| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الأحد 17/9/ 2006

 

 

ندفنكم صباحا ومساءأ


مالوم ابو رغيف

جثث في الشوارع في الساحات جثث في المزارع ، ، جثث في الطرقات، جثث في الحفر، جثث في المجاري جثث في المشارح، جثث تلقى مهملة، جثث في صناديق مقفلة، جثث لم تقطع رؤوسها بعد، جثث لهذا اليوم جثث ليوم غد.

جثث مجهولة اسمائها جثث لن تعرف عناوين لها، جثث لها ارقام جثث بلا ارقام ، جثث مرصوفة، جثث مبعثرة، جثث منشطرة، جثث مغدورة جثث منحورة، جثث متفحمة جثث متورمة... جثث مكبلة، جثث منخورة جثث مبتروة.

جثــــــــــــــــــث من جميع الاصناف، جثث لاطفال، جثث لشيوخ، جثث لنساء، جثث في الصباح جثث في المساء, جثث لجميع الاطياف..

الغرابة ان هذه الجثث الملقاة بكسل واهمال كما تلقى اكياس البضائع في زوايا اسواق بغداد الشعبية، لا تثير ضجة ولا استنكار، لا تسارع الحكومة كعادتها الى طباعة بيانات الشجب والادانة الروتينية.. تتحول هذه الجثث الى مجرد خبر هامشي يُذكر في نشرات الانباء، يُكتب بعناوين صغيرة على اوراق الجرائد، وبعدها يُنسى كل شئ ، وكأن امر مخيفا مفزعا لم يحصل، ويبقى القاتل مجهول، ربما يراه الناس وهو في طريقه الى العمل، او الى مقهي المحلة، ربما يناقش بكل حدة عن الوطنية ومصالحتها او عن الاسلام والايمان، كل الاحتمالات واردة اذا تحول القتل الى هواية، الى اسلوب سياسي ، الى ظاهرة يومية، اذا لم يشغل بال الساسة وحديث الحكومة ولا الوزارات الامنية.

امر مفهوم ، لا احد يتحدث عن ما يفضح فشله وخيبته وعدم خبرته، هل سمع احد اي تصريح او وعد بالامان للناس او وعيدا وتهديدا للارهاب من وزير الداخلية والدفاع في المدة الاخيرة.؟

لقد غابوا واختفوا وكدنا ننسى اشكالهم واسمائهم .

الدهشة ان لا تكون دهشة لهذا القتل اليومي بدم بارد، ان لا يبلغ عن حالات خطف ، ان يحرص القتلة على عرض ضحاياهم ، لا يخفونها ولا يدفنونها ولا يُولون حرصا في التخلص من الجثة ومن وسائل الجريمة وعدم ترك اي دليل خلفهم كما يفعل اي مجرم عادي او سادي او مهووس.

الارهابيون في العراق يقتلون الضحايا بكل تؤدة واطمئنان بمكان مجهول، ربما في جامع او في مدرسة لتحفيظ القرآن او مدرسة دينية، في مكتب حزب اسلامي ، في مقهى ، في سرداب ، في بيت في شقة ، ثم يلقونهم في مكان معلوم.. فلا فائدة من القتل والبشاعة ان لم يقصد بها ارعاب وافزاع واهلاع الناس الامنين .. فالذين تحولوا الى جثث من دون اسماء لم يكونوا لخاطفيهم اعداءا ولا خصوما ولا منافسين لكي يتخلصوا منهم ويضمنوا فوزهم في مركز او صفقة تجارية او تهريب او منافسة انتخابية... قتلهم لغاية واحدة فقط هو تحويل العراق الى جحيم مفزع ، وحياة كابوسية وخوف دائم للانسان.

الجثث مختلطة، شيعة وسنة، عرب وكورد، وطوائف اخرى ، من الصعب التفريق بينها، فهي بلا اسماء، انتهت صبغتها الطائفية، فلا توجد جثة بهوية واوراق رسمية، اكثرها بلا رؤوس ولا وجوه ولا ملامح . لكن هناك علامات يمكن الاستدلال منها على المجرم وليس على الضحية، فأن كانت بلا رؤوس مذبوحة من الوريد الى الوريد وهي ما يمثل اغلب الجثث، فهي مذبوحة على الطريقة الاسلامية فالقتلة عندها الوهابيون، السلفيون زمر المقاومة الاسلامية وان بدا عليها اثار التعذيب فهذا اختصاص رجال مخابرات وامن وفدائيي صدام المنتشرين في جيوش مقاتلة الاحتلال وعملاء الاحتلال الطائفية. الجثث من دون رؤوس تتجاهلها هيئة علماء المسلمين ولا تذكرها ولا تشير لها لا من بعيد ولا من قريب، ويصمت عنها مضحكة الارهابيين ومسخرتهم باعترافه هو عدنان الدليمي . اما البقية فهي ردود افعال انتقامية لكن تتحمل التخمين ايضا، فالارهابيون وان كان ديدنهم الذبح ، الا ان ذلك لا يُتبع دائما لنقص الذباحين المسلمين وازدياد عدد الضحايا.

لكن اين الحكومة.؟

انها منشغلة في كيف ان لا تشغل نفسها بشئ.!!!

احدهم قال محاولا تبيان انجازات حكومة المالكي بأن الارهابيين اصبحوا يرمون الجثث ويسارعون بالهرب خوفا من الاجهزة الامنية التي تقف لهم بالمرصاد!!

اخر يقول ان من دلائل تحسن الوضع الامني ان عدد الجثث بدا يتناقص منذ ان جاء المالكي.

بارومتر اخر لقياس تحسن الوضع الامني ليس على الصعيد الشعبي انما على اعلى المستويات ومن فم رئيس الوزراء نفسه، هو ان عدد السيارات المفخخة بدأ يقل في بغداد فمن عشرة سيارات الى اثنين او ثلاثة يوميا وهذا يدل على نجاح الحكومة في السيطرة على الاوضاع المنفلتة!!!! بينما الارهاب اتبع اسلوب اخر هو اسلوب تحويل الناس الى جثث.

للناس الحق في توجيه سؤال من اين لك هذا لمن تظهر عليه علامات النعمة والبطنة والتخمة، من يملك البيوت والاراضي والشركات من يكثر السفر في كل المواسم، من يملك البساتين والعقارات.. لكن ليس من حق ان يُسأل حفار القبور ان اغتنى وملك واثرى ، من اين لك هذا، فتجارة الموت هي الأكثر ازدهارا في العراق...الى درجة ان الدفان لا يجد وقتا للراحة ..ربما سينبري مجموعة من الاسلام السياسي بتأسيس شركة ترفع شعار.... ندفنكم صباحا ومساءأ.