نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الأربعاء 16 /8/ 2006

 

 

السقوط من القمة


مالوم ابو رغيف

قبل حرب الاطاحة بنظام الهمج الصدامي كانت طموحاتنا وامانينا اقل من حجم القهر والاضطهاد والحرمان الذي عانيناه، اقل من حجم القسوة والعذاب الذي كابدناه، اقل من حجم ضحايانا وتهجيرنا وفقدائنا الذين لم يبقى منهم سوى اسماء موشومة على جدران السجون، بحجم السعادة المرسومة بعيون اطفال العالم الا اعين اطفالنا. انسانية كانت طموحتنا واحلامنا، نبيلة كانت اهدافنا، لا تتعدى الحرية والانعتاق، حياة حرة كريمة، مساواة وعدالة بين الناس، لا تسلط ولا استعباد. لا فكر شمولي ولا دكتاتورية ولا همجية، لاقسر ولا قهر، لا اصنام حية ولا قدسية مزيفة مفروضة، لا حجر على الاراء ولا على المعتقدات ولا على الابداع. كنا في قمة جذوتنا واشتعالنا لا نتمنى سوى الخير للناس اجمعين، كنا في قمة احلامنا لا نتعدى عالم الحقيقة الى عالم الخيال، لم نبني قصور على الرمل ولا حقول في الهواء، واقعيين كنا حتى في مقارنتنا، لم نطمح، ولو ان الطموح مشروع، ان نكون اكثر مما يوفر لنا ظرفنا ومحيطنا وقدراتنا، رغم ارضنا الخصب المعطاء، رغم ثرواتنا وحبنا والتصاقنا بارضنا وشعبنا وتاريخنا وفخرنا، رغم اصالة شعرائنا وادبائنا، رغم اننا ارض الثورات والتضحيات على مر العصور.

كانت قمة احلامنا ان نعيش مثل ما هي طباعنا وطبيعتنا وسجايانا واخلاقنا، احرار كرماء. لا نقبل بالذل ولا بالظيم ولا بالظلم ولا بالخنوع ولا بالخضوع ولا بالركوع ولا بالاستعباد.

كنا نعتقد بان شمس الازدهار الانساني ستورق ادبا وفنا وشعرا ومسرحا وغناء، ستجلوا حالة الحزن الابدي الذي خيم على سماواتنا، سنرقص بحرية ونغني بحرية ونتنفس بحرية وناكل بحرية ونلبس بحرية ونتكلم بحرية ونسافر بحرية. حتى الموت سنملك زمامه فلا نموت صرعى للبطش او للمرض او كبدا. ترى هل كنا واهمين.؟

احلام انسانية تجدها عند الجميع، لم نطمع اكثر من هذا ولم نوهم انفسنا بان نحصل اكثر من هذا، رغم اننا قادورن على ان نكون الاحسن والاجدر والابهى والافضل...

ترى ما الذي حدث الذي اطاح باحلامنا فلم نعد نتمنى الا السلامة.؟

كانت الايام الاولى فرح مصحوب بحزن مشروع لا بد منه، ففي لحظات السعادة لا بد من تذكر الاصدقاء والاحباب الذين فارقناهم الى الابد، الذين شاركونا في احلامنا ووهبوا حياتهم من اجل ان يراها غيرهم محققة على ارض الواقع....لكن الحزن استمر، مواكب العزاء استمرت، السواد استمر الظلام استمر، الصدمة وراء الصدمة، الخيبة وراء الخيبة....وانبعث الارهاب، كالطاعون يفتك بالجميع، جابهوه بالادعية والتضرع الى الله..هل يمكن الانتصار على الارهاب بالادعية والتضرع والصلاة.؟

لم يكن سقف تطلعاتنا عاليا لا يمكن الوصول اليه، ولم نكن نريد الوصول الى القمة على سلم الوهم...لكن من اتى، اتى معمما بالحزن ولكآبة، محزما بالبواكي والنواعي، مستهدفا الفرح، خصما له وعدوا لدودا لسعادة الانسان على الارض.

وبدلا عن بلد اشتهر بالفن والشعر والابداع والغناء، اعدوا برامجا وخططا ليحولوه الى بلد الاحزان والبكاء. هل كان في تصور احد ذلك، ان ننتهي من حزن لندخل حزن اخر وعلى مر فصول السنة.؟ بل على مدار الساعة.!

هل مر على اذهاننا بان الشعر سيفرغ من جميع اغراضه ليتحول الى مدائح نبوية و قصائد دينية وردات حسينية فقط.؟ هل تصورنا ان الغناء سينتهي ويهرب المغنون ليحل بدلهم رواديد، يسرقون اعمال الملحنين والفنانين ليحولوها الى لطميات تصور بفديوكليب( يا سلام على الابداع الفني الايماني).؟ حتى افلام الكارتون تحولت الى قصص دينية.

هل كنا نعتقد باننا سوف لن نرى المرأة الا وهي باكية نائحة صائحة ـ مشقوق زيقها، او يلفها السواد من كعبها حتى راسها.؟

لقد حولوا المرأة الى عورة، الى نكرة، انقصوها حتى نصف العقل الذي يصفونها به، سلبوها انسانيتها وفكرها ونضالها وجهدها، عوضوا صبرها حبسا في البيت وكبلوها في حجاب ونقاب سعودي ليثبتوا انهم مثلهم في التخلف.

لا يمكن الانتصار على الارهاب في اجواء الحزن والتشكي الموروث منذ مئات السنين. لايمكن الانتصار على الارهاب في روزخونيات المعممين، وخطب الجمعة المتناقضة حتى مع الهيكل الديني نفسه لا يمكن الانتصار على الارهاب بدون تحدي وتصدي وليس تضرع وتملق ورشوة بوظيفة او منصب او اموال رايناها من خلال شاشات التلفاز تعطى بظروف مغلقة. لا يمكن الانتصار على الارهاب ونصف المجتمع محكوم عليه بالحجاب.

ها نحن نرى امانينا واحلامنا وتطلعاتنا وطموحاتنا تقتل واحدة بعد الاخرى، تطعن واحدة بعد الاخرى،، تتساقط من قمم امالنا الى حضيض وعود احزاب الاسلام السياسي.وتداس يوميا تحت اقدام الارهابيين ، الذين يمتهنون القتل او الذين يهوون الظلام.