الحفاظ على  حياة الانسان العراقي واعتبارها مهمة فوق جميع الاعتبارت الدينية والطائفية والمذهبية والقومية.